اقتادوه إلى محكمة في سيارة سوداء لمحاكمة شكلية، الجمهور أمام المحكمة ينهال عليه بسهامه من كل جانب: مجرم،حقير،سافل،بئيس..ستنال الجزاء.المشنقة ،المقصلة..
أدخلوه بعنف،وقف الجميع بحزم،البرتوكول،عم صمت جنائزي القاعة.
الحضور مقسم إلى قسمين:الرجال على اليمين،النساء على اليسار،جلس قضاة بملابسهم الخضراء المتدلية على أكتافهم،بنياشينهم وأوسمتهم الوهمية.يمثلون القيم والتقاليد والعادات..الشرطة تطوق المكان..
اختار أن يدافع عن نفسه لأنه يعلم أن المقصلة تنتظرنه،لم يرغب أي محام في الدفاع عنه.فهذه الجريمة أفزعتهم،قد تؤدي بحياتهم كذلك.المحامون يتهمونه بالزندقة ومن يدافع عنه فهو مثله،لدى قرروا الحضور فقط.
المتهم:يقظان الكندي
التهمة:جريمة إشكالية
الشهود:الجميع شاهد.
سمع التهمة جيدا،وجدها فرصة ليدافع عن أفكاره،أما مآله فيعلمه مسبقا.
القاضي:ماذا تقول في التهمة الموجهة إليك؟
المتهم:أنا لست مجرما،كان عليكم الاحتفاظ بإشكالي فقط.
القاضي:لقد تسببت في إثارة الفتن والإخلال بأمن القيم والعادات والنبش فيها.
المتهم:لقد تعمدت ذلك لأن السيء منها هو الذي تسبب لي في إثارة الفتنة.
القاضي:أنت لم تراع شعور الآخرين.
المتهم:من هم الآخرون؟أنا لا أعرف إلا نفسي وملايين الضحايا مثلي.
القاضي:عمن تتكلم؟هناك قانون؟من هم الضحايا؟
المتهم:المنتحرون،ضحايا الآخر،المنتحرات كذلك،ضحايا المحاكمات الاجتماعية،البؤساء.
القاضي:تهمة أخرى موجهة إليك،أنت بئيس.
المتهم:ساخرا وهل البؤس تهمة؟ !!!كان عليك أن تطرح على نفسك هذا السؤال.من تسبب لي في البؤس؟أليس الخوف من أمثالك؟ !!لماذا لا تحاكم البؤس؟
القاضي :غاضبا،أنت تريد أن تثير فتنة هنا كذلك.اجلس !!مشيرا بنظرته الحادة،سمعت همهمات بعض الحضور،طالب بالصمت،أنت تتهرب من الإجابة عن الأسئلة،تحاول أن تدافع عن الآخرين كي تبعد التهمة عن نفسك أيها الحقير..
المتهم:حاضر،سأدافع عن نفسي فقط.
القاضي:أنت أخللت بالحياء العام،وأفشيت الأسرار وتكلمت علانية عن المسكوت عنه.
المتهم:في رأي السكوت عنه وعدم إثارته هو الطامة الكبرى وهو الذي تسبب في المحاكمة.
القاضي:أنت مزعج بأسئلتك غاضبا.قلت لك لا تتهرب من الإجابة عن الأسئلة.أنت متهم كذلك بالعمالة والولاء لجهات أجنبية .
المتهم:أنا أبحث عن حل لمشاكلي،أنا أبحث عن متنفس.فهمت، أنت تريد أن تحرمني من التزود بالأدوية،تريد أن تقتلني كما مات صديق لي مصاب بالربو.
القاضي:قلت لك أنت متهم بالولاء للغرب،تعمل على تخريب جسمنا،أنت سرطان.
المتهم:تهمة ملفقة،لو كنت مواليا للغرب لما كنت بئيسا،لو كنت مواليا للغرب لما أعطيت أهمية لترهات الآخرين.
عم صمت المحكمة،بدأ المحامون يلتفتون إلى بعضهم البعض كأنهم يريدون أن يقولوا:إنه يجيد المرافعة.وبدأت النساء يلتفتن إلى بعضهن البعض.رأين بصيصا من الصواب في كلامه.
القاضي:هل سبق أن عانيت من أمراض نفسية؟فالطبيب الشرعي أثبت ذلك.ربما ستخفف عليك الحكم يا مجنون.
المتهم:الجنون مرض عادي كباقي الأمراض،فهو متنفس الإنسان الأخير كي يتحرر من سلطة الآخر،لدى يجب أن نهتم بالمجانين لا أن نحاكمهم بتهمة الجنون.
القاضي:هل تعرف المصير الذي ينتظرك ؟
المتهم:أعرفه.
القاضي:كان عليك أن تضع حدا لحياتك مادمت تعلم مصيرك.
المتهم:الألم لا يهمني،تعلمت أن لا أعذب نفسي كثيرا،لن أدفن رأسي في التراب.
القاضي:كلمة أخيرة.
المتهم:أتمنى محاكمات عادلة لأمثالي في المستقبل.
وقف الجميع،الأعين مشدوهة،الأذهان حائرة،المواقف منقسمة.
النطق بالحكم: حكمت المحكمة الاجتماعية بإعدام حرية المتهم على مقصلة سوداء.