الشعر الاسباني في أمريكا اللاتينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.عبد السلام فزازي
    أديب وكاتب
    • 12-03-2008
    • 180

    الشعر الاسباني في أمريكا اللاتينية

    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:85%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

    1 ـ الشعر والتقليد
    أ ـ الحداثة
    يجب التذكير على أن الحداثة باعتبارها تيارا أدبيا أو مدرسة أدبية بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في أوائل العشرينيات من هذا القرن مع ” روبين داريو Rubén Dario )1867-1916(” المؤسس لهذه الحركة الشعرية الحداثية. ولعل قصائده: الزرقة 1988، منشورات دنيوية 1896، وأغني الحياة والأمل 1905، أثرت بشكل من الأشكال بقوة سلطتها على الدواوين الأولى لكل من بابلو نيرودا Pablo Neruda، وسيزار باليخو Cesar Ballejo )1895-1937( رغم بعدهما على هذا المنحى الأدبي الحديث. أما في الأرجنتين فهذا التيار الحداثي سيمثله على الخصوص ليوبولدو لوغونيس Leopoldo Lugones )1874-1938( انطلاقا من ديوانه «ضياء عاطفي» 1909.
    وسيعرف في هذا الصدد أ. مارسيل دانس A. Marcel D'Ans وفي عدد من الأعداد الخاصة من مجلة «دفاتر هرني Cahiers de l'herne 1964» والمتعلقة أساسا بـبورخيس Borges على أن الحداثة هي أصلا رجوع إلى الموقف من قضية الفن من اجل الفن، ورجوع إلى حميمية الفرلينية الملتحمة أبدا بلذة الموهبة التاريخية الشهيرة، وسيترك الحداثيون الواقع ينهل من كل هذه الأشكال التي تمثل في نظرهم: حزنا ذابلا ومحبطا، وفي الآن نفسه أروستقراط لا تصلح إلا لهشاشة وهمية مشوهة، حيث يقذف العالم المتلاشي وبغرابة أبدية في غياهب تافهة وحقيرة. وهكذا نكون حقا بصدد الكلام عن الشعر المحافظ والأعمى والجدير أن توافق عليه نخبة من رواد الفكر سواء في إسبانيا أو على الخصوص في القارة الأمريكية.
    ويجب في الأخير -وكيفما كان الحال- أن لا يهيمن علينا تأثير ظل فرلين ويجعلنا أمام قناع يحول بيننا وبين المسؤوليات التوالدية Parnasse، وهي حركة أدبية تؤمن بنظرية الفن للفن/ والرمزية الفرنسية تجاه الحداثة التي نحن في حاجة ماسة لملأ فراغات رسمها وخطاطاتها.
    وإذا كانت الحداثة قد ظهرت في البداية مميزة بتقديس نفيس للشكل والغرابة، وكذا للمذهب الجمالي البارناسي، فيجب أن نضيف كذلك أنها أصبحت تتجه أيضا نحو الغنائية الذاتية، والجوانية، ونحو الطابع الأمريكي بانشغالات الاجتماعية المتميزة.
    هناك إذن مظهران حاضران متوازيان في أعمال روبين داريو لكنهما أيضا يميلان إلى الانفصال، وبشكل صريح وقطعي عن الجيل الذي سوف يخلفه. ولعل هاتين الوضعيتين تعتبران نتيجة لتيارين ينحدران من صميم الأدب الأمريكي اللاتيني واللتين سوف تتصارعان ندا لندٍّ بغية حمل مشعل الريادة. وفي هذا الإطار ستشهد الساحة الشعرية ثمة عتابا إبان ظهور الشعراء ” الملتزمين” سياسيا سواء على المستوى السياسي، أم على المستوى الإيديولوجي، جنبا إلى جنب مع أنصار الشعر الخالص، أي أنصار الفن من أجل الفن، نظرا لما يتشبثون به من خصائص تقنية قديمة للشعر. وهكذا سيفلح بعض الشعراء وأخص بالذكر أبولينيو في مصالحة ثوابت التزاماتهم واستمالة البحث الشكلي للشعر.
    ب ـ ما بعد الحداثة
    لعل جوليو هيريرا Julio Herrera يعتبر الشاعر الذي فتح على المستوى الجمالي أكثر الآفاق جدية واتساعا، إذ أصبح توظيف الرمز عنده أداة مثالية يستطيع أن يعبر عن الحدس الشعري ويتجلى عنده بوضوح تام في تنافر الصور الشعرية، وغموض الاستعارة التي تستدعي حتما استعادة القارئ.
    سيفتتح إذن هيريرا وارسينغ طريق تيار ما بعد الحداثة الذي يتزعمه ويمثله في المكسيك رامون لوبيث بيلاري RamÒn Lopez Velarde )1888-1921( الشاعر الحميمي والمبشر بالاتجاه المتطرف، كما ستظهر في نفس الاتجاه نزعة ما بعد الحداثة التي سوف تقود مسيرتها غابريلا ميسترال Gabriela Mistral )1889-1967(، حيث تستأنف الحديث والكتابة بأسلوب ومواضيع ذات طابع رومانسي وحماسي اقتفاء بأثر بيدرو هينريكيث أورينا Pedro Henriquez Urena )1928(، ولعل الصوت الأصيل الحاد المليء بالحنان والرأفة والألم الإنساني عند الشاعرة الشيلية ميسترال، وهي أول من حاز على جائزة نوبل للآداب في أمريكا اللاتينية، سيتحاشى المنابع الأصيلة والغلو على المستوى الشكلي التي طالما سقطت فيها بداية الرومانسية.
    ج ـ سيزار باليخو Cesar Vallejo
    إن مهمة شاعر البيرو سيزار باليخو Cesar Vallejo )1895-1937(ووظيفته، ويعتبره بعضهم أفضل مننيرودا، وقد تطرق إلى هذا الأمر في مذكراته «أعترف بأنني قد عشت Confienso que he vivido»، تتحدد بين التيار المابعد حداثي والجيل الطلائعي لشعراء أمريكا اللاتينية، ذلك أن كتاب بابيخو Los Heraldos Negros 1918، سيكتشف وعلى الخصوص في الأشعار الأولى عن تأثير روبير داريو في مواضيع الحب، والمرأة المثالية، والدخيل الأدبي، وكذا حذلقة الشكل؛ وفي نفس الآن تتجلى عند باييخو أصالة متمثلة في الانشغالات المركز على الإنسان/الرجل، والتضامن، ناهيك عن القلق الذي تفترضه القضايا الوجودية.
    ومع Trilee في سنة 1922 سيتحرر باييخو من عقدة الوصايا الأدبية الوازنة ليتبنى طريقة هي في الأصل حداثية ومحيرة، تتخلص أساسا في:
    اختفاء العناصر الثانوية في الشعر، وفي رفض الإيقاع والقافية، واحتقار التركيب الاتفاقي، واختزال البيت الشعري إلى متتالية من الصور الشعرية والاستعارات المتحررة. وهكذا سيسير النتاج الشعري اللاحق لـبياخو نحو التخلي على مسوى الشكلي والالتزام في إطار المواجهة الاجتماعية والثورية )انظر قصائد إنسانية 1939(.
    د- شعراء الطليعة
    إن مختلف الاتجاهات الشعرية التي يصطلح عليها بالطلائعية لها قاسم مشترك يحددها ويضبطها، ويتمثل بالفعل في روح الهدم للأدب، وفي كل الذي أنتجه هذا الأدب سلفا؛ وكما يتجلى وبصفة قطعية في هدم معيارية الحداثة. فمباشرة بعد الحرب العالمية الأولى1914-1918بدأت مرحلة ism/المبالغة والتطرف، تظهر وبشكل يدعو إلى التأمل العميق في هذا الذي سيغير ويعيد قراءة الأدب بصفة عامة والشعر بصفة خاصة. لعل الأمر يتعلق إذن بظهور حركة التطرف ULTRAISMO (1919-1923)، وهي حركة تحمل سمة المافوق رجعيةً كما هو الشأن عند الأسبان والأرجنتين الابداعية/CREACIONISMO عند الشيلي بيثينته ويدوبرو VICENTE HUIDOBRO 1893-1948، وما بعدية الكتابة Postumismo عند سانيو دومينغو Santo Domingo ومذهب الصرير Estridientismo عند المكسيكيين، أو بالأحرى التيارات الأوربية المنضوية تحت اسم المستقبليين والتكعيبيين، والدادائيين، ليأتي بعد ذلك السرياليون. ومن ضمن رواد هذه النزعة الجديدة في عالم أمريكا اللاتينية بيثينه هو يدوبرو، وكان هو الآخر عدوا لدوداً لـ: بابلونيرودا. ولقد تمركز تأسيس إبداعيته في مختلف تظاهراته الإبداعية وفي مختلف برامجه، إضافة إلى أن بعضا من دواوينه الشعرية مكتوبة مباشرة باللغة الفرنسية. وفي هذا الصدد يمكن التذكير بتعريفه لوظيفة الشاعر قائلا: أن تبدع قصيدة يعني أن تتمسك بالحياة وبحوافزها، محاولا إعادة صياغتها من أجل إعطائها حياة جديدة وحرة طليقة…دون طرافة وبلا وصف. ويجب على الانفعال أن يولد من الفضيلة الإبداعية ليس إلا. إذ لا غرابة في أن نقول إن تخلق قصيدة هو تماما كما تخلق الطبيعة شجرة من ديوان الأفق الازرق1917. وهكذا يمكن أيضا الإشارة إلى أبيات شعرية معروفة ومتداولة بشكل دائم عند بيثينه… تشير حتما بالأيمان واليقين لحب المهنة :
    …………………
    لمن تغني الوردة،آه أيها الشعراء ‍!…
    …………………
    فقط من أجلنا
    تحيى تحت الأرض كل الكلمات
    الشاعر اله صغير./الفن الشعري 1916.
    أكيد أن العملية الإبداعية إذا أرادت أن تصير مدرسة قائمة الذات، جنبا إلى جنب مع المضمون النظري، فإن حركة التطرف Ultraismo تعتبر وبشكل خاص حركة تجاوزية لا تترجم في الآن نفسه إلا رد فعل ضد الحداثة، وبالتالي إرادة للتجديد. ويجب الإشارة إلى أن غييرمودي طوري GUILLERMO DE TORRE هو الذي فرض مصطلح ًالتطرفً، الذي سوف يثير كل النزاعات والميولات الأدبية الطلائعية، ويرى بالطبع إلى ما بعد الفتوة والتحررية الزاخرتين بالوعود. إن ظاهرة حركة التطرف هذه، تحتوي على متتاليات من التعريفات تعبر في بعض الأحيان عن نية محارب الأيقونات، كما تقترح إبداع صيغ جديدة من التعبير، وأخص على سبيل المثال، رغبة شاعر ما يريد وبكل تأكيد أن ًيدهش البورجوازيً- وفي هذا الصدد نتذكر السياق التاريخي، وخصوصا الأحداث التي وقعت سنة1917 في شرق أوربا- وهكذا سوف يعرف الشعر الحديث انشطار الصور المتعدد البنيات، مثل انشطار هاوي الطيران الشراعي، لتنتظر بدورها إلى استعارات مستقبلية .GTORRE مما يجعلنا أمام صور شعرية تبدو وكأنها طاقة أساسية للغنائية الجديدة.
    وعلى العموم فإن مميزات حركة التطرف ULRAISMO تقرب وبكيفية من الكيفيات الاتجاهات الفنية للتيار المستقبلي والدادائي…وكذا العملية الإبداعية لـبيثينيه تترجم إثباتا لصنف يكون على الخصوص سلبيا: نفي الفن السابق، وأقصاه النادرة من كل العناصر العاطفية أو الوصفية، ومحاولة تشويه الحقيقة، وتحميس البيت الشعري الحر، والتنظيم الأصلي للطباعة والترقيم، ناهيك عن التجديد المتعلق بعلامات الوقف والتركيب .
    يبدو إذن من الطبيعي أن جل هذه المميزات يمكن أن تدخل وبصيغة أخرى في القاعدة المتزامنة أو المتأخرة عنها بقليل، تلك التي تطورت خصوصا في فرنسا وانتشرت تأثيراتها في الدول الناطقة باللغة الأسبانية؛ نعني من كل هذا الكلام السريالية. ذلك أن أول بيان لهذه التظاهرة الأدبية ظهرت عند أندره بروتون ANDRE BRETON سنة 1924 في مجلة الثورة السريالية المنشورة في باريس ما بين 1924-1929 . ستسعى هذه الحركة إلى وسيلة تمكنها من التفكيك النسقي للعبارة الشعرية، والى خلق رد فعل بصري وانفعالي يمكن تحديد نظرة جديدة للأشياء. يتعلق الأمر بالطبع بالنسبة لـبروتون، وبكل دقة بتنظيم عالم الحقيقة، وعالم الأحلام في ضرب من الحقيقة المطلقة إن لم نقل في عالم سريالي. ويفترض هذا الموقف الإيمان ًبالحقيقة السامية لبعض الأشكال المترابطة والمهملة إلى حدود القوة القصوى للحلم واللعبة النزيهة للفكرً؛أو إن شئنا أيضا الرجوع إلى قاعدة المضمون في تجليات هذا الأديب المبدع. ذلك لأن الأمر يتعلق "بآلية نفسية خالصة تحتم علينا تحليل(…) وظيفة الواقع للفكر، وتلقينه في غياب كل مراقبة يمارسها العقل خارج كل الانشغالات الجمالية والمعنوية. ومن خلال كل هذا،يبدو ممكنا تطبيق بعض من هذه المبادئ على بعض نصوص نيرودا، وأخص بالذكر:ًمحاولة الرجل الأبدي/وكذا كتابه الأولً إقامة في الأرض1931-1935.ولكن وكما سبق أن رأينا أيضا مع سيزار باييخو، فإن شعر نيرودا سيغير مع مرور الأيام توجهه أولا مع الانعكاس الاجتماعي الصريح في ديوانيه:إسبانيا في القلب/ ونشيد عام1950ً، ثم الرجوع الاختياري إلى أكبر بساطة أو ًشفافيةً في ًأناشيد بدائية ً.
    وفي ختام هذه الإطلالة السريعة على الشعر الطليعي في أمريكا اللاتينية ورجوعا إلي الصيغة الإسبانية لحركة التطرف ULTRAISMO في أوج كمالها، يجب التذكير على أن الشعراء المناضلين والمناصرين لهذه الحركة الشعرية/ مع العلم أن نيرودا لا يدخل في زمرة هؤلاء لأسباب سيرية صريحة/ - سيتفرقون سنة 1923 على إثبات حالة من الإخفاق. ويمكن القول وبصراحة على أن ألتطرف/ ULTRA في إسبانيا مثل ً حركة الدادية أي الرافضة/ DADAً في فرنسا، تبقى أبدا بالنسبة للتاريخ الأدبي، الكلمة الوحيدة والمشروعة لهذه الحركة .
    الهوامش
    1- محمود صبح ً ثقافة أمريكا اللاتينية مجلة عالم 1الفكر،المجلد التاسع- العدد الأول- أبريل – مايو- يونيو.ص:89.
    2- نفسه ، ص :88.


    الدكتور عبد السلام فزازي
    شعبة العربية- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير/ المغرب[/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
    التعديل الأخير تم بواسطة د.عبد السلام فزازي; الساعة 04-02-2009, 18:58.
    العلم أخلاق والأخلاق علم وما سواهما وهم ودوار
يعمل...
X