بين الطفولة والأمومة
بقلم : إبراهيم الزيدي
إن العلاقة القائمة بين الطفولة والأمومة تشبه إلى حد ما العلاقة بين النتيجة والسبب، ومناقشة النتائج تقتضي – بالضرورة – مناقشة الأسباب، والأمومة في حقيقة الأمر تعاني من مشاكل مترابطة: اجتماعية – اقتصادية – ثقافية – سياسية إلى غير ذلك.. ولهذا ترانا دائماً نتوقف عن مناقشة الأسباب.
ولكن إلى متى نستطيع تجاهل كل هاتيك المشاكل، وإلى متى سنبقى خائفين من أن تأخذ المرأة حقها في المجتمع؟؟ أعتقد أن العالم لم يعد يسمح لأحد أن يغلق عينيه، ومن شاء أن يغلق عينيه ستخلفه الحياة وراءها، فقطار التقدم لا ينتظر أحداً، والتقدم رهن العلم والمنطق والموضوعية، وليس رهن العادات والتقاليد وذر الرماد في العيون، فالعيون قد عميت لكثرة ما ذر فيها من رماد !!
إن غالبية المشاكل، وليست مشكلة الطفولة وحدها متعلقة بالمشاكل التي تعاني منها المرأة العربية على وجه العموم، وحديثنا عن المرأة السورية بخاصة، انطلاقاً من معرفتنا الأكيدة بها، فهي جدتنا وأمنا وأختنا وخالتنا وعمتنا وجارتنا.. والقائمة تطول لتشملهنّ جميعاً، وأستطيع القول أن الحديث عن المرأة بالنسبة لي لا يلزمه استطلاعات ميدانية ولا بيانات رأي، فأنا لدي تسع خالات أخوات لأمي، وكل واحدة منهن لديها أكثر من ثلاث بنات، إضافة لثلاث عمات لهن من البنات كذلك.. وزوجتي وأخواتها وعماتها وخالاتها ومن أعرف من نساء الأصدقاء والجيران، يصبح لديّ في المحصلة أكثر من خمسين عينة تمثل ثلاثة أجيال متعاقبة، وأكثر من شريحة اجتماعية، وهذه العّينات أعرفها جميعاً – حق المعرفة- وانطلاقاً منهنّ وحدهنّ بإمكان أيّ متقصٍّ أن يصل إلى النتائج المرعبة التي توصلت لقراءة مفرداتها التاريخية و الاجتماعية والاقتصاديّة والسياسية.
في البداية يجب الإشارة إلى أن قضية المرأة قضية تاريخية، بدأت منذ أن هبطت المرأة من عليائها المتألهة فيها وارتمت في أحضان الرجل أياً كانت الأسباب، ومنذ ذلك التاريخ والرجل ما فتيء ينتزع من جناحيها القوادم ريشة ريشة، حتى أفقدها القدرة على التحليق عالياً، وحولها من حمامة إلى دجاجة !!وتحولنا كلنا إلى صيصان، مأخوذين بأوسمة الديك ونياشينه !! ومن توصل منّا إلى مرحلة الديك رفعة، فهو ديك على الدجاجات ليس إلاّ..
فالمرأة انطلاقاً من تلك العينات المحيطة بي من كل حدب وصوب، هي مواطن من الدرجة الثانية ـ إذا سلّمنا أن جميع الرجال مواطنون من الدرجة الأولى ـ وكل ما قلناه عن تحرر المرأة – مع الأسف – كان لتطبيقها وليس لتطبيقه !! أما حياتها الفعلية فإنها مرهونة بمشيئة الرجل !! ومماحكتها مع الرجل تبدأ مبكرة جداً، نستطيع القول أنها تبدأ من لحظة الولادة، فما زال الرجل إذا بشّر بالأنثى يظل “وجهه مسودّاً وهو كظيم” ولا يغرنّكم ما يقوله من عبارات الحمد والشكر، فالحقيقة ليست بين السطور، إنها في بنيتنا الاجتماعية نفسها.. في بعدنا الآخر.. في عمقنا.. ثم تبدأ التفرقة بين الإناث والذكور في العائلة ذاتها !! وتكرّس سطوة الذكر وهيمنته، وذل الأنثى وانكسارها، ثم تكبر قليلاً لتتحوّل إلى عورة وخادمة، ثم تتزوج وتنجب وتبلغ من العمر مبلغاً فتسقط عنها صفة العورة وتحتفظ بصفة الخادمة حتى تنتهي مسيرتها الحياتية وتنتقل إلى سرمدية العدم!!
ثمة نزر يسير من حق أو رأي تأخذه في فترة صباها, و تدفع مقابل ذلك أضعافاً مضاعفة من الذل والامتهان, أعني فترة خطوبتها التي غالباً ما تكون قصيرة ،ففي هذه المرحلة يصبح لها صوت ورأي في قضاياها الخاصة ،وحتى هذا الرأي بهذا الموقع ليس بالضرورة أن يؤخذ به, و تنتهي الخطوبة ويخلع الرجل قناع الحبيب ويرتدي وجه الزوج ،ليتلو عليها أول بيانات انقلابه العسكري متذرعاً بالآية الكريمة “الرجال قوامون على النساء” وليته كان يمتلك – فعلاً – حق القوامة كما أراده الله, أو أنه انطلق من إيمانه ليشهر هذا الحق بوجهها, فالرجال من هذا الصنف – مع الأسف – لا يعرفون من تعاليم الدين الحنيف سوى أنهم قوامين على النساء، و يحق لهم الزواج من أربع, و بعضهم يتطاول على ما ملكت أيمانهم !! هذا هو واقع الرجل كما هو, وليس كما يقال عنه, وهذا هو أيضاً واقع المرأة في ظله, علماً أنه قد حدث ـ منذ العقود الثلاثة المنصرمة ـ تحول في البنية الاجتماعية والثقافية السورية, وفي المنطقة الشرقية “الرقة – الحسكة – دير الزور” خصوصاً, التي هي موضع حديثنا, حيث تحولت أغلب الأراضي البعلية إلى أراضٍ مروية, و شمل التعليم كافة فئات المجتمع إلا أنه بقيت نسبة التعليم بين الذكور أعلى بكثير من نسبتها بين الإناث وخاصة في الريف “وللعلم فإن هذه المدن الثلاث لا تضم كبير عدد من السكان, فسكان هذه المنطقة يتوزعون في الريف, وذلك لعدم وجود مشاريع حقيقية في هذه المدن تستقطب الراغبين بالعمل و توفر لهم حياة كريمة!ً! إلا أن هذا التحول لم يستطع أن يغير من بنية الثقافة السائدة شيئاً، فالعادات هي العادات والتقاليد هي التقاليد, وما تغير سوى القشور !! أما تعليم الإناث فإنه – فقط – أثر على نوعية العمل التي تقوم به المرأة من العمل الزراعي إلى العمل الوظيفي إلا أنه لم يعد إليها حقوقها, لدرجة أصبحت معها المرأة في ريف المنطقة الشرقية مؤمنة بصحة ما هي عليه !! وفي أي حوار يجرى معها بقصد فتح النوافذ الموصدة في عقلها, تستنكر الحوار والمحاور بآن !! لقد سجنت حتى نسيت الحرية, فأي أطفال أحرار ستنجب !! أو بالأخص أي بنات حرات, فالولد ابن الوالد,
والبنت بنت أمها !! من هنا تنطلق دعوتنا إلى تحرر المرأة, و لا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم, فكل ما يستطاع التوصل إليه ممكن عن طريق العلم.
بقلم : إبراهيم الزيدي
إن العلاقة القائمة بين الطفولة والأمومة تشبه إلى حد ما العلاقة بين النتيجة والسبب، ومناقشة النتائج تقتضي – بالضرورة – مناقشة الأسباب، والأمومة في حقيقة الأمر تعاني من مشاكل مترابطة: اجتماعية – اقتصادية – ثقافية – سياسية إلى غير ذلك.. ولهذا ترانا دائماً نتوقف عن مناقشة الأسباب.
ولكن إلى متى نستطيع تجاهل كل هاتيك المشاكل، وإلى متى سنبقى خائفين من أن تأخذ المرأة حقها في المجتمع؟؟ أعتقد أن العالم لم يعد يسمح لأحد أن يغلق عينيه، ومن شاء أن يغلق عينيه ستخلفه الحياة وراءها، فقطار التقدم لا ينتظر أحداً، والتقدم رهن العلم والمنطق والموضوعية، وليس رهن العادات والتقاليد وذر الرماد في العيون، فالعيون قد عميت لكثرة ما ذر فيها من رماد !!
إن غالبية المشاكل، وليست مشكلة الطفولة وحدها متعلقة بالمشاكل التي تعاني منها المرأة العربية على وجه العموم، وحديثنا عن المرأة السورية بخاصة، انطلاقاً من معرفتنا الأكيدة بها، فهي جدتنا وأمنا وأختنا وخالتنا وعمتنا وجارتنا.. والقائمة تطول لتشملهنّ جميعاً، وأستطيع القول أن الحديث عن المرأة بالنسبة لي لا يلزمه استطلاعات ميدانية ولا بيانات رأي، فأنا لدي تسع خالات أخوات لأمي، وكل واحدة منهن لديها أكثر من ثلاث بنات، إضافة لثلاث عمات لهن من البنات كذلك.. وزوجتي وأخواتها وعماتها وخالاتها ومن أعرف من نساء الأصدقاء والجيران، يصبح لديّ في المحصلة أكثر من خمسين عينة تمثل ثلاثة أجيال متعاقبة، وأكثر من شريحة اجتماعية، وهذه العّينات أعرفها جميعاً – حق المعرفة- وانطلاقاً منهنّ وحدهنّ بإمكان أيّ متقصٍّ أن يصل إلى النتائج المرعبة التي توصلت لقراءة مفرداتها التاريخية و الاجتماعية والاقتصاديّة والسياسية.
في البداية يجب الإشارة إلى أن قضية المرأة قضية تاريخية، بدأت منذ أن هبطت المرأة من عليائها المتألهة فيها وارتمت في أحضان الرجل أياً كانت الأسباب، ومنذ ذلك التاريخ والرجل ما فتيء ينتزع من جناحيها القوادم ريشة ريشة، حتى أفقدها القدرة على التحليق عالياً، وحولها من حمامة إلى دجاجة !!وتحولنا كلنا إلى صيصان، مأخوذين بأوسمة الديك ونياشينه !! ومن توصل منّا إلى مرحلة الديك رفعة، فهو ديك على الدجاجات ليس إلاّ..
فالمرأة انطلاقاً من تلك العينات المحيطة بي من كل حدب وصوب، هي مواطن من الدرجة الثانية ـ إذا سلّمنا أن جميع الرجال مواطنون من الدرجة الأولى ـ وكل ما قلناه عن تحرر المرأة – مع الأسف – كان لتطبيقها وليس لتطبيقه !! أما حياتها الفعلية فإنها مرهونة بمشيئة الرجل !! ومماحكتها مع الرجل تبدأ مبكرة جداً، نستطيع القول أنها تبدأ من لحظة الولادة، فما زال الرجل إذا بشّر بالأنثى يظل “وجهه مسودّاً وهو كظيم” ولا يغرنّكم ما يقوله من عبارات الحمد والشكر، فالحقيقة ليست بين السطور، إنها في بنيتنا الاجتماعية نفسها.. في بعدنا الآخر.. في عمقنا.. ثم تبدأ التفرقة بين الإناث والذكور في العائلة ذاتها !! وتكرّس سطوة الذكر وهيمنته، وذل الأنثى وانكسارها، ثم تكبر قليلاً لتتحوّل إلى عورة وخادمة، ثم تتزوج وتنجب وتبلغ من العمر مبلغاً فتسقط عنها صفة العورة وتحتفظ بصفة الخادمة حتى تنتهي مسيرتها الحياتية وتنتقل إلى سرمدية العدم!!
ثمة نزر يسير من حق أو رأي تأخذه في فترة صباها, و تدفع مقابل ذلك أضعافاً مضاعفة من الذل والامتهان, أعني فترة خطوبتها التي غالباً ما تكون قصيرة ،ففي هذه المرحلة يصبح لها صوت ورأي في قضاياها الخاصة ،وحتى هذا الرأي بهذا الموقع ليس بالضرورة أن يؤخذ به, و تنتهي الخطوبة ويخلع الرجل قناع الحبيب ويرتدي وجه الزوج ،ليتلو عليها أول بيانات انقلابه العسكري متذرعاً بالآية الكريمة “الرجال قوامون على النساء” وليته كان يمتلك – فعلاً – حق القوامة كما أراده الله, أو أنه انطلق من إيمانه ليشهر هذا الحق بوجهها, فالرجال من هذا الصنف – مع الأسف – لا يعرفون من تعاليم الدين الحنيف سوى أنهم قوامين على النساء، و يحق لهم الزواج من أربع, و بعضهم يتطاول على ما ملكت أيمانهم !! هذا هو واقع الرجل كما هو, وليس كما يقال عنه, وهذا هو أيضاً واقع المرأة في ظله, علماً أنه قد حدث ـ منذ العقود الثلاثة المنصرمة ـ تحول في البنية الاجتماعية والثقافية السورية, وفي المنطقة الشرقية “الرقة – الحسكة – دير الزور” خصوصاً, التي هي موضع حديثنا, حيث تحولت أغلب الأراضي البعلية إلى أراضٍ مروية, و شمل التعليم كافة فئات المجتمع إلا أنه بقيت نسبة التعليم بين الذكور أعلى بكثير من نسبتها بين الإناث وخاصة في الريف “وللعلم فإن هذه المدن الثلاث لا تضم كبير عدد من السكان, فسكان هذه المنطقة يتوزعون في الريف, وذلك لعدم وجود مشاريع حقيقية في هذه المدن تستقطب الراغبين بالعمل و توفر لهم حياة كريمة!ً! إلا أن هذا التحول لم يستطع أن يغير من بنية الثقافة السائدة شيئاً، فالعادات هي العادات والتقاليد هي التقاليد, وما تغير سوى القشور !! أما تعليم الإناث فإنه – فقط – أثر على نوعية العمل التي تقوم به المرأة من العمل الزراعي إلى العمل الوظيفي إلا أنه لم يعد إليها حقوقها, لدرجة أصبحت معها المرأة في ريف المنطقة الشرقية مؤمنة بصحة ما هي عليه !! وفي أي حوار يجرى معها بقصد فتح النوافذ الموصدة في عقلها, تستنكر الحوار والمحاور بآن !! لقد سجنت حتى نسيت الحرية, فأي أطفال أحرار ستنجب !! أو بالأخص أي بنات حرات, فالولد ابن الوالد,
والبنت بنت أمها !! من هنا تنطلق دعوتنا إلى تحرر المرأة, و لا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم, فكل ما يستطاع التوصل إليه ممكن عن طريق العلم.
تعليق