وما زال ...نائما

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مريم محمود العلي
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 594

    وما زال ...نائما

    وما زال نائما

    " منذُ ساعةٍ وأنتَ تبكي يا بني .. ماذا تريد ؟."
    خاطبتهُ بصوتٍ ينبعثُ من الألمِ المزروعِ داخلَ كيانها المقهورِ .. ماذا تفعلُ لهُ .. بدلتْ ملابسهُ .. أرضعتهُ .. أعطتهُ الدواء .. لكنهُ ما زال يبكي .. حملتهُ بين ذراعيها .. دارتْ بهِ الغرفةَ عدةَ دوراتٍ .. هدهدتهُ .. غنتْ لهُ بصوتٍ مجروحٍ .. قرأتْ بعضَ الآياتِ القرآنيةِ .. لكنهُ ما زالَ يبكي .
    " يا إلهي ماذا أصابهُ ألا يتعبُ من البكاء .. أينَ تذهبُ بهِ في هذا الليلِ المتشحِ بسوادِ الحزنِ النابعِ منْ قرارةِ ذاتها المنهارة " .
    لم تدرِ إلا وهيَ تنخرطُ معهُ في بكاءٍ مرير .. نظرتْ من خلالِ الدموعِ إلى الساعةِ إنها الواحدةُ بعدَ منتصفِ الليل .
    " هلْ أطفالُ العالمِ كلهم مثلكَ .. أهٍ .. تعبتُ من الدورانِ بكَ ، قدماي لم تعدْ تحملني " .
    وضعتهُ في السريرِ هزتهُ بعنفٍ .. لكنهُ ما زالَ يبكي .. تركتهُ وارتمتْ في سريرها دفنتْ وجهها في الوسادةِ ، وبكتْ بحرقة .
    بعدَ فترةٍ من الزمنِ أحستْ بهِ يهدأُ شيئاً فشيئاً .. حاولتْ تهدئةَ نفسها وانتظرت حتى تأكدتْ أنهُ غطَّ في نومهِ رتبتِ الغطاءَ فوقهُ أطفأتِ النورَ وعادتْ إلى سريرها متعبةً مرهقةً .. حاولتْ طردَ الأفكارِ من مخيلتها لكنها ظلتْ تطرقُ ساحةَ الشعورِ وتلحُّ في الظهورِ إلى محتوى الوجود .
    تجسدَ أمامَها زواجُها المبكرُ يعرضُ شريطاً لأولئكَ الذينَ كانوا السببَ في مسيرةِ حياتها بهذا الشكلِ البائسِ .. رنتْ كلماتٌ قويةٌ في أذنها لوالدها " المرأةُ خلقتْ للزواجِ والإنجابِ ، يجبُ ألا تعملَ خارجَ البيتِ ولا تتعلمُ إلا فكَّ الأحرفِ فقط "
    ليتهُ يرى حالتها ليدركَ كمْ هوَ مخطئ .
    والدتها تمنتْ لها حياةً أفضلَ عندَ زوجِها وحرمتْها حنانَها .. كمْ هيَ بحاجةٍ لمساعدتِها وتوجيهاتِها .. ليتها قريبةٌ منها .
    زوجُها الغائبُ في هذهِ الليلةِ القاسيةِ بسببِ عملهِ والذي لا يسمحُ لها بمغادرةِ المنزلِ إلا برفقتهِ ورفقتُه نادرة .
    بالأمسِ عندما ذهبا معاً إلى الطبيبِ من أجلِ الطفلِ قالَ لها عندما رأى الصغيرَ يبكي : اذهبي إلى البيتِ وأنا أشتري الدواءَ وألحقُ بكِ .. لكنها ضلتِ الطريقَ وعندما وصلَ إلى البيتِ ولم يجدْها أدركَ ذلكَ فخرجَ يبحثُ عنها .. لن تنسى مرارةَ ما حدثَ أبداً .
    أمّا طفلُها الضعيفُ منذُ ولادتهِ بسببِ صغرِ سنّها ونحافةِ جسدها فإنّهُ سببُ شقائِها لا تعرفُ كيفَ تتصرفُ معهُ دائماً مريضٌ دائماً يبكي .
    إخوتُها وأخواتُها رفيقاتُها .. وغفتْ أخيراً وهيَ تائهةٌ بينَ آلامِها وأفكارِها ودموعِها .
    شعورٌ لذيذٌ خدرَ جسدَها ودعاها للنومِ من جديدٍ عندما فتحتْ عينيها وكانَ نائماً .. مرَّ الصباحُ هادئاً رقيقاً دونَ أنْ تشعرَ بهِ .. لكن الشمسَ نبهتها أنَّ الساعةَ أوشكتْ تنتهي منَ التاسعةِ وعليها واجباتٌ يجبُ أن تؤديَها قبلَ عودةِ زوجِها .
    نهضتْ منْ سريرِها بهدوءٍ وهيَ تتمتمُ بالدعاءِ أنْ يبقى نائماً ريثما تنتهي من أعمالِ البيت .
    العاشرةُ والنصف .. وما زالَ نائماً
    المسكين .. تعبَ منَ البكاءِ والسهرِ .. أنهتْ أعمالها وأعدتِ الطعامَ وما زالَ نائماً .. بعدَ قليلٍ يصلُ والدُهُ وعليها أنْ توقظَهُ لتغيرَ ملابسَهُ وترضعهُ وتعطيهِ الدواء ..
    اقتربتْ منَ السريرِ رفعتِ الغطاءَ .. ارتسمتِ الدهشةُ على ملامحِ وجههِا عندما رأتْ وجههُ مصفراً .. أمسكتْ يدهُ "إنها باردةٌ كالثلج "
    متى تتجمدُ الحياة .. عندما يتجمدُ القهرُ .. عندما تتجمدُ العواطفُ .. عندما يتجمدُ الألمُ داخلَ الروح الإنسانية .. أمسكتهُ بكلتي يديها هزتهُ وهزتهُ وهزتهُ لكنهُ ما زالَ نائماً .
    منْ داخلِها انبعثَ صوتُ صراخٍ قويٍّ : لا .. لا .. ماذا حدثَ .. الغرفةُ تدورُ .. لا .. الدنيا تدورُ .. لا .. هيَ تدورُ .. وتدورُ .. وتدورُ .


    *** *** ***
    هذه القصة نشرت في مجلة الثقافة الصادرة بدمشق عام 1996
    تحياتي
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    مدهشه فعلا ....
    حزينه حتى قاتله
    تحية وتقدير

    تعليق

    • محمد سليم
      سـ(كاتب)ـاخر
      • 19-05-2007
      • 2775

      #3
      [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]الأستاذة الفاضلة مريم ؛ تحيتى ؛ سأعلق عن مضمون القصة فقط ؛ وبعد أذنك ؛
      وجود كلمات تدلل أن الأم صغيرة السن وغير عاملة ( بدون وظيفة خارج المنزل )ولم تكمل تعليمها .. وبالطبع لتلك المعانى السابقة الهدف والمغزى الاساس بالقصة ..وسؤالى هنا ؛ ماذا لو كانت تلك الأم موظفة
      يتطلب دوامها الاستيقاظ مبكرا ؟...،
      المرأة العاملة تعانى الأمرين أكثر وأكثر ...وتحيتى [/grade]
      بسْ خلااااااااااااااااااااااااص ..

      تعليق

      • مريم محمود العلي
        أديب وكاتب
        • 16-05-2007
        • 594

        #4
        [align=center]ريمة الخاني
        أشكرك على مرورك العطر في واحتي
        كل الحب لك
        تحياتي
        [/align]

        تعليق

        • مريم محمود العلي
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 594

          #5
          [align=center]استاذ محمد سليم
          أعلم أن المرأة العاملة تعاني الأمرين
          وقد جسدت تلك المعاناة في احدى قصصي سأنزلها
          ان شاء الله قريبا وقد حصلت القصة على جائزة اتحاد كتاب العرب
          لكن معاناة تلك المرأة أهون من معاناة تلك الفتاة الصغيرة التي قتلت روحها قبل جسدها
          ******
          كل الشكر والتقدير لمرورك الجميل
          تحياتي
          [/align]

          تعليق

          • ثروت الخرباوي
            أديب وقانوني
            • 16-05-2007
            • 865

            #6
            أستاذة مريم

            أسلوبك جميل تعرفين متى يتسارع الإيقاع ومتى ينبغي أن يتباطأ ... أما عن لغتك فهي حالمة شفيفة ... والقصة كلها مستغرقة في شجن ... هل تعرفين ياأديبتنا ماهو أكثر شيء أضعف أمامه في الدنيا ؟ هو الطفل المريض ... قصتك أثارت شجوني

            تعليق

            • مريم محمود العلي
              أديب وكاتب
              • 16-05-2007
              • 594

              #7
              [align=center]أستاذ ثروت
              سعدت جدا بتواجدك وتفاعلك مع المآساة
              وبكلماتك الطيبة التي نثرت عبيرها على ذاتي
              كل الشكر والتقدير لك
              تحياتي
              [/align]

              تعليق

              • مريم محمود العلي
                أديب وكاتب
                • 16-05-2007
                • 594

                #8
                [align=center]أستاذ ثروت
                سعدت جدا بتواجدك وتفاعلك مع المآساة
                كلماتك الطيبة نثرت عبيرها في أحناء ذاتي
                كل الشكر والتقدير لك
                تحياتي
                [/align]

                تعليق

                • عبلة محمد زقزوق
                  أديب وكاتب
                  • 16-05-2007
                  • 1819

                  #9
                  أديبتنا الرائعة مريم
                  قصة مؤلمة ولكن الكاتبة أجادت فن الصياغة بحرفية ماهرة
                  ما شاء الله
                  أقف امام نصك الأدبي وانا ارفع لمداد فكرك قبعة الاحترام
                  شكرا لتناولك تلك المأساة بتلك الصورة التي حملتنا على معرفة أخطار ومتاعب زواج ما دون الزواج بدون علم وتجارب او عدم وجود الأهل والزوج المتفاهم.
                  مع فائق تقديري ومحبتي أختاه

                  تعليق

                  • بنت الشهباء
                    أديب وكاتب
                    • 16-05-2007
                    • 6341

                    #10
                    قصة تحمل الكثير من الألم بين طياتها ....
                    تصور لنا حالة اجتماعية من أشد الحالات ألمًا وعذابًا ....
                    لا أعرف والله يا أختي الحبيبة مريم كيف وصلت معك إلى نهاية هذه المأساة التي وصلت إليها
                    هذه الفتاة البريئة التي لا تعرف إلا أن تكون مخلصة وفية لزوجها وذويها !!!...
                    بالرغم من صعر سنها لكن أجدها وكأنها تتكلم بلسان امرأة ناضجة واعية تعرف ما لها وما عليها ...

                    فبورك قلمك الناضج , وسلمت يمناك يا مريم

                    أمينة أحمد خشفة

                    تعليق

                    • مريم محمود العلي
                      أديب وكاتب
                      • 16-05-2007
                      • 594

                      #11
                      [align=center]الجميلة عبلة
                      كل عام وانت بألف خير
                      ربما تأخرت بالرد عليك
                      لكن الغائب له اعذار
                      اشكرك من الاعماق على تعليقك الرائع
                      كل الحب لك تحياتي
                      [/align]

                      تعليق

                      • مريم محمود العلي
                        أديب وكاتب
                        • 16-05-2007
                        • 594

                        #12
                        [align=center]الغالية أمينة
                        انها مآساة حقيقية
                        ممازالت منتشرة في مجتمعاتنا وهي ( زواج الفتاة المبكر ) ورغم نضج الفتاة ووعيها إلا انها عاشت المآساة كاملة
                        كل الحب والشكر لك وكل عام وانت بألف خير
                        تحياتي
                        [/align]

                        تعليق

                        • د. جمال مرسي
                          شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
                          • 16-05-2007
                          • 4938

                          #13
                          مريم العلي الرائعة
                          كنت أفتش اليوم عن خاطرة لك كنت قد قرأتها ذات مرة في بيت الجود فوقعت عيناي على ما زال نائما
                          فدلفت فإذا بها قصة لم أقرأها من قبل . غصت فيها و في معانيها و استشعرت كم الألم الذي عانت منه هذه الأم الثكلى
                          التي حكموا عليها بالزواج صغيرة و هي لا خبرة لها في الحياة و لا في تربية الصغار .
                          و أنت بهكذا قصة تناقشين بالفعل قضية خطيرة جدا و هي الحكم على الفتاة بالزواج في سن مبكرة و هبي قضية مهمة جدا و تستحق إلقاء الضوء عليها و مناقشتها ؟
                          شكرا لك و قصتك حزينة بالفعل و لكنها محكمة السرد
                          مودتي و اعجابي بقلمك الجميل
                          د. جمال
                          sigpic

                          تعليق

                          • مريم محمود العلي
                            أديب وكاتب
                            • 16-05-2007
                            • 594

                            #14
                            د: جمال
                            للزواج المبكر مساوئ كثيرة ابرز النص جزءا منها
                            ويحتاج هذا الموضوع نقاشا طويلا
                            لأن البعض يرى له حسنات ايضا
                            لكن قناعتي أن سيئاته أكثر من حسناته بكثير
                            كل الشكر والتقدير لمرورك الجميل
                            تحياتي القلبية

                            تعليق

                            • مجدي السماك
                              أديب وقاص
                              • 23-10-2007
                              • 600

                              #15
                              زواج مبكر

                              اختي الفاضلة الاديبة المتالقة : مريم محمود العلي
                              ما اجمل هذا النص و اروعه .. الزواج المبكر مشكلة عويصة في بلادنا .. وان بدات تخف في بعض الاقطار والمدن ..الا انها موجودة بكثرة .
                              تحياتي لك
                              عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

                              تعليق

                              يعمل...
                              X