مسرحية "راجع صالح من الجيش" بين الكروباتيكية والشيزوفرينيا هادي زاهر
"راجع صالح من الجيش" مسرحيدية من انتاج مسرح "النقاب" عرضت لاول مرة في مهرجان المسرحيد في عكا قبل عدة اعوام وحازت آنذاك على جائزة -اجرأ نص - من قبل مجلة "الترفزيون". وقد عرضت مؤخراً في عسفيا. وهي من تمثيل مجيب منصور واخراج صالح عزام الذي اقتبس النص عن رواية عالمية بعنوان "جوني عاد من المعركة " للكاتب الامريكي "دلتون ترميو" وقد قام المخرج عزام بتجيير النص ليلائم واقع المرتزقة من الشباب العرب الذين يخدمون في جيش الاحتلال وما تفرز هذه الخدمة من مآس عليهم .
احداث المسرحيدية: يعود صالح من الجيش بعد ان تنفجر به قنبلة تؤدي الى بتر يديه ورجليه،
(ينتصب) صالح امامك على المسرح مع ما يحمل من وجع وعقد نفسية اذ تأخذه الشيزوفرينيا الى الاعتقاد بان الفأر يأكل ما تبقى من اطرافه فيستنجد بأمه، ولكنه بعد ان يهدأ ينادي على خطيبته "ورد" لكي لا تخاف؟؟ ويرفض الاستسلام لواقعه ليصرخ صراخا متواصلا، خاصة بعد ان يصاب بالعمى ويفقد احساسه بالزمن مما يدفع الاطباء الى محاولة حقنه بأبر التخدير ويواصل صراخه، لكن انامل الممرضة الناعمة على جلده تبعث نشوة السعادة في نفسه.
لينتقل بعدها للحديث بلغة المحتل المتغطرس المنتشي بقوته العسكرية والذي يقول له:
* احمد الله كونك ما زلت حيا .
ليرد عليه صالح بلسانه:
-انكم تنسون المصابين بعد ان تنتهي مهمتهم.
ثم يدحض المزاعم التي تربط بين الحصول على الحقوق والخدمة في الجيش هذا الجيش الذي يجازف بحياة البشر من اجل حماية اربع اسر صهيونية تستوطن في الاراضي العربية المحتلة، كما انه لا يتورع عن استخدام اطراف المصابين المبتورة في التجارب داخل المشرحة.
وفي النهاية يناقش صالح بشكل هستيري الحكومات التي ترسل الجنود الى الجيش، ليقول ان الرغبة في الحياة يجب ان تكون اقوى من كل الايديولوجيات.
وهكذا فان الفنان الكبير مجيب منصور لا يبتز منك الدمعة، بل يجعلك .. يرغمك ان تسقطها بسخاء، ان انسجامه اللامتناهي مع الدور ومقدرته الفذة على انتحال مختلف الشخصيات مهما كانت متناقضة في آن واحد، وخاصة انتحال مشاعر الجندي المعاق بهذه الكثفة يوقفك امام حالة انسانية زاخرة تدفعك الى الاشمئزاز من الحروب وما آلت اليه من مآس، بالحركة التي تفتت الاكباد وتقول ما تعجز الكلمة عن قوله، خاصة عندما يتداخل مع نفسه، بحركات كروباتيكية.
وبالكلمة التي تحولت الى سهام نافذة الى القلب.
هذا بالنسبة لدور الممثل والمخرج ، اما بالنسبة للتقنيات المرافقة فقد كانت الموسيقى التصويرية لريتشارد شعبي والديكور البسيط الذي جاء داعما للنص
ان هذه الحبكة التي جاءت منسجمة مع النسيج الدرامي للمسرحيدية، احاطت بالمشاهدين وجعلتهم سجناء هذا العمل الصغير الكبير!! لقد تفرست في الوجوه بعد العرض فوجدتها واجمة مكفهرة فعزز ذلك قناعتي باهمية المسرح الذي يبلور موقف الانسان وينمي ضميره ويطور حسه بالواجب فيحثه على التحرك في سبيل الاصلاح. وتذكرت القول المأثور "اعطني مسرحا اعطك ثورة".
اما بعد، لست ادري لماذا جرى التقليل في الحركات الكروباتيكية في العروض الاخيرة، علما انها كانت داعمة للنص بشكل مكثفكما أشرنا، قد تكون متعبة جدا للممثل الوحيد ,هذا واضح جداً منخلال الطاقة المتدفقة التي بذلها الممثل الامر الذي دفع الاخوة الى التقليل منها، ولكني آمل ان يجدوا المخرج لذلك في العروض القادمة. ثم اني اعتقد انه كان بالامكان ان لا يجري تجيير النص الى هذا الحد، لان معارضة الحروب اينما كانت واجب يفرضه الضمير، وعملية حصرها في هذا الاطار من شأنه ان يحد من انتشارها، ولو اقترحت مثلا للعرض في المدارس في صيغتها الحالية فسترفض، بينما لو حذفت منها بعض الجمل لكان بالامكان تبنيها، لان المحتلين ايضا يزعمون بانهم ضد الحروب؟!! لذلك اعتقد انه كان يجب ان ينتهج شيئا من التحايل ليتم تسريب الهدف المحدد في غضون الهدف العام. ثم ان عملية التحايل في عملية الابداع الفني تضفي جمالية فنية على العمل. كما من شأنها ان تساعد في تخطي الحالة الخاصة والفترة المحددة، وتتفاعل دوما وتضفي بعدا انسانيا اوسع. وهل هناك ابلغ من كليلة ودمنة؟
ويحضرني قول للمرحوم لنجيب محفوظ عندما سئل فيما اذا خشي ان يقول كل ما يعتقده فردّ قائلا: "لقد قلت كل ما اردت ان اقوله بالتحايل". فهل التحايل رفع من القيمة الادبية لاعماله ام هبط بها؟
"راجع صالح من الجيش" مسرحيدية من انتاج مسرح "النقاب" عرضت لاول مرة في مهرجان المسرحيد في عكا قبل عدة اعوام وحازت آنذاك على جائزة -اجرأ نص - من قبل مجلة "الترفزيون". وقد عرضت مؤخراً في عسفيا. وهي من تمثيل مجيب منصور واخراج صالح عزام الذي اقتبس النص عن رواية عالمية بعنوان "جوني عاد من المعركة " للكاتب الامريكي "دلتون ترميو" وقد قام المخرج عزام بتجيير النص ليلائم واقع المرتزقة من الشباب العرب الذين يخدمون في جيش الاحتلال وما تفرز هذه الخدمة من مآس عليهم .
احداث المسرحيدية: يعود صالح من الجيش بعد ان تنفجر به قنبلة تؤدي الى بتر يديه ورجليه،
(ينتصب) صالح امامك على المسرح مع ما يحمل من وجع وعقد نفسية اذ تأخذه الشيزوفرينيا الى الاعتقاد بان الفأر يأكل ما تبقى من اطرافه فيستنجد بأمه، ولكنه بعد ان يهدأ ينادي على خطيبته "ورد" لكي لا تخاف؟؟ ويرفض الاستسلام لواقعه ليصرخ صراخا متواصلا، خاصة بعد ان يصاب بالعمى ويفقد احساسه بالزمن مما يدفع الاطباء الى محاولة حقنه بأبر التخدير ويواصل صراخه، لكن انامل الممرضة الناعمة على جلده تبعث نشوة السعادة في نفسه.
لينتقل بعدها للحديث بلغة المحتل المتغطرس المنتشي بقوته العسكرية والذي يقول له:
* احمد الله كونك ما زلت حيا .
ليرد عليه صالح بلسانه:
-انكم تنسون المصابين بعد ان تنتهي مهمتهم.
ثم يدحض المزاعم التي تربط بين الحصول على الحقوق والخدمة في الجيش هذا الجيش الذي يجازف بحياة البشر من اجل حماية اربع اسر صهيونية تستوطن في الاراضي العربية المحتلة، كما انه لا يتورع عن استخدام اطراف المصابين المبتورة في التجارب داخل المشرحة.
وفي النهاية يناقش صالح بشكل هستيري الحكومات التي ترسل الجنود الى الجيش، ليقول ان الرغبة في الحياة يجب ان تكون اقوى من كل الايديولوجيات.
وهكذا فان الفنان الكبير مجيب منصور لا يبتز منك الدمعة، بل يجعلك .. يرغمك ان تسقطها بسخاء، ان انسجامه اللامتناهي مع الدور ومقدرته الفذة على انتحال مختلف الشخصيات مهما كانت متناقضة في آن واحد، وخاصة انتحال مشاعر الجندي المعاق بهذه الكثفة يوقفك امام حالة انسانية زاخرة تدفعك الى الاشمئزاز من الحروب وما آلت اليه من مآس، بالحركة التي تفتت الاكباد وتقول ما تعجز الكلمة عن قوله، خاصة عندما يتداخل مع نفسه، بحركات كروباتيكية.
وبالكلمة التي تحولت الى سهام نافذة الى القلب.
هذا بالنسبة لدور الممثل والمخرج ، اما بالنسبة للتقنيات المرافقة فقد كانت الموسيقى التصويرية لريتشارد شعبي والديكور البسيط الذي جاء داعما للنص
ان هذه الحبكة التي جاءت منسجمة مع النسيج الدرامي للمسرحيدية، احاطت بالمشاهدين وجعلتهم سجناء هذا العمل الصغير الكبير!! لقد تفرست في الوجوه بعد العرض فوجدتها واجمة مكفهرة فعزز ذلك قناعتي باهمية المسرح الذي يبلور موقف الانسان وينمي ضميره ويطور حسه بالواجب فيحثه على التحرك في سبيل الاصلاح. وتذكرت القول المأثور "اعطني مسرحا اعطك ثورة".
اما بعد، لست ادري لماذا جرى التقليل في الحركات الكروباتيكية في العروض الاخيرة، علما انها كانت داعمة للنص بشكل مكثفكما أشرنا، قد تكون متعبة جدا للممثل الوحيد ,هذا واضح جداً منخلال الطاقة المتدفقة التي بذلها الممثل الامر الذي دفع الاخوة الى التقليل منها، ولكني آمل ان يجدوا المخرج لذلك في العروض القادمة. ثم اني اعتقد انه كان بالامكان ان لا يجري تجيير النص الى هذا الحد، لان معارضة الحروب اينما كانت واجب يفرضه الضمير، وعملية حصرها في هذا الاطار من شأنه ان يحد من انتشارها، ولو اقترحت مثلا للعرض في المدارس في صيغتها الحالية فسترفض، بينما لو حذفت منها بعض الجمل لكان بالامكان تبنيها، لان المحتلين ايضا يزعمون بانهم ضد الحروب؟!! لذلك اعتقد انه كان يجب ان ينتهج شيئا من التحايل ليتم تسريب الهدف المحدد في غضون الهدف العام. ثم ان عملية التحايل في عملية الابداع الفني تضفي جمالية فنية على العمل. كما من شأنها ان تساعد في تخطي الحالة الخاصة والفترة المحددة، وتتفاعل دوما وتضفي بعدا انسانيا اوسع. وهل هناك ابلغ من كليلة ودمنة؟
ويحضرني قول للمرحوم لنجيب محفوظ عندما سئل فيما اذا خشي ان يقول كل ما يعتقده فردّ قائلا: "لقد قلت كل ما اردت ان اقوله بالتحايل". فهل التحايل رفع من القيمة الادبية لاعماله ام هبط بها؟
تعليق