فن التسويق
"مهداة الى الفنان السوري الكبير ياسر العظمه"
بعد إلحاح من زوجته، غادر نواف الفراش الذي لازمه في الأيام الثلاث الأخيرة، إذ كعادته دائماً كلما تغير الطقس، دهمته الالتهابات الصدرية، فلا تذهب عنه الكحة والسعال إلا إذا طمر نفسه في فراشه.. وغالباً ما يمنحه الطبيب أسبوع إجازة من أجل ذلك، ولكن ماذا يمكن أن يفعل أمام جبروت زوجته التي تريد أن تخرج في بعض الزيارات مع أمها وأخواتها.. وها هو يتحامل على نفسه ويغادر الفراش وهو يردد مثله الأثير: "خليها جوه تسطح ولا تخرج بره وتفضح"..
وكي يقتل الوقت حتى تعود زوجته، قرر أن يقوم ببعض الأمور الملحة، قد تساعده على الخروج من جو المرض. هيأ نفسه. احتسى القهوة مع زوجته. ثم خرج، وبروتوكول شرب القهوة مع زوجته لا أحد يفهمه غيره.. إذ "توكل" حتى أقضي أموري الخاصة.. وإلا.. وآه من إلا هذه، التي قد تقيم الدنيا ولا تقعدها..
قرر في البداية أن يذهب لاصلاح سيارته، التي بدأ يعاني منها الأمرين قبل أن يدور محركها إذ بات يستشعر خجلاً وهو يدعو المارة ليدفعوها معه كي تدور… و.."اللي بحب النبي يزق"…
في الكراج، فرد الميكانيكي صندوق عدته، ثم بدأ يوجه سيلاً من الأسئلة التي بدت وكأنها بلا آخر.. فتح غطاء الماتور.. وأخذت يداه تعبثان بالأسلاك الكهربائية، مرة من فوق الماتور، وآخرى من تحت السيارة، وهو لا يكف عن النفخ، وبعد ساعة من التنقيب والتفتيش،
قال:
- نفسي ألاقي واحد جاي يعمل صيانة، الكل ينتظر حتى تفرط ثم يأتي…
صمت نواف، فأردف "الكهربائي":
- يظهر أن يداً غبية قد عبثت بالمنظومة الكهربائية، فشقلبت كيانها..
ثم رفع عينيه إلى وجه نواف ليستطلع ردة فعله. نزت من بين شفتي نواف ابتسامة ساخرة وهو يحدث نفسه: "هذا اعتراف صريح من الرجل بالغباء، لأن أحداً لم يعبث في السيارة سواه".. همهم ضحكته، فأردف الكهربائي في استعلاء:
- من هو الحمار الذي قام باصلاح السيارة في المرة السابقة؟
فقال نواف في برود سميك:
- أنت..
بهت الكهربائي، واحمر وجهه وهو يقول بصوت متلعثم:
- أنا… هذا مش معقول…إللي ما في سلك محله.. دخلك كل سفريات ع الطرق الترابية؟ وإلا الطريق للبيت كلها حفر ومطبات؟
هز نواف رأسه قائلاً بصوت فيه استنكار:
- وأي شارع في المدينة كلها يخلو من الحفر..
- ألم أقل لك.. لكن خلي بالك في المرات القادمة.. الآن كل شيء على ما يرام..
أخرج نواف حافظة نقوده، ودفع له أجرته، ثم انتقل إلى الحلاق. هناك لم يقو على استمراء صمته.. وجد نفسه ينخرط في النقاش الذي سار في كافة الاتجاهات. كان النقاش يحتد أحياناً، وكان الحلاق يقطع النقاش بين الفينة والأخرى ليباهي بمقدرته الفنية في مهنته، أو ليقول رأيا كان قد سمعه من زبون في أول النهار.. جاء دور "نواف" فجلس على الكرسي، بين يدي الحلاق ليقص شعره ويحلق ذقنه، أمسك الحلاق فجأة بخصلتي شعر من جانبي رأس نواف وقال بشيء من الاستعلاء:
- انظر.. انظر.. إن خصل الشعر غير متناسقة.. إنها تغطي أُذنك اليمنى في حين لا تصل إلى وسط أذنك اليسرى.
وعندما لاذ نواف بالصمت، أردف الحلاق في تأفف:
- أي حمار حلق لك في المرة السابقة؟!.
فانخرط نواف في ضحكة عاليه، فتساءل من كان عليه الدور:
- أضحكنا معك يا أخي..
ارتبك الحلاق الذي أدرك سر ضحك "نواف"، فارتجفت يداه، وإذ بنواف يصرخ:
- أخ.. ماذا فعلت؟
فازداد ارتباك الحلاق وهو يقول بصوت متلجلج:
- لا عليك يا أخي.. أنه جرح بسيط… سوف أعالجه حالاً..
نزع نواف الفوطة عن صدره، وهو يقول بصوت فيه حدة:
- تذبحني وتقول جرح بسيط..
ثم تحسس وجهه بيده، فاستشعر حرقة الجرح.. وعندما نظر إلى يده الملطخة بالدم، صاح:
- إنت حلاق وإلا لحام؟
وبصوت مأخوذ متلجلج، قال الحلاق:
- لا تنسى أنك تحركت كثيراً أثناء الحلاقة..
وتدخل أحد الحضور قائلاً:
- اخزوا إبليس يا جماعة..
وقال أخر وهو يشير إلى ذقنه:
- يا سيدي امسحها في هالدقن…
وعاد الحلاق ليتمم عمله، وسط صمت ثقيل. وما أن أنتهى، حتى أخرج نواف النقود من جيبه وهم بالدفع، فرفض الحلاق قبض أجرته وأثار الحرج ما زالت متفشية في وجهه.. فقال نواف بصوت لم يخل من جفاء وهو يلقي النقود فوق التسريحة:
- هي وقفت عند المصاري؟
وصفق الباب الزجاج خلفه وهو يغادر الصالون. خرج، وتوجه نحو محل لبيع وتصليح الأدوات الكهربائية المنزلية، وكان قد اودع فرناً للتصليح عنده نظراً لوجود شرط كهربائي فيه. وهناك قال المختص:
- الله ستر إللي ما عمل عندكم مصيبة في الدار.. اشتهيت ألاقي فيه سلك مش إمقرقط..
- فقال نواف في نفاذ صبر:
- اختصر.. كم كلف؟
ففحص الكهربائي وجه نواف وهو يقول:
- أريد أن أشرح لك عن سبب المشكلة..
- لا أريد أن أعرف.. خذ ما تريد ودعني انصرف..
فقال الكهربائي بصوت لم يخل من عتاب:
- مالك اليوم مش على بعضك..
- لأنك بعد قليل سوف تنسى من قام بتصليح الفرن في المرة السابقة وتسألني.، من هو الحمار الذي قام بتصليحه في المرة السابقة.. فمنذ الصباح وأنا أواجه بهذا السؤال..
نظر المختص إلى وجه نواف وقال بصوت متكدر:
- يبدو أنك ما زلت تعاني من الوعكة الصحية، روح الله يسامحك…
وحمل "نواف" الفرن إلى سيارته بعد أن دفع ما طلبه المختص، ثم انتقل إلى العيادة. دخل إلى الطبيب وشرح له عن معاناته خلال الأيام الثلاثة السابقة فطلب الطبيب رؤية روشتة العلاج، فأخرج "نواف" الورقة وقدمها للطبيب الذي قلب شفتيه وهو يقول:
- أريد الدواء لا الروشيتة؟
فقدم له علب الدواء في كيس صغير، وعندما قلب بها ألقاها في سله المهملات وهو يقول:
- الصيادلة ما بدهم يبطلوا هالعادة.. ما دام بدهم يعطوا العلاج على كيفهم ليش الناس بتروح للأطباء..
فنفخ نواف غيظه، وحاول أن يستعيد هدوءه وهو يقول في ترو:
- لا.. لا… دعني أتناول نفس الدواء، فقد ارتحت عليه..
- ولم حضرت إذاً؟!
- لقد حضرت لتمديد الإجازة المرضية لمدة أسبوع لأنني ما زلت مريضاً…
"مهداة الى الفنان السوري الكبير ياسر العظمه"
بعد إلحاح من زوجته، غادر نواف الفراش الذي لازمه في الأيام الثلاث الأخيرة، إذ كعادته دائماً كلما تغير الطقس، دهمته الالتهابات الصدرية، فلا تذهب عنه الكحة والسعال إلا إذا طمر نفسه في فراشه.. وغالباً ما يمنحه الطبيب أسبوع إجازة من أجل ذلك، ولكن ماذا يمكن أن يفعل أمام جبروت زوجته التي تريد أن تخرج في بعض الزيارات مع أمها وأخواتها.. وها هو يتحامل على نفسه ويغادر الفراش وهو يردد مثله الأثير: "خليها جوه تسطح ولا تخرج بره وتفضح"..
وكي يقتل الوقت حتى تعود زوجته، قرر أن يقوم ببعض الأمور الملحة، قد تساعده على الخروج من جو المرض. هيأ نفسه. احتسى القهوة مع زوجته. ثم خرج، وبروتوكول شرب القهوة مع زوجته لا أحد يفهمه غيره.. إذ "توكل" حتى أقضي أموري الخاصة.. وإلا.. وآه من إلا هذه، التي قد تقيم الدنيا ولا تقعدها..
قرر في البداية أن يذهب لاصلاح سيارته، التي بدأ يعاني منها الأمرين قبل أن يدور محركها إذ بات يستشعر خجلاً وهو يدعو المارة ليدفعوها معه كي تدور… و.."اللي بحب النبي يزق"…
في الكراج، فرد الميكانيكي صندوق عدته، ثم بدأ يوجه سيلاً من الأسئلة التي بدت وكأنها بلا آخر.. فتح غطاء الماتور.. وأخذت يداه تعبثان بالأسلاك الكهربائية، مرة من فوق الماتور، وآخرى من تحت السيارة، وهو لا يكف عن النفخ، وبعد ساعة من التنقيب والتفتيش،
قال:
- نفسي ألاقي واحد جاي يعمل صيانة، الكل ينتظر حتى تفرط ثم يأتي…
صمت نواف، فأردف "الكهربائي":
- يظهر أن يداً غبية قد عبثت بالمنظومة الكهربائية، فشقلبت كيانها..
ثم رفع عينيه إلى وجه نواف ليستطلع ردة فعله. نزت من بين شفتي نواف ابتسامة ساخرة وهو يحدث نفسه: "هذا اعتراف صريح من الرجل بالغباء، لأن أحداً لم يعبث في السيارة سواه".. همهم ضحكته، فأردف الكهربائي في استعلاء:
- من هو الحمار الذي قام باصلاح السيارة في المرة السابقة؟
فقال نواف في برود سميك:
- أنت..
بهت الكهربائي، واحمر وجهه وهو يقول بصوت متلعثم:
- أنا… هذا مش معقول…إللي ما في سلك محله.. دخلك كل سفريات ع الطرق الترابية؟ وإلا الطريق للبيت كلها حفر ومطبات؟
هز نواف رأسه قائلاً بصوت فيه استنكار:
- وأي شارع في المدينة كلها يخلو من الحفر..
- ألم أقل لك.. لكن خلي بالك في المرات القادمة.. الآن كل شيء على ما يرام..
أخرج نواف حافظة نقوده، ودفع له أجرته، ثم انتقل إلى الحلاق. هناك لم يقو على استمراء صمته.. وجد نفسه ينخرط في النقاش الذي سار في كافة الاتجاهات. كان النقاش يحتد أحياناً، وكان الحلاق يقطع النقاش بين الفينة والأخرى ليباهي بمقدرته الفنية في مهنته، أو ليقول رأيا كان قد سمعه من زبون في أول النهار.. جاء دور "نواف" فجلس على الكرسي، بين يدي الحلاق ليقص شعره ويحلق ذقنه، أمسك الحلاق فجأة بخصلتي شعر من جانبي رأس نواف وقال بشيء من الاستعلاء:
- انظر.. انظر.. إن خصل الشعر غير متناسقة.. إنها تغطي أُذنك اليمنى في حين لا تصل إلى وسط أذنك اليسرى.
وعندما لاذ نواف بالصمت، أردف الحلاق في تأفف:
- أي حمار حلق لك في المرة السابقة؟!.
فانخرط نواف في ضحكة عاليه، فتساءل من كان عليه الدور:
- أضحكنا معك يا أخي..
ارتبك الحلاق الذي أدرك سر ضحك "نواف"، فارتجفت يداه، وإذ بنواف يصرخ:
- أخ.. ماذا فعلت؟
فازداد ارتباك الحلاق وهو يقول بصوت متلجلج:
- لا عليك يا أخي.. أنه جرح بسيط… سوف أعالجه حالاً..
نزع نواف الفوطة عن صدره، وهو يقول بصوت فيه حدة:
- تذبحني وتقول جرح بسيط..
ثم تحسس وجهه بيده، فاستشعر حرقة الجرح.. وعندما نظر إلى يده الملطخة بالدم، صاح:
- إنت حلاق وإلا لحام؟
وبصوت مأخوذ متلجلج، قال الحلاق:
- لا تنسى أنك تحركت كثيراً أثناء الحلاقة..
وتدخل أحد الحضور قائلاً:
- اخزوا إبليس يا جماعة..
وقال أخر وهو يشير إلى ذقنه:
- يا سيدي امسحها في هالدقن…
وعاد الحلاق ليتمم عمله، وسط صمت ثقيل. وما أن أنتهى، حتى أخرج نواف النقود من جيبه وهم بالدفع، فرفض الحلاق قبض أجرته وأثار الحرج ما زالت متفشية في وجهه.. فقال نواف بصوت لم يخل من جفاء وهو يلقي النقود فوق التسريحة:
- هي وقفت عند المصاري؟
وصفق الباب الزجاج خلفه وهو يغادر الصالون. خرج، وتوجه نحو محل لبيع وتصليح الأدوات الكهربائية المنزلية، وكان قد اودع فرناً للتصليح عنده نظراً لوجود شرط كهربائي فيه. وهناك قال المختص:
- الله ستر إللي ما عمل عندكم مصيبة في الدار.. اشتهيت ألاقي فيه سلك مش إمقرقط..
- فقال نواف في نفاذ صبر:
- اختصر.. كم كلف؟
ففحص الكهربائي وجه نواف وهو يقول:
- أريد أن أشرح لك عن سبب المشكلة..
- لا أريد أن أعرف.. خذ ما تريد ودعني انصرف..
فقال الكهربائي بصوت لم يخل من عتاب:
- مالك اليوم مش على بعضك..
- لأنك بعد قليل سوف تنسى من قام بتصليح الفرن في المرة السابقة وتسألني.، من هو الحمار الذي قام بتصليحه في المرة السابقة.. فمنذ الصباح وأنا أواجه بهذا السؤال..
نظر المختص إلى وجه نواف وقال بصوت متكدر:
- يبدو أنك ما زلت تعاني من الوعكة الصحية، روح الله يسامحك…
وحمل "نواف" الفرن إلى سيارته بعد أن دفع ما طلبه المختص، ثم انتقل إلى العيادة. دخل إلى الطبيب وشرح له عن معاناته خلال الأيام الثلاثة السابقة فطلب الطبيب رؤية روشتة العلاج، فأخرج "نواف" الورقة وقدمها للطبيب الذي قلب شفتيه وهو يقول:
- أريد الدواء لا الروشيتة؟
فقدم له علب الدواء في كيس صغير، وعندما قلب بها ألقاها في سله المهملات وهو يقول:
- الصيادلة ما بدهم يبطلوا هالعادة.. ما دام بدهم يعطوا العلاج على كيفهم ليش الناس بتروح للأطباء..
فنفخ نواف غيظه، وحاول أن يستعيد هدوءه وهو يقول في ترو:
- لا.. لا… دعني أتناول نفس الدواء، فقد ارتحت عليه..
- ولم حضرت إذاً؟!
- لقد حضرت لتمديد الإجازة المرضية لمدة أسبوع لأنني ما زلت مريضاً…
تعليق