راضي صدوق ناقدا ومفكرا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سمير الشريف
    كبار الأدباء والمفكرين
    • 08-06-2007
    • 157

    راضي صدوق ناقدا ومفكرا


    راضي صدوق ناقدا ومفكرا

    تنوع الاهتمامات الإبداعية وتعددها قد تكون لدى البعض علامة ضعف وإشارة لهوس التجريب المحض،لكنها لدى الأديب الشاعر والباحث المفكر راضي صدوق دليل ثراء معرفي وعمق منهجي ونظرة ثاقبة في المعالجة والتحليل.
    كثيرون لا يعرفون شيئا عن موسوعية " صدوق" ولا عن إحاطته بكثير من أسرارنا في دهاليز السياسة ، وخساراته أمام تشبثه والتزامه بمبدأ لا يحيد عنه.
    لراضي صدوق فضل الريادة بتأسيس منابر إعلامية والإشراف عليها ومتابعتها أردنيا وعربيا"الكويت والسعودية وقطر" على سبيل التمثيل.
    يحسب لصدوق منهجيته الخاصة في مجال النقد الذي كان فيه واضحا مخلصا لقلمه وقناعاته وللتاريخ ، وعدم مشايعته للسائد المتداول بل تصديه لظاهرة الارتزاق والشللية والقفز عن المراحل ومحاولات البعض استلهام التجارب الغربية دونما التفات لخصوصية الذات العربية .
    كتب "راضي صدوق"في النقد الأدبي الكثير ومن آثاره "نظرات في الأدب السعودي الحديث" "ديوان الشعر العربي في القرن العشرين" شعراء فلسطين في القرن العشرين" ناهيك عن كم هائل من الدراسات والمقالات النقدية المنشورة في مجلات وصحف ثقافية على امتداد الساحة الثقافية.
    في كتابه "نظرات في الأدب السعودي الحديث"،يؤكد صدوق أن النقد النابع من ذائقة سليمة صافية وتنم عن ملكة نقدية مدربه ومؤهلة يكون أفضل من النقد المصنوع المستورد من بيئات غير بيئاتنا مما يحول ناقلوه أن يجعلوه غرسا شيطانيا في تربتنا.
    يتوقف "راضي صدّوق"أمام بداية النهضة الأدبية الحديثة في السعودية التي واكبت قيام ورسوخ الدولة ،حيث نشأت الصحف وأشيدت المدارس ودارت عجلة التحديث والنهضة ، حيث لم يكن قبل ذلك نشاط ثقافي منظم ، وإن تمثل فرديا بما حفظه كتاب" وحي الصحراء"وكتاب" شعراء الحجاز"،وبروز بعض الأسماء كمحمد سرور الصبان ومحمد حسن عواد وعبد السلام الساسي وإبراهيم هاشم الفلالي.
    إن نظرة سريعة للمؤلفات التي رصدت البدايات ،يظهر أنها لم تكن غير تراجم ومختارات دون أن تحتوي على قيم فنية وأسلوب أدبي راق وظلت مجرد وثائق أدبية لا أكثر، تعكس الذاتية المحضة،وإن كان كتاب "خواطر مصرّحة"للعواد يعتبر مغامرة جريئة قياسا للمرحلة التي صدر فيها.
    تعكس أدبيات تلك المرحلة مواكبة الأدباء للحركات الأدبية في الأقطار العربية الأخرى من خلال نشرهم في مجلة "الرسالة" لافتا لظلال الشعر المهجري على كثير من الشعراء السعوديين.
    ملمح آخر يستوقف المتابع لمسيرة الأدب السعودي الحديث يتمثل في طغيان الشعر على فنون القول الأخرى وهذا ينسجم مع دور الشعر وتميزه عبر مسيرة الأدب العربي على مر الأزمنة.فهو مرآة العرب وسجل حياتهم الوجدانية والاجتماعية ،من هنا يستوقف المؤلف ملحظ أن الأديب العربي عموما وفي السعودية على وجه الخصوص ،وقبل ثباته على نوع أدبي يخلص له، لا بد أن يكون قد جرّب الشعر وحاوله وامتحن مقدرته الإبداعية فيه .
    فيما يتعلق بالسرد والمسرحية فقد أتيح للمؤلف الاطلاع على بعض المحاولات المتقدمة ولم يجد حسب رأيه جديدا فيما يتعلق بالمسرح ،ذلك أن للمسرحية شروطها وبيئتها ،منوها لأحمد علي باكثير كمثال ،مؤكدا أن المؤلف لم يكن لينجح هذا النجاح وخاصة في المسرح لو ظل في حضرموت ولم يرتحل الى مصر حيث كان المناخ هناك ملائما وخصبا لنمو فن المسرح وازدهاره،بينما حال القصة القصيرة غير ذلك فهناك محاولات رائدة لأحمد السباعي في "قصة فكرة"وعبد الله عبد الجبار في "قصة أمي"وحسين عرب في "قصة البائسة"وكلها قصص اجتماعية تنبع من صميم البيئة وإن لم تفرقها لهجة الوعظ والمبالغة والمباشرة ،وافتقارها كما هو حال البدايات المقومات الفنية الأساسية لفن القصة الحديثة،إلا أن هذا الفن ما لبث أن شهد تطورا على يد"حامد دمنهوري"في روايته "ثمن التضحية و"مرت الأيام"
    يرصد المؤلف كذلك جيلا ثالثا أمثال غالب حمزة أبو الفرج وعبد الله جفري وأمين سالم وسعد البواردي وإبراهيم الناصر وما تبعهم من أسماء في الجيل اللاحق كمحمد علوان وعبد العزيز المشري وهما أكثر القاصين اقترابا من روح الفن القصصي ووعيا لحقائقه وشروطه .
    في حديثه عن التجديد في الأدب السعودي يرى صدوق أن التجديد بدأ في الشعر بالمحاكاة بتقليد شعراء مصر وسوريا والعراق وزنا ومعان ولغة ،وإن ظل نفر يحافظون على تقليديتهم
    حتى بروز ظاهرة الشعر الحديث ليبرز الصراع بين دعاة التجديد والتقليد واضطرارهم لمسايرة الموجه كما يظهر بوضوح على شعر حسين سرحان.
    شهدت الحركة الشعرية بروز أعلام يمكن مقارنتهم بزملائهم في الدول العربية وإن فهم الشباب من الشعراء أن التجديد محض تحرر من القواعد الموروثة وعروضها ونحوها .
    ضرب الأدباء السعوديون سهما كذلك في الدراسة والتأليف وبخاصة التاريخية منها والاجتماعية والنقد الأدبي ويبرز هنا كتاب" العرب في أحقاب التاريخ"و"تاريخ مكة"ومعجم الأدباء والموسوعة الأدبية " و"شعراء نجد المعاصرون"و"التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة"وفي مجال النقد يبرز عزيز ضياء وعبد العزيز الرفاعي وعبد الفتاح أبو مدين كأصحاب جهود واضحة في هذا المجال.
    في كتابه "الشعر العربي في القرن العشرين"اجتهد صدوق في أن يتجاوز بعمله هذا من سبقه ويسد نقصا عانت منه الأعمال الانطولوجية.
    قدم الباحث في كتابه إحكاما نقدية على الشعراء موضوع البحث معتمدا النظر الفاحص والاطلاع العميق على تجربة كل منهم حسب المتاح ،ففي تعرضه للشاعر الليبي إبراهيم الأسطى مثلا قال صدوق:شعره رقيق المعاني ،سهل الألفاظ والتراكيب،يتسم بالحس المرهف وتشوبه النثرية والنظم أحيانا وتشيع روح اليأس والتشاؤمية في بعض مقاطعه،يطرق في أشعاره القضايا الوطنية والوجدانية والفلسفية، لكم ما يميز جهد صدوق بوضوح وقوفه أمام الكثير من المواقف التي اجترحها الشعراء هنا وهناك مما له دلالات وإيحاءات عميقة كثيرة.
    فلسطين كانت عي المعيار الذي قاس عليه صدوق عند النظر للشعراء ففي مجال تعرضه للمازني مثلا ذكر شغف المازني بالشعر الانجليزي وتأثره بعدد من شعراءه أمثال(شيلي وبايرون حيث تطور الشغف بهم الى علاقات خاصة مع سلطات الاحتلال البريطاني آنذاك حيث أوفدت بريطانيا المازني والعقاد الى فلسطين التي كانت تلتهب ثورة على بريطانيا وتم إيوائهما في فندق الملك داوود بالقدس مما عرضهما للنقمة الشعبية ومحاولات التصفية من قبل ثوار فلسطين ،ثم انتداب بريطانيا للمازني ليخطب في الفلسطينيين من دار الإذاعة الفلسطينية لاستمالة الفلسطينيين والوقوف مع بريطانيا وقد ألقى المازني مجموعة أحاديث في شهر تشرين أول عام1940مركزا على المشترك بين الفطرتين العربية والانجليزية.
    ومما يسجل ضد شوقي وهو الذي سجل لمصر والعرب والإسلام الكثير من الأحداث في شعره عدم وجود ولو قصاصة واحدة له تتعلق بفلسطين.
    سجل "راضي صدوق"إنصافه لبعض الشعراء ،مظهرا رياديتهم كاشفا من حاولوا غمط أهل الحقوق كما تم بالنسبة للشاعر إبراهيم طوقان الذي يعتبره صدوق رائدا للشعر النضالي الفلسطيني وكان له تأثير واضح على من أتوا بعده ، مفندا بذلك مزاعم معين بسيسو الذي أنكر تأثره ومجايليه بإبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود.
    وظف المؤلف معلوماته الخاصة واتصالاته متوقفا أمام محطات هامة في حياتهم، ولعل ما ذكره بشأن الشاعر أيوب طه وغيره مما يستحق التمعن:"كان أيوب طه بوهيمي النزعة في الظاهر،يسرف في معاقرة الخمر،وهناك علامات استفهام كثيرة لها ما يسوغها في سلوكياته الوطنية والقومية،ولعل كثرة تنقلاته في العمل من بلد الى آخر تلقي الضوء على ذلك"ص422.
    يسجل الأديب الشاعر والباحث <"راضي صدوق"وعبر تجربته مع رحلة الشعر العربي مجموعة وقفات نظرا لاطلاعه ومواكبته لما نشر وألف وأهمها:
    أن الدراسات عموما تفتقر لرؤية شمولية تنبع من تصور متكامل لمجمل الفضاء الثقافي العربي العام مع بروز ظاهرة التع.صب .القطري لدى بعض الدارسين حد الجناية على الأمانة العلمية،وثمة عديد من الكتب التي تناولت بعض فرسن الشعر تنهض على التذوق والانطباع تستند على اعتبارات أيدلوجيه متجاهلة المعايير الأدبية الخالصة ،يضاف لذلك نجاح بعض الشعراء في تحقيق ظهور إعلامي براق لا ينسجم وحجم عطائهم فنيا، ناهيك محاولات البعض المستميتة لإخضاع النقد وحركة الإبداع العربي عموما للمدارس الأوروبية المستوردة الأمر الذي حدا ببعض النقاد أن يركزوا في دراساتهم على أسماء بعينها متغافلين عن الكثير ممن لا يقلون عن أمثال المكرسين.
    ولما كان الفكر لا ينفصل عن الشعور، والنقد لا يصدر إلا عن موقف فكري فقد كان لراضي صدوق وقفات مع أعلام الإبداع العربي وله فيهم مقولات تستحق التوقف والتسجيل.ففي ملحق عكاظ الأسبوعي الأدبي عدد 10248 رد صدوق على الدكتور شاكر مصطفى عندما قال بعدم وجود فئة مثقفة طليعية في عالمنا العربي، رد صدوق :المثقفون موجودون في عالمنا العربي ولكنهم مهمشون أو مبعدون عن مجال الحركة والتأثير وهؤلاء الذين يزحمون الساحات ويتزاحمون في المؤتمرات والندوات الثقافية الموسمية الرسمية لا يمثلون حقيقة الواقع الثقافي العربي المعاصر.
    وفي دراسة له بعنوان "نزار قباني هل انتهى في شعره الأخير؟يقول صدوق:نزار ومنذ ديوانه الأول ما يزال رومانسيا يقطع رحلة واحدة وفي مدار واحد عبر عالم واحد المرأة ، وهو المجال الوحيد لنزار حتى يمكن اعتبار قصائده تسجيلا نرجسيا لانطباعات رجل لا يعرف المرأة أكثر مما يعرفه الدونجوان المحترف ولا يزال نزار يصر على نظرته التقليدية للمرأة،جسد وزجاجة عطر،أما افقها الأناني الفكري فلم يرحل إليه نزار ، أما قصيدته "المتوحشة"فقد استعارها من بدر شاكر السباب من ديوانه "إقبال"وقصيده"أسألك الرحيلا" فنلمح ظلالها في قصيدة نازك الملائكة"لنفترق".
    وفي جريدة الشرق الأوسط عدد4326 ذكر
    راضي صدوق إن الأدب العربي الراهن صورة للتراجع والانحسار والفوضى وقد تحدى الشعراء المجددين
    أن يقرؤوا قصيدة تراثية دون لحن أو خطأ،أما في مجال التجديد فأقر صدوق بأن السباب هو المجدد الوحيد وأن أدونيس لم يكن شاعرا إلا في ديوانه الأول فقط .
    في معرض حديثه عن أدبنا المعاصر،نوه صدوق لحقيقة واحدة هي أننا في إنتاجنا في هذا العصر أدب مرحلي يصور فترة الانتقال التاريخية التي تعيشها الأمة بكل ما يمور داخلها من ترسبات وتناقضات ، ولا يستطيع باحث أن يزعم أن هذا الأدب يعبر عن شخصيتنا العربية بخصائصها الإنسانية التاريخية المميزة.عن الصحافة الثقافية وملاحقها قال صدوق:عجبت وأنا اتابع الصفحات الأدبية لظاهرة اغلب الظن أنها لا توجد إلا عندنا،ذلك أني لاحظت أن كل ملحق يكاد يكون جزيرة معزولة له كتابه ومريدوه ،يحتلونه ويتخذن من متراسا لا يفسحون لأي كاتب من خارج دائرتهم للمشاركة بنتاجه.
    إن أي دارس يحترم أمانته ، لا يستطيع أن يأخذ أكثر الذي ينشر مأخذ الجد ولا أن يرى فيه صورة للواقع الأدبي في الأردن .
    يسجل راضي صدوق هوامش كثيرة فيما يتعلق بمسيرة الشعر العربي الفلسطيني، ومما يستوقفنا أن الشعر الفلسطيني ، يقف متميزا بخصوصية منحته إياها استثنائية قضيته وظروف شعبها ، إلا أن الدارسين قفزوا عن هذه الحقيقة مختصرين فصول الشعر الفلسطيني بأواخر القرن التاسع عشر رادين الفضل لشعراء المقاومة داخل فلسطين 48 فقط، مؤكدا حقيقة ناصعة أن الحركة الشعرية الفلسطينية تعرضت للظلم والعبث والتشويه كقضيتها الأم تماما، ذاك الظلم ينبع من اتجاهين:أولها إهمال الكم الشعري للشعرية الفلسطينية ما قبل شعر المقاومة والتركيز على الشعر الجديد وتناوله بالدرس كنبت شيطاني بلا جذور والاكتفاء بتسليط الأضواء على بضعة أسماء بعينها حسب انتمائهم الفكري،ثانيها:
    عدم إغفال الشعر الفلسطيني في المهجر والذي لا يقل أهمية وقيمة ولهذا يجب أن ينظر له كشعر مقاوم وعلى جبهة أخرى، وحتى المحاولات الخجولة التي تعاطت مع أجزاء من شعر الاغتراب في محاولة حلقة المقاومة الشعرية لإنصاف المنسيين، تتبدى حقيقة الجهل الفاضح قي بتاريخ فلسطين الشعري ورموزه الحقيقيين، حتى تسلل الخلل للدراسات الأكاديمية وأطروحات أقسام الآداب في الجامعات.
    خلال رحلة راضي صدوق الأدبية شعرا ونقدا وفكرا، جرت الكثير من المساجلات بينه وبين بعض الكتاب الذين ردوا علي كتاباته ورد عليهم موضحا ومفندا ومن ذلك رد صدوق على الدكتور "هدارة "بأن جواهر الأدب قديم معاد مكرور وليس له فضل غير النقل والتحبير "مجلة اقرأ"ورده على "عز الدين المناصرة "في الحياة عندما تجاهل رواد الشعر الفلسطيني، مشيرا الى أن رواد التجديد فلسطينيا هم كمال ناصر ويوسف الخطيب وراضي صدوق وناجي علوش، وأن شعراء الأرض المحتلة عام1948 والذين برزوا في السينيات يعود تكوينهم الشعري لتأثرهم بفدوى طوقان وكمال ناصر ويوسف الخطيب وراضي صدوق.
    في الرأي الثقافي رد صدوق على مقالة إبراهيم خليل عدد13/7/1990ضمن ملاحظاته على كتاب صدوق"هوامش..."قائلا:إن الناقد توقف مع مقالتي غياب النقد المنهجي عن حياتنا الثقافية وأن النقد العربي الحديث زائف ومشبوه، وقد توقف مع مقالتيّ لأن المسألة تخصه شخصيا كونه أخذ على عاتقة مسؤولية النقد، أما ما ذكره الكاتب من أن كتابي ليس إلا مقالات منشورة في الدستور فالصحيح أنها نشرت في القاهرة وبيروت والكويت والسعودية وروما وقطر ،ولم ينشر منها في الدستور سوى أقل القليل.أما قوله إن حدة النقد في مقالاتي لأنني أصدرت مجموعة دواوين ولم تلق ما تستحقه من نقد فأؤكد له زهدي في الظهور ، ناهيك أن شعري تعرّض للدرس بقلم الأستاذ قدري قلعجي والدكتور زكي المحاسني ومحمد سليم الرشدان وأحمد سعيد محمدية والبدوي الملثم وشريف الراس وسمير عطا الله وعز الدين المناصرة ويوسف رحال وصالح جودت وأمينة الصاوي والمستشرق التشيكي "ميلان فيدلر" والقائمة تطول،مما لم اسع له مؤمنا بان النقد الجاد هو الذي يسعى للبحث عن الإصدارات وليس العكس،خاصة وعلاقاتي تفوق العدد ومعارفي المتنفذين ثقافيا كثر .أشير أخيرا لملاحظة أن الكثير من الشعراء الذين يرَوج لهم نشأوا على قصائدي وبينهم من (سرق)ديواني الأول "كان لي قلب" وشوه بعض ملامحه ثم نشره باسمه كاملا ،لكنه كان لطيفا حين أهداني نسخة للسكوت عنه.
    هذا غير قصيدتي "وداع" والتي سطا عليها شاعر كبير ونشرها مشوهة باسمه.
    لراضي صدوق وقفة مع الأدب الغربي الذي يضيف جديدا للتجربة الإنسانية، وقف مع "بيرل باك" ، ""جورج ثيوتوكا" ،"بومار شيه""لوركا""يوجين اونسكو"وغيرهم الكثير ، لافتا لما في كتاباتهم من إضافة لنهر الفكر العالمي ومفندا ما شطح به خيال البعض منهم تينسي وليامز"ها هو يفرد للشباب أوراق الأديب الفرنسي"اندريه موروا" الذي ملأ الدنيا بشهرته إلا انه لم يتنكر لأستاذه ،الفيلسوف المغمور"إميل شارتييه"مقدما للشباب درسا في التواضع واحترام تجارب الآخرين،مهما ضؤلت.
    وقف "صدوق" مع عوليس ناظرا إليه مثلا أعلى ، لكن أكثر ما أمعن النظر فيه "كلام المعقول في أدب اللامعقول قائلا : إن الأمة أحوج ما تكون الى الفكر الجاد العميق والمسئول الذي يعي رسالة الفكر نفسه،فجيعة الأمة ليست في بعض قادتها ولكن في كثير من مفكريها وحفظة الكلمة فيها ،مأساة الفكر عندنا ليست في ضحالته أو قلة أدعيائه، ولكن في انحرافهم لمباذل الحياة على حساب الموقف.
    الفكر تراث إنساني ،متصل مع نهر الحياة ،تلتقي فيه الفلسفة بالتاريخ لقاء الشعر بغيره من فنون الكلام،
    تندغم جميعا بعد أن تنصهر عضويا في مجرى واحد هو حضارة الإنسان.
    اطلع"صدوق" على أدب اللامعقول في تجارب "توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأحمد رجب" وغيرهم،فلم يجد عندهم من أسف شيئا يهدي الفكر الإنساني الى علم استنبات الثمار وهو هنا لا يتهم إلا القارئ الطيب كبير القلب سمح الروح، بارد الأعصاب الذي يقرأ ويقرأ ويفتح فاه ويبتسم بغموض متناسيا أن الأدب رحلة من منابت الشمس بحثا عن حقيقة يقدرونها في ذواتهم لا أن يكتفون بالوقوف بانشداه أمام طواحين الهواء في ثرثرة لا تجلب إلا مزيدا من ضياع.
    للنقد العربي عندنا حكاية جديرة بالتوقف،لغياب المنهجية عما يسمى نقدا،لماذا لا نجد كتبا ترصد أمراضنا وتحلل ظواهر سالبة في حيواتنا أو تدرس قضية فكرية تؤرقنا ؟ المسؤولية بلا شك تقع على عاتق نقدنا المزعوم المفترض أن يكون الحارس والحامي ،ولكنه بسبب غيابه ترك الباب مفتوحا لكثير من التجارب الكسيحة تفعل فعلها،نقرا انهارا من أحكام فجة عابثة باسم النقد تطرح دونما حس بالمسؤولية الأدبية ،من يحمل أقلام النقد إما فئة تحمل معاول الهدم أو توزع النياشين والأوسمة،فهل نبحث عن مبررات لماذا تغيب الثقة بأحكامنا النقدية؟فتشوا عن دهاليز السياسة إذا وتتبعوا كيف سطت على كرامة الفكر وضيعته،كيف أظهرت الدخيل وطمست الأصيل ، لهذا نقدنا في الغالب مشبوه غير بريء الذمة ولا نقي النوايا،دققوا في فضاءنا كاملا ماذا ترون ؟الكثرة من الأسماء المطروحة ذات طابع يساري أو يميني ملتزم أيعقل أن يلغي اسمان في ساحة الشعر تجربة امة وجيش من الشعراء ؟
    كيف نفلسف الحب ونرتقي بهذه الجمرة الى ذرى المتعة ؟
    يعترف صدوق أن الحب لغز،كان كذلك منذ البدء وسيظل الى النهاية،كل تذوق نكهته، لذع لسانه وربما ،حرق قلبه ،هرب منه ،لكننا نجد أنفسنا نغني له بحماسة طفل ساذج مبهور.ننزع أعيننا من حديقة الخيال والجمال،نصعّد أطرافنا في متاهات الحياة، نحس بانقباض غامض ونحن نبحر في ضجيجها،عالم يفور بالصخب والحركة والصراع الرخيص، نبحث عن طيور الحب محلقة فوق الرؤوس ترف بأجنحتها على جباههم دون جدوى.
    لماذا يمتنع الحب عن معايشة الصخب؟لماذا يهرب من الصراع ؟هل لأنه طائر لا تتوهج ألوانه إلا تحت شمس الصفاء ؟ويكون مبللا بمطر البراءة ؟
    طائر الحب لا يحلق إلا في الصحو،زهرة الحب تموت في وعاء حتى من ذهب.
    انه شيفرة أبناء الكلمة،تراهم في الناس كأنهم ليسوا منهم ،تنظر إليهم في غمرة الحياة كأنهم ليسوا من أبناء الحياة.أطياف ذاهلة تتخاطب بالهمس والنظرة وتبخل بالكلمة خوفا أن توصل غير ما يجوس في القلب من أسرار وصفو .الجمال بغيتهم،معنى وروحا، ذهولا واستسلاما أمام كل ما هو رائع،يعشقون الجمال حد الفناء،يذيبهم العشق في ذوات أحبابهم، يتحولون الى أنفاس تنفث بالشعر.



  • د. جمال مرسي
    شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
    • 16-05-2007
    • 4938

    #2
    أخي الأديب الكبير سمير الشريف
    تعرفت من خلال ما كتبت عن راضي صدوق الناقد و المفكر عن شخصية أدبية كبيرة
    لم أكن أعلم عن مكنوناتها إلا اليوم
    دراسة مستفيضة جلت فيها من خلالك في رياض هذا الناقد المفكر الكبير
    فالشكر كل الشكر لك
    و تقبل خالص الود
    sigpic

    تعليق

    • سمير الشريف
      كبار الأدباء والمفكرين
      • 08-06-2007
      • 157

      #3
      رد

      أخي واستاذي الدكتور جمال...............
      أشكرك على مرورك العطر
      ويسرني أنك أول من إستوقفته مساهمتي حو ل أدب أستاذنا راضي صدوق اطال الله بعمره
      حقيقة إستغربت تجاهل الأخوة لهذه الدراسة رغم مرور وقت ليس بالقصير على تنزيلها هنا.
      الدراسة من ضمن ملف وضع خصيصا للرجل إعترافا بفضله وجهده ، وذلك في مجلة أفكار الأردنية عدد شهر تموز الحالي.
      التعديل الأخير تم بواسطة سمير الشريف; الساعة 22-07-2007, 11:08.

      تعليق

      • د. جمال مرسي
        شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
        • 16-05-2007
        • 4938

        #4
        أخي الحبيب سمير الشريف
        الدراسة بالفعل أكثر من رائعة و تستحق القراءة مرات
        و لكن أرجو الاتماس العذر فمعظم الأعضاء و المشرفين في إجازاتهم الآن .
        محبتي و تقديري
        و أنتظر بقية الملف المدهش
        sigpic

        تعليق

        • بنت الشهباء
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 6341

          #5
          من أروع الداراسات النقدية والأدبية والإبداعية والفكرية
          قرأتها اليوم
          أخي الكريم
          سمير الشريف
          فقد احتوت كل مجالات الفكر الأدبي بحديثها عن هذا العلم الشامخ من أعلام الأمة
          وقد أحسنت تسميته بأن راضي صدوق ناقدًا ومفكرًا .. كذلك لا يمكن لنا إلا أن نقول عنه مبدعًا ومتميّزا
          وقد أفنى حياته في إثبات وجوده بين الأدباء , واستطاع أن يصل إلى ما لم يصل إليه أدباء اليوم

          فجزاكَ الله خيرًا على ما قدمته لنا من سيرة عطرة طيبة عن الأستاذ المفكر والمبدع والأديب الملتزم
          راضي صدوق

          أمينة أحمد خشفة

          تعليق

          • سمير الشريف
            كبار الأدباء والمفكرين
            • 08-06-2007
            • 157

            #6
            رد

            الأستاذة أمينة....
            سعدت بمرورك وتعليقك .....
            لا يعرف فضل الكبار الا أمثالهم سيدتي......
            لك خالص التقدير...................

            تعليق

            يعمل...
            X