كتب مصطفى بونيف
عدنــــــــــــا .....

أهلا وسهلا بكم !!!
عدنا ، على طريقة الفضائيات ، بعد فاصل ...ولعل الفاصل خير ، على الرغم من خير الفواصل الإعلانية في التلفزيون ، الفاصل الذي حال بيني وبينكم هذه المرة لم يكن خيرا إطلاقا ، وهو أنني لم أكن قادرا على شيئ في الفترة السابقة ، لا القراءة ولا الكتابة ...إلا مشاهدة التلفزيون – هوايتي المفضلة- !!!
منذ طفولتي أحب الشاشة ، أعشق التلفزيون ، هناك لغة تخاطب و تواصل بيني وبين هذا الجهاز الجميل ...وأتذكر بأنني في سنوات طفولتي الأولى ، لم يكن عندنا تلفزيون بالألوان ...حيث كان المجتمع ينقسم إلى قسمين ...قسم عنده تلفزيون بالألوان ، وقسم عنده تلفزيون أبيض وأسود .
ذهبت إلى والدنا ـ وطلبت منه أن يشتري لنا تلفزيونا بالألوان ...وأن نرتقي في الطبقة الاجتماعية !
فنظر إلي نظرة الكافر لمن صبأ ..وقال لي : التلفزيون الملون يسبب العمى !! ، ومع ذلك بقيت مصرا على مطالبي من خلال الإضراب عن الطعام ، والاحتجاجات ، والمسيرات في رواق البيت ..وغالبا ماكان ينتهي اعتصامي ..بطريحة من قوات الداخلية التي هي أمي طبعا !!!.
حتى رق قلب والدي واشترى لنا تلفزيونا بالألوان ....كانت سعادتي غامرة آنذاك ...وسرعان ما ظهر الفيديو ....وانقسم المجتمع إلى قسم عندهم فيديو ، وقسم ليس لديهم فيديو !!! ، وطبعا عدنا إلى أسلوب الاحتجاجات والمظاهرات ..والإضراب عن الطعام ...وقمع الداخلية ...ولكن باءت كل محاولاتي بالفشل ...فاضطررت إلى استخدام طرق جديدة ..وهي المفاوضات غير المباشرة ، عن طريق السيدة الوالدة طبعا ....وعرضت مجموعة من التنازلات ...أتنازل عن شراء ملابس العيد ، وعن خروف عيد الأضحى ، وعن المصروف ، وأن أقلل من ساعات اللعب ....وكنت أغري الوسيط وهي أمي ..بأن الفيديو يتيح لها مشاهدة الحلقات التي تفوتها من مسلسل الساعة السابعة والربع ، عندما تكون مشغولة بالضيوف أو أي شيئ آخر ...وبأنه بإمكاننا مشاهدة حلقات من برنامج العلم والإيمان ...فشرائطه متوفرة في كل مكان ...وبعد أخذ ورد ...اقتنى لنا الوالد جهاز الفيديو ...لكنني وبكل نذالة ، تراجعت عن تنازلاتي جميعها ..ولم أكن أشاهد إلا شرائط الرسوم المتحركة ، والأفلام الهندية !!! .
واستمر الحال ...حتي مطلع التسعينيات ....وظهرت الفضائيات ...لينقسم الناس إلى قسمين ، قسم عنده فضائيات ، وقسم بدون فضائيات ....ولم أكن في حاجة إلى الإضراب عن الطعام ، وأساليب الاحتجاج العادية ...دخلت في مفاوضات مباشرة مع والدنا ...
- يا ابني ...الفضائيات فيها برامج مسخرة وقلة أدب ، وبيتنا بيت طاهر ، الشيخ الشعراوي يقول أنها حرام !!
- لا يا أبي ، الشعراوي لم يقل بأنها حرام ،ثم إن الفضائيات تعرض برامجه باستمرار ...
لم يكن في حينها الكثير من الفضائيات ....سوى الفضائية المصرية ، وبعض القنوات الحكومية ..
..اقتنع الوالد واشترى لنا جهاز استقبال الفضائيات ..
كان والدي عندما يدخل علي متلبسا بمشاهدة أغنية " أل جاني بعد يومين " لسميرة سعيد في دار الأوبرا المصرية ..يصرخ منزعجا " شايف المسخرة ..هذا الذي كنت خائفا منه ، وسرعان ما يغير المحطة إلى الفضائية اليمنية ، وبرنامج عن ثقافة الكتاب وكتاب الثقافة والعلاقة بينهما " فأخرج من الغرفة وأنا أستشيط غضبا !!!.
كبرنا ....ولم أدخل على البيت ببطيخة أو كيس طحين ...بل دخلت عليهم بجهاز استقبال فضائي مالتي سيستام ...وبثلاث كروت تشفير ...وأقول لوالدي ...هذا الجهاز يستقبل 700 قناة ، كلها إخبارية !!!
ودخلت معي هيفاء وهبي ، ونانسي عجرم ، و جماعة الإخوة الأعداء ...
الموبايل في الأذن ، والسندوتش في اليد ، وأمامي تلفزيون 74 سم ، بجهاز استقبال فضائي مالتي سيستم ....ويمر العمر سريعا !!!! ، لا أعتقد بأن ابني سيجد شيئا سيقوم بالإضراب عن الطعام من أجله ...ولن ينقسم المجتمع بعد هذه الثورة الفضائية .
حلــــو الكلام ؟؟؟؟
نلتقـــــــي بعد الفــــــاصل
مصطفى بونيـــــــــــــف
عدنــــــــــــا .....

أهلا وسهلا بكم !!!
عدنا ، على طريقة الفضائيات ، بعد فاصل ...ولعل الفاصل خير ، على الرغم من خير الفواصل الإعلانية في التلفزيون ، الفاصل الذي حال بيني وبينكم هذه المرة لم يكن خيرا إطلاقا ، وهو أنني لم أكن قادرا على شيئ في الفترة السابقة ، لا القراءة ولا الكتابة ...إلا مشاهدة التلفزيون – هوايتي المفضلة- !!!
منذ طفولتي أحب الشاشة ، أعشق التلفزيون ، هناك لغة تخاطب و تواصل بيني وبين هذا الجهاز الجميل ...وأتذكر بأنني في سنوات طفولتي الأولى ، لم يكن عندنا تلفزيون بالألوان ...حيث كان المجتمع ينقسم إلى قسمين ...قسم عنده تلفزيون بالألوان ، وقسم عنده تلفزيون أبيض وأسود .
ذهبت إلى والدنا ـ وطلبت منه أن يشتري لنا تلفزيونا بالألوان ...وأن نرتقي في الطبقة الاجتماعية !
فنظر إلي نظرة الكافر لمن صبأ ..وقال لي : التلفزيون الملون يسبب العمى !! ، ومع ذلك بقيت مصرا على مطالبي من خلال الإضراب عن الطعام ، والاحتجاجات ، والمسيرات في رواق البيت ..وغالبا ماكان ينتهي اعتصامي ..بطريحة من قوات الداخلية التي هي أمي طبعا !!!.
حتى رق قلب والدي واشترى لنا تلفزيونا بالألوان ....كانت سعادتي غامرة آنذاك ...وسرعان ما ظهر الفيديو ....وانقسم المجتمع إلى قسم عندهم فيديو ، وقسم ليس لديهم فيديو !!! ، وطبعا عدنا إلى أسلوب الاحتجاجات والمظاهرات ..والإضراب عن الطعام ...وقمع الداخلية ...ولكن باءت كل محاولاتي بالفشل ...فاضطررت إلى استخدام طرق جديدة ..وهي المفاوضات غير المباشرة ، عن طريق السيدة الوالدة طبعا ....وعرضت مجموعة من التنازلات ...أتنازل عن شراء ملابس العيد ، وعن خروف عيد الأضحى ، وعن المصروف ، وأن أقلل من ساعات اللعب ....وكنت أغري الوسيط وهي أمي ..بأن الفيديو يتيح لها مشاهدة الحلقات التي تفوتها من مسلسل الساعة السابعة والربع ، عندما تكون مشغولة بالضيوف أو أي شيئ آخر ...وبأنه بإمكاننا مشاهدة حلقات من برنامج العلم والإيمان ...فشرائطه متوفرة في كل مكان ...وبعد أخذ ورد ...اقتنى لنا الوالد جهاز الفيديو ...لكنني وبكل نذالة ، تراجعت عن تنازلاتي جميعها ..ولم أكن أشاهد إلا شرائط الرسوم المتحركة ، والأفلام الهندية !!! .
واستمر الحال ...حتي مطلع التسعينيات ....وظهرت الفضائيات ...لينقسم الناس إلى قسمين ، قسم عنده فضائيات ، وقسم بدون فضائيات ....ولم أكن في حاجة إلى الإضراب عن الطعام ، وأساليب الاحتجاج العادية ...دخلت في مفاوضات مباشرة مع والدنا ...
- يا ابني ...الفضائيات فيها برامج مسخرة وقلة أدب ، وبيتنا بيت طاهر ، الشيخ الشعراوي يقول أنها حرام !!
- لا يا أبي ، الشعراوي لم يقل بأنها حرام ،ثم إن الفضائيات تعرض برامجه باستمرار ...
لم يكن في حينها الكثير من الفضائيات ....سوى الفضائية المصرية ، وبعض القنوات الحكومية ..
..اقتنع الوالد واشترى لنا جهاز استقبال الفضائيات ..
كان والدي عندما يدخل علي متلبسا بمشاهدة أغنية " أل جاني بعد يومين " لسميرة سعيد في دار الأوبرا المصرية ..يصرخ منزعجا " شايف المسخرة ..هذا الذي كنت خائفا منه ، وسرعان ما يغير المحطة إلى الفضائية اليمنية ، وبرنامج عن ثقافة الكتاب وكتاب الثقافة والعلاقة بينهما " فأخرج من الغرفة وأنا أستشيط غضبا !!!.
كبرنا ....ولم أدخل على البيت ببطيخة أو كيس طحين ...بل دخلت عليهم بجهاز استقبال فضائي مالتي سيستام ...وبثلاث كروت تشفير ...وأقول لوالدي ...هذا الجهاز يستقبل 700 قناة ، كلها إخبارية !!!
ودخلت معي هيفاء وهبي ، ونانسي عجرم ، و جماعة الإخوة الأعداء ...
الموبايل في الأذن ، والسندوتش في اليد ، وأمامي تلفزيون 74 سم ، بجهاز استقبال فضائي مالتي سيستم ....ويمر العمر سريعا !!!! ، لا أعتقد بأن ابني سيجد شيئا سيقوم بالإضراب عن الطعام من أجله ...ولن ينقسم المجتمع بعد هذه الثورة الفضائية .
حلــــو الكلام ؟؟؟؟
نلتقـــــــي بعد الفــــــاصل
مصطفى بونيـــــــــــــف
تعليق