بالأمس كانت هنا ....
طالعت في وجهها أيام الصبا الجميلة وهي تدعوني لحضور حفلة زفاف يوم عمرها ....
نور البسمة لم يكن يفارق ثغرها ....
جمالها الأنثوي يملأ قلب روحها....
أشعة الجمال النضرة , وابتسامة الروح الندية تسكن فتنة معانيها ....
مركبة عاطفتها كأنّها غصن بانٍ يتهادى فرحًا ونشوةً وطربًا في روض جنة أملها ....
باقة من الزهور الطيبة , وسحر الآمال العطرة , وأًنس الليالي النديّة تسكن قلبها....
عذراء هي....
في داخلها عاطفة مشبوبة أينعت ثمارها مع كلّ خفقة من خفقات صدرها....
لم أكن أريد أن أقول لها إلاّ:
ألف مبروك لكِ هذا اليوم البهيج يا صديقتي ....
يكفي أنكِ حملت هذا الحبّ الصادق الوفيّ بين جنبات صدرك....
ما أجمل هذا الوجه البريء الذي جعل من هيئة روحها تمثالًا
لظرف الحسان , وخلق منها لحنًا لموسيقى الزمان!!....
عقد قرانها لتهفو إلى حبيب العمر, وستقطع معه كلّ مسالك البرّ والبحر
وهي تأمل أن تنعم بالدفء والحنان بين ذراعيَّ الحبّ ....
موكب زفافها كان مهيبًا تكلّّل بباقات الزهور العطرة ، ولا يمكن له أن يمحى من الذهن....
إنه يوم الكلمة الحيّة النابضة التي أرادت أن تهبها لحبّ حبّها وهي
تناديه:
أيا عمري أنا ملك يديكَ....
لن أرحل ، ولن أكون بعد الآن بعيدةً عنكَ....
عروس ترتدي ثوب الزفاف , والنشوة تملأ روح جسدها ....
ورقة خضراء ناعمة لن تسمح إلاّ لحبّها أن يلمسها ....
ظهرت وكأنّها ضوء كوكب يلمع في سماء الكون ،وجوهرة صافية متلألئة صقلها الوفاء والحبّ ....
عروس تحمل أنفاس الربيع ،ولا يمكن لأحد أن يلومها ؛ ذلك لأنّ ريح الجمال تفوح من صبا حلم أملها ....
لو أدرت النظر إلى هذا المشهد العظيم لرأيت عصفورة تدعوك
أن تسمع حديث القلب الذي يغرّد بأنغامه الشجية ليلمس كلّ من حولها نشوة حبها..
لم أعرف عنها إلاّ طهارة وبراءة القلب ....
ما أعذب مناجاتها وهي تسمع كلّ كلمة ولا تردها خائبة
من كانت تحسبه أنّه حبيبها....
ترتفع إلى أعلى درجات القلب لتدنو من روحه , فتتموج بحسنها
لتحوّل حلمها الخمري إلى حقيقة أقامت عليها صرح أمانيها ....
لم تكن تعرف أنّه اقتحم قلبها لمنافع مادية ومصالح شخصية....
لم تكن تعرف أنّه لم يحمل لها قلبًا رؤومًا , وحباً وفيًّا صادقًا ....
لم تكن تعرف أنه كان يريد فقط البيت, والسيارة , والمركز الاجتماعي من عائلتها....
عجائب القدر قضت أن تسير مع قاتلها بعد أقل
من سنة لفترة زواجها , إلى حيث هو يريد ....
لم تكن تعلم أنها سترافقه في سفره إلى حيث الموت والهلاك....
الحبّ في قلبها دفعها أن تُطيعه وتخضع لكلّ أوامره ....
كيف لا وقد أينعت ثمرة حبها في أعماق فؤادها ؟؟..
إنّه الطفل المنتظر الذي تحمله بين أحشائها....
ستهلّل لهذا الأمل المضيء لتنير به قلب زوجها ....
ثلاثة شهور ونيف حملت الجنين في بطنها قبل أن تعدو
إلى ما يريده حبيب عمرها ....
إحساسٌ مخيف هاجمها , هواجسٌ رهيبة اقتحمت مخيّلتها ،
ومع ذلك ستثابر الطريق مع زوجها رغمًا من
ابتسامة شاحبة رأيتها علامة على حُمرة خدّيها ....
انطلقت معه ليقتلها برصاصة طيشه , وعنفوان كبريائه , وماديّة روحه....
صورة بشعة لا يمكن والله وصفها....
أوقفه حاجز مكافحة المخدرات ، فلم يقف ....
استمر في سرعة طيشه ...
أوقفه حاجز آخر فلم يقف وآخر وآخر ولم يقف....
حينها صَدَر الأمر أن تُضرب مركبته بالرصاص الحي ....
رصاصة واحدة قدّر لها أن تخترق جسد العروس, وبراءة الطفولة ....
من الممكن أن تكذب على من حولك , لكن هل من الممكن أن تكذب
يوم تقف أمام الله ربّك!! ؟؟؟....
لم تمتْ....
مازالت تحيا مع الحبّ العنيد الذي سيطر على كلّ ما في روحها....
نقلت إلى المستشفى وفي داخلها أمل بالشفاء العاجل من ربّها....
بقيت تبتسم أمام زوجها وذويها ابتسامة الجمال والحبّ , وهي
ترقب الأيام لتعود إلى قفص روحها....
بينما قاتلها يتنقّل من ممرضة إلى ممرضة ، ويعيث فسادًا , وفسقًا, وفجورًا معهن ....
طالعت في وجهها أيام الصبا الجميلة وهي تدعوني لحضور حفلة زفاف يوم عمرها ....
نور البسمة لم يكن يفارق ثغرها ....
جمالها الأنثوي يملأ قلب روحها....
أشعة الجمال النضرة , وابتسامة الروح الندية تسكن فتنة معانيها ....
مركبة عاطفتها كأنّها غصن بانٍ يتهادى فرحًا ونشوةً وطربًا في روض جنة أملها ....
باقة من الزهور الطيبة , وسحر الآمال العطرة , وأًنس الليالي النديّة تسكن قلبها....
عذراء هي....
في داخلها عاطفة مشبوبة أينعت ثمارها مع كلّ خفقة من خفقات صدرها....
لم أكن أريد أن أقول لها إلاّ:
ألف مبروك لكِ هذا اليوم البهيج يا صديقتي ....
يكفي أنكِ حملت هذا الحبّ الصادق الوفيّ بين جنبات صدرك....
ما أجمل هذا الوجه البريء الذي جعل من هيئة روحها تمثالًا
لظرف الحسان , وخلق منها لحنًا لموسيقى الزمان!!....
عقد قرانها لتهفو إلى حبيب العمر, وستقطع معه كلّ مسالك البرّ والبحر
وهي تأمل أن تنعم بالدفء والحنان بين ذراعيَّ الحبّ ....
موكب زفافها كان مهيبًا تكلّّل بباقات الزهور العطرة ، ولا يمكن له أن يمحى من الذهن....
إنه يوم الكلمة الحيّة النابضة التي أرادت أن تهبها لحبّ حبّها وهي
تناديه:
أيا عمري أنا ملك يديكَ....
لن أرحل ، ولن أكون بعد الآن بعيدةً عنكَ....
عروس ترتدي ثوب الزفاف , والنشوة تملأ روح جسدها ....
ورقة خضراء ناعمة لن تسمح إلاّ لحبّها أن يلمسها ....
ظهرت وكأنّها ضوء كوكب يلمع في سماء الكون ،وجوهرة صافية متلألئة صقلها الوفاء والحبّ ....
عروس تحمل أنفاس الربيع ،ولا يمكن لأحد أن يلومها ؛ ذلك لأنّ ريح الجمال تفوح من صبا حلم أملها ....
لو أدرت النظر إلى هذا المشهد العظيم لرأيت عصفورة تدعوك
أن تسمع حديث القلب الذي يغرّد بأنغامه الشجية ليلمس كلّ من حولها نشوة حبها..
لم أعرف عنها إلاّ طهارة وبراءة القلب ....
ما أعذب مناجاتها وهي تسمع كلّ كلمة ولا تردها خائبة
من كانت تحسبه أنّه حبيبها....
ترتفع إلى أعلى درجات القلب لتدنو من روحه , فتتموج بحسنها
لتحوّل حلمها الخمري إلى حقيقة أقامت عليها صرح أمانيها ....
لم تكن تعرف أنّه اقتحم قلبها لمنافع مادية ومصالح شخصية....
لم تكن تعرف أنّه لم يحمل لها قلبًا رؤومًا , وحباً وفيًّا صادقًا ....
لم تكن تعرف أنه كان يريد فقط البيت, والسيارة , والمركز الاجتماعي من عائلتها....
عجائب القدر قضت أن تسير مع قاتلها بعد أقل
من سنة لفترة زواجها , إلى حيث هو يريد ....
لم تكن تعلم أنها سترافقه في سفره إلى حيث الموت والهلاك....
الحبّ في قلبها دفعها أن تُطيعه وتخضع لكلّ أوامره ....
كيف لا وقد أينعت ثمرة حبها في أعماق فؤادها ؟؟..
إنّه الطفل المنتظر الذي تحمله بين أحشائها....
ستهلّل لهذا الأمل المضيء لتنير به قلب زوجها ....
ثلاثة شهور ونيف حملت الجنين في بطنها قبل أن تعدو
إلى ما يريده حبيب عمرها ....
إحساسٌ مخيف هاجمها , هواجسٌ رهيبة اقتحمت مخيّلتها ،
ومع ذلك ستثابر الطريق مع زوجها رغمًا من
ابتسامة شاحبة رأيتها علامة على حُمرة خدّيها ....
انطلقت معه ليقتلها برصاصة طيشه , وعنفوان كبريائه , وماديّة روحه....
صورة بشعة لا يمكن والله وصفها....
أوقفه حاجز مكافحة المخدرات ، فلم يقف ....
استمر في سرعة طيشه ...
أوقفه حاجز آخر فلم يقف وآخر وآخر ولم يقف....
حينها صَدَر الأمر أن تُضرب مركبته بالرصاص الحي ....
رصاصة واحدة قدّر لها أن تخترق جسد العروس, وبراءة الطفولة ....
من الممكن أن تكذب على من حولك , لكن هل من الممكن أن تكذب
يوم تقف أمام الله ربّك!! ؟؟؟....
لم تمتْ....
مازالت تحيا مع الحبّ العنيد الذي سيطر على كلّ ما في روحها....
نقلت إلى المستشفى وفي داخلها أمل بالشفاء العاجل من ربّها....
بقيت تبتسم أمام زوجها وذويها ابتسامة الجمال والحبّ , وهي
ترقب الأيام لتعود إلى قفص روحها....
بينما قاتلها يتنقّل من ممرضة إلى ممرضة ، ويعيث فسادًا , وفسقًا, وفجورًا معهن ....
تنظر إليه بعين الوفاء والحبّ , لا بقلب المادة والأنانية.....
تلك هي حالها على فراش المرض....
عجز الأطباء عن معالجتها بعد أن أُجريت لها العملية تلو العملية
- بالإضافة إلى عملية الإجهاض لطفل حبها- ومع ذلك ورغمًا
من شحوب وجهها , وابتسامة ألمها تودّ أنْ تدنو من القمر, وتقف معه وسط السماء لتسامره طوال الليل وهي ساكنة وديعة , وعلامة المرض لم تستطع أنْ تمحو آثار حسنها وجمالها ....
اتفق الأطباء أن لا علاج لها في بلدها لتسافر إلى أحد مستشفيات لندن حيث الطبّ والمدنية الحديثة وتكمل علاجها ....
أملها بالحياة تنثره على خواطر الذهن لتتناول رشفة الحب
بيديها وتعود إلى بلدها فتسقي كأسَ الوفاء والإخلاص لزوجها ....
دقائق عديدة والعملية الجراحية تبدأ....
أرادت أن تلقي نظرة أخيرة إلى أخيها , فطلبت منه كأسًا من الماء تروي به عطش حياتها , وكأنّها في هذه اللحظة أرادت أن تودّع
دنياها بكلمة حبّ , ودمعة حزنٍ بعد أن أملق القدر حياتها ....
أوصيك يا أخي بزوجي....
عرفت أنها قد تدخل العملية بجسدها وروحها ، لتخرج وقد رحلت الروح عن الجسد إلى ملكوت ربّها ....
ثلاثة شهور وهي على فراش المرض ،لتقضي حياتها بعيدة عن ذويها وحبّها بين مجموعة من الأطباء أثناء إجراء العملية الجراحية لها ....
الله الواحد القهار قضى أن يُرسِل ملك الموت في تلك اللحظة ....
كلّ شيء انتهى قبل انتهاء العملية الجراحية ببضع دقائق ....
من ذا الذي وقفَ في طريق حياة الزهرة اليافعة التي مازالت في أوج نضارتها ؟؟؟....
ربّ ملكوت السماوات والأرض الواحد القهّار , مالك كل شيء....
حُمِلت إلى وطنها بعد ساعات من موتها لتودّع أحبّاء العمر
قبل أن يوارى الثرى على جسدها ....
الأمُّ الحنون لم تحتمل فلذة كبدها وهي جثة هامدة بين يديها ....
أرادت أن تسكن بجانب حبها , ولا تصحو أبدا من غفوتها ....
وجهها كوجه ملائكة السماء وهي مستلقية جثة هامدة على فراشها ....
أراد الله أن يضفي عليها علامة الحسن والجمال ليزيدها رونقًا وضياءً ،
فتشتبك كلّ الدموع لفراق جسدها....
ظهرت وكأنّها طفلٌ بريءٌ أغمض عينيه ليستريح من دنيا زمانه ،
ويسبح في نور السماء ليستضيء بشعلة الرضا والمحبة
حين يلقى وجه ربّه ....
قدّر لكِ أن ترحلي في عمر الشباب والزهور ....
نبكي عليك لا لفراقكِ , بل لبقائنا بدونكِ....
الحقائق العالية انقسمت ما بين الروح والجسد أمام لحظة الوداع الأخيرة ....
فرغت كلّ الأشياء من معانيها , ولم تترك سوى ميراث مودتها ،
وطِيب نفسها, وسمو حبها....
تمسح الأم جبهة ابنتها وتناجيها بصوت حزين :
ارحمي أمّك من ألم الفراق , ولا ترحلي عنها يا حبيبتي،
لست بقادرة والله على تحمّل بعدك يا فلذة الكبد ....
لو نظرت إلى الأمّ لوجدت قلبها لهيب من الجمر
يتقد ويشتعل ليزيد من حرقة الفراق ....
يبدو الانكسار على وجهها وهي تنادي :
رفقًا بي ....
لا أيتها الأمُّ الصابرة....
وديعة من ودائع الدهر أودعها الله لكِ , وقد حان الأوان ليستردّها منك ،
ولعلّ الله أراد لكِ الخير في مصيبتك ....
اطلبي أيتها الأم الصبر والسلوان والعزاء
من الله العلي القدير , والرحمن الرحيم ....
سكنت الأم صابرة محتسبة إلى وجه السماء
ولم ينطق لسانها إلاّ قولًا واحدًا :
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ....
حسبنا الله ونعم الوكيل ....
حُملت على الأكتاف , وثوب الزفاف يغطي جنازتها ....
موكبُ زفافك بهيج , وموكبُ جنازتك مُهيب....
مَنْ يشهده لا يمكن إلاّ أن يعتريه كآبة عمرٍ كاملٍ
حين يعلم أنها بالأمس كانت هنا , واليوم إلى القبر تسير....
الحياة تختلط بالموت ،نحاول أن نمسك الظل الممتد إلينا لنمنعه من الرحيل ولكن كيف ؟؟؟....
لسنا في الدنيا سوى عابري سبيل....
بضع دقائق وتُزف العروس إلى قبرها....
إشارة وداعٍ لذويها....
الحاضر لا يمكن إلاّ أن يكونَ ماضياً ، والدنيا تبدأ من الأدنى لتنتهي عند الأعلى....
أُُنزلت العروس إلى القبر ليوارى الثرى على جسدها....
يا الله هاهي ذي أسرار الموت قد حولّت الزمن بسرعة ليقف أمام الجسد وتعود إليه الروح من جديد ليبدأ معه حساب العمل ....
آه لو عرف الإنسان هذه الحقيقة والله حينها لن يعمل
إلا بالحبّ والخير, والصدق والوفاء !!....
أه لو عرف الإنسان تلك الحقيقة لما طغى وتكبّر وتجبّر!!....
لم أجد في السماء إلا عنوانًا واحدًا لا غيره :
((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))
ولم أر في الأرض إلا عنواناً واحداً لا سواه:
((ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ))
خرجنا من المقبرة لنلاقي الدنيا , وروابي الخلق...
هل يأمل الإنسان أن يشهد تلك الحقيقة لإصلاح ما تعتري نفسه
من شوائب ونزاعات شتى ، وما يتلّون فيها من متاع زائف ؟؟..
نهفُو إلى الحياة ونعدو إليها بسرعة دون أن نفكر بتلك اللحظة الرهيبة ...
هل من الممكن أن نخدع أنفسنا دائما
وننكر أنّ ساعة الموت آتية لا ريب فيها ؟؟..
فيا أيّها الإنسان ما غرّك بهذه الحياة الدنيا ؟؟..
كل شيء ستتركه وتذهب بعملك للقاء ربك ...
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة , وعند الموت شهادة ،وارزقنا بعد الموت جنّة ونعيمًا وملكًا كبيرًا....
تلك هي حالها على فراش المرض....
عجز الأطباء عن معالجتها بعد أن أُجريت لها العملية تلو العملية
- بالإضافة إلى عملية الإجهاض لطفل حبها- ومع ذلك ورغمًا
من شحوب وجهها , وابتسامة ألمها تودّ أنْ تدنو من القمر, وتقف معه وسط السماء لتسامره طوال الليل وهي ساكنة وديعة , وعلامة المرض لم تستطع أنْ تمحو آثار حسنها وجمالها ....
اتفق الأطباء أن لا علاج لها في بلدها لتسافر إلى أحد مستشفيات لندن حيث الطبّ والمدنية الحديثة وتكمل علاجها ....
أملها بالحياة تنثره على خواطر الذهن لتتناول رشفة الحب
بيديها وتعود إلى بلدها فتسقي كأسَ الوفاء والإخلاص لزوجها ....
دقائق عديدة والعملية الجراحية تبدأ....
أرادت أن تلقي نظرة أخيرة إلى أخيها , فطلبت منه كأسًا من الماء تروي به عطش حياتها , وكأنّها في هذه اللحظة أرادت أن تودّع
دنياها بكلمة حبّ , ودمعة حزنٍ بعد أن أملق القدر حياتها ....
أوصيك يا أخي بزوجي....
عرفت أنها قد تدخل العملية بجسدها وروحها ، لتخرج وقد رحلت الروح عن الجسد إلى ملكوت ربّها ....
ثلاثة شهور وهي على فراش المرض ،لتقضي حياتها بعيدة عن ذويها وحبّها بين مجموعة من الأطباء أثناء إجراء العملية الجراحية لها ....
الله الواحد القهار قضى أن يُرسِل ملك الموت في تلك اللحظة ....
كلّ شيء انتهى قبل انتهاء العملية الجراحية ببضع دقائق ....
من ذا الذي وقفَ في طريق حياة الزهرة اليافعة التي مازالت في أوج نضارتها ؟؟؟....
ربّ ملكوت السماوات والأرض الواحد القهّار , مالك كل شيء....
حُمِلت إلى وطنها بعد ساعات من موتها لتودّع أحبّاء العمر
قبل أن يوارى الثرى على جسدها ....
الأمُّ الحنون لم تحتمل فلذة كبدها وهي جثة هامدة بين يديها ....
أرادت أن تسكن بجانب حبها , ولا تصحو أبدا من غفوتها ....
وجهها كوجه ملائكة السماء وهي مستلقية جثة هامدة على فراشها ....
أراد الله أن يضفي عليها علامة الحسن والجمال ليزيدها رونقًا وضياءً ،
فتشتبك كلّ الدموع لفراق جسدها....
ظهرت وكأنّها طفلٌ بريءٌ أغمض عينيه ليستريح من دنيا زمانه ،
ويسبح في نور السماء ليستضيء بشعلة الرضا والمحبة
حين يلقى وجه ربّه ....
قدّر لكِ أن ترحلي في عمر الشباب والزهور ....
نبكي عليك لا لفراقكِ , بل لبقائنا بدونكِ....
الحقائق العالية انقسمت ما بين الروح والجسد أمام لحظة الوداع الأخيرة ....
فرغت كلّ الأشياء من معانيها , ولم تترك سوى ميراث مودتها ،
وطِيب نفسها, وسمو حبها....
تمسح الأم جبهة ابنتها وتناجيها بصوت حزين :
ارحمي أمّك من ألم الفراق , ولا ترحلي عنها يا حبيبتي،
لست بقادرة والله على تحمّل بعدك يا فلذة الكبد ....
لو نظرت إلى الأمّ لوجدت قلبها لهيب من الجمر
يتقد ويشتعل ليزيد من حرقة الفراق ....
يبدو الانكسار على وجهها وهي تنادي :
رفقًا بي ....
لا أيتها الأمُّ الصابرة....
وديعة من ودائع الدهر أودعها الله لكِ , وقد حان الأوان ليستردّها منك ،
ولعلّ الله أراد لكِ الخير في مصيبتك ....
اطلبي أيتها الأم الصبر والسلوان والعزاء
من الله العلي القدير , والرحمن الرحيم ....
سكنت الأم صابرة محتسبة إلى وجه السماء
ولم ينطق لسانها إلاّ قولًا واحدًا :
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ....
حسبنا الله ونعم الوكيل ....
حُملت على الأكتاف , وثوب الزفاف يغطي جنازتها ....
موكبُ زفافك بهيج , وموكبُ جنازتك مُهيب....
مَنْ يشهده لا يمكن إلاّ أن يعتريه كآبة عمرٍ كاملٍ
حين يعلم أنها بالأمس كانت هنا , واليوم إلى القبر تسير....
الحياة تختلط بالموت ،نحاول أن نمسك الظل الممتد إلينا لنمنعه من الرحيل ولكن كيف ؟؟؟....
لسنا في الدنيا سوى عابري سبيل....
بضع دقائق وتُزف العروس إلى قبرها....
إشارة وداعٍ لذويها....
الحاضر لا يمكن إلاّ أن يكونَ ماضياً ، والدنيا تبدأ من الأدنى لتنتهي عند الأعلى....
أُُنزلت العروس إلى القبر ليوارى الثرى على جسدها....
يا الله هاهي ذي أسرار الموت قد حولّت الزمن بسرعة ليقف أمام الجسد وتعود إليه الروح من جديد ليبدأ معه حساب العمل ....
آه لو عرف الإنسان هذه الحقيقة والله حينها لن يعمل
إلا بالحبّ والخير, والصدق والوفاء !!....
أه لو عرف الإنسان تلك الحقيقة لما طغى وتكبّر وتجبّر!!....
لم أجد في السماء إلا عنوانًا واحدًا لا غيره :
((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))
ولم أر في الأرض إلا عنواناً واحداً لا سواه:
((ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ))
خرجنا من المقبرة لنلاقي الدنيا , وروابي الخلق...
هل يأمل الإنسان أن يشهد تلك الحقيقة لإصلاح ما تعتري نفسه
من شوائب ونزاعات شتى ، وما يتلّون فيها من متاع زائف ؟؟..
نهفُو إلى الحياة ونعدو إليها بسرعة دون أن نفكر بتلك اللحظة الرهيبة ...
هل من الممكن أن نخدع أنفسنا دائما
وننكر أنّ ساعة الموت آتية لا ريب فيها ؟؟..
فيا أيّها الإنسان ما غرّك بهذه الحياة الدنيا ؟؟..
كل شيء ستتركه وتذهب بعملك للقاء ربك ...
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة , وعند الموت شهادة ،وارزقنا بعد الموت جنّة ونعيمًا وملكًا كبيرًا....
بقلم : بنت الشهباء
أمينة أحمد خشفة
أمينة أحمد خشفة
تعليق