مسيرة لا تقف
سَلَخت الجلد الأسري المنّعم بحنان الأمومة ، ودفء الأخوة عن بدنك ، ورميت أسمالك الممزقة المرنخة بعطر الحارات .
ولَّيت وجهك الحرية ولَظى الشمس - ولهفة انتظار بنت الجيران تمرق من أمامك في شارع الثلاثين ، وصرت تجلس في غرفة قميئة غطت جدرانها المصلقات ، والعبارات ، وتناثرت على أرضيتها المبلطة أعقاب السجائر ، وبقع التنخمات ، يعبق فضاؤها برائحة الأقدام والفساء ، إنحشرت في عمارة إربدية كبيرة لا تدركها الأنظار .
تلتقون في إجتماعات سرية ، ترتعشون ، تتناقشون ، تضحكون ، تخافون ، يسب بعضكم بعضاً ، تتشايعون ، تتشاجرون ، تضحكون ... وتقهقهون .
وفي صباح اليوم التالي ، وقبل أن تتوسط الشمس كبد السماء تمتشقون اليافطات القماشية المحبرة بالشعارات من كل اتجاه ، وتقتحمون شوارع الجامعة اللوزية ، وساحاتها الإسفلتية الناعمة تغطيها يافطاتكم كسحب الحمائم الملونة ، تشدون كل حمامة من قدميها الخشبيتين منفرجة عن صحائف محبّرة باللون الأحمر والأسود تحيون ذكرى النكبة ، وذكرى المناسبات الوطنية ، وسقوط الشهداء .
عاشت فلسطين عاشت حرة عربية
تدقون قفل الحرية بعناد ، وتسيرون دون اكتراث .
ينظرون اليكم كومة من حطب ، أو شعلة من غضب ، يدركون أنهم مادة هلامية سرعان ما تتيبس وتتحول الى قشرة هشة تذروها الرياح .
- " من أنتم ؟ " أسأل
أشدك من قميصك وأسال ، أهزك بعنف وأنا أصرخ في وجهك :
- " ما لنا ، ولهذه الأمور ؟ "
" ابتعد عنهم " .
" ستسقطون " .
" منكم وفيكم ستسقطون " .
" سيزجون بكم في غياهب أماكن لا نعرفها ، لا تدركها الأنظار ، ولا يدّلـوننا عليها " .
" ابتعد عنهم " .
أقترب من أنفاسه أكثر ، أمسكه من كتفه ، ينظر اليّ وهو صامت مطأطئ الرأس بلا ملامح ، خجلاً مني أو احتراماً ، لا أدري ! لعله يحترمني ، لا يرد ، لا يريد اغضابي ، أو نرفزتي .
أقول له : " دعك منهم ، دعهم وشأنهم ، إبتعد عنهم ؟ "
قبل أن أغادره ، تكون فترة وقوفنا قد سلختنا عن المسيرة ، وابتعدت ، أعيد عليه الكلام ، وفحوى النظام ، أنبهه إلى ضرورة الحرص على جامعته ودروسه ، يظل على حالته ناظراً في الأرض ، صامتــاً لا يتململ ؛ أتركه أودعه ، لكن ليس قبل أن أعتذر منه : " أرجوك ، لا تزعل ، طريقتي فظة ، أنت تعرفني ، أنا قصدي مصلحتك ، خوفي عليك ، على مستقبلك " .
يبقى في مكانه جامداً لا يتحرك ، الأرض تحت قدمي تتحرك وتهتز لنبرة صوتي الراجية بجبن وحزن ، لكن هدوءه المقيت ينمنم جسدي ويثير أعصابي ، يحجز عني الكلمات ولا يشاركني الحديث ولو بكلمة نعم ، أو لا ، حتى رأسه لا يهزه راضياً أو ساخطاً . طريقة صمته تكون كالسياط تجلدني عقاباً ، أو احتقاراً . ولعله في داخله يكون يبصق في وجهي أو يوشك أن يصفعني بحذائه المهترئ ..
" هل سمعني ؟ هل يطيعني هذه المرة ؟ هل اقتنع بوجهة نظري وسوف يتركهم ؟ " .
تودعني المسيرة ، وتنسلخ عني صاخبة بلا توقف ، فيما أظل أنا جامداً في مكاني لا أتحرك .
سَلَخت الجلد الأسري المنّعم بحنان الأمومة ، ودفء الأخوة عن بدنك ، ورميت أسمالك الممزقة المرنخة بعطر الحارات .
ولَّيت وجهك الحرية ولَظى الشمس - ولهفة انتظار بنت الجيران تمرق من أمامك في شارع الثلاثين ، وصرت تجلس في غرفة قميئة غطت جدرانها المصلقات ، والعبارات ، وتناثرت على أرضيتها المبلطة أعقاب السجائر ، وبقع التنخمات ، يعبق فضاؤها برائحة الأقدام والفساء ، إنحشرت في عمارة إربدية كبيرة لا تدركها الأنظار .
تلتقون في إجتماعات سرية ، ترتعشون ، تتناقشون ، تضحكون ، تخافون ، يسب بعضكم بعضاً ، تتشايعون ، تتشاجرون ، تضحكون ... وتقهقهون .
وفي صباح اليوم التالي ، وقبل أن تتوسط الشمس كبد السماء تمتشقون اليافطات القماشية المحبرة بالشعارات من كل اتجاه ، وتقتحمون شوارع الجامعة اللوزية ، وساحاتها الإسفلتية الناعمة تغطيها يافطاتكم كسحب الحمائم الملونة ، تشدون كل حمامة من قدميها الخشبيتين منفرجة عن صحائف محبّرة باللون الأحمر والأسود تحيون ذكرى النكبة ، وذكرى المناسبات الوطنية ، وسقوط الشهداء .
عاشت فلسطين عاشت حرة عربية
تدقون قفل الحرية بعناد ، وتسيرون دون اكتراث .
ينظرون اليكم كومة من حطب ، أو شعلة من غضب ، يدركون أنهم مادة هلامية سرعان ما تتيبس وتتحول الى قشرة هشة تذروها الرياح .
- " من أنتم ؟ " أسأل
أشدك من قميصك وأسال ، أهزك بعنف وأنا أصرخ في وجهك :
- " ما لنا ، ولهذه الأمور ؟ "
" ابتعد عنهم " .
" ستسقطون " .
" منكم وفيكم ستسقطون " .
" سيزجون بكم في غياهب أماكن لا نعرفها ، لا تدركها الأنظار ، ولا يدّلـوننا عليها " .
" ابتعد عنهم " .
أقترب من أنفاسه أكثر ، أمسكه من كتفه ، ينظر اليّ وهو صامت مطأطئ الرأس بلا ملامح ، خجلاً مني أو احتراماً ، لا أدري ! لعله يحترمني ، لا يرد ، لا يريد اغضابي ، أو نرفزتي .
أقول له : " دعك منهم ، دعهم وشأنهم ، إبتعد عنهم ؟ "
قبل أن أغادره ، تكون فترة وقوفنا قد سلختنا عن المسيرة ، وابتعدت ، أعيد عليه الكلام ، وفحوى النظام ، أنبهه إلى ضرورة الحرص على جامعته ودروسه ، يظل على حالته ناظراً في الأرض ، صامتــاً لا يتململ ؛ أتركه أودعه ، لكن ليس قبل أن أعتذر منه : " أرجوك ، لا تزعل ، طريقتي فظة ، أنت تعرفني ، أنا قصدي مصلحتك ، خوفي عليك ، على مستقبلك " .
يبقى في مكانه جامداً لا يتحرك ، الأرض تحت قدمي تتحرك وتهتز لنبرة صوتي الراجية بجبن وحزن ، لكن هدوءه المقيت ينمنم جسدي ويثير أعصابي ، يحجز عني الكلمات ولا يشاركني الحديث ولو بكلمة نعم ، أو لا ، حتى رأسه لا يهزه راضياً أو ساخطاً . طريقة صمته تكون كالسياط تجلدني عقاباً ، أو احتقاراً . ولعله في داخله يكون يبصق في وجهي أو يوشك أن يصفعني بحذائه المهترئ ..
" هل سمعني ؟ هل يطيعني هذه المرة ؟ هل اقتنع بوجهة نظري وسوف يتركهم ؟ " .
تودعني المسيرة ، وتنسلخ عني صاخبة بلا توقف ، فيما أظل أنا جامداً في مكاني لا أتحرك .
تعليق