الاخوة في الموقع
اسمحوا لي ان انقل لكم نص المداخلة
التي القاها الشاعر فاضل جمال علي
في منتدى الحوار الثقافي في مركز البادية
بمناسبة صدور رواية "السر الدفين"
"السر الدفين" للكاتب هادي زاهر
فاضل علي
لقد قال الشاعر ايليون، أن الحبكة الروائية ليست هي الجزء المهم في الرواية، وهي بعناصرها المشوقة ما هي إلا (العظمة) التي يرميها الكاتب للقارئ بغية اصطياده. وحقنه بالقيم المتواجدة في الجيوب الجانبية للحبكة.
هذا بالتحديد ما لفت انتباهي عندما قرأت"السر الدفين"،فالحبكة التي تثبت أن الواقع أغرب من الخيال كقول المثل الشائع،تشد القارئ وتجعله في حالة تأهبِ واستنفار عاطفية من بدايتها وحتى نهايتها... فقد أفلح الكاتب هادي زاهر أجمل إفلاح في حبكته الممغنطة،مُطلقاً العنان لخياله الخصب، في عملية تحريضٍ وتلاعبٍ واستفزازٍ مثير لمنطق القارئ السليم...
ومع ذلك فلا بد من وقفة متأملة لمركبات الحبكة في السر الدفين، فهي تجمع بين الحبكة التاريخية الدرامية، وبين الحبكة النفسية عميقة الأغوار والمتاهات.
إن الحبكة المؤرخة تعتمد التوثيق التجاربي الإنساني مع قلة التركيز على دقائق الزمان والمكان،مما يجعلها سارية المفعول لكل مظلوم ومنكوب على وجه البسيطة. ومن الناحية الأخرى تعيشها وتطغى عليها حبكة نفسية تتمحور حولها هذه الرواية بكل تعقيداتها المسافية...
هذه الحبكة صيغت بشكل رائع بيد مهندس ورسام يحاول اقتفاء حدود السلوك الإنساني. الذي يجعل "الغاية تبرر الوسيلة " كما يتردد أكثر من مرة في عالم تتقاذفه الأهواء الفردية من ناحية، والمعتقدات العميقة من ناحية أخرى،حيث تتناوب هذه الأقطاب في عملية الاستحواذ على أذهان وقلوب أبطال الرواية...
كما وتطرح الرواية من خلال حبكتها مدى حرية الانفلات من الثوابت على جميع أنواعها،وردود الفعل المتسلسلة نتيجة ذلك، كما هو الحال في الانشطارات النووية chain reaclion، وكما هو الحال في هبوب العواصف العاتية في المدى البعيد...
وهكذا ينعكس في المسائل الفلسفية الوجودية المطروحة في مسارات شخصيات وأبطال الرواية... القضاء والقدر وكون الحياة هي ما نصنع منها،والى أي حد نحن مسيرون أم مخيرون، والسؤال الكبير: ماذا نصنع في حالة الصفر إذا فرضت علينا؟!! وما هي قيمة الحياة إذا استغل الإنسان مقدرته على التأقلم مع كل حالاتها وإشكالاتها المتربصة؟... ومن هو الذي يقرر معايير معادلات الربح والخسارة... وما هو مدى حرية ارتباط مصير الفرد بالمجموعة،وهو سؤال يعلو مجدداً تحت مظلة العولمة...
وهل فعلا يستوي الإقدام والإحجام إذا بات الموقف ملحاً... إلى غير ذلك من المواقف التي تتذيل ببصمة التاريخ وتتصنف في موقع القمة والقاع...
إن كل هذه النقاط التي تحتمل هوية الصراع الداخلي هي الإشارات الضوئية التي ينصبها الكاتب بغاية إيصاله إلى قلب الكاتب نفسه،القلب الذي تسكنه الحقيقة المطلقة... وهو يقول بلا مباشرة أن البحث عن المخرج في الحالات الفخية التي يطرحها علم النفس ،عندما يجد الإنسان نفسه في مأزق ويصعب عليه القرار يميناً أم يساراً،وحتمية دفع الثمن الباهظ لكل قرار يتخذه (أو الإمكانية الثالثة وهي أن يقرر عدم اتخاذ أي قرار) فيقول الكاتب بأن الخروج من هذا المأزق ألفخي يجب أن يتبوصل بالحقيقة المطلقة!!! وهذه البوصلة هي التي تحدد الإثمان التي يتوجب دفعها ...
فالرصاصة في رجل والد جميلة من جهة، وما تجسده في الوعي واللاوعي هي "كونتراست" صارخ لعملية التفريغ والتجويف إلى تمر بها جميلة ...
إن الكاتب هادي زاهر بروايته الرائعة يتخطى بأبطاله جميع الحدود، فالميكرو، والخير والشر يتداخلان في احتدام لا تحمد عواقبه، و"الخطيئة هي الصواب، والصواب هو الخطيئة foul is fair and fair is foul. كما قال شكسبير في ماكبت، و"الأشياء الحقيقية بعيدة عن العين". كما قال اكسوبيري في"الأمير الصغير". وما هذه كلها سوى انعكاسات مرآتيه للنفس البشرية، التي تطلق إلى رحلة الخلود، وتعتمد النزول في أول محطة تصادفها، لأنها لا تحتمل تأجيل المتعة ولأنها تُسيء الى ضعف فهم مكنونات المتعة التي تصبو إليها النفس البشرية...
اسمحوا لي ان انقل لكم نص المداخلة
التي القاها الشاعر فاضل جمال علي
في منتدى الحوار الثقافي في مركز البادية
بمناسبة صدور رواية "السر الدفين"
"السر الدفين" للكاتب هادي زاهر
فاضل علي
لقد قال الشاعر ايليون، أن الحبكة الروائية ليست هي الجزء المهم في الرواية، وهي بعناصرها المشوقة ما هي إلا (العظمة) التي يرميها الكاتب للقارئ بغية اصطياده. وحقنه بالقيم المتواجدة في الجيوب الجانبية للحبكة.
هذا بالتحديد ما لفت انتباهي عندما قرأت"السر الدفين"،فالحبكة التي تثبت أن الواقع أغرب من الخيال كقول المثل الشائع،تشد القارئ وتجعله في حالة تأهبِ واستنفار عاطفية من بدايتها وحتى نهايتها... فقد أفلح الكاتب هادي زاهر أجمل إفلاح في حبكته الممغنطة،مُطلقاً العنان لخياله الخصب، في عملية تحريضٍ وتلاعبٍ واستفزازٍ مثير لمنطق القارئ السليم...
ومع ذلك فلا بد من وقفة متأملة لمركبات الحبكة في السر الدفين، فهي تجمع بين الحبكة التاريخية الدرامية، وبين الحبكة النفسية عميقة الأغوار والمتاهات.
إن الحبكة المؤرخة تعتمد التوثيق التجاربي الإنساني مع قلة التركيز على دقائق الزمان والمكان،مما يجعلها سارية المفعول لكل مظلوم ومنكوب على وجه البسيطة. ومن الناحية الأخرى تعيشها وتطغى عليها حبكة نفسية تتمحور حولها هذه الرواية بكل تعقيداتها المسافية...
هذه الحبكة صيغت بشكل رائع بيد مهندس ورسام يحاول اقتفاء حدود السلوك الإنساني. الذي يجعل "الغاية تبرر الوسيلة " كما يتردد أكثر من مرة في عالم تتقاذفه الأهواء الفردية من ناحية، والمعتقدات العميقة من ناحية أخرى،حيث تتناوب هذه الأقطاب في عملية الاستحواذ على أذهان وقلوب أبطال الرواية...
كما وتطرح الرواية من خلال حبكتها مدى حرية الانفلات من الثوابت على جميع أنواعها،وردود الفعل المتسلسلة نتيجة ذلك، كما هو الحال في الانشطارات النووية chain reaclion، وكما هو الحال في هبوب العواصف العاتية في المدى البعيد...
وهكذا ينعكس في المسائل الفلسفية الوجودية المطروحة في مسارات شخصيات وأبطال الرواية... القضاء والقدر وكون الحياة هي ما نصنع منها،والى أي حد نحن مسيرون أم مخيرون، والسؤال الكبير: ماذا نصنع في حالة الصفر إذا فرضت علينا؟!! وما هي قيمة الحياة إذا استغل الإنسان مقدرته على التأقلم مع كل حالاتها وإشكالاتها المتربصة؟... ومن هو الذي يقرر معايير معادلات الربح والخسارة... وما هو مدى حرية ارتباط مصير الفرد بالمجموعة،وهو سؤال يعلو مجدداً تحت مظلة العولمة...
وهل فعلا يستوي الإقدام والإحجام إذا بات الموقف ملحاً... إلى غير ذلك من المواقف التي تتذيل ببصمة التاريخ وتتصنف في موقع القمة والقاع...
إن كل هذه النقاط التي تحتمل هوية الصراع الداخلي هي الإشارات الضوئية التي ينصبها الكاتب بغاية إيصاله إلى قلب الكاتب نفسه،القلب الذي تسكنه الحقيقة المطلقة... وهو يقول بلا مباشرة أن البحث عن المخرج في الحالات الفخية التي يطرحها علم النفس ،عندما يجد الإنسان نفسه في مأزق ويصعب عليه القرار يميناً أم يساراً،وحتمية دفع الثمن الباهظ لكل قرار يتخذه (أو الإمكانية الثالثة وهي أن يقرر عدم اتخاذ أي قرار) فيقول الكاتب بأن الخروج من هذا المأزق ألفخي يجب أن يتبوصل بالحقيقة المطلقة!!! وهذه البوصلة هي التي تحدد الإثمان التي يتوجب دفعها ...
فالرصاصة في رجل والد جميلة من جهة، وما تجسده في الوعي واللاوعي هي "كونتراست" صارخ لعملية التفريغ والتجويف إلى تمر بها جميلة ...
إن الكاتب هادي زاهر بروايته الرائعة يتخطى بأبطاله جميع الحدود، فالميكرو، والخير والشر يتداخلان في احتدام لا تحمد عواقبه، و"الخطيئة هي الصواب، والصواب هو الخطيئة foul is fair and fair is foul. كما قال شكسبير في ماكبت، و"الأشياء الحقيقية بعيدة عن العين". كما قال اكسوبيري في"الأمير الصغير". وما هذه كلها سوى انعكاسات مرآتيه للنفس البشرية، التي تطلق إلى رحلة الخلود، وتعتمد النزول في أول محطة تصادفها، لأنها لا تحتمل تأجيل المتعة ولأنها تُسيء الى ضعف فهم مكنونات المتعة التي تصبو إليها النفس البشرية...
تعليق