كان من عادة "أبي جحش" أن يقف في صحن الدار كل ليلة لدى عودته من الحقل؛ لينتظر "أبا سليم" الفلاح ليحطَّ عنه ما حمَّله به. وكان من عادة "أبي سليم" أن يلحق بحماره بعد وصوله بدقائق فيفعل ذلك، ثم يربت على ظهر حماره برفق وعطف باديين، ويرسله إلى جماعته ببعضٍ مما كان يحمله فوق ظهره، فيكون ذاك كحلوى المساء لهم جميعاً. أم الليلة، فقد دخلا الدار معاً، و"أبو سليم" ممسكاً بحبل "أبي جحش" يجره وراءه، وعلى وجهيهما علامات التجهم.
أنزل "أبو سليم" من على ظهر حماره كيساً كبيراً بحرص شديد؛ إذ كان الكيس مقطوعاً في جانب منه. ثم ضرب مؤخرة الحمار، فانطلق بخطى كسيرة لينضم إلى أتانه وابنه الصغير في مؤخرة الدار.
أقبلت "أم جحش" و"جحش" على "أبي جحش" في لهفة وفضول؛ فلم تكن عادة الفلاح أن يضرب حماره أو أن يرسله إليهما خالي الوفاض.
وقبل أن تنطق الأتان، بادر الجحش أباه بقوله: "ما لك يا أبي؟ تبدو مكتئباً حزيناً! وأين هدية المساء؟ وما غيرَّ من أمرك وأمر الفلاح؟"
نهق الحمار شهقة ضيق، ونفر زفرة ألم، ثم أقبل على ابنه فقال: "كل فجر يا بنيَّ أحملُ الفلاحَ إلى الحقل، ويرسلني طيلة اليوم هنا وهناك، محمَّلاً بالشعير مرة، والحطب مرة، والسِّباخ أخرى، وهكذا دواليك حتى غروب الشمس. لقد سأم أبوك يا بنيَّ هذه الحياة الرتيبة. عمل كثير وشكر قليل. فقلتُ في نفسي: ما دمتُ أنا مَن يحملُ وينقلُ، ويروحُ ويجيئ، إذاً يحقُّ لي أن أنالَ نصيباً مما يوضعُ فوق ظهري إِنِ اشتهيتُه. "
قالت الأتان: "كلامُك صحيحٌ يا أبا جحش، الحكمةَ نطقت. فماذا حدث؟"
قال الحمار: "اليوم، وضع الفلاحُ كيساً من الفول على ظهري لأحملَه إلى الدارِ، فانطلقتُ بحملي كعادتي. وفي الطريق اشتهته نفسي، فألقيتُ به عن ظهري، ومزعتُ طرفاً منه بأسناني، ووقفتُ في الطريق آكلُ منه. وبيَّنا أنا كذلك إذ لحقَ بي الفلاحُ، فما أن رأى المنظرَ حتى ثارتْ ثائرتُه على غير عادته، وأوسعني ضرباً. وأخذتُ أنهقُ وأرفسُ وأقولُ له: "لماذا تضربُني يا ظالم؟ ألستُ أنا من يحمل عنك أثقالَك؟ ألستُ أنا من يخفف عنك أحمالَك؟ ألستُ أنا شريكُك في كل نتاجِ حقلِك من فولٍ وقمحٍ وشعيرٍ وفاكهةٍ وخضرواتٍ؟ أتستكثرُ عليَّ بضعَ حفناتٍ من الفولِ سالَ عليها لعابي؟ ثم ماذا نقص منك يا بخيل ولديك من الفولِ الكثير؟ أليس الله هو من ينبتُ الزرعَ؟ أليس الله هو منزلُ المطر؟ .. ولكنه لم يبالِ بكلمةٍ نهقتُها، وبعد أن أوجعني، ربطَ عنقِي بحبلٍ، وسحبني إلى هنا."
وبعد لحظةٍ من الصمت، قال الجحشُ لأبيه: "ولكن يا أبتِ، لم يحدثْ أنْ أساء أبو سليم إلينا، فهو يحضرُ لنا من الطعامِ والشرابِ ما يكفينا ويزيد. ويحضر لنا الطبيبَ إذا مَرِضَ أحدُنا، ويعاملُنا كأنَّه حمارٌ مثلنا، فلا حسدَ بيننا ولا ضغينة، ولا يضربُنا أو يتعدى علينا. فما الذي حَمَلَكَ على ما صنعتَ، وهو لم يمنعْ عنك شيئا، وقد سخَّرَنا اللهُ لخدمتِه؟"
بُهِتَ الحمارُ من كلامِ ابنه، وقال في انفعالٍ: "اسكتْ، وما أدراك؟ ما أنتَ إلا جحش!"
ثم نظر إلى أتانِه وصرخَ فيها: "أمتأكدةٌ أنتِ أنَّ حصانَ "أبي سليمٍ" لم يَخْلُ بِكِ؟"
أنزل "أبو سليم" من على ظهر حماره كيساً كبيراً بحرص شديد؛ إذ كان الكيس مقطوعاً في جانب منه. ثم ضرب مؤخرة الحمار، فانطلق بخطى كسيرة لينضم إلى أتانه وابنه الصغير في مؤخرة الدار.
أقبلت "أم جحش" و"جحش" على "أبي جحش" في لهفة وفضول؛ فلم تكن عادة الفلاح أن يضرب حماره أو أن يرسله إليهما خالي الوفاض.
وقبل أن تنطق الأتان، بادر الجحش أباه بقوله: "ما لك يا أبي؟ تبدو مكتئباً حزيناً! وأين هدية المساء؟ وما غيرَّ من أمرك وأمر الفلاح؟"
نهق الحمار شهقة ضيق، ونفر زفرة ألم، ثم أقبل على ابنه فقال: "كل فجر يا بنيَّ أحملُ الفلاحَ إلى الحقل، ويرسلني طيلة اليوم هنا وهناك، محمَّلاً بالشعير مرة، والحطب مرة، والسِّباخ أخرى، وهكذا دواليك حتى غروب الشمس. لقد سأم أبوك يا بنيَّ هذه الحياة الرتيبة. عمل كثير وشكر قليل. فقلتُ في نفسي: ما دمتُ أنا مَن يحملُ وينقلُ، ويروحُ ويجيئ، إذاً يحقُّ لي أن أنالَ نصيباً مما يوضعُ فوق ظهري إِنِ اشتهيتُه. "
قالت الأتان: "كلامُك صحيحٌ يا أبا جحش، الحكمةَ نطقت. فماذا حدث؟"
قال الحمار: "اليوم، وضع الفلاحُ كيساً من الفول على ظهري لأحملَه إلى الدارِ، فانطلقتُ بحملي كعادتي. وفي الطريق اشتهته نفسي، فألقيتُ به عن ظهري، ومزعتُ طرفاً منه بأسناني، ووقفتُ في الطريق آكلُ منه. وبيَّنا أنا كذلك إذ لحقَ بي الفلاحُ، فما أن رأى المنظرَ حتى ثارتْ ثائرتُه على غير عادته، وأوسعني ضرباً. وأخذتُ أنهقُ وأرفسُ وأقولُ له: "لماذا تضربُني يا ظالم؟ ألستُ أنا من يحمل عنك أثقالَك؟ ألستُ أنا من يخفف عنك أحمالَك؟ ألستُ أنا شريكُك في كل نتاجِ حقلِك من فولٍ وقمحٍ وشعيرٍ وفاكهةٍ وخضرواتٍ؟ أتستكثرُ عليَّ بضعَ حفناتٍ من الفولِ سالَ عليها لعابي؟ ثم ماذا نقص منك يا بخيل ولديك من الفولِ الكثير؟ أليس الله هو من ينبتُ الزرعَ؟ أليس الله هو منزلُ المطر؟ .. ولكنه لم يبالِ بكلمةٍ نهقتُها، وبعد أن أوجعني، ربطَ عنقِي بحبلٍ، وسحبني إلى هنا."
وبعد لحظةٍ من الصمت، قال الجحشُ لأبيه: "ولكن يا أبتِ، لم يحدثْ أنْ أساء أبو سليم إلينا، فهو يحضرُ لنا من الطعامِ والشرابِ ما يكفينا ويزيد. ويحضر لنا الطبيبَ إذا مَرِضَ أحدُنا، ويعاملُنا كأنَّه حمارٌ مثلنا، فلا حسدَ بيننا ولا ضغينة، ولا يضربُنا أو يتعدى علينا. فما الذي حَمَلَكَ على ما صنعتَ، وهو لم يمنعْ عنك شيئا، وقد سخَّرَنا اللهُ لخدمتِه؟"
بُهِتَ الحمارُ من كلامِ ابنه، وقال في انفعالٍ: "اسكتْ، وما أدراك؟ ما أنتَ إلا جحش!"
ثم نظر إلى أتانِه وصرخَ فيها: "أمتأكدةٌ أنتِ أنَّ حصانَ "أبي سليمٍ" لم يَخْلُ بِكِ؟"
تعليق