أنواع التراجيديا من القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فتحى حسان محمد
    أديب وكاتب
    • 25-01-2009
    • 527

    أنواع التراجيديا من القرآن الكريم

    الفصل الثالث عشر
    أنـــــــــواع المأســــــــــــاة

    المأساة الشخصية ، والمأساة القومية
    وينقسمان إلى :

    المأساة السوداء – المأساة العظيمة – المأساة الإلهية

    مفهوم المأساة الشخصية السوداء

    المأساة السوداء هى النتيجة الطبيعية للطريق المحفوف بالمخاطر والمهالك الذي يسلكه إنسان بعزيمة ونية مبيتة غير طائع لله ، معاند لقوته وجبروته وسطوته ومكتسبا عداوته وبغضه وكرهه ، مذنبا معاندا لأوامره غير منته بنواهيه ، يحمله تحديه وعناده وغروره وصلفه وشيطانه على ذلك ويهمل النتيجة الحتمية التى يعرفها ، أنه لا قبل له على مجابهة القوة العليا ولا الانتصار ولا التفوق عليها ، فيسير وليس لديه أدنى ميل أن يفجع فى حياته ، ولكن لديه ميلا على التحدي والصراع يحمله العناد والمكابرة ، مع أنه يدرك أن القوة العليا لن تتركه يستمر يعاندها ويتفوق عليها فتفجعه ولا تبقى ولا تذر عليه 0 وهى قدر محتوم لا يستطيع الإنسان العاصى المذنب المعاند - الذى ليس لديه أدنى ميل أن يخسر- الفكاك منه على الإطلاق فهو نازل به لا محالة مهما فعل ومها أوتى من قوة ومن أسباب نجاح وتفوق ، وهو الذى لا يستطيع تحمل آثار الابتلاء الذى تفرضه القوة العليا عليه ، فيتحدى مشيئتها وأمرها وحكمها يلتمس طريقا للنجاة فلا يستعين بالقوة العليا على نفسها ، بل يعاندها ويخرج عن طاعتها ، ويستعين بغيرها عليها , يستعين بقوة أضعف تزين له أنها بمقدورها أن تساعده على التغلب والتفوق عليها ، فيطيعها ويتحدى القوة العليا بغباء منقطع النظير ولكن بنية صادقة وعزيمة جبارة ، وهو يعرف ويوقن أنه يسير فى طريق محفوف بالمخاطر , لأنه يعرف مدى مقدرة القوة العليا على المغالبة والتفوق والنجاح لأنها تمتلك الأدوات والإمكانات بالنسبة لقوته وأدواته ، ومع ذلك يحمله عناده وغروره وتكبره على عنادها وتحديها والخروج عليها ويحاول الانتصار والتفوق من غيرها والاستغناء عنها وعدم الاستناد إليها ، فيقاوم ويصارع ويفعل المستحيل مستعينا بكل ما أوتى من قوة وبأس وعلم وخبرة وجاه ومال وسلطان ، وأدوات تتحقق له تطولها يداه وتتحصل عليها إرادته ، بمدد من قوة أخرى تسانده وتقويه وتغريه وهو الشيطان ، وينتصر بها فى مواقع عدة ، ويتغلب بها فى أزمات عظيمة ، وينجح بها فى اختبارات كبرى ، حتى يخيل له أنه انتصر ، وبوسعه أن يستغنى عن القوة العليا التى لم يصبح فى حاجة إليها ، وهى تصطبر عليه وتمد له فى الغرور مدا وفى النجاح باعا وفى التكبر موضعا ؛ لأنها تعلم مدى قوتها وشدة انتقامها ومدى قدرتها وعظيم بطشها ونبل بأسها ، ولكن تحملها رحمتها وحلمها وعطفها وشفقتها وطول صبرها على منحه الفرصة تلو الفرصة ، والغفران بعد الغفران ، وهو يعتقد ويظن أنه صار صاحب قوة يستطيع بها التغلب على كل العقبات وتحصيل كل ما يريد ، وتحقيق كل ما يهدف إليه ، حتى يصل إلى مرحلة من النجاح والتفوق ، فيفجع فى قوته ونفسه وذاته ، ويهزم شر هزيمة ، وتكشف له القوة العليا ظلام نفسه وقصر علمه وحقيقة قوته التى لم يعد يقوى بعدها على الانتصار، ولا حتى مجرد معاودة المجابهة والصراع ، فقد خارت قواه وذلت وضعفت حيلته وأهينت ، وانهزم غروره وانكسرت شوكته ، فيبحث عن معاونة القوة الأخرى التى استعان بها فيجدها تهرب منه وتضحك عليه وتسخر منه أنه أطاعها ولم يطع من يستحق الطاعة وإفراغ العبادة وطلب العون والمساعدة ، فتتغلب عليه وتقهره وتفجعه وتنهى حياته 0 ولا يكون أمامه من حيلة ولا حل غير أن يعترف أنه الأضعف وقد هزم ، وأنه يحتاج ويلجأ إلى القوة العليا بتذلل ، والتى تكشف له قوته الحقيقية لتخرجه مما هو فيه من انهزام كبير وخسران مبين وفجيعة كبرى تهدد حياته كلها بالفناء ، ولا يكون أمامه غير الاعتراف بالقوة العليا أنها لا تغالب ولا تقهر ولا تصارع ولا تهزم ، كما يعترف بخسارته ويقر بالندم على أنه صارع من لا يصارع ، وعاند من لا يعاند وخالف من لا يخالف وعصى من لا يعصى 0وأنه من أصحاب النفس الأمارة بالسوء وبات يتمنى أن يكون من أصحاب النفس اللوامة التى يحبها الله ويغفر لها الزلات متمنيا أن يغفر له خطيئته 0
    المأساة السوداء لبطلها إحدى نهايتين وكلتاهما صحيحة ووجيهة 0
    النهاية الأولى : أن يفجع البطل فى حياته ويموت0
    {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ } [ الشعراء ] وهى قصة فرعون مصر وسبق توضيحها وشرحها ونكتفى هنا بما جاء فى القرآن 0
    النهاية الثانية : أن يخسر البطل خسرانا كبيرا ويندم ندما عظيما0 [ المائدة ] الدليل الأوضح لما نقصد ونستدل ، وهو واضح وضوح الشمس فى إشراقها بنص القرآن بإيجاز شديد ووصف معجز فى قصة ابني سيدنا آدم هابيل وقابيل ، لنعرف لماذا دخل قابيل فى صراع مع القوة العليا يحمله تحدى حكمها وعناده وغروره وحسده وغيرته وطمعه ، عندما ابتلاه بعدم قبول قربانه فعاند القوة العليا التى تقبلت من هابيل وحكمت له بالنجاح فى الابتلاء ، بينما حكمت له أنه سقط فيه , فقرر أن يقتل أخاه حسدا وغيرة وعنادا فى القوة العليا التى يعرف أنه ليس بمقدوره التفوق عليها ، ولكنه ظن أن بمقدوره التفوق على إرادتها فيما يتجلى أمامه ، وذلك بعصيانها والإتيان بعكس إرادتها فقتل أخاه ، ولكنه لم يستطع التواصل بنجاح كما كان يظن ، للدرجة التى توقف فيها عن الفعل لعدم معرفته ماذا يفعل بما أوقع نفسه فيه من اختيار وعناد ، احتار فى كيفية التصرف فى جسده وظل على حاله أمدا بعيدا ، حتى شعر بالانهزام الداخلي والقهر النفسى من نفسه قبل أن تهزمه القوة العليا أو توضح له عجزه وتواضعه وخسارته ، التى تتعطف عليه وتكشف له انهزامه لتسخر منه وتبين له خسارته وجهله وعدم كمال علمه وقصور معرفته ، فأرسلت له بما هو دونه بمراحل حيوان لا يعقل لكى يعلمه ما لم يعرفه هو ولم يتوصل إليه بعقله المفضل به عمن سيعلمه ، وقبل رغم تكبره أن يتعلم ، ولما تعلم وعرف شعر بالخسارة ، ومن ثم ندم وتغلب عليه حزن شديد وتحولت حياته من السعادة إلى الشقاء ، من بعد عصيان بسبب جهله ، وظلم بسبب عدم كمال علمه ، وجحود بسبب غروره وصلفه , وحماقة بسبب تسرعه ، وتكبر بسبب طمعه ، يرزح فى الحزن والمعاناة والآلام حتى النهاية 0 وما من طريق أمامه غير اعترافه بخسارته وندمه وحزنه والتوبة والتذلل لله فيتوب ويتذلل ، وهو منكسر الكرامة كارها للسلطة والمال والولد ، يبتغى رضى الله وحده أن يقبل توبته ، وتكون النهاية التى لا تحسم أقبل الله توبته أم لا ، وهذا مدعاة لنا لأن نخاف أن نخطئ كما أخطأ ونجنى كما يجنى , مما يلهمنا العلاج النفسى الذى يتحقق من خلال الحرص واليقظة والحيطة والحذر0
    تتجلى المأساة السوداء الحقة لشخص فاسد فاعل من أصحاب النفس الأمارة بالسوء يوقع فعلا مثيرا مرعبا فجا غليظا غير مقنع ، من أجل حاجة وضيعة يريد أن يحصل عليها غصبا وقهرا وجبرا 0 وهدف فاسد يريد أن يحققه على حساب أى فضيلة أو أى شخص ، وبلغة دارجة وفكر فاسد وفكرة مضللة، وبما أن الإنسان مقدر عليه الابتلاء فسيمتحن فى حاجته وصلابة هدفه حتى تكون عليه البينة واضحة جلية تقطع منا الشفقة عليه ، وهو يعيش وسط آخرين يختلفون عنه وتتعارض حاجاتهم مع حاجته وأهدافهم عن هدفه ويقف له أحدهم – يعرفه - بالمرصاد يحاول صده ونصحه ورجوعه عن مقصده الخبيث ونيته السيئة وعزمه الفاسد فينشأ الصراع ، فيعترضه ويصارعه ويتمسك بهدفه غير النبيل الذي يريد أن يتمه ، ويحاول التغلب والنجاح على من يعترضه ويصرعه ويتفوق عليه قاصدا متعمدا، ويرتكب الجريمة وهو يعرف المفعول به ويعرف حقيقته ، ويعانى الذل والخسران والندم وتصعب عليه حاجته وتعطل هدفه ، فتتعقد السبل أمامه تعقيدا تاما ، ويحاول قدر جهده التغلب على هذه العقبة وتلك العقدة ويبذل أقصى ما فى وسعه وهو يئن من الخسران ويرفل فى الندم فلا يستطيع ، فيتضرع إلى الله مجبرا نادما معترفا بذنبه وخسارته مقرا بندمه ، و يمن الله عليه بانفراجة من عنده ليسخر منه بمشهد يقع بالقرب منه يكون سببا فى كشف جهله وسبب خسرانه الحقيقي ، مما يزيد من ندمه وخسارته ، ويكتشف ظلام نفسه وعدم كمال خلقه ومدى جرمه ونقص علمه بتعاليم الله وفرائضه ونواهيه ، وأنه لا بد من التوبة إلى الله ، وتكون النهاية محزنة مؤلمة مفجعة له مفرحة لنا فتكون لنا عبرة ودرسا تخلصنا من العناد والتكبر والفساد وتحضنا دوما على ذكر الله والتوبة إليه فى كل وقت وحين، وإن لم تكن تلك نهايتها ودعوتها , فلا عظم لها ولا إجلال، ولا يكون التغير فى حظ حياة بطلها إلا من السعادة إلى الشقاء ولا تكون غير ذلك أبدا وإلا فقدت عظمها 0
    عليك وأنت تشرع فى كتابة قصة مأساة سوداء أن تختار شخصية بطلها من علية القوم من الأغنياء أو الملاك أو الوجهاء أو الوزراء أو المشاهير أو غير ذلك ، أما من غيرهم من الفقراء مثلا فأنت تستلب تعاطفنا الإنسانى تجاههم عندما يبتلون ويقدمون على الخطيئة التى بها يستحقون العقاب ، فإن نالهم عقاب يستحقونه أشفقنا عليهم وحزنا من أجلهم بدعوى أنهم ضعفاء مقهورون ما أقدموا على فعل ما فعلوه وتجاوزوا حدود الله إلا مجبرين تحت وطأة الحاجة والفاقة والعوز ، وهذا مورد خطأ من المفروض ألا يكون حتى لا تحلل ما حرم الله أو تجعلنا نشك فى عدل الله ورحمته وغفرانه ، فلا تجعل بطلك من هذه الطائفة من الناس حتى يكون عندك مساحة لتتحرك فيها بيسر وسهولة ، لترسم وتحبك خيوط القصة وشخصياتها وعلاقاتها دون أن تجعلنا نتعاطف مع المخطئ ، ولأن هذه الفئة القادرة هى الأكثر ردا وانتقاما وتمسكا بالنجاح المتواصل فى أعمالهم وإمبراطورياتهم ولا يقبلون الفشل أو الخسارة أو المذلة أو ذهاب الجاه والسلطان والهيلمان الذي يحيط بهم ، وكل شيء لديهم عزيز عليهم إلى أبعد حد ومن أوله المال والولد والصحة والمكانة ، فمن السهل عليك أن توجد مادة الابتلاء له وتحددها بدقة ، ليكون رد فعله المنتظر والمتوقع ليس الصبر على البلية وما أصابه من خسارة فى الصحة أو الولد أو المال إلا بسبب شيء تافه حقير صغير لا يتوقعه ، فيكون رد فعله وبما أنه قادر متسرع يتوق إلى الوقيعة والغلبة بمن كان السبب فى خسارته ولا يستبين من أوقع به جيدا مدفوعا بغيظ وغضب وتكبر وغطرسة وجبروت وشهوة الانتقام غير معط جهة البحث والتقصي والتحقيق الوقت الكافي لتكشف له المسبب الحقيقي لخسارته أو فاجعته ، ويتقدم بشواهده هو واستنتاجه هو أى شخص يثق أنه السبب ويقتله ، فيرتكب الخطيئة عامدا متعمدا يفقد بسببها تعاطفنا وشفقتنا وعطفنا ومؤازرتنا هذا أولا ، ثم تتوصل جهة البحث إلى الفاعل الحقيقي ، فيكتشف أن من أوقع به القتل أو الرعب أو غيره ليس هو من كان السبب فى خسارته ، وبالتالي يعرف أنه قد خسر حريته لأنه سيعاقب ويقدم للقضاء الذي سيحكم عليه بالإعدام أو السجن , ولا يكون أمامه غير الندم والحسرة على ما ارتكب من جرم يستحق عليه العقاب فى الدنيا بالسجن وفى الآخرة يكون من أهل النار ، فتكون النهاية تعسة محزنة مؤلمة له ، مفرحة لأنه سينال عقابه ، مبهجة لتحقق عدل الله ، مغتبطة لأن القضاء اقتص منه ممن قتله ظلما 0 فهل يصح أن نحزن على قابيل وفرعون وهامان وقوم فرعون ؟!
    عظم المأساة السوداء يتجلى فى إعلاء وعيد الله للذين يخطئون ، ويكون عظم الخطأ المتعمد منهم سببا فى أحزانهم وعنائهم وفاجعتهم ، فأنت أيها المؤلف بذلك تعظم شعائر الله ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ، عندما نشاهد نحن البطل المتكبر والمتغطرس المغتر بقوته ونفوذه وماله وجاهه وسلطانه ، يحزن ويعانى ويتألم ويذل بعد عز ويتواضع بعد تكبر ، ويضعف بعد قوة – رغم ماله ومكانته – المنكسر رغم قوته ونفوذه وماله وسلطانه ، يتذلل ويتضرع لله ، ويعترف بذنبه وبسوء تصرفه ، وبقصور علمه وجهله ، وأنه عبد أولا وأخيرا لله الواحد القهار الذي يلجأ إليه يتمنى رضاه فى أن يقبل توبته وندمه على ما أسرف من معاص ، هو وحده لا غيره الذي يستطيع أن يغفرها له وينجيه من عذاب الدنيا والآخرة ، فإن ذلك مدعاة لنا لنتخلص من عنادنا وأخطائنا وغرورنا وتكبرنا ، ونتعظ من واحد يتمتع بمال وجاه وسلطان لم تنفعه ولم ترفع عنه حزنه ولم تحقق له السعادة من بعد الحزن الذي أصابه برعونة وعناد وإصرار منه ، لا من أحد سواه من نفسه هو ، ولم يستطع رغم ما يملك أن ينجى نفسه من المهالك , ولجأ إلى الله الذي يلجأ إليه جميع البشر نحن الفقراء , ولجوءنا إليه زادنا وزوادنا ، وها هو غنى قادر فى النهاية يلجأ مثلنا معلنا ضعفه كحالنا ، فذلك مدعاة لأن تطمئننا وتخلصنا من أحقادنا ، وتجعلنا أكثر رضى وقناعة بما وهبه الله إيانا فنحمد الله ونشكره على نعمه وما بين أيدينا مهما كان قليلا ، ولكن ما شاهدناه جعلنا نؤمن حق الإيمان بالقناعة بأنها كنز لا يفنى ، وبتلك المأساة التى تثير فى نفوسنا الخوف من عذاب الله ، والحزن على ما بدر منا وتكون لنا علاجا وراحة نفسية ، فأنت الذي تقدر على البطل ما يقوم به وما يفعله وما يعمله وما يقوم به ، وما يجب عليه أن يصل إليه من نتيجة حتمية لا غيرها إن مرتكب المعاصي والأخطاء وكان قاصدا متعمدا مدفوعا بأى سبب لابد أن يعترف فى النهاية بخسارته ويقر بندمه على ما فعل ويتوب إلى الله ، إن أعطيته فسحة من الوقت قبل الموت أو تكون هى النهاية 0 فنحن الذين نشاهد نعرف ذلك أنك الذي تقرر وإن لم تقرر أنت فنحن الذين نقرر لأننا لدينا المعرفة بتوابع من يرتكب الجريمة ، وإن خالفت توقعنا وحكمنا فأنت المخطئ وسنصب جام غضبنا عليك لأنك مخالف لشرع الله ومعطيا فرصة للمنحرفين والخاطئين والمفسدين والخونة والعملاء للنجاة
    تعريف المأساة السوداء

    البداية مشهد مثير ومشوق ومدهش وجذاب ومقلق ، لشخصية عظيمة فى مكانتها ولكنها وضيعة فى خلقها ، له حاجة وضيعة يريد أن يحصل عليها وهدف فاسد يريد تحقيقه ويحدده من البداية ليخلق الصراع ، وأحد مولدات الصراع هو الشيطان ومن على شاكلته من الناس الذين تتوافق حاجاتهم وأهدافهم مع حاجته وهدفه فيكون ظهيرا للشيطان ولهم 0 وآخر تختلف حاجته عن حاجته وهدفه فتنشأ المشاحنة والمجابهة والبغضاء ، ويتفوق عليها ، ويتخطى العقبة تلو العقبة ، حتى يقفوا فى طريقه فيضع له العقبة فى طريقه ويصبح فى أزمة يحاول التغلب عليها ، ويتلمس الأسباب والسبل الممكنة المحتملة أمامه وفى حدود مقدرته العقلية والجسدية0 ويحاول أن يجتاز هذه العقبة بكل السبل الممكنة وغير الممكنة , معتمدا على أن الغاية تبرر الوسيلة ليجتاز هذه العقبة بدهاء ومكر وحيلة، ويحاول التغلب عليها 0ويستغرق منه وقتا ليعد عدته ويجهز أدواته جيدا , ويقطع فيه زمنا يتعلم فيه ويتدرب ويحسب حساباته جيدا لينجح ويواصل طريقه نحو مسعاه فيكون الابتلاء فى أخلاقه وقيمه وقوة عقيدته ومدى تحمله فلا يصبر ولا يحتسب ، وينزع إلى الانتقام من يظن فيه أنه السبب فى خسارته ، فيتبع الطرق المعوجة الفاسدة ليحقق حاجته على حساب أى واحد وأي شيء ، ولكن قوة الابتلاء التى لم يصبر عليها تجعله يتسرع ولحماقته وغروره يسقط فى الابتلاء ويقدم على ارتكاب الجريمة فيمن يظن أنه يصارعه وسبب خسارته ، هذا الظن السيئ يجبره على تغيير مجرى طريقه نحو هدفه , وتجبره على سلك اتجاه آخر يبعده كل البعد عن حاجته الحقيقية وما كان يهدف له ، إلى هدف آخر وهو الانتقام مستسلما لشره وشيطانه فيغيم الطريق أمامه من الغضب والغيظ على ما خسر ويكون وقوده المشتعل بجوفه وعقله , فيرتكب الزلة بقصد ونية وعزم فيوقع بمن يظن فيه السوء أنه وراء خسارته الفزع من القتل أو غيره عامدا متعمدا ، وتكون الزلة خطيئة لا تغتفر والتي تكون سببا فى آلامه ومعاناته ويحاول بسرعة أن يتجاوز هذه الخطيئة ، ولكنهم يشددون عليه الحصار ويسدون أمامه كل الطرق ، ويضع نفسه فى أزمة يحاول التغلب عليها والخروج منها منتصرا ولكن دون فائدة ولا جدوى، ويُحكمون عليه الحصار ويسدون أمامه كل الطرق ، فتتعقد أمامه كل الحلول ، وتكون العقدة كبرى مستحكمة ما لها قرار ولا حل ، يحاول التغلب عليها والخروج منها ، فيستعمل كل أدواته وما يملك من علم وخبرة وحيلة ودهاء ومكر وقوة وسلطان يحاول التغلب عليها ، ليرفع عن نفسه آلام الخسارة ومعاناة الهزيمة ، ويسبر أغوار تلك العقدة فلا يستطيع سبر أغوارها بمفرده أو بالآخرين ، فيلجأ إلى الشيطان الذى يمد له يد العون والمساعدة ، ويعاند الله ولا يرجع الفضل إليه الذي بيده كل شيء ، ولا يتضرع إليه ، فيسخر الله منه ، وتحدث الانفراجة يفرج عنه ويهيئ له الأسباب ، فيقع حادث قريب منه يظنه أن يكون سببا فى أول بارقة أمل تجول أمامه نحو النجاة ، فيستغلها بغبائه ويُفعل كل أدواته حتى يكسب بها ، أو يكسب معاونين قد يمدون له يد العون و يساعدونه فى حل بعض خيوط العقدة ليتلمس طريقه الصحيح مرة أخرى بسعي و طلب واجتهاد منه ليحصل على حاجته من أجل تحقيق هدفه إلى أن يحدث التعرف على شخصية تكشف له حقيقته – بعد فوات الأوان - أن من أوقع به وظن فيه أنه السبب فى خسارته ، يعرف أنه ليس هو بل من أوقع به واحد آخر أو سبب آخر ، و يحدث له عكس ما انتوى تماما من علم كان يعرفه إلى جهل لم يكن يعرفه ، ومما كان يبتغيه ممن يساعدونه جل المساعدة يكونون هم شهود جريمته , وأنه يستحق العقاب الذي يصدر وتكون النهاية أنه يواجه عاقبة سوء عمله وما ارتكبه من جريمة عامدا متعمدا – يواجه الإعدام أو السجن ويكون له الخسران والحزن ، عندها يقر أنه خسر وأنه نادم وأنه لابد أن يتوب إلى الله فى نهاية المطاف وتكون نهاية حزينة مؤلمة تعسة له مفرحة لنا 0
    أصول القصة الفعلية المأساة السوداء

    الشخصيات- الفـكـر- الفكرة - اللغةمحددات الشخصية لبطل المأساة :
    صاحب النفس الأمارة بالسوء أو اللوامة العامرة بالفساد ، النفس الوجلة المتردية في الشر الخالية من الإيمان 0 تصارعها النفس المطمئنة العامرة بالإيمان
    - الاسم غير واضح به التباس وغرابة و غموض يجبر على الاستهزاء والنفور ، لا على الاحترام والإكبار ، أسوأ منا ، إلى ما هو عليه أدنى الناس0
    الفكر فكر البطل يكون فكرا مضللا ، لا يطيع الله ، وهو يؤمن بفكر منحرف ، لا يتبع الطريق القويم فى تحقيق حاجته وتحقيق هدفه ، فكره فاسد 0
    [align=center]مكونات القصة الفعلية المأساة السوداء[/align]
    الأفعال - المكان - الزمان - الزينة - المؤثرات الصوتيةأنواع الفعل المفزع أو المرعب أو المخوف ، ولابد أن يقع مرتين ، ليتأكد عليه الذنب الكبير ، والعقاب المؤلم المفجع ، والنهاية الحتمية0
    والفزع يتحقق من : القتل المباشر ، وهو أشدهم وأقواهم وقعا وتأثيرا وألما 0 أوالقتل غير المباشر ، وهو المعنوي المؤلم للروح والكرامة والكبرياء0 وهو أقلهم0 أو الاستعباد ، أو الإذلال أوالقهر ، أوالتجبر، أو الحبس، أو التهديد ، أو الترهيب0
    الفعل الأول عند الزلة : أن يهم الفاعل بفعله المفزع وهو يعلم من سيقع عليه الفعل ويعرف حقيقته ، ويقوم بتمام الفعل ، مما يقطع الشفقة والعطف والمؤازرة والتضرع منا نحوه0 كما فعل قابيل الذى كان يعرف من سيقع عليه الفعل ، ويعرف حقيقته ، ومع ذلك قام بتمام الفعل 0
    الفعل الثانى عند التعرف : أن يهم الفاعل بفعله المفزع وهو يعرف من سيقع عليه الفعل ، ولكن لا يعرف حقيقته ، ويقوم بتمام الفعل ، ثم يكتشف حقيقتة بعد فوات الأوان مما تحقق أكبر قدر من الخسران والندم للفاعل 0
    قوانين القصة الفعلية المأساة السوداء

    الصراع – الحبكة – التغير - التحول - الانقلاب 0
    التغير هو الانتقال من حال السعادة إلى حال الشقاء ، ومن حال الجهل إلى العلم ومن اليسر إلى العسر ، ومن الحب إلى الكره ، ومن الصداقة إلى العداء ، ومن النجاح إلى الفشل0
    أسس المأساة السوداء

    البداية – الابتلاء – الزلة – العقدة – الانفراجة – التعرف - النهايةالبداية
    البداية تكون بمشاهد مثيرة جذابة مفرحة مبهجة ، توضح وتكشف عن شخصية البطل ذى المكانة الاجتماعية الكبيرة والوجيهة والعظيمة ، والنجاح الباهر الذى يحققه فى عمله ومكانته ، والتى تظهر إلى أى درجة من السعادة والنجاح يصل إليها ويعيش فيها يتمتع بها ، فى جو عائلى مشبع بالسعادة والرخاء وشهوة الاكتناز والمحافظة على هذا المستوى الذى يعيشون فيه وقد حققه ، ويريد أن يحافظ عليه ، ويبتغى طرقا جديدة للنجاح والتفوق على حساب أى قيمة ، غير مدقق فى هذه الطرق ، مبتعدا بقدر علمه عما يكون فيها مما يشوبها أو يشينها ، ولكن عند الحاجة الماسة يساوم ويقبل بما يراه فيه بعض الشوائب ، مبررا لنفسه الوسيلة من أجل عظم الغاية ، مما تمكنه من خلق أدوات مهما كانت تعينه على النجاح ومواصلته ، محافظا على سعادته يضحى فى سبيل ذلك بقيم وأخلاق ونبل ، متغلبا على أى مصارعين أو معترضين أو مجابهين يقفون فى طريقه , حتى ولو كانوا من النبلاء الأفاضل يتغلب عليهم بكل السبل النبيلة والمتدنية والدنيئة ، مستعملا كل أدوات قوته من العلم والخبرة والحنكة والمراوغة والدهاء والمكر والحيلة ، يكسب بهم ويتفوق ويصل إلى مراحل كبرى من النجاح والسعادة ، مخلفا الشقاء لغيره من المجابهين والمصارعين 0
    الابتلاء
    سبق تناوله من عدة أوجه فى مواضع متفرقة ، ولنا هنا مسلك آخر يضيف إلى تفاسيره وتوضيحه على محمل اليسر والسهولة ، كما درجنا فى أمثالنا وعرفنا وصار من البديهيات الصالحة المسلم بها [ أن الرجل موقف ] بمعنى فى الموقف الصعب المأزوم المعقد هو ما يظهر ويستوضح بجلاء معدن الإنسان من عدمه ، إن كان الرجل يستحق لقب الرجولة من عدمه ، لبطولته وفدائه وإقدامه وحسمه ومشاركته ، وعدم تخاذله أو هروبه أو تقاعسه ، فى نصرة المأزوم صاحب الموقف الجلل ، أم يكون رجلا بالاسم ولكن حقيقته تنتفي منها سمات الرجولة والتي بدورها تسحب من رصيد النبل والعظم والشهامة والمروءة ، ويصير إلى عكسها من الانتقاص الذى يضيع كل رصيده من احترام وتوقير الناس والمجتمع له 0
    ما سبق يقدم تعريفا سهلا وتفسيرا ميسرا للابتلاء الذى هو فرض من الله على الناس جميعا 0
    من الابتلاء يعرف الله وهو العليم وعلمه مسبق بكل شيء ، ولكن ليقيم الحجة والدليل والبرهان على شخص المبتلى بما أنجز فيه سواء بالطاعة والصبر والعزيمة ، وكان مصارعا ومجاهدا وباذلا بذلا شديدا وقويا وسديدا بعدم الخروج عن طاعة القوة العليا متمسكا بالإيمان غير معاند لها مصمما على النجاح ، فيسعده ويفرحه ويكافئه0 وهنا بطل المأساة السوداء لم يتحمل البلوى ولم يصبر وجاهر بالمعصية معلنا الخروج عن طاعة القوة العليا ، متحديا لمشيئتها وفرضها ، أى كشف عن نفسه معدنه أنه لا يستحق لقب الإنسان النبيل المؤمن المحتسب الصابر الطائع ، معلنا تحديها ومخالفتها ، عاملا على كسب سخطها ووعيدها ، غير معترف بقوتها وقدرتها وسطوتها وعدلها ، غير ملتجئ لها طالبا عونها ومساعدتها على تجاوز ما يواجهه من محنة أو بلوى تصيبه ، هو يعلم ويعرف ويؤمن أنه حال الصبر والطاعة للقوة العليا ، يكسب رضاها ومساعدتها ومؤازرتها ، وكذلك يكسب تعاطفنا وشفقتنا وعطفنا ومؤازرتنا وتضرعنا نحن معه للقوة العليا من أجله ، ولكنه يعاند ويتحدى مشيئتها ويجاهر بالمعصية ويقبل يرتكب الخطيئة عامدا متعمدا ، وهو بذلك يكشف عن معدنه الحقيقى ، من أنه لا يستحق المؤازرة ولا الشفقة ولا العطف ولا التضرع ولا الرحمة لأنه معاند ومذنب وعاص ، وهو الذى يستوجب على نفسه العقاب ويستدعى الفاجعة من القوة العليا التى ستنزل عقابها وسخطها عليه لا محالة مهما فعل ومهما هرب ومهما جاهد ، قاطعا الشفقة بداخلنا نحن له ، لأنه ارتكب الخطيئة أو الجريمة أو الذنب وهو عامد متعمد ظنا منه أن شخصا ما يعرفه هو الذى كان السبب لخسارته أو لفقدانه أدوات قوته وأسباب نجاحه ، يتوق إلى الانتقام والتشفي غير متحل بالصبر الجميل ولا العقل الرشيد والروية المستوجبة التى تظهر معدنه الحقيقى ، ولذلك أوجب على نفسه العقاب الذى يعمل على التهرب منه بشتى الطرق ، وهو يحاول أن يراوغ ويفلت من الاستحقاق المستوجب عليه الذى استدعاه بفعله وعمله ، وينجح فى المراوغة والتهرب ويحاول أن يستعيد خسارته ، ويعاود النجاح ، ويستطيع أن يعاود تحصيل حاجته والعمل على تحقيق هدفه ، مستخدما كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة ، ويواصل العناد والتحدي للقوة العليا التى تمهله وتمد له فى غيه مدا ، حتى يشعر بالنجاح ويظن أنه باستطاعته الإفلات من العقاب حتى تتعقد أمامه الحلول ، ومع ذلك يستطيع أن يسبر أغوار ما يقابله من عقبات ، وينتشي ولكنه يشعر أن حياته لا تزال مهددة بالمخاطر من جراء الذنب الذى ارتكبه واستطاع الإفلات منه ، معتمدا على أشخاص يمدونه بالمساعدة ويجابهون معه مستفيدين منه أو مؤجرين له ، يساعدونه فى كيفية تخطى الجريمة التى ارتكبها تهدد سعادته وحياته ويبعدون عنه هذا الخطر الجاثم على نفسه ، ولكن القوة العليا تسخر منه ، ومن يتقدم إليه يساعده وينجيه من الخطر والعقاب المستوجب عليه ، يشعر بحساباته وتفكيره القاصر وعلمه الناقص أن الشخص الذى جاء يساعده جاء يهدده لأنه العارف بجريمته ، فيلتبس عليه الأمر ويتقدم يقتله ويتخلص منه ، ولكنه يكتشف بعد فوات الأوان حقيقة هذا الشخص الذى أوقع به ، من أنه جاءه بما يبعد عنه ما يهدد حياته ويساعده تمام المساعدة ، ولكنه أوقع به وهو لا يدرى ، حينها يشعر بالخسارة الكبيرة والندم العظيم الذى لم يعد يجدي ولا ينفع غير تأكيد الذنب عليه وتأكيد العقاب , والأنكى أنه يكون قد كشف عن نفسه أكثر مما تيسر على المجابهين له من الإمساك به لتوقيع العقاب الذى يستحق عليه ، ويكون العقاب بفقدانه حريته أمدا بعيدا أو بفقدانه حياته كلها بالشنق 0
    مشاهد بفعل من طامة كبرى أو بلية عظيمة تتسبب فى خسارته خسارة كبيرة ، ولا يستبين على وجه الدقة المتسبب فى هذه الخسارة التى تجلب من تداعياتها الحزن الشديد له ، مما تجعله لا يجيد التفكير السليم ولا التحلي بالصبر العظيم ، ويقبل أن يبحث عمن كان السبب فى خسارته التى لا يتحملها بما يتمتع به من المفترض قوة إيمانية من نبل وأخلاق ودين ، يسمع لشيطانه الذى يحمله على المكابرة والعناد والبحث بكل الطرق عن أسباب خسارته التى يجهلها ، فيندفع بكل قوة ينتقم ممن يظن فيه أنه السبب فى خسارته ، وهو قاصد وعامد الفتك بمن يظن فيه ، يدفعه العناد والتكبر وعدم الصبر على تحمل ما أصابه بعزم وجهد وقوة وغلبة ومنعة ، يرضى بما حدث له أنه ربما يكون امتحانا من الله يتوجب عليه تحمله واللجوء إليه يطلب منه رفع الغمة وتخليصه من البلية ، باستعادة بعض أسباب قوته وأدوات نجاحه حتى يستطيع أن يواصل طريقه ويتجاوز خسارته وطامته بخسارة أخرى وطامة جديدة وزلة عظيمة تزيد من خسارته وتستوجب عليه العقاب ، ولكنه لا يصبر ولا يستعين بالله على قضائه وقدره وبليته العظيمة يحمله عناده وغروره على التحدي والمقاومة والانتقام , ممن يظن فيهم سبب خسارته فيندفع إلى ارتكاب 00
    الزلة
    هى الذنب بقصد ، وهى الصنيع غير الحسن بسوء نية 0 وتأتى من الشخصية نفسها 0
    - مسميات الزلة وشروطها :
    الجرم أو الذنب ، شرط القصد والنية ، ولذلك ليس لها عفو من الله برفعها عنه0
    السقطة شرط تمام المعرفة وحسن التقدير0
    - مسببات الزلة :
    الاستعجال أو العجلة ُ لصنيع غير حسن و يكمل ما انتوى 0
    الاضطراب والقلق وشدة الوطأة وعدم الصبر0
    ضيق النفس بسبب مواجهة المشكلات والعقبات الناتجة عن شدة الابتلاء0
    التعنت أو العناد فى غير محله مما يحمل على الاستكبار0
    التعب والإجهاد 0
    هى الخطيئة الكبرى التى يرتكبها وهو قاصد وعامد فيمن يظن فيهم أنهم سبب خسارته ، مما تقطع عليه أى خوف أو شفقة أو عطف أو مؤازرة له ، وكما يندفع فى طريق الانتقام ، ويسلك جميع الطرق من أجل استعادة أسباب قوته وأدوات نجاحه وسعادته ، ويجاهد فى سبيل ذلك جل المجاهدة مضحيا بأى قيمة يسلك كل الطرق مبررا لنفسه كل الوسائل وكل الأسلحة مما تسحب من رصيد احترامه وتنتقص من موضع إكباره ، متخطيا كل الموانع متغلبا عليها ، لا يمنعه مانع من دين أو أخلاق أو قيم ، متحملا كل ما يحدث له من ألم ومعاناة وصعاب تزيد من عناده وإصراره على ما يريد ، منتصرا مصمما على النجاح ، حتى يحققه ويستطيع رغم كل العقبات أن يحقق بعض أدوات قوته وأسباب سعادته ، والتى يشعر بقيمة نجاحه مما تزيده من شراهة العناد والتكبر ومواصلة السطوة والجبروت والانتقام والتغلب على كل من يقابله من مصارعين أو موانع بكل السبل الممكنة وغير الممكنة التى يبذل فيها مجهودا غير عادي حتى يحققها و لكنه يصل إلى0000
    العقدة
    بعد أن تشفىَّ البطل وانتصر لشره ، بمن توقع أنه سبب خسارته ، ويصير أمامه الطريق مفتوحا نحو استرداد مكسبه وحاجته ونجاحه ، يواصل طريقه إلى طريق فيه صعوبة كبيرة نتيجة بعض أخطائه التى ارتكبها ، مما تستوجب عليه العقاب الذى يريد أن يتهرب منه ، ويسلك كل الطرق فى سبيل ذلك ، ولا يلجأ إلى الله الذى يلجأ إليه الجميع ، ويحاول بنفسه مؤمنا بقدراته الذاتية على تخطى هذه العقدة باحثا لها عن حل فاتحا أمامه كل الاحتمالات ، باحثا عن كل الثغرات التى من الممكن أن ينفذ منها ، ويبحث عن معاونين يشتريهم بالمال ، ويغريهم بما ينتقصهم باستعاضتهم إياها0 ويستبشر بوادر الانفراجة التى تجعله يواصل طريقه متخطيا تلك العقبة الكبرى ، ولكن يتهدد هذا النجاح آخرين يترصدونه من المجابهين له ، يسبرون أغوار خطواته ويكشفون فعله ، ويجمعون الأدلة لتوريطه وإثبات الجريمة التى ارتكبها ، وهو الذى يحاول تعويض الخسارة والفكاك من الجريمة ، ومحاولة طمس معالمها ، أو أي خطوط من الممكن أن ينفذوا له منها – يحاول بكل الطرق والعزم ، وهو يعاند القوة العليا ويتحدى مشيئتها بالتهرب من حكمها الحتمي الذى تفرضه فرضا على الخارج على إرادتها ومشيئتها ، وهو يحاول أن يتحدى هذا المصير المحتم عليه لا محالة ، ويتبع أي طرق تنجيه منه ، فينزلق إلى طرق شتى أكثر مخالفة وخروجا وتحديا للقوة العليا ، وأكثر ذنبا ، فيقبل على الرشوة والمحسوبية وشراء الذمم ، وتضليل العدالة ، واقتراف مزيد من الجرائم ، حتى تحدث 000
    الانفراجة
    الانفراجة لا تكون إلا من الله القوة العليا – تفرج عنه ما هو فيه لتسخر منه ، وذلك يتحقق من خلال حادث أو حادثة تقع بالقرب منه تخصه ، أو واحد من المقربين له ، ابنه ، ابنته ، زوجته ، والده ، أمه ، أو لها ثمة علاقة وثيقة به ، أو بواحد من عائلته أو من المقربين له من الدرجة الأولى ، تفتح له طريقا نحو استعادة أسباب نجاحه وتعوضه أدوات قوته ، ولكنها فى نفس الوقت توضح له سبب خسارته الحقيقى ويستبين منه المسبب الحقيقى لفقدانه أدوات قوته ، ومنها يعرف ويوقن ويتأكد أن من أوقع به بلوى كبرى قتله أو ظلمه أو قهره ، ليس هو سبب خسارته ، ويعرف ظلام نفسه ومدى جرمه بأن توضح له بما لا يدع مجالا للشك ، أن سبب خسارته ليس الشخص الذى أوقع به ، بل هنالك سبب آخر لخسارته هو نفسه المتسبب فيها لعدم فهمه الصحيح ، وعدم تفكيره الحسن الذى لم يبين له كيف يستمر فى النجاح وكيفية الخروج من الخسارة بطرق حسنة قويمة سليمة تحتم الصبر والشكر للقوة العليا معتبرا ذلك امتحانا منها ، والذي كان يحتم عليه الإعداد الجيد بالصبر العظيم والتفكير السليم واللجوء إلى الله يتذلل له ليعينه على خسارته ويخفف من آثار بلواه ، حتى يستطيع مواصلة طريقه نحو استعادة أسباب سعادته وأدوات قوته ، ولكنه لم يفعل ذلك لرعونته وتسرعه وتكبره ، ويصبح وهو يواجه المخاطر الحقيقية بعد أن استعاد أسباب قوته وأدوات نجاحه التى تشعره بالقوة والتفوق ، والمقدرة على ترويض كل السبل نحو حاجته وهدفه ، ولكن تتهدد حياته كلها المخاطر من جراء ارتكابه جريمة عامدا متعمدا ، وهذه الجريمة تستوجب عليه العقاب الحتمي ، فيحاول المراوغة والتضليل والتهرب من هذا العقاب المستوجب ، مستندا على نجاحه وتفوقه وجبروته وتحلله من القيم والأخلاق التى تكبل حركته ، بطرق شتى يتبعها ، ويزداد عناده للمشيئة الإلهية التى يعرف أنه خالف أوامرها ولم يتجنب نواهيها ، وهى تصطبر عليه وتمد له فى غيه مدا بما تشعره بأنه قادر على التهرب من جريمته واستحقاق العقاب ، ويحاول ان يسبر أغوار سبب خسارته الحقيقى حتى ينتقم منه ، بدافع التكبر الأجوف والتصرف الأرعن والغرور الأعمى ، أو يلصق به جريمته حتى يحدث 000
    التعرف
    أن يهم الفاعل بفعله المفزع وهو يعرف من سيقع عليه الفعل ويعرف حقيقته ، ومع ذلك يقوم بكمال الفعل ، فليس من المعقول ولا المقنع أن يرتكب شخص جريمة ويتمها من غير أن يعرف المفعول به ، فعن أي شيء أو أي سبب يقتله أو يوقع به ، وتحت أي مسمى يقبل على القتل بدون سبب ، وحتى إن وجد السبب ، فهل يقتل وهو لا يعرف على وجه الدقة بمن أوقع به؟!
    إذن لا بد حال ارتكاب الفعل المفزع أن يكون القائم بالفعل يعرف تماما من سيقع عليه الفعل ، ولذلك يتمه تحت ذريعة أنه السبب في خسارته أو فقدانه أسباب قوته0
    وفيه يعرف أن سبب خسارته لم يكن الشخص الذى أوقع به ، السبب مشيئة الله وحده وليس لأحد دخل بخسارته غير تواجد من أوقع به في غير الوقت المناسب مما يبدو أنه السبب ، ومع أنه كان العكس من ذلك لأنه حاول جاهدا التغلب على أسباب الخسارة بمحاولة منعها 0
    النهاية
    فيندم أشد الندم على ما فعله بمن أوقع به ، وهذا يقوده إلى مصيره المحتوم نحو القصاص بسب هذه الجريمة التى اقترفها بكامل وعيه وإرادته ، وتكون النهاية مؤسفة مؤلمة حزينة مفزعة للبطل ، طامة كبرى وبلية عظيمة لا تبقى عليه ولا تذر ، مفرحة لنا ، إما إلى سجن أو إعدام ، وإما فاجعة من فعل القوة العليا نفسها التى تقتص منه ، بأن يصرع ويفجع فى حياته التى تفنى وتنتهى 0
    المأساة الشخصية العظيمة

    بطلها من أصحاب النفس المطمئنة أو اللوامة 00 وهم الذين لديهم عقيدة ثابتة من فكر صالح ، ونية صادقة من إيمان كامل بالجهاد ، وعزيمة لا تلين من أجل فكرة صالحة حسنة ، يسيرون نحو أن تنتهى حياتهم بالشهادة فى سبيل الله ، أو سبيل الوطن ، أو سبيل قيمة عظيمة ، والجهاد فى اللغة : بذل ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل . والجهاد فى الشرع : بذل الجهد لإعلاء كلمة الله 0 والشهادة فى اللغةً معناها الخبر القاطع ، والحضور والمعاينة والعلانية ، والموت في سبيل الله0
    العنوان المشرق والبدر الساطع والشمس التى لا يغيب نورها ولا يخبو ضياؤها ، الذى يعرفه كل مسلم ويحتفل بمقتله كل مؤمن ، سيد شباب أهل الجنة سيدنا الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وأمه فاطمة الزهراء بنت النبى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ومثله انتهت حياة سيدنا عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلى بن أبى طالب ، وهم من هم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الراشدون العدول التقاة ، وغيرهم0
    هذا هو نموذج بطل المأساة العظيمة صاحب النفس المطمئنة ، ويصلح أن يكون بطلها من أصحاب النفس اللوامة ، إن بطلها يسير نحو الشهادة بإرادته الحرة القوية ابتغاء مرضاة الله وحده ، يطمع فى جنته وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فى دار مقامته فى جنة الخلد ، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نقول إن نهايته محزنة على الإطلاق فهل بوسع إنسان أن يضمن الجنة ويحزن ؟!! سؤال لا يحتاج إلى إجابة ، ولكن النهاية محزنة بالنسبة لنا!! وكما قلت إنه حزن جميل مطهر لنا من الرياء والتكبر والغطرسة والقنوط ، شاف لنا من اليأس والحقد والغل والحسد ، حزن مطهر للنفس من أدرانها وأحقادها ، حزن مخلص من الكبر والتعالي ، حزن فى أنبل وأجل وأعظم معانيه ، حزن مهذب للنفس الفاسدة مفرح للنفس العامرة بالإيمان ، حزن ممزوج بفرح ، حزن من نوع خاص تمتزج فيه دموع الحزن بدموع الفرح من عين واحدة 0 من استشهد عزيزا لهم تبارك وتهنيء الناس أهله ، ولهذه الخصوصية يكمن عظم وإجلال المأساة العظيمة التى لم أجد لها اسما أشرف وأحسن وأجمل من ذلك0
    تعريف المأساة الشخصية العظيمة

    البداية مشهد مثير ومشوق ومدهش وجذاب وممتع ، ومبنى على المستحيل الممكن المقنع لشخصية عظيمة ونبيلة له حاجة يريد أن يحصل عليها وهدف يريد تحقيقه ، تتعارض مع حاجات آخرين وأهدافهم ، فتنشأ المشاحنة والمجابهة والبغضاء ، فيقومون بعمل مفزع يهددون حياته - فنخاف عليه - فينشأ الصراع على أشده ، فيتآمرون عليه للوقيعة به وإبعاده عنهم أو التغلب عليه فى مكان معلوم ، فيضعون له العقبة فى طريقه ويصبح فى أزمة يحاول التغلب عليها ، ويتلمس الأسباب والسبل الممكنة المحتملة أمامه وفى حدود مقدرته العقلية والجسدية ويحاول أن يجتاز هذه العقبة بكل السبل حتى يجتازها فيضعون أمامه عقبة أخرى فى مكان آخر بدهاء ومكر وحيلة، ويحاول التغلب عليها ، ويستغرق منه وقتا ليعد عدته ويجهز أدواته جيدا ويقطع فيه زمنا يتعلم فيه ويتدرب ويحسب حساباته جيدا لينجح ويواصل طريقه نحو مسعاه 0فيكون الابتلاء فى أخلاقه وقيمه وقوة عقيدته ومدى تحمله فينزع إلى الصواب والإصرار عليه ليحقق حاجته بدون ضرر، ولكن قوة الابتلاء والاصطبار عليه، تدفعه دفعا إجباريا وتغير مجرى طريقه نحو هدفه وتجبره على سلك اتجاه آخر يبعده كل البعد عن حاجته وهدفه ، فيغيم الطريق أمامه ويلتبس عليه الأمر وهو يحاول أن يتلمس طريقه الذى رسمه لهدفه الذى لا يتراجع عنه أبدا عاقد العزم والنية على تحقيقه ، فيأتي الزلة التى تكون سببا فى آلامه ومعاناته ويحاول بسرعة أن يتجاوز هذه الزلة ، ولكنهم يشددون عليه الحصار ويسدون أمامه كل الطرق , ومع ذلك يوقعون به ويضعونه فى أزمة أخرى ويحاول التغلب عليها والخروج منها منتصرا , فينازعهم وينازلهم ويحاول دفع الأذى عن نفسه ولكن بدون فائدة ولا جدوى فيجد أمامه عقبة أشد وأقوى0ويُحكمون عليه الحصار ويسدون أمامه كل الطرق فتتعقد أمامه كل الحلول ، وتكون العقدة الكبرى المستحكمة ما لها قرار ولا حل ، يحاول التغلب عليها والخروج منها ، فيستعمل كل أدواته وما يملك من علم وخبرة وحيلة ودهاء ومكر، يحاول التغلب عليها يبذل تمام البذل مستعدا أن يضحى بنفسه فى سبيل الوصول إلى ما يريد وتحقيق ما يهدف إليه ، ويرفع عن نفسه الآلام والمعاناة ، ويسبر أغوار تلك العقدة فلا يستطيع سبر أغوارها بمفرده ، فيلجأ إلى الله ، ويرجع الفضل إليه الذي بيده كل شيء - فنشاركه حيرته وندعو له ، و يتضرع إلى الله ويذكر الأنبياء ،– فنصلى عليهم - فيستجيب الله له وتحدث الانفراجة يفرج عنه ويهيئ له الأسباب ، فيقع حادث بعيد عنه يكون سببا فى أول بارقة أمل تجول أمامه ، فيستغلها ويجتهد بعمله وعلمه وتفانيه وإخلاصه وصدقه ويُفعل كل أدواته حتى يكسب بها ، أو يكسب معاونين له قد يمدون له يد العون ويساعدونه فى حل بعض خيوط العقدة ليتلمس طريقه الصحيح مرة أخرى ليحصل بعلمه وعمله وبشهادة الآخرين ، و بسعي و طلب واجتهاد منه ليحصل على حاجته، ، ثم يجاهد من أجل تحقيق هدفه ويسعى بكل جهده إلى أن يحدث التعرف على واحد يكشف له حقيقة من يواجههم ، ومع ذلك يواصل طريقه بعزيمة وإيمان وثبات يلجأ إلى الحيلة وإلى كل ما يملك من أدوات قوة يستعملها ويحاول أن يكسب بها ، بغية تحقيق هدفه دون هوادة ولا كسل ولا تراخ بل بعمل وجهد وصبر وإصرار ، حتى تخور قواه وتكون النهاية يتغلبون عليه ويوقعون به ويقضون على حياته ، وهو ينازع النفس الأخير , ورغم آلام خروج الروح إلا أن ملامحه تشي بالسعادة والرضي ، يستشعر رحيق الجنة التى تتراءى أمام عينيه والروح تصل إلى الحلقوم ، فيلفظ أنفاسه الأخيرة برضي ، وسرعان ما يكتسى وجهه بالنور ، وروحه تصعد إلى السماء تحفها الملائكة الكرام بهالة من النور وتدثرها بالثياب البيض المعطرة بأريج الجنة ، وتتصاعد الملائكة بالروح حتى تدخل به الجنة ويسكنونه قصره المحفوف بالبساتين والرياحين والأنهار والحور العين ، والولدان الحسان الذين يكونون فى خدمته يقدمون له الماء الطهور ، والعسل المصفى ، والخمر الجميل ، والكل فرحون به مهنئون ، فيفرح كأن لم يفرح من قبل 0 ولذلك يكون حزننا نحن المحقق لتوه عليه يتحول إلى فرح عليه 0عندما نرى نهايته تتحقق على النحو الذى كان يأمل وينوى وتحقق له ذلك 0وهو ما يجب على المؤلف أن يتمه ، ويصوره المخرج على أعلى فرضية ممكنة له من أدوات , لأنه مستحيل ولكن على المخرج أن يبذل مجهودا غير عادى حتى يحققه حتى ولو بدرجة كبيرة منه لأن له غاية التأثير المكثف الذى يبقى فى نفوسنا أمدا بعيدا ، يعظم طاعة الله ونعيم ثوابه وتحقيق وعده الذى لا يخلفه أبدا ونحن نسير حسب أحكامه لا نخالفها ولا نبتدعها ، ولا نلتفت لرأى الفلاسفة الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب وقالوا إن من مثل ذلك شيء خارج عن نطاق الطبيعة وذلك بالنسبة لهم لأنهم لا يعرفون كلام الله المنزل فى القرآن الكريم ، ووصفنا للجنة وتصويرها بتشبيه ما وصفه الله ليس فيه من الحرام أو التجاوز أو عدم العلم والمعرفة ، أو أن حكمنا على البطل أنه من أهل الجنة هذا حكمنا نحن وتقديرنا نحن لا ، بل هو حكم الله كما بينا وأسلفنا ، ولأن الله وصفها على هذا النحو البديع الجميل فى سورة الواقعة [ الواقعة]
    المأساة الشخصية الإلهية

    إن هذه المأساة من الممكن أن تقع لعموم الناس الذين تنتهى حياتهم بفاجعة دون أن يكون لديهم ثمة ميل أو إصرار أوعزيمة ، ولكن فرضت عليهم هذه النهاية بقضاء الله وقدره الذى هو من الغيب الذى لم يطلع عليه أحد من البشر وحتى سيد الخلق وحبيب الرحمن سيدنا محمد صلى لله عليه وسلم عندما حسم الله هذه المسألة لأحب خلقه إليه وتنصرف علينا نحن جميعا {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف ] هذا حسم قاطع ألا نتجاوز حدودنا ونسأل لماذا ، ومن أجل ذلك أسميتها المأساة الإلهية لأنى لا أستطيع ولا هو جائز لى شرعا أن أعطيك لها أسبابا أو عللا أو تحليلا ، ولكن جهدي ينصرف فى أن تحققها فى صاحب النفس الأمارة بالسوء أو دونها مما لا يؤمن بالإله الواحد تجدنا نفرح فيه ؛ لأنهم يقطعون السبيل بداخلنا نحو أى شفقة أو عطف أو خوف أو حزن أو رأفة عليهم لأنهم لا يستحقون تلك المشاعر الإنسانية النبيلة الجميلة منا وهم العصاة غير المطيعين لله خالقهم وخالق كل شيء ، وما نهايتهم تلك نحسبها ونعدها نوعا من العقاب الشديد الذى أنزله الله عليهم فى الدنيا قبل الآخرة ، وهو ما يقطع شعورنا الإنساني تماما معهم لأننا تأكدنا من عصيانهم لله وارتكابهم الذنوب التى تستوجب العقاب والشماتة والتشفى والفرح فيهم 0 لأن الله تعالى حكم على مثل هؤلاء فى جرائم حال ارتكابها ينفذ فيهم حكم الله الذى تطبقه الدول الإسلامية بأشكال عدة مثل الزانية والزانى
    وهى من الممكن أن تتحقق فى عموم الناس الطائع وغير الطائع أو المزاوج بينهما ، أو حتى الكافر ، لكن يفضل أن يستبعد أصحاب النفس المطمئنة أو اللوامة ليكونوا أبطالا لمثل هذه المأساة إن كانت تلك نهايتهم ، وهو ما يحقق أكبر قدر من الحزن الشديد غير المطهر لنا من الأحقاد ولا المعالج لنا من الأمراض ، ولا المثبت للإيمان فى القلوب لأن القلوب عرضة لأن تهزها الأهواء كما قال الشيخ الشعراوى فى تفسير الآية التى ذكرها الله تعالى فى محكم التنزيل بشأن القصة لماذا أنزلها والحكمة منها ( تثبيت القلوب على الإيمان والطاعة ) وتطهيرها من العناد والمكابرة والفساد ، وعظة للنفوس لتعالجها من التمرد والعصيان والأدران من حسد وغل وحقد وحسد وطمع وغيره ، وذكرى للعقول المنفلتة المتحررة لتقومها وتذكرها بحدود الله 0 وعند استعمال من مثل هذه النهاية المأساوية الحقة لصاحب النفس المطمئنة , ستحدث عكس ذلك تماما من أن الحزن هنا حزن من النوع المرضى الذى يدعو إلى الكآبة الموصلة إلى اليأس ، واليأس هو أشد مرض مهلك للنفس ، ولذلك لا أنصح المؤلف بمثل هذه النهاية لأصحاب النفس المطمئنة بالذات وتتعداها لأصحاب النفس اللوامة التى لم تزل غير غلطة واحدة بغير قصد المسموح بها من الله0
    لكن يفضل أن تكون نهاية بطلها لصاحب النفس المطمئنة أو اللوامة الطائعة على هذا النحو لا غيره حتى يأتى أكله الطيب بإذن الله ويكون علاجا للنفوس ومطهرا لها ، فى الحديث ، روى البخاري عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الشهداء خمسة: المطعون ، والمبطون ، والغريق ، وصاحب الهدم ، والشهيد في سبيل الله) (المطعون) الذي يموت بسبب وباء عام 0 (المبطون) من مات بسبب مرض أصابه في بطنه0 (صاحب الهدم) الذي يموت تحت الهدم 0 المبطون قال أهل العلم في تفسيره : إنه من مات بداء في بطنه كإسهال واستسقاء 0وقال الحافظ بن حجر في شرحه على صحيح البخاري : المراد بالمبطون من اشتكى بطنه لإفراط الإسهال ، وأسباب ذلك متعددة0 قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم : أما المبطون فهو صاحب داء البطن0 وهو الإسهال ، وانتفاخ البطن ، وقيل : هو الذي تشتكي بطنه ، وقيل : هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً ، وأما الغرق فهو الذي يموت غريقا في الماء ، وصاحب الهدم من يموت تحته 0 وفي تفسير شهادة هؤلاء الناس ، وهل ترتقي لشهادة من قاتل في سبيل الله حتى قتل , قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتة شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها ، وقد جاء في حديث آخر في الصحيح : (من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) وفي حديث آخر صحيح: (من قتل دون سيفه فهو شهيد) 0 والمراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء ، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم 0والشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة ، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرا0
    ولكن يفضل أن تلجأ إلى هذا النموذج وهذه النهاية التى تنتهى حياة بطلها من ذلك النوع من الذى أعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنهم شهداء كما سبق أن وضحنا ، وتكون النهاية بحزن ، ولكنه حزن جميل ، أى بمعنى أن تنتهى حياتهم من مثل ما سبق لأنهم فى هذه الحالة يعتبرون من الشهداء ، وما داموا شهداء فسيدخلون الجنة0
    من كتابى ( أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم )
    تحياتى فتحى حسان محمد
    أسس القصة
    البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
  • على جاسم
    أديب وكاتب
    • 05-06-2007
    • 3216

    #2
    السلام عليكم

    فعلاً هنا موضوع يستحق القراءة والتفاعل معه

    ولكن في البداية هل الموضوع منقول أم لا فقط للتوضيح

    لي عودة

    تقديري لك أخي
    عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
    يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
    فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
    فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

    تعليق

    • فتحى حسان محمد
      أديب وكاتب
      • 25-01-2009
      • 527

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة على جاسم مشاهدة المشاركة
      السلام عليكم

      فعلاً هنا موضوع يستحق القراءة والتفاعل معه

      ولكن في البداية هل الموضوع منقول أم لا فقط للتوضيح

      لي عودة

      تقديري لك أخي
      أستاذنا الفاضل / على جاسم
      الموضوع ليس منقولا من أحد ، بل من كتابى أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، تحت الطبع
      أسس القصة
      البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية

      تعليق

      • على جاسم
        أديب وكاتب
        • 05-06-2007
        • 3216

        #4
        السلام عليكم

        شكراً لك أستاذ فتحي على التوضيح

        ولي عودة مرة أخرى بعد قراءة الموضوع

        تقديري
        عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
        يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
        فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
        فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

        تعليق

        • فتحى حسان محمد
          أديب وكاتب
          • 25-01-2009
          • 527

          #5
          طبع الكتاب ( أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم )
          يباع لدى
          مكتبة مدبولى ميدان طلعت حرب القاهرة
          مكتبة الآداب ميدان الاوبرا القاهرة
          أسس القصة
          البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية

          تعليق

          • هدى فهد المعجل
            • 16-10-2007
            • 9

            #6
            تعقيب

            مساؤك ورد أستاذ فتحي
            وعنوان جاذب لمادة مهمة وفكرة أهم تعنى بالقصص القرآني

            ولكن هل سنجده في مكتباتنا في السعودية..؟
            الفكرة تحرضني على ضرورة الحصول على الكتاب

            :
            كاتبة وقاصة سعودية
            :
            :
            كاتبة وقاصة سعودية
            ص.ب: 10919
            الدمام: 31443

            تعليق

            • فتحى حسان محمد
              أديب وكاتب
              • 25-01-2009
              • 527

              #7
              الأستاذة القاصة / هدى
              يشرفنى أن ارى كتابيى ( أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم )
              و ( أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم )
              عندكم فى مكتبات السعوودية عن قريب بإذن الله ، ولكن الامر ليس بيدى ، مرتبط بمكتبة مدبولى أو الآداب حال معرض هناك ، أو حال علاقاتها وارتباطاتها مع اصحاب النشر هناك 0
              من الممكن طلب الكتاب عبر البريد على عنوان المكتبة ، وستجدينه على النت
              شكرا
              أسس القصة
              البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية

              تعليق

              • إيهاب فاروق حسني
                أديب ومفكر
                عضو اتحاد كتاب مصر
                • 23-06-2009
                • 946

                #8
                الأخ والزميل الجميل الأستاذ فتحي حسان...
                كلما قرأت لك موضوعاً أجد أنني معجب جداً بما تهتدي إليه من فكرٍ جيدٍ ويحمل من التنظير القدر الكثير... أهنئك من القلب... وأحرص على تأييد نتائج البحث والدراسة التي توصلت إليها بعد جهد واضح وعظيم... ففيما تسعى إليه لاستخلاص نظرية جديدة للدراما ستكون بصمتك كبيرة ومؤثرة لكنك ستجد بعض المشاكسات ممن لا يجدون لديهم ميلاً إلى الفكر الإسلامي...
                تحيتى وتقديري ودعائي لك بالتوفيق ....
                صباح ممزوج بعطر الفل...
                إيهاب فاروق حسني

                تعليق

                • يسري راغب
                  أديب وكاتب
                  • 22-07-2008
                  • 6247

                  #9
                  أنـــــــــواع المأســــــــــــاة
                  المأساة الشخصية ، والمأساة القومية
                  وينقسمان إلى :
                  المأساة السوداء – المأساة العظيمة – المأساة الإلهية
                  --------------------------------------
                  وفي قصص القران من الماساة الشخصيه تقف قصص الانبياء وابلغها قصة سيدنا يوسف عليه السلام
                  ومن الماساة القوميه نجد في قصة سيدنا موسى عليه السلام التراجيديا التي تعلمنا منها قصة الماساة الانسانيه لديانه ولدت على ارض مصر الفرعونيه
                  تحياتي وتقديري
                  استاذ فتحي
                  مفهوم المأساة الشخصية السوداء

                  تعليق

                  يعمل...
                  X