اصطياد العصافير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هادي زاهر
    أديب وكاتب
    • 30-08-2008
    • 824

    اصطياد العصافير

    اصطياد العصافير
    لم يشعر احمد سعيد الشلال بأي تناقض بين ألانتماء وبين التطوع للخدمة في الجيش الاسرائيلي، فقد نشأ وسط أجواء ترى في الخدمة ضماناً للمستقبل والحياة السعيدة ،فوالده ضابط برتبة متوسطة،والكثيرين من أبناء بلده يخدمون في الجيش ويتفاوتون في رتبهم العسكرية.، فلما لا يدخل هو أيضاً أجواء التحدي ليثبت وجوده.كالآخرين وسط هذا المحيط؟.خاصة وان سلطات الجيش بحاجة إليه كغيره من الشباب البدو الذين يملكون الشجاعة،إضافة إلى الفراسة

    والتجربة في اقتفاء الأثر ،ثم أن ابن عمه "حمد"الذي هو في مثل سنه ،سبقه في التطوع ،وهو يراه عندما يعود إلى القرية يتدفق ثقة بالنفس ،يضرب الأرض بقدمه وهو ينتعل الحذاء العسكري .ولا يخشى سوى ألخالق سبحانه وتعالى،كما يقول دائماً:-

    أنا بخفش غير من الله

    ثم إن رعاية المواشي أكسبته قوة وقواماً متناسقاً ،.وتذكر لقد كان

    قبل أيام يصعد. ألنهاد. وينزل.الاوهاد.،إضافة إلى

    "الشبابة"التي كانت تتعبه من شدة الشهيق والزفير ،ولكنها كانت تشعره بالنشوة البالغة وهو يرى القطيع يأكل ألأخضر بشهية على أنغامها ،وأخذته موجة من الطرب فوجد نفسه يغني:-

    "جفرا ويا هربع طلعت ع سلمها ومن بين كل الخلق يا رب أتسلمها"

    واستمر شريط الذكريات في دورانه.،.كما أن الرماية لديه دقيقة ،تصيب الهدف بدقة متناهية،فكم من مرة أصطاد عصفوراً بحصوة !!.ووجد نفسه يرفع صدره منتشياًّ ،قد تذكر عندما قتل أفعى جدراء ،كادت أن تلدغ ألعنزة "الحلطاء ".حين ورد النبع بقطيعه ،كما هي العادة كل يوم حين تصل الشمس كبد السماء.

    تجمع الأقرباء والجيران في بيت الوالد "سعيد".بعد صلاة العشاء في

    مسجد القرية ،لتوديع "احمد"وتمنياتهم له بالنجاح بعد أن بلغهم نيته في

    الانضمام إلى "خدمة العلم":؟!!.وحتى أولائك الذين لا يحبذون فكرة انضمام

    الشباب إلى

    الجيش.حضروا لأداء واجبهم الاجتماعي كما يعتقدون ،وكان السيد "سعيد



    "يستقبل ضيوفه بالعناق، ولما لم تتسع الغرفة.أمر الشباب بنصب" شادر"

    فوق عرصة الدر للانتقال إلى الجلوس هناك .واستمرت المسامرات،.ولما

    تأخرت القهوة .صرخ أبو احمد:-

    - التشهوه يا ولد.

    وعندها طفق احد الضيوف يهتز قليلاً وهو يغني أغنية المطربة

    سميرة توفيق:

    "بلله تصبوا هالتشكهوه وزيدوها هيل واسقوها للنشامه ع ظهور الخيل"

    وهنا قفز بعض ألحضور عن كراسيهم واخذوا يرقصون وسط العرصة.وأستمر المؤدي في الغناء:-

    " قهوتنا للاجوادي ..أول بادي …ويلي ناره وقادي …بظلام الليل"

    وجاءت الردة منسجمة:-

    والنشامه انلاقيها وانحيبها ويلك يا اللي أتعاديها ….يا ويلك ويييييييييييل."

    وكان السيد سعيد يرفع بذراعه بين الفينة والأخرى وهو يلوح بكفه مرحباً بالضيوف رافعاً صوته:-

    "هلا هلا هلا هلا

    وكم كانت المفاجأة كبيرة حين دخل العرصة خيالان يمتطيان كل فرسه وهما يلعبان بالسيوف ،..لقد كانت صدفة خير من ألف ميعاد …أحد الحضور سحب مسدسه عن خاصرته ،.تقدم حيث لا يحجب الشادر السماء ،وبدأ يطلق النار ، وسرعان ما دوى صوت رصاص الرشاشات؟!.لقد شعر السيد سعيد بالسعادة البالغة وقال لنفسه:-حقاً لي محل في نفوس الاهل هز رأسه، وعاد ليحاور نفسه :- صحيح أن رتبتي متواضعة ،ولكن "الجماعة "لم يردون لي طلباً،لقد استطعت تجنيد كل من طلب مساعدتي للانضمام إلى الخدمة،

    وكانت القهوة السادة تدور على الضيوف كما هي العادة،حيث يتولى المهمة احد

    ألأقرباء وهو يحمل المصب وفنجانين فوق بعضهما البعض،يصب في الفنجان الاعلى قليلاً جداً ويقدمها بشكل دوري على الحضور ،ليقوم الضيف بارتشافها رشفة واحدة. لينتقل إلى جاره, يصب له ثم يعود إلى الأول لاخذ الفنجان.، فإذا رفع الضيف الفنجان دون أي حركة كان ذلك بمثابة علامة تقول ،إني أريد رشفة أخرى ،أما إذا راقص الفنجان بين إبهامه والمشير .أخذه وتقدم.،.وعلى من يتولى هذه المهمة أن لا يغفل أحداً من القادمين لان احترام الضيف مرتبط إلى حد بعيد بهذا الفنجان فالقهوة السادة تمنح نكهتها اللذيذة الشعور بالكبرياء لمن أعدها بعد أن يبدي الحضور الثناء على معدها ،خاصة وان إعدادها يقتضي الكثير من الجهد والوقت والمهارة،وعادة ما يحتل الحديث عنها مساحة كبيرة من الوقت، هذا يقول:-"تشل"الاحترام ،وأخر يقول:-تسلم أيدين اللي عملها –وثالث يرفع صوته مبتهجاً بعد أن قام بارتشافها:-هاي "تشهوة

    وكانت ليلة فرح بها الجميع واخذ الضيوف يودعون احمد ،ويهزون ذراعه وهم يشدون على يده أثناء التوديع ،قال أحدهم:-

    - دير بالتش ،بدنا اياتش بطل

    وقال اخر:-

    - بدنا اياتش ضابط تشبير تشبير أتفوت الوالد

    فرد احمد بالغة الانجليزية بالكنه البدوية:-

    - اوتشي اوتشي

    وأضاف آخر مازحاً:-

    - هذا تشبل من ذاتش الاسد

    لبس احمد البزة العسكرية وحمل السلاح ،فشحنه ذلك بشعور العظمة ،خاصة عندما كان يرى عيون الأطفال وعيون الكثيرين من الشيوخ والنساء تبرق خوفاً في شوارع الأراضي المحتلة،حيث تقرر أن يخدم هناك ،وزادت فرحته عندما علم بأنه تقرر ضم بعض معارفه إلى نفس الوحدة ، ومرت الأيام وسعادته تزداد ،خاصة عندما كان يربت الضابط "مناحم"على كتفه ليثني على جهوده وشجاعته في اقتحام المخاطر ،وخاصة عندما كان يعود وقد قتل احد المطلوبين

    وفي أحد الأيام ،كان احمد يسير برفقة صديقه "سالم الغريف"يتمازحان، وفجأة أنتبه احمد إلى أحد الشبان متسلقاً على هوائية تلفاز فوق احد السطوح لكي يوجه شبكة الالتقاط، ،فقال لسالم مازحاً،وهو يشير بإصبعه:-

    - أنظر إلى ذاك العصفور!!

    نظر سالم إلى حيث يشير احمد وقال مستغرباً:-

    - أبن الملعونة،كيف استطاع الصعود إلى هناك؟!

    صمت لحظة وأضاف:-

    - انزله

    صوب احمد فواهة رشاشه وأطلق النار، فخرّ الشاب صريعاً، نظر احمد إلى وجه سالم ورفع كفه قائلا:-

    - كفك

    وتصافحا بحرارة والبسمة تعلو وجههما

    وبالمقابل تعالت الصرخات،لقد قتل العسكر "كريم"،وتجمهر الناس،قال أحدهم "-

    - يا حرام،هذا وحيد أمه

    حضرت القوات ،اتصل الضابط بالقيادة وأعلمها بما حدث وتم توقيف احمد وسالم ،وفي هذه الأثناء هجمت عجوز على الجنود وهي تبكي وتصرخ:-

    - إبني إبني

    مسكت بعنق احد الجنود فما كان إلا أن ضربها جندي آخر بأعقاب بندقيته على رأسها فخرت مغشياً عليها ،وكان الضابط في هذه الأثناء يقول للأهالي :-

    - أن أخلاق الجيش لا يمكن أن تسمح بقتل الأبرياء،وإن من قتل لا بد وأن يكون متخفياً بزي الجيش

    حاولت القيادة جاهدة التغطية على الجريمة ،خاصة وأنه تربط الوالد علاقات حميمة مع ألقيادات السياسية والعسكرية،فقد سبق وأقام الولائم للمسئوولين:-

    - إن أبني لم يرتكب مجزرة إن كل ما قام به هو قتل عصفور عفوًا إن كل ما قام به هو قتل شاب وأحد،وهناك من ارتكب مجزرة وغرم بأغورة واحدة،بل هناك من ارتكب المجازر وتمت ترقيته ،ديروا "بالتشم" على الولد

    أضف الى مفضلتك
    " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    هادى زاهر .. أسألك سؤالا : هل هذه القصة واقعية بمعنى هل هناك تجنيد فعلا لأولاد العرب فى الجيش الإسرائيلى ؟
    أنا مفاجأ حد البله .. و الغيظ .. هل فعلا ؟
    أرجوك جاوب على سؤالى .. ثم بعد ذلك هذه الأفعال تتم بأيدى اخوتنا من العرب فى فلسطين .. هل كانت مجزرة غزة بأيدى جنود عرب ؟
    أنا لا أفهم .. أنا أغبى كاتب فى العالم .. أرجوك
    أنر سبيلى !!

    تحيتى على جرأتك إن كانت فعلا !!
    sigpic

    تعليق

    • هادي زاهر
      أديب وكاتب
      • 30-08-2008
      • 824

      #3
      رد سريع

      أخي ربيع
      الجواب - بالتفصيل- لاحقاً ، وإلى حينه أطلب منك مراجعة مقالي " وستلد بعد الحمل حواء " في باب " الخواطر " لما فيه من معلومات مهمة حول الموضوع، المقال كتب باسلوب أدبي ولكنه يلخص موقفي بشكل عام
      تحياتي
      هادي
      " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

      تعليق

      • هادي زاهر
        أديب وكاتب
        • 30-08-2008
        • 824

        #4
        رد على مراحل

        أخي الكاتب العزيز ربيع
        أتذكر ما كتبه الفيلسوف المرحوم كمال جنبلاط في احدى كتبه( لا أذكر اي كتاب) من انك اذا اردت ان تقول الحقيقة لمن يجهلها فلا تقل له اياها دفعة واحدة لانه سيعتقد بانك تبالغ.
        " والحقيقة اغرب من الخيال"
        وانا ككاتب ملتزم أستمد مواضيعي من الواقع المعاش، القصة حدثت فعلاً.
        اكتفي اليوم بهذا الرد وسأعود اليك بمعلومات أضافية لاحقاً .
        مع المعذرة والمحبة
        هادي
        التعديل الأخير تم بواسطة هادي زاهر; الساعة 27-03-2009, 05:59.
        " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

        تعليق

        • هادي زاهر
          أديب وكاتب
          • 30-08-2008
          • 824

          #5
          تعقيب

          أخي الكاتب ربيع عقب الباب
          اقدم قصة اخرى تتحدث عن خدمة الشباب العرب في جيش الاحتلال من زاوية اخرى تحت عنوان "الجنرال" أرجو متابعتها
          مع بالغ محبتي
          هادي زاهر
          " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

          تعليق

          • هادي زاهر
            أديب وكاتب
            • 30-08-2008
            • 824

            #6
            الجنرال

            الجنرال
            هادي زاهر

            لم يفكر سمير طويلاً، قبل أن يستقر أمره، على ربط مستقبله بالجيش، ذلك بأن أقنع نفسه أن مجالات العمل في بلدته، شبه معدومة، وأنها أصلاً لا تتناسب وآماله وطموحه، أضف إلى ذلك قناعته بأن التحاقه بالجيش سوف يمنحه الكثير من الامتيازات.. المعاش الكبير، الخروج إلى التقاعد مع بداية العقد الخامس، كل هذا كوم، والمنحة المالية التي تقدر بمليـون شاقل التي سوف يحصل عليها عند نهاية الخدمة، كوم آخر. ولكي يتميز عن الآخرين كنى نفسه بأبي روني، وعندما تساءل أحد الأصدقاء إن كانت من سيختارها زوجة له سـوف ترضى بالاسم قال في أنفة: أنا أبو روني قبل أن تأتي وعليها أن تقبل بي أو الله يسهل لها..

            وحتى يتحقق له ما يريد، كدَّ واجتهد، فنجح بتنفيذ كل ما أنيط به من مهام وعمليات، حتى بات يعرف بين حساده بأنه "ملكي أكثر من الملك"، ساعده في ذلك جسم متناسق، وهيئة جذابة، ولسان ذرب.. فراح يتدرج في المناصب العسكرية تبعاً لجهوده المبذولة حتى أصبح جنرالاً.

            صحيح أن أقلية من أبناء بلدته كانوا ينظرون إليه بعدم الرضى، ولكن الأكثرية كانت تلمع في عيونهم نظرات الإعجاب والتقدير الممزوجة بشيء من الحسد، ولسان حالهم يقول: "الكف لا يلاطم المخرز، والشاطر من ينسجم مع الواقع المفروض عليه ويستفيد منه".

            وإذا كانت المناصب التي تعاقب عليها قد أسعدته، إلاّ أن سعادته

            كانت أكبر، عندما كان أبناء بلدته يتوجهون إليه، للاستعانة به، على تحسين أوضاع أبنائهم … فهذا يرجوه أن يعمل على ضم أبنه إلى الوحدة كذا، لأنها أقرب إلى ميوله أو إلى مكان سكنه، وذاك يتوسل إليه لكي يعمل على نقل أبنه من الوحدة التي يعمل بها إلى وحدة أخرى، وهكذا، وكأنهم يرون فيه الحاكم الأمر في الجيش…

            وكان كلما عاد إلى بلدته، سار في شوارعها وطرقاتها، نافخاً صدره وهو يسير(واثق الخطوة يمشي ملكاً). كان حريصاً على زيارة الأصدقاء وهو بلباسه العسكري الذي كان يظهر على كتفه رتبته المرموقة والتي كانت تعلو وترتفع من سنه إلى أخرى، مما يفرض على الكثيرين تبجيله، فيزداد زهواً وهو يرمق نظرات الإعجاب والتقدير في عيون الحالمين والحاسدين معاً. وكان يزيده زهواً وخيلاء عندما يرمق تلك النظرات الشبقة في عيون بعض من فتيات ونساء البلدة..

            ومع بروز مكانته في الوسط الذي يعيش فيه، كان لا بد من أن يتزوج. ومثله لا يمكن أن يتزوج إلا من فتاة جميلة فاتنة مثقفة معتزة بنفسها، يمكن أن ترطن بأكثر من لغة، وتخالط الرجال دون رهبة أو وجل.. فكيف وقد يضطره منصبه الذي تتصاعد درجاته في الرقي، إلى أخذها معه للمشاركة في الحفلات والمناسبات التي يدعى إليها، والتي يمكن أن يكون لها أول، ولكن لا يبدو لها أخر…

            وإذا كان البعض يحسده على مكانته ومركز، فقد بات الكل يحسده على زوجته دلال التي استطاع أن يظفر بها بعد أن كانت محط أنظـار الجميـع.. وباتت تعرف بأم روني من قبل أن يأتي روني إلى

            الوجود..

            كانت دلال على قسط كبير من الحضور، فأجادت لعب دورها بكل ذكاء وحنكة حتى نالت ثناء وإعجاب كل من عرفها.. فازداد إحساس سمير بالعظمة والزهو وهو يراها لا تكف عن ذكر محاسنه بمناسبة وبغير مناسبة، حتى أظهرت للكل بأنها قد ظفرت بالرجل الذي يرضي طموحها وغرورها أيضاً.. ونظراً لفطنتها وسرعة بديهتها، كانت تجد دائماً ما تقوله عند أي سؤال أو استفسار من نساء البلدة وحسناواتها، أو ممن تلتقيهن في الحفلات والمناسبات، من زوجات الضابط والساسة.."لقد اشترى أبو روني هذا "العقد" لي بمناسبة عيد ميلادي"، ثم تتحسس العقد بأيد طرية ناعمة، وهي تدفعه إلى الأمام لتبهر به العيون…"هذه الأسوار اشتراها لي في عيد الحب".. وكم وكم من الهدايا كانت تثقل جيدها ويديها، إذ لم تعد تقتصر الهدايا على الزوج، فقد أصبحت تتلقاها من الكل دون تكلف، وكان ذلك يسعد زوجها، ظناً منه بأن هذه الهدايا إنما هي رشوة مبطنة له، مقابل ما كان يقدمه من خدمات للجميع.. ولكن يبقي ما في النفوس في النفوس..

            ولكنه شيئاً فشيئاً، بدأ ينشغل بنفسه عنها، بعد أن أخذه الكبر بعيداً بعيداً.. فلم يعد يعرف ماذا يدور من حوله وحولها..

            ونظراً لحدة ذكائها، فطنت لذلك منذ البداية.. فراحت تبحث عن الأسباب التي دفعته لذلك.. وبعد رصد لحركاته، بدأ الشك يغزو قلبها في خيانته لها مع أخرى.. فالمرأة هي المرأة، ولا يمكن أن يمر أي تطور في علاقتها بزوج أو حبيب أو عشيق، دون أن تلحظه.. لم يعد سمير يبدي اهتمامه السابق بشؤونها، حتى هداياه بدأت تتباعد، وكأنه ركن لتلك الهدايا التي تصلها من الآخرين.. ولكن كيف يمكنها أن تثبت خيانته لها وهي غير قادرة على ملاحقته في كل مكان يذهب إليه؟! ليس من السهل على المرأة –أية امرأة- أن تنسى أحاديث زوجها حين يحدثها عن ملاحقة بعض النساء والمجندات له.. ولكنه منذ فترة ليست بالقصيرة كف عن مثل هذه الأحاديث، فهل تراهن قد كففن عن ملاحقته؟ أم أنه قد استجد في الأمر أمور؟!

            إنها تشك في ذلك ولكنها لا تستطيع أن تصل إلى دليل قاطع.. فالاتهام دائماً بحاجة إلى دليل.. فشعرة شقراء أو سوداء على كتف "جكيته" لا يمكن أن تكون دليلاً قاطعاً، وإلا فلت الزمام، وبات الكل في قفص الاتهام.. حتى أثر أحمر الشفاه التي وجدته يوماً يلطخ ملابسه الداخلية استطاع أن يقنعها بأنه منها.. لقد كان من نفس اللون الذي تستخدمه.. وعندما وجدت في أحد الأيام واقعي مطاطي لعدم الحمل في جيب بنطاله، ادعى بأنه قد اشتراه ليقي إصبعة الذي أصيب بجرح أثناء عمله، إلا أنه قد عالج الجرح، ونسي الواقي في جيبه..

            إلا أن ذلك كله كان يزيد من لهيب الشك في أعماقها، وقد ازداد الشك يوم أن قال لها أحد أصدقائه: "أنت تحافظين على نفسك من أجله، حتى كلمات الاطراء والاعجاب ترفضين سماعها، ولكن هل يقوم هو بنفس الدور…؟"

            هنا بدأت أفكارها تتغير،.. فبدأت تعاني من القلق والحيرة والاكتئاب، فاضطربت أفكارها، وتبلبلت خواطرها، وبدا ذلك واضحاً على ملامح وجهها.. لحظ الكل ذبولها، إلا هو.. وزاد الطين بلة بأنه قد بدأ يغيب عن الدار لأيام، وعندما يعود، يبدي للحظات بعض الاهتمام بها، ثم يغتنم أول فرصة ليغفو في السرير، دون أن يكترث لها أو للهفتها وتحرقها شوقاً إلى دفء أحضانه، وحجته في ذلك بأنه مرهق من العمل..

            ودون تخطيط منها، وقعت في المحظور.. في البداية شعرت بندم شديد يوم انطبعت على شفتيها أول قبلة من رجل غيره، ولكنها سرعان ما بدأت تبرر لنفسها وهي تردد: "العين بالعين والسن بالسن، والبادئ أظلم". ورغم كل اندفاعها نحو الآخرين، إلا أنها حافظت على إيجابيتها وحرارتها نحوه، وإن غلفت مشاعرها بشيء من الفتور نحوه، إلا أنه لم يستطع أن يلحظ ذلك…

            وها هي تتعلق في عنقه، لا تدري أتشكره أم تقبله.. أم تلقيه فوق السرير وهو يقدم لها مفتاح سيارة جديدة، هدية في عيد زواجهما.. وعندما خطر السرير في بالها، انتابتها قشعريرة أربكتها بعض الوقت.. فالسرير ما زال دافئاً بعد احتضانه لعراك لذيذ أرخى مفاصلها.. لم تكن قد دخلت إلى الحمام بعد وإن كان زائرها قد غادر منذ برهة.. ولكي تطرد ما ألم بها من ارتباك وقشعريرة، قالت بصوتها المغناج الذي بدأت تجيد تلوينه ليوافق هوى المتلقي لا هواها:

            - إن شاء الله كل أيامك أعياد.. يا هيك بكون الحب يا بلاش.. وخلي الحساد يموتوا بغيظهم..

            وبات كل ما يثقل كاهلها، هو كثرة المتطفلين الذين يلجأون لطلب مساعدة زوجها لتسيير أعمالهم، حتى باتوا يرهقون راحتها ويفسدون عليها الكثير من خلواتها.. ووجدت نفسها تقول، ذات مرة، بصورة عفوية:

            - صدق المثل اللي بقول: "دلع كلب ولا تدلع بني آدم".. الحقيقة

            أن الناس، إذا ما أرخوا دلعهم ما بعودوا ينطاقوا.. وكل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده…

            إن معظم المتحرشين بها، والطامعين باحتوائها بين أذرعهم لنيل وترهم منها كانوا من أصدقاء زوجها. ورؤسائه، وحتى مرؤسيه.. حتى بات اسمه مضغة على كل لسان.. الكل يتحدثون بذلك، ولا خبر يطرق مسامعه، حتى كان ذات يوم.. عاد من عمله منهكاً، يجر قدميه نحو غرفة نومه فتعثر بكنبة كانت في طريقه مما أثار ضجة تنهبت لها زوجه ومن كان معها.. وعندما خرجت شبه عارية لترى الأمر، فوجئت به مكوماً بالقرب من الكنبه، فقالت بصوت مرتفع لتحذر الاخر:

            - شو اللي جابك بغير ميعادك؟‍

            فقال بصوت منهك غلبه الارهاق والنعاس:

            - ما كنت امفكر إن في ميعاد حتى الواحد يرجع لبيته..

            وفي ارتباك قالت وهي تقف أمامه شبه عارية:

            - ما بقصد هيك.. لكن عادتك إنك ترجع وجه الفجر مش عند الغروب.. أنا انفزعت لما سمعت الصوت.. فكرت حرامي أو هزه..

            في تلك اللحظة أطل رأس الآخر من خلف باب غرفة النوم وهو يلملـم أشياءه.. فلمحه سمير الذي قال بصوت تغيرت نبراته فأصبح

            حاداً:

            - مين اللي في غرفة النوم؟

            فقالت الزوجة في جزع:

            - مين يعني.. يمكن حرامي وإلا… لا.. لا يكون قصدك…

            ثم علت نبرات صوتها وهي تردف بصوت فيه حدة وارتباك:

            - اللي على رأسه بطحة بحسس عليها..

            وعندما هم بالوقوف، خانته قواه.. فأغمض عينية وهو يقول في استسلام:

            - أنت عارفه إني عمري ما شكيت فيك.. بس.. ساعديني حتى أقوم لأرى.. ربما يكون حرامي.. ولكن.. مين بدو يجرؤ على هيك عمله في بيت جنرال..

            - المال السايب بعلم السرقة.. والناس كلها صارت تعرف إنك كل الوقت بتكون غايب عن البيت.. قوم.. قوم روح الحمام خليك تخلص من البلاوي إللي حاطة فوقك..

            - الواحد لازم يكون أحرص من هيك..

            ثم أردفت لنفسها: "إمفكر إنه واعي وامفتح..، لكن المغفل ما بعرف "إن كيدهن عظيم".. والله لا أخليك تمشي وإنت اتحاكي حالك.. يا أبا روني"..
            " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

            تعليق

            • هادي زاهر
              أديب وكاتب
              • 30-08-2008
              • 824

              #7
              توجيه

              أخي الكاتب ربيع عقب الباب
              ارجو دخول باب الخاطرة ومراجعة ردودي على الاخوة الذين تطرقوا إلى مقالتي " ما لكم وللمصحف الشريف" ففيها الجواب الشافي
              محبتي
              هادي زاهر
              " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

              تعليق

              • هادي زاهر
                أديب وكاتب
                • 30-08-2008
                • 824

                #8
                اضاقة رد

                أخي الكاتب العزيز ربيع
                يا راجل-- يا راجل بعض الانظمة العربية تخدم في جيش إسرائيل!!!!!!
                محبتي
                هادي زاهر
                " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

                تعليق

                • عائده محمد نادر
                  عضو الملتقى
                  • 18-10-2008
                  • 12843

                  #9
                  الزميل القدير
                  هادي زاهر
                  لو كنت قرأت هذا النص قبل خمس سنوات مثلا وكتبت لك مداخلة عليه لكانت مداخلتي تختلف كثيرا.
                  لن أتطرق لحرفية الكتابة أو طريقة السرد، فهذا له مداخلة خاصة ولابد، لكني أريد التطرق إن كنت أصدق أن هناك فلسطينيين يتطوعون في الجيش الصهيوني أم لا، والجواب
                  نعم أصدق اليوم وبعد أن تطوع عراقيين كثر في جيش عدوة الشعوب أميركا الشر، وقتلوا الكثيرين من الأبرياء بلا ذنب ولاجريرة سوى أنهم أخذتهم العزة بالإثم والعياذ بالله منهم، ولأنهم حملوا الحقد بين جنبات أفئدتهم الفضة الغليظة.
                  تطوعوا ليدلوا على المقاومين وهم يقاومون المحتل الغاشم، وخانوا أبناء جلدتهم ودمهم.
                  لكني مع ذلك سابقى أستغرب أن يخون أي إنسان ومهما كانت جنسيته وطنه وأهله وأرضه، لأني ربيت على أساس أن الوطن أغلى شيئ، وأن مامن شيئ أغلى منه حتى الولد.
                  ولا أدري إن كنت ستقرأ مداخلتي التي جاءت ربما متأخرة سنين، لكني مع ذلك أريدها كي تقرأها يوما ما ولابد أو أن يقرأها أحد أبنائك أو أحفادك ربما.
                  ربما كان عليك كتابة ( الكلمه/ معناها ) لأن بعض الكلمات محكية بالعبري أو البدوي لا أدري.
                  كل المحبة لأهلنا في فلسطين الحبيبة
                  الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                  تعليق

                  • هادي زاهر
                    أديب وكاتب
                    • 30-08-2008
                    • 824

                    #10
                    اختي العزيزة عائدة لقد تأخرت في الرد قلت " خليها في القلب تجرح ولا تطلع تفضح"
                    " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

                    تعليق

                    يعمل...
                    X