كتب مصطفى بونيف
هذا الرجل ...أبي !!!

كل سنة والأمهات بخير ..بمناسبة عيد الأم !! .
اجتهد الإنسان وخصص عيدا للأم ، فياليته يكمل خيره ويخصص عيدا للأب الذي يكد ويشقى طول اليوم ..ويتحمل نكد الأم ، والعيال ، ويهد حيله وهو يركض خلف لقمة العيش ليؤمنها لأسرته !!.
أتذكر عندما كنت في سنوات المراهقة أحسد أصدقائي يتامى الأب ، فلا أحد ينغض عليهم عيشهم ...فلا يجدون أبا يقف لهم عند الباب في ساعة المغرب وهو يقسم بأغلظ الأيمان بأن يقفل عليه الباب ويحرمه من العشاء إذا كررها وتأخر في الدخول إلى البيت .
أدخل إلى البيت على الساعة العاشرة وأنا أتسحب مثل اللص ، فيخترق صوت أبي طبلة أذني " أين كنت ..مثل الكلب المتشرد ، إنها الساعة العاشرة ..؟ " ..ويبدو بأن والدي يريد أن يفش غليله في بعد أن طرحت عليه السيدة والدتنا نفس السؤال في ساعة المغرب .."أين كنت إلى غاية هذا الوقت ؟" ...هو صراع أبدي وتاريخي في الأسرة ..الأم تنكد عيش زوجها ..والأب يفش غليله في أولاده ، خاصة البكر منهم .
الصراع بين الأجيال يتجسد في العلاقة بين الآباء والأبناء ..فالكثير من الآباء يريدون لأولادهم أن يكونوا نسخة مطابقة لشخصياتهم ..شيئ يشبه الإجابة النموذجية في الامتحانات ..فكل والد يريد لولده أن تكون تصرفاته مطابقة للإجابة النموذجية التي في ذهنه ...فالإجابة النموذجية التي يريدها الأب على سؤاله لابنه "اين كنت ؟ " ...هي " كنت أذاكر دروسي مع واحد صاحبي ، أخذتنا المراجعة ولم ننتبه إلى الوقت ، وأعدك يا أبي بأن هذه الغلطة لن تتكرر أبدا !! " ...وإذا حدث أن توجه الأب بتوبيخ عنيف إلى ولده ، الرد النموذجي هو أن يطرق الولد برأسه إلى الأرض ، وأن تحمر وجنتاه من الخجل ، وأن يقول مطأطأ الرأس ، متأتأ الحديث " أنا آسف يا أبي " ، ثم يبوس يده وينصرف الولد مسرعا إلى غرفته لمراجعة دروسه .
وإذا حدث أن انتقد الأب تسريحة شعر ابنه أو طريقة ملابسه فلا يجب على هذا الأخير أن ينبس ببنت شفة .
يروي عباس العقاد في كتابه "أنا" ..عن واقعة خصامه مع أبيه الذي أثقل عليه وهو لا يزال طفلا في السابعة بالذهاب إلى المسجد لإقامة صلاة الفجر حتى في الشتاء البارد ..وهو الوقت الذي يرين فيه النوم للأطفال ..وكيف أن والد العقاد غضب غضبا شديدا منه وخاصمه ...
مشكلة الأب في كل وقت أنه لا يدرك بأن العصر الذي خلق فيه ابنه يختلف عن عصره ...فجيل الأنترنت قطعا يختلف عن جيل الحمام الزاجل ..والبوسطجي ..وهاتف جراهام بل !!
إن المشاكل والآفات التي تحدث في مجتمعنا كل يوم ، سببها انقطاع لغة التواصل والخطاب بين الآباء والأبناء ..فالأب سي السيد بطل رواية نجيب محفوظ ، لا يمكنه أن يتواصل مع شخصية الابن بعد الوهاب البرعي في رواية لن أعيش في جلباب أبي للكاتب إحسان عبد القدوس ...وما دمنا في عصر ثورة الديمقراطية ..فما الغرابة في أن تدخل الديمقراطية بيوتنا وقد دخلتها أشياء أنتن و أنقع منها !!.
قال لي أحد الأصدقاء بأنه بقي يشرب السجائر خفية على والده في المرحاض حتى بلغ سن الخمسين ، بعد أن اتكل والده على الله وسلم الروح إلى بارئها ..وبأنه طوال هذه الفترة لم يجلس على الكرسي واضعا رجلا على رجل ..بعد أن أخذ طريحة من والده بسبب هذه الجلسة وهو ابن الست سنوات ..!!.
ويحلو للكثير من الآباء أن يتفاخروا بزمنهم ..." وهل تسمون حياتكم يا ولدي حياة ..؟، زمنكم هذا لا بركة فيه ، كانت المائدة الواحدة تشبع حارة بكاملها ..وكان الجار يفكر في جاره ، وكان الصديق وفيا لصديقه ، وكانت المرأة تمشي في الشارع لا ترفع عينها من الأرض .." .
قال أحد أصدقائي لوالده الذي كان يتحسر على زمنه .." يا أبي لقد رأيت صورك في شبابك في سنوات الستينات والسبعينات ، لقد كنت نحيفا وشعرك كثيف لدرجة أنني أصبحت أشك بأنه لدينا أصولا صومالية ... ثم من هي المرأة التي كانت تمشي في الشارع ولا ترفع عنيها من الأرض ..ألم تكن ليلى مراد في زمنكم يا بابا ؟؟"..
وما كان من الأب سوى أن ركل ابنه ..وقال له .." أنت ولد قليل الأدب ..!! "...
لا استطيع أن أكمل مقالي ...فالوالد يطلبني ...وآباء الزمن هذا ..يدهم ثقيلة على القفا !!.
مصطفى بونيف
هذا الرجل ...أبي !!!

كل سنة والأمهات بخير ..بمناسبة عيد الأم !! .
اجتهد الإنسان وخصص عيدا للأم ، فياليته يكمل خيره ويخصص عيدا للأب الذي يكد ويشقى طول اليوم ..ويتحمل نكد الأم ، والعيال ، ويهد حيله وهو يركض خلف لقمة العيش ليؤمنها لأسرته !!.
أتذكر عندما كنت في سنوات المراهقة أحسد أصدقائي يتامى الأب ، فلا أحد ينغض عليهم عيشهم ...فلا يجدون أبا يقف لهم عند الباب في ساعة المغرب وهو يقسم بأغلظ الأيمان بأن يقفل عليه الباب ويحرمه من العشاء إذا كررها وتأخر في الدخول إلى البيت .
أدخل إلى البيت على الساعة العاشرة وأنا أتسحب مثل اللص ، فيخترق صوت أبي طبلة أذني " أين كنت ..مثل الكلب المتشرد ، إنها الساعة العاشرة ..؟ " ..ويبدو بأن والدي يريد أن يفش غليله في بعد أن طرحت عليه السيدة والدتنا نفس السؤال في ساعة المغرب .."أين كنت إلى غاية هذا الوقت ؟" ...هو صراع أبدي وتاريخي في الأسرة ..الأم تنكد عيش زوجها ..والأب يفش غليله في أولاده ، خاصة البكر منهم .
الصراع بين الأجيال يتجسد في العلاقة بين الآباء والأبناء ..فالكثير من الآباء يريدون لأولادهم أن يكونوا نسخة مطابقة لشخصياتهم ..شيئ يشبه الإجابة النموذجية في الامتحانات ..فكل والد يريد لولده أن تكون تصرفاته مطابقة للإجابة النموذجية التي في ذهنه ...فالإجابة النموذجية التي يريدها الأب على سؤاله لابنه "اين كنت ؟ " ...هي " كنت أذاكر دروسي مع واحد صاحبي ، أخذتنا المراجعة ولم ننتبه إلى الوقت ، وأعدك يا أبي بأن هذه الغلطة لن تتكرر أبدا !! " ...وإذا حدث أن توجه الأب بتوبيخ عنيف إلى ولده ، الرد النموذجي هو أن يطرق الولد برأسه إلى الأرض ، وأن تحمر وجنتاه من الخجل ، وأن يقول مطأطأ الرأس ، متأتأ الحديث " أنا آسف يا أبي " ، ثم يبوس يده وينصرف الولد مسرعا إلى غرفته لمراجعة دروسه .
وإذا حدث أن انتقد الأب تسريحة شعر ابنه أو طريقة ملابسه فلا يجب على هذا الأخير أن ينبس ببنت شفة .
يروي عباس العقاد في كتابه "أنا" ..عن واقعة خصامه مع أبيه الذي أثقل عليه وهو لا يزال طفلا في السابعة بالذهاب إلى المسجد لإقامة صلاة الفجر حتى في الشتاء البارد ..وهو الوقت الذي يرين فيه النوم للأطفال ..وكيف أن والد العقاد غضب غضبا شديدا منه وخاصمه ...
مشكلة الأب في كل وقت أنه لا يدرك بأن العصر الذي خلق فيه ابنه يختلف عن عصره ...فجيل الأنترنت قطعا يختلف عن جيل الحمام الزاجل ..والبوسطجي ..وهاتف جراهام بل !!
إن المشاكل والآفات التي تحدث في مجتمعنا كل يوم ، سببها انقطاع لغة التواصل والخطاب بين الآباء والأبناء ..فالأب سي السيد بطل رواية نجيب محفوظ ، لا يمكنه أن يتواصل مع شخصية الابن بعد الوهاب البرعي في رواية لن أعيش في جلباب أبي للكاتب إحسان عبد القدوس ...وما دمنا في عصر ثورة الديمقراطية ..فما الغرابة في أن تدخل الديمقراطية بيوتنا وقد دخلتها أشياء أنتن و أنقع منها !!.
قال لي أحد الأصدقاء بأنه بقي يشرب السجائر خفية على والده في المرحاض حتى بلغ سن الخمسين ، بعد أن اتكل والده على الله وسلم الروح إلى بارئها ..وبأنه طوال هذه الفترة لم يجلس على الكرسي واضعا رجلا على رجل ..بعد أن أخذ طريحة من والده بسبب هذه الجلسة وهو ابن الست سنوات ..!!.
ويحلو للكثير من الآباء أن يتفاخروا بزمنهم ..." وهل تسمون حياتكم يا ولدي حياة ..؟، زمنكم هذا لا بركة فيه ، كانت المائدة الواحدة تشبع حارة بكاملها ..وكان الجار يفكر في جاره ، وكان الصديق وفيا لصديقه ، وكانت المرأة تمشي في الشارع لا ترفع عينها من الأرض .." .
قال أحد أصدقائي لوالده الذي كان يتحسر على زمنه .." يا أبي لقد رأيت صورك في شبابك في سنوات الستينات والسبعينات ، لقد كنت نحيفا وشعرك كثيف لدرجة أنني أصبحت أشك بأنه لدينا أصولا صومالية ... ثم من هي المرأة التي كانت تمشي في الشارع ولا ترفع عنيها من الأرض ..ألم تكن ليلى مراد في زمنكم يا بابا ؟؟"..
وما كان من الأب سوى أن ركل ابنه ..وقال له .." أنت ولد قليل الأدب ..!! "...
لا استطيع أن أكمل مقالي ...فالوالد يطلبني ...وآباء الزمن هذا ..يدهم ثقيلة على القفا !!.
مصطفى بونيف
تعليق