تماهي
رسالة خاصة جديدة ..
خفق قلبه إذ رآها ، هكذا هو شعور لا يستطيع أن يقاومه ، إحساس جارف بالحنين إلى فحواها مهما كانت هوية المرسل ، خوف وترقب لقراءة نصها ، شوق يغشى قلبه وفضول يعتريه .. فما بالك إن كان المرسل عزيزا على قلبه ، هي ذاتها " ملكة القلوب " الشاعرة الرقيقة ، التي تشعره بكينونته واحترامه ، تعطيه بلا حساب ، تحلق معه في عوالم بعيدة ، حيث إمكانية الطيران بدون أجنحة ، حيث عالم من النوافذ تقفز من أي نافذة كانت ، تكتب ما تريد لمن تريد .. تسأل فتجد الجواب حاضراً فلا يسألك المجيب عن اسمك ، ولا يسألك عن أجره ..
قضى ساعات أمام شاشة جهاز الحاسوب وهو لا يشعر بالوقت ..
من رسالة خاصة إلى أخرى ، ومن متابعة موضوع إلى موضوع آخر .. من بيت إلى بيت حيث يزور كل بيت بنفس الحلة ، ونفس الصوت ، ونفس الهيئة والملامح ..
كعادته كل يوم ،لا يستطيع النوم قبل أن يتابع المنتديات التي يزيد عددها على الخمسة عشر ..
فيها جميعاً كان " أمير الحب "
وفيها جميعاً كان يضع ذات الصورة الشخصية وذات التوقيع ..
أي عالم ذا ، يجمع بين قلوب لم تعرف بعضها إلا في الفضاء ، يربط بين العالم والأديب والطالب والشاعر برباط واحد ..
يتحدثون بلغة واحدة .. ويعيشون ببيت واحد رغم بعد المكان والحدود والأسوار والأسلاك ..
أحببنه الفتيات لأنه" أمير الحب" ، عشقن الأشعار التي يقتبسها من نزار وعنترة ، أحببن فيه رومانسيته ، أدبه الجم ، طريقته المميزة في الرد ، الخط الذي يستخدمه ... صورة الشاب الوسيم التي يستخدمها كصورة شخصية ... توقيعه ، إحساسه ، كل شيء ..
في هذا العالم ينال الاحترام ويحظى بكينونة لم يجدها إلا فيه ...
يفكر وواقعه يفرض نفسه أحياناً ..
كيف يتزوج ابنة خالته الساذجة ؟ كيف يعيش مع من لا تتقن الأدب ولا تحفظ أشعار أبي تمام ..؟
أي حديث سيجريه معها وهي التي لم تقرأ كتاباً ، ولا تملك بريداً اليكترونياً ، ولم تفتتح موقعاً خاصاً باسمها ..؟
كيف سيعرف أسلوب تفكيرها إن لم يزر مدونتها ويتجول بين صفحاتها فيعرف ويفهم ..؟
كيف وقد فهمته ملكة القلوب وعرفت جميع خباياه .. ؟
أدركت ما بداخله وحفظ مشاعرها حتى لقد وصلا إلى حد التماهي ..
كيف سيكون منظرها ؟ لا يهمه ، صورتها الرمزية جميلة ، فهي رائعة الجمال إذن ..
توقيعها أنيق جذاب ، يشي برقتها وعذوبة لسانها .. أما الاسم ذاته فوجب تغييره فهي لم تعد ملكة القلوب .. هي ملكة قلبه وحده .. تتربع على عرشه وتفرض سلطانها على قوانين الحياة داخل كيانه ..
يفتح رسالتها الجديدة وهو يعرف تماماً ما ستقول ، يعرف أسلوب تفكيرها كما تحفظ هي سكناته ..
- عزيزي أمير ..
تصلك هذه الرسالة وأنت على ذات جلستك مذ تركتك آخر مرة ، أعرفك وأحفظ ملامحك وأعرف كيف تفكر ، لكن تفكيرك يحتاج إلى يقظة ..
تلك اللحظات التي قضيناها معاً ستظل ذكرى لن أنساها ، لكني لن أعيش عليها ، ستدهشك رسالتي من حيث لم تتوقع .. لكنك ستتغلب على هذا ..
ستقوم من جلستك باكياً دامع العينين ، أطلب منك أن تغسل وجهك وتتوضأ وألا تغضب ..
اخرج من صومعتك ، أدرك العالم الحقيقي ، حيث لا نعيش على الأشعار ، ولا تطعمنا أبيات أبي تمام .. ولا نحرر أرضنا بسيف عنترة ..
انهض من حيث أنت وبنفس راضية بارك لي خطبتي ..
.....
ولم يكمل ، لا يستطيع أن يكمل ..
دامع العينين ينهض ليضرب لوحة المفاتيح بالحائط والغضب يتملك كيانه .. هل تستطيع أن تفعل .. تترك الطيران وتكسر أجنحتها لكي تعيش في هذا الغاب .. تعيش كسيرة لا تملك حق الضغط على أيقونة الحظر أو زر الحذف بلا رجعة ...
لن يكون باستطاعتها استعادة وقتٍ ضاع ، أو العودة لحظة إلى الخلف .. أو حتى اختيار خلفية منزلها كما تختار ما تزين به سطح المكتب ..
والده على الباب وقد سمع الجلبة ، يطرق الباب وينادي عليه ، ينهض متثائباً وكأن صوت والده يأتي من وادٍ سحيق ..
يستمع إلى صراخ والده ..
- افتح يا فاشل .. افتح الباب يا هيثم ..
ينظر إلى المرآة كالمصدوم ..
يرتجف فجأة والواقع يتجلى أمامه ..
هذه الصورة في المرآة ليست صورته الشخصية ، وهذا الاسم ليس اسمه ..
باب غرفته يحتاج إلى مفتاح وليس إلى ضغطتين متتاليتين بزر الفأرة ..
أي عالم مادي هذا ، تحده الجدران ، ويغشاه الألم ، وتفرض فيه قوانين الحياة معادلاتها ..
ها هو فاشل لمجرد أنه لم يجد عملاً بعدما تخرج بامتياز ..
ها هو لا يسوى شيئاً لأنه لا يملك شيئاً ..
يمسك بمفتاح الباب ، يلقيه بجوار لوحة الأزرار ، هناك .. في ركن الغرفة ..
يصرخ بصوت كالحشرجة ..
- عالمكم لا ينتمي لي ، ولا أنتمي له ..
ضائع بين مفتاحين إني ..
فاختاروا المفتاح الصحيح وأخرجوني ..
***
رسالة خاصة جديدة ..
خفق قلبه إذ رآها ، هكذا هو شعور لا يستطيع أن يقاومه ، إحساس جارف بالحنين إلى فحواها مهما كانت هوية المرسل ، خوف وترقب لقراءة نصها ، شوق يغشى قلبه وفضول يعتريه .. فما بالك إن كان المرسل عزيزا على قلبه ، هي ذاتها " ملكة القلوب " الشاعرة الرقيقة ، التي تشعره بكينونته واحترامه ، تعطيه بلا حساب ، تحلق معه في عوالم بعيدة ، حيث إمكانية الطيران بدون أجنحة ، حيث عالم من النوافذ تقفز من أي نافذة كانت ، تكتب ما تريد لمن تريد .. تسأل فتجد الجواب حاضراً فلا يسألك المجيب عن اسمك ، ولا يسألك عن أجره ..
قضى ساعات أمام شاشة جهاز الحاسوب وهو لا يشعر بالوقت ..
من رسالة خاصة إلى أخرى ، ومن متابعة موضوع إلى موضوع آخر .. من بيت إلى بيت حيث يزور كل بيت بنفس الحلة ، ونفس الصوت ، ونفس الهيئة والملامح ..
كعادته كل يوم ،لا يستطيع النوم قبل أن يتابع المنتديات التي يزيد عددها على الخمسة عشر ..
فيها جميعاً كان " أمير الحب "
وفيها جميعاً كان يضع ذات الصورة الشخصية وذات التوقيع ..
أي عالم ذا ، يجمع بين قلوب لم تعرف بعضها إلا في الفضاء ، يربط بين العالم والأديب والطالب والشاعر برباط واحد ..
يتحدثون بلغة واحدة .. ويعيشون ببيت واحد رغم بعد المكان والحدود والأسوار والأسلاك ..
أحببنه الفتيات لأنه" أمير الحب" ، عشقن الأشعار التي يقتبسها من نزار وعنترة ، أحببن فيه رومانسيته ، أدبه الجم ، طريقته المميزة في الرد ، الخط الذي يستخدمه ... صورة الشاب الوسيم التي يستخدمها كصورة شخصية ... توقيعه ، إحساسه ، كل شيء ..
في هذا العالم ينال الاحترام ويحظى بكينونة لم يجدها إلا فيه ...
يفكر وواقعه يفرض نفسه أحياناً ..
كيف يتزوج ابنة خالته الساذجة ؟ كيف يعيش مع من لا تتقن الأدب ولا تحفظ أشعار أبي تمام ..؟
أي حديث سيجريه معها وهي التي لم تقرأ كتاباً ، ولا تملك بريداً اليكترونياً ، ولم تفتتح موقعاً خاصاً باسمها ..؟
كيف سيعرف أسلوب تفكيرها إن لم يزر مدونتها ويتجول بين صفحاتها فيعرف ويفهم ..؟
كيف وقد فهمته ملكة القلوب وعرفت جميع خباياه .. ؟
أدركت ما بداخله وحفظ مشاعرها حتى لقد وصلا إلى حد التماهي ..
كيف سيكون منظرها ؟ لا يهمه ، صورتها الرمزية جميلة ، فهي رائعة الجمال إذن ..
توقيعها أنيق جذاب ، يشي برقتها وعذوبة لسانها .. أما الاسم ذاته فوجب تغييره فهي لم تعد ملكة القلوب .. هي ملكة قلبه وحده .. تتربع على عرشه وتفرض سلطانها على قوانين الحياة داخل كيانه ..
يفتح رسالتها الجديدة وهو يعرف تماماً ما ستقول ، يعرف أسلوب تفكيرها كما تحفظ هي سكناته ..
- عزيزي أمير ..
تصلك هذه الرسالة وأنت على ذات جلستك مذ تركتك آخر مرة ، أعرفك وأحفظ ملامحك وأعرف كيف تفكر ، لكن تفكيرك يحتاج إلى يقظة ..
تلك اللحظات التي قضيناها معاً ستظل ذكرى لن أنساها ، لكني لن أعيش عليها ، ستدهشك رسالتي من حيث لم تتوقع .. لكنك ستتغلب على هذا ..
ستقوم من جلستك باكياً دامع العينين ، أطلب منك أن تغسل وجهك وتتوضأ وألا تغضب ..
اخرج من صومعتك ، أدرك العالم الحقيقي ، حيث لا نعيش على الأشعار ، ولا تطعمنا أبيات أبي تمام .. ولا نحرر أرضنا بسيف عنترة ..
انهض من حيث أنت وبنفس راضية بارك لي خطبتي ..
.....
ولم يكمل ، لا يستطيع أن يكمل ..
دامع العينين ينهض ليضرب لوحة المفاتيح بالحائط والغضب يتملك كيانه .. هل تستطيع أن تفعل .. تترك الطيران وتكسر أجنحتها لكي تعيش في هذا الغاب .. تعيش كسيرة لا تملك حق الضغط على أيقونة الحظر أو زر الحذف بلا رجعة ...
لن يكون باستطاعتها استعادة وقتٍ ضاع ، أو العودة لحظة إلى الخلف .. أو حتى اختيار خلفية منزلها كما تختار ما تزين به سطح المكتب ..
والده على الباب وقد سمع الجلبة ، يطرق الباب وينادي عليه ، ينهض متثائباً وكأن صوت والده يأتي من وادٍ سحيق ..
يستمع إلى صراخ والده ..
- افتح يا فاشل .. افتح الباب يا هيثم ..
ينظر إلى المرآة كالمصدوم ..
يرتجف فجأة والواقع يتجلى أمامه ..
هذه الصورة في المرآة ليست صورته الشخصية ، وهذا الاسم ليس اسمه ..
باب غرفته يحتاج إلى مفتاح وليس إلى ضغطتين متتاليتين بزر الفأرة ..
أي عالم مادي هذا ، تحده الجدران ، ويغشاه الألم ، وتفرض فيه قوانين الحياة معادلاتها ..
ها هو فاشل لمجرد أنه لم يجد عملاً بعدما تخرج بامتياز ..
ها هو لا يسوى شيئاً لأنه لا يملك شيئاً ..
يمسك بمفتاح الباب ، يلقيه بجوار لوحة الأزرار ، هناك .. في ركن الغرفة ..
يصرخ بصوت كالحشرجة ..
- عالمكم لا ينتمي لي ، ولا أنتمي له ..
ضائع بين مفتاحين إني ..
فاختاروا المفتاح الصحيح وأخرجوني ..
***
تعليق