يوسف ناصر وفن المقال * إدمون شحادة في
التراجيدي والمستغرب
آخر هدية قيمة حظيت بها في الرمق الأخير من السنة الماضية كتاب موسوم " ورق ورحيق " للأديب يوسف ناصر من الجليل . وقد استحق هذا اللقب ( أديب ) عن جدارة . فهذه العقلية المعطاء لغة فكرا وأصالة , هي علامة مميزة وبارزة في محراب الأدب الرفيع .
وإذا كان الإنسان في هذه النثريات المركزة تركيزا تقنيا وفنيا , هو محور اهتمامات هذا الأديب , فإن أسلوبه المرن الشائق لا يترك لك ثغرة تحس معها بالملل أو تأسف على الوقت .. يشدك بموضوعاته ذات الألوان الآسرة , من أول جملة حتى الحرف الأخير . فتخرج راضيا مغتبطا وقد اكتسبت من أفكاره وتجاربه متعة وفائدة , بالإضافة الى حالات التأمل في هذه الورقة أو تلك , لتخلص أن لآلئ الكلام هي حالات نادرة في زمن التهريج والكم .
" هذا ورقي ورحيقي .. فتعال متع ناظريك وروحك , يا من تنشد سعادتك في غير موضعها من هذا العالم ولا تجدها … تعال خذها , إنك في ورقي ورحيقي تعثر على فتاتك الحسناء التي قضيت عمرك تبحث عنها , لكنك لم تحظ منها بقبلة واحدة , إذ جهلت في أي موضع تقيم من هذا العالم .. !! فليبتعد من هنا كل أعمى , لأنه لا يمكنه أن يبصر جمال الورد الفتان في يديّ .. وليغادر الموضع كل مزكوم لأنه لا يستطيع أن ينشق عبق الرحيق السلسل في قارورتي … "
أليست هذه تحفز على التأمل .. ! ألا ترون معي انها نوع من فلسفة الأديب الخاصة , في نقطة من هذا العالم العصي أحيانا عن الفهم , بين لغط التساؤل وخلاصة الأجوبة .
ولماذا لا نشير الى عنصر الدهشة الذي هو من المقومات اللازمة للكتابة الإبداعية , يتجلى هنا في الكلمة الجميلة العميقة تتسرب في ذاتك , عبر هذه الإشراقة تجاه المرأة كأم , في عيدها المكلل بالرياحين وبأسمى المشاعر .
" أيتها الأمهات , يا رياحين الدنيا حيثما كنتنّ في الأرض , والنائمات منكنّ في منازل الموت تحت التراب , سلام عليكنّ أبعثه أنساما عاطرة من شغاف القلب , وتحية لكنّ أرسلها في عيدكنّ السعيد مع كل غمامة سحّاء لتنثر عليكنّ مني أكاليل الزنابق وتيجان الخزامى , مهداة إليكنّ مع خشوعي وتعظيمي للملائكة الساكنين على الأرض فيكنّ من نساء البشر .. !! "
بين دفتي هذا الكتاب طروحات مختلفة لقضايا عديدة وهامة , كظاهرة الهجرة عن الوطن ومهنة التعليم ومناجاة اللّيل وشجرة الزيتون , وغيرها من السياقات التي نستطيع تصنيفها في إطار المقال الأدبي تحديدا , والمنداح بالضرورة الى ما يسمى " فن المقال " , هذا اللّون الذي دخل مشروع الحداثة وأخذ يتطور مع رائده الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين , ثم امتد الى أمريكا , وبعدها الى بلاد العرب .
وهذا الفن يستلزم شروطا معينة , منها العبارة السلسة القوية والمقنعة في آن واحد , وإيفاء الموضوع حقه طولا أو قصرا , وعدم المط والإبتذال , والأهم صياغة الفكرة بحيث تبدو جديدة ومبتكرة . الأمر الذي يضفي جمالية تؤثر في المتلقي , فيتجاوب وينفعل , وحين يحصل هذا الإنسجام تكون الفكرة أتت ثمارها , والرسالة قد وصلت .
وأديبنا يوسف ناصر برع بكل هذا ؛ وإلا ما معنى كمثال , أن شجرة الزيتون برزت أمامي عشرات المرات في نصوص لكتّاب وشعراء , وظلت في مخيلتي الصورة المعهودة لهذه الشجرة المباركة . بينما حين شمخت أمامي بهيئتها غير المعتادة في مقال يوسف ناصر , بدأت أنظر اليها بشكل مغاير , وكأنها ولدت من رحم لحظتها الزمنية , خميلة من الواقع والخيال , في صلب المكان . وتحت عنوان " سلام على ابنة أمي وأبي " .
أللاّفت في هذا السياق أن لا ذكر لكلمة " زيتونة " , بيد أن التلميح أكثر بلاغة ودلالة .
" يا أجمل بنات الجليل , وأحلى صبايا فلسطين كلها .. الساكنة مع لداتها فوق قمم الجبال وفي أعماق السهول .. تختال بأجمل حلة وتزهو في أحسن طيلسان .. صعدتْ إلى السفوح , ونزلتْ الى الأودية .. وتزاحمتْ جموعها في كل مرج وبستان وكرم .. وحطتْ لتستريح مع أخواتها حول كل ينبوع , وفوق كل صخرة .. !! سلام عليك أيتها الشجرة المباركة كلما نزع الفجر بيديه قناع اللّيل عن محياك الجميل .. وأثمرت غصونك كل عام لؤلؤا وبلورا , واستحالت أفنانك حبالا من ذهب .. " .
ما رأيكم بهذا المقطع الخصب قد احتوى قدسيتها عمقا وصعدا .. إلتقط جزئياتها , فروعها ثمارها تاريخها وحضورها المبهج , ليخلق منها سيمفونية متجانسة ترغلتْ في المدى ..
هذا هو الفن . وبحسب نظرية الأدب نفهم ما معناه : إذا كان للأديب خيال خلاق واع يستطيع أن يصنع فنا , بأن يحوّل الشيئ العادي الى شيئ ذي بال .
التراجيدي والمستغرب
ما يميز رواية إدمون شحادة الأخيرة " حديقة الأموات " أنها مهيأة للقراءة في مسارين , المسار السياسي المضمر , معاناة الإنسان الفلسطيني من تشرد وهدم بيوت واغتصاب أرض , والمسار الإجتماعي , محوره " فايز الحلاق " الشخصية الرئيسية في الرواية . ثم تظهر الشخصية الثانية " ناديا " زوجة الحلاق , شبقة الى درجة الخيانة مع عدد من الرجال . والزوج آخر من يعلم ! .
هذا الحدث الإجتماعي الذي هو مقدمة لأحداث أخر ليس حالة نادرة , لكنه يستدعي الفضول والإستغراب , أن تعترف ناديا لزوجها بخيانتها ودون تردد , عبر حوار جيد يحمل عنصر المفاجأة ويختصر المسافة . ونختصره نحن الى نقطة البيكار ..
ـــ هل تعاشرين غيري ؟
لم تتأثر من سؤاله ولم يرمش لها جفن . أعصاب من حديد , وهدوء قاتل ..
ـــ ها .. ها , الآن عرفت غرضك من كل أسئلتك الملتوية , ولكن قل لي من أين عرفت الأمر ؟.
سؤال بسؤال . ويحصل الطلاق ! . ونظل نبحث عن تفسير لصراحة الزوجة ؟ ! . وهذا في صالح الرواية , تزداد حضورا في أذهاننا .
أمّا لماذا خانته , وما هو الدافع ؟ , فإن الكاتب وبشكل لا مباشر يعزو ذلك لحادث اغتصاب تعرضت له في سن المراهقة . وهذا تقدير يلامس منطق مدرسة التحليل السيكولوجية : إن أشد العقد النفسية خطورة وتمهيدا لاضطراب الشخصية مستقبلا , هي العقد التي تتكون في مرحلة الطفولة , ثم المراهقة .
ناديا اغتصبت من قبل عدد من الرجال في المشفى الذي عملت فيه . وظل هؤلاء الرجال يتناوبون مضاجعتها زمنا طويلا . فأدمنت الجنس شعلة لا تهدأ , حتى بعد زواجها من الحلاق .
قد يحدث هذا وقد لا يحدث . المهم أن لا تفقد الحبكة تماسكها وغضارتها . وأن لا ينقطع طيلة زمن العرض ذلك الخيط السحري الجاذب , أو " الشريط الفضي " بلغة النقد الروائي . وإلاّ تعرضت الرواية لخلل يبرر إمتناع القارئ عن المتابعة ! .
في حديقة الأموات لم نلمس خللا في الحبكة , إلا أنه كاد يحدث في الخيط السحري . لكن الكاتب بلباقته تدارك الأمر بأن وجه أنظارنا الى فسحة تعتبر ضرورية في عالم الرواية , وهي صراع البطل في اتجاهين , صراع داخلي نفسي أو ذهني , وصراع ضد الظروف والأقدار . ظروف اقتصادية فقدان البيت التشرد الترحال , حتى استقر في مدينة القدس , في غرفة متواضعة تقع في مقبرة يخطط الإحتلال أن يحولها حديقة عامة .
لعل المقبرة ترمز هنا الى الضياع والإنتهاء . وقد انتهى فايز الحلاق على دفعتين , الأولى ضمن مشهد درامي مكتظ بالإثارة والإغراء , زواجه الثاني من " رابحة " بعد قصة حب . وفي ليلة الدخلة " ينزع ملابسها قطعة قطعة , ويمتع ناظريه بجسمها العاجي المتناسق . يقرب فمه من ثدييها ويرضع كطفل جائع . يلامس جسدها بأصابعه الخبيرة .. "
وفي ثورة هيجانه واغتباطه يكتشف بأنه فقد رجولته ! . " ينكمش ويتقلص حتى أصبح في حجم طابة من الإسفنج " .
ولنا أن نتصور اللّحم الانثوي الشبق ينز غلمة , ويتلوى على السرير عطشا . ثم تنطفئ جذوة شهوتها مرغمة . والزوج المنهار ينكس رأسه خجلا .. يبكي , ويحس بعجزه وضآلة قيمته ! ..
وينتهي مرة أخرى تحت عجلات جرافة تقدمت لهدم غرفته . وتنتهي كذلك الرواية بطريقة الحدث المفجع , وحدة البناء التراجيدي .
التراجيدي والمستغرب
آخر هدية قيمة حظيت بها في الرمق الأخير من السنة الماضية كتاب موسوم " ورق ورحيق " للأديب يوسف ناصر من الجليل . وقد استحق هذا اللقب ( أديب ) عن جدارة . فهذه العقلية المعطاء لغة فكرا وأصالة , هي علامة مميزة وبارزة في محراب الأدب الرفيع .
وإذا كان الإنسان في هذه النثريات المركزة تركيزا تقنيا وفنيا , هو محور اهتمامات هذا الأديب , فإن أسلوبه المرن الشائق لا يترك لك ثغرة تحس معها بالملل أو تأسف على الوقت .. يشدك بموضوعاته ذات الألوان الآسرة , من أول جملة حتى الحرف الأخير . فتخرج راضيا مغتبطا وقد اكتسبت من أفكاره وتجاربه متعة وفائدة , بالإضافة الى حالات التأمل في هذه الورقة أو تلك , لتخلص أن لآلئ الكلام هي حالات نادرة في زمن التهريج والكم .
" هذا ورقي ورحيقي .. فتعال متع ناظريك وروحك , يا من تنشد سعادتك في غير موضعها من هذا العالم ولا تجدها … تعال خذها , إنك في ورقي ورحيقي تعثر على فتاتك الحسناء التي قضيت عمرك تبحث عنها , لكنك لم تحظ منها بقبلة واحدة , إذ جهلت في أي موضع تقيم من هذا العالم .. !! فليبتعد من هنا كل أعمى , لأنه لا يمكنه أن يبصر جمال الورد الفتان في يديّ .. وليغادر الموضع كل مزكوم لأنه لا يستطيع أن ينشق عبق الرحيق السلسل في قارورتي … "
أليست هذه تحفز على التأمل .. ! ألا ترون معي انها نوع من فلسفة الأديب الخاصة , في نقطة من هذا العالم العصي أحيانا عن الفهم , بين لغط التساؤل وخلاصة الأجوبة .
ولماذا لا نشير الى عنصر الدهشة الذي هو من المقومات اللازمة للكتابة الإبداعية , يتجلى هنا في الكلمة الجميلة العميقة تتسرب في ذاتك , عبر هذه الإشراقة تجاه المرأة كأم , في عيدها المكلل بالرياحين وبأسمى المشاعر .
" أيتها الأمهات , يا رياحين الدنيا حيثما كنتنّ في الأرض , والنائمات منكنّ في منازل الموت تحت التراب , سلام عليكنّ أبعثه أنساما عاطرة من شغاف القلب , وتحية لكنّ أرسلها في عيدكنّ السعيد مع كل غمامة سحّاء لتنثر عليكنّ مني أكاليل الزنابق وتيجان الخزامى , مهداة إليكنّ مع خشوعي وتعظيمي للملائكة الساكنين على الأرض فيكنّ من نساء البشر .. !! "
بين دفتي هذا الكتاب طروحات مختلفة لقضايا عديدة وهامة , كظاهرة الهجرة عن الوطن ومهنة التعليم ومناجاة اللّيل وشجرة الزيتون , وغيرها من السياقات التي نستطيع تصنيفها في إطار المقال الأدبي تحديدا , والمنداح بالضرورة الى ما يسمى " فن المقال " , هذا اللّون الذي دخل مشروع الحداثة وأخذ يتطور مع رائده الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين , ثم امتد الى أمريكا , وبعدها الى بلاد العرب .
وهذا الفن يستلزم شروطا معينة , منها العبارة السلسة القوية والمقنعة في آن واحد , وإيفاء الموضوع حقه طولا أو قصرا , وعدم المط والإبتذال , والأهم صياغة الفكرة بحيث تبدو جديدة ومبتكرة . الأمر الذي يضفي جمالية تؤثر في المتلقي , فيتجاوب وينفعل , وحين يحصل هذا الإنسجام تكون الفكرة أتت ثمارها , والرسالة قد وصلت .
وأديبنا يوسف ناصر برع بكل هذا ؛ وإلا ما معنى كمثال , أن شجرة الزيتون برزت أمامي عشرات المرات في نصوص لكتّاب وشعراء , وظلت في مخيلتي الصورة المعهودة لهذه الشجرة المباركة . بينما حين شمخت أمامي بهيئتها غير المعتادة في مقال يوسف ناصر , بدأت أنظر اليها بشكل مغاير , وكأنها ولدت من رحم لحظتها الزمنية , خميلة من الواقع والخيال , في صلب المكان . وتحت عنوان " سلام على ابنة أمي وأبي " .
أللاّفت في هذا السياق أن لا ذكر لكلمة " زيتونة " , بيد أن التلميح أكثر بلاغة ودلالة .
" يا أجمل بنات الجليل , وأحلى صبايا فلسطين كلها .. الساكنة مع لداتها فوق قمم الجبال وفي أعماق السهول .. تختال بأجمل حلة وتزهو في أحسن طيلسان .. صعدتْ إلى السفوح , ونزلتْ الى الأودية .. وتزاحمتْ جموعها في كل مرج وبستان وكرم .. وحطتْ لتستريح مع أخواتها حول كل ينبوع , وفوق كل صخرة .. !! سلام عليك أيتها الشجرة المباركة كلما نزع الفجر بيديه قناع اللّيل عن محياك الجميل .. وأثمرت غصونك كل عام لؤلؤا وبلورا , واستحالت أفنانك حبالا من ذهب .. " .
ما رأيكم بهذا المقطع الخصب قد احتوى قدسيتها عمقا وصعدا .. إلتقط جزئياتها , فروعها ثمارها تاريخها وحضورها المبهج , ليخلق منها سيمفونية متجانسة ترغلتْ في المدى ..
هذا هو الفن . وبحسب نظرية الأدب نفهم ما معناه : إذا كان للأديب خيال خلاق واع يستطيع أن يصنع فنا , بأن يحوّل الشيئ العادي الى شيئ ذي بال .
التراجيدي والمستغرب
ما يميز رواية إدمون شحادة الأخيرة " حديقة الأموات " أنها مهيأة للقراءة في مسارين , المسار السياسي المضمر , معاناة الإنسان الفلسطيني من تشرد وهدم بيوت واغتصاب أرض , والمسار الإجتماعي , محوره " فايز الحلاق " الشخصية الرئيسية في الرواية . ثم تظهر الشخصية الثانية " ناديا " زوجة الحلاق , شبقة الى درجة الخيانة مع عدد من الرجال . والزوج آخر من يعلم ! .
هذا الحدث الإجتماعي الذي هو مقدمة لأحداث أخر ليس حالة نادرة , لكنه يستدعي الفضول والإستغراب , أن تعترف ناديا لزوجها بخيانتها ودون تردد , عبر حوار جيد يحمل عنصر المفاجأة ويختصر المسافة . ونختصره نحن الى نقطة البيكار ..
ـــ هل تعاشرين غيري ؟
لم تتأثر من سؤاله ولم يرمش لها جفن . أعصاب من حديد , وهدوء قاتل ..
ـــ ها .. ها , الآن عرفت غرضك من كل أسئلتك الملتوية , ولكن قل لي من أين عرفت الأمر ؟.
سؤال بسؤال . ويحصل الطلاق ! . ونظل نبحث عن تفسير لصراحة الزوجة ؟ ! . وهذا في صالح الرواية , تزداد حضورا في أذهاننا .
أمّا لماذا خانته , وما هو الدافع ؟ , فإن الكاتب وبشكل لا مباشر يعزو ذلك لحادث اغتصاب تعرضت له في سن المراهقة . وهذا تقدير يلامس منطق مدرسة التحليل السيكولوجية : إن أشد العقد النفسية خطورة وتمهيدا لاضطراب الشخصية مستقبلا , هي العقد التي تتكون في مرحلة الطفولة , ثم المراهقة .
ناديا اغتصبت من قبل عدد من الرجال في المشفى الذي عملت فيه . وظل هؤلاء الرجال يتناوبون مضاجعتها زمنا طويلا . فأدمنت الجنس شعلة لا تهدأ , حتى بعد زواجها من الحلاق .
قد يحدث هذا وقد لا يحدث . المهم أن لا تفقد الحبكة تماسكها وغضارتها . وأن لا ينقطع طيلة زمن العرض ذلك الخيط السحري الجاذب , أو " الشريط الفضي " بلغة النقد الروائي . وإلاّ تعرضت الرواية لخلل يبرر إمتناع القارئ عن المتابعة ! .
في حديقة الأموات لم نلمس خللا في الحبكة , إلا أنه كاد يحدث في الخيط السحري . لكن الكاتب بلباقته تدارك الأمر بأن وجه أنظارنا الى فسحة تعتبر ضرورية في عالم الرواية , وهي صراع البطل في اتجاهين , صراع داخلي نفسي أو ذهني , وصراع ضد الظروف والأقدار . ظروف اقتصادية فقدان البيت التشرد الترحال , حتى استقر في مدينة القدس , في غرفة متواضعة تقع في مقبرة يخطط الإحتلال أن يحولها حديقة عامة .
لعل المقبرة ترمز هنا الى الضياع والإنتهاء . وقد انتهى فايز الحلاق على دفعتين , الأولى ضمن مشهد درامي مكتظ بالإثارة والإغراء , زواجه الثاني من " رابحة " بعد قصة حب . وفي ليلة الدخلة " ينزع ملابسها قطعة قطعة , ويمتع ناظريه بجسمها العاجي المتناسق . يقرب فمه من ثدييها ويرضع كطفل جائع . يلامس جسدها بأصابعه الخبيرة .. "
وفي ثورة هيجانه واغتباطه يكتشف بأنه فقد رجولته ! . " ينكمش ويتقلص حتى أصبح في حجم طابة من الإسفنج " .
ولنا أن نتصور اللّحم الانثوي الشبق ينز غلمة , ويتلوى على السرير عطشا . ثم تنطفئ جذوة شهوتها مرغمة . والزوج المنهار ينكس رأسه خجلا .. يبكي , ويحس بعجزه وضآلة قيمته ! ..
وينتهي مرة أخرى تحت عجلات جرافة تقدمت لهدم غرفته . وتنتهي كذلك الرواية بطريقة الحدث المفجع , وحدة البناء التراجيدي .
تعليق