(( حشود )) عائده محمد نادر
--------------------------------------------------------------------------------
((حشود))
لم يكن هذا اليوم كباقي الأيام , فالأجساد تسير بلا توقف , قطعان مأخوذة وكأنها تتبع قوى خارجة عن إرادتها , يدفعها نهم غريب يتوقد في العيون المحمرة كالجمر.. تتدافع بين بعضها مخلفة وراءها غبارا يعبق برائحة غريبة , تشبه رائحة تراب متعفن , تلفحه عاصفة ريح , فتنثره.. وضوء الشمس الآيل للسقوط بفعل الأتربة المتصاعدة من الأرجل , لم يفلح في تنشيط ذاكرتي التي تآكلت من كثرة الوجوه المتشحة جباهها بشرائط ملونة , ظننتها للوهلة الأولى فرق تشجيع, لم أعرف كيف قادتني قدماي اللعينتين.. ضمن قطيعها.
تابعت سيري معها , يتملكني فضول لم أستطع تداركه على غير عادتي, وشعور غامض من الوهن سيطر على حواسي المشوشة, هي المرة الأولى التي أرى فيها الناس.. يسيرون على غير هدى!!
وكأني قرأت تلك العبارة في كتاب ما!!
على غير هدى!!
وتلك العبارة أيقظتني من شرودي وانبهار نفسي, فصرت أبحث عن موطئ قدمي.. وفتحة صغيرة لأخلص جسدي.
حاولت التملص من الحشود الغفيرة, لكني لم أستطع, فقد سحبتني يد لست أدري من صاحبها, لأستمر في المسير ضمن طابور, الحشر!!
الحشر؟!!
هل نحن في يوم الحشر؟
سؤال راود ذهني وعيناي تتفرسان بتلك الملامح الجامدة , القاسية من حولي , وشعور بالاختناق أصابني , فرفعت بصري إلى السماء , لأتيقن من الأمر, فكانت السماء فوقي كما هي لم تتغير, غير أن لونها بدا لي مغبرا, يميل إلى الاحمرار.. وعلى شرفات الأبنية بانت رؤوس سوداء تومض وميضا أبيضا , تتوهج ثم تختفي بسرعة شديدة.. مثل البرق.. وبمثل لمح البصر.
حاولت التنفس بعمق , لكني لم أفلح , والهواء من حولي أصبح ثقيلا, مشبعا بالسموم, لم تستطع رئتاي استنشاقه, وسعال مكتوم يدفع بعظام صدري الصدئة , الذي أرهقه الربو, وسجائر كنت ألتهمها.. فالتهمته رغما عنها.
لم تزل عيناي تبحثان عن مخرج , وأزيز رهيب يدوي برأسي, كأنه أزيز الطائرات يدفعني لأن أرتمي تحت الأرجل كي تسحقني أقدامها, فربما سيخلصني انسحاق جسدي من اختناقي, وتيه روحي, وذاك الدوي المرعب الذي أسمعه , يكاد أن يصم سمعي, وضميري بات يؤنبني لأني حشرت نفسي بتلك المعمعة بفضولي, ولم أحرك ساكنا كي أمنعها, يخزني بوخز مؤلم , صرخت بأعلى صوتي , أحاول أن أتبين إن كنت في دوامة كابوس مرعب, فتبدد صراخي بين صرخات الحشود الغريبة, بينما نظر إلي بعضهم نظرة متفرسة, غاضبة , تكاد أن تنفذ داخل رأسي , جعلتني أرتعب.. وأكتم صوتي.
والخوف الذي تلبسني من الحشود , أطاح بكل آمالي بأن أخرج من بينها, سالما, فصرت أبحث عن وجه أعرفه ربما يساعدني على الهروب من موقفي المخزي , وهذا الطوفان الأهوج.. الذي أصبحت أراه أكثر من خطير.
امتدت يد خفية من بين الجموع , دفعتني بقوة , أخرجتني من بين طوفان الوجوه المشوهة, المتشحة جباهها بكل تلك الألوان, سقطت على حافة الرصيف, ارتطم رأسي به بقوة , فدوى صوت الارتطام بجمجمتي, أحسست بألم شديد, لا يوصف , وخدر تنامي بأنحاء جسدي, أفقدني الشعور بحواسي , وشيء ما ينسل من جسدي رويدا رويدا, ظننتها روحي وهي تغادرني.. وأوصالي ترتجف بردا.
فتحت عينيّ على سعتهما, كانت الغشاوة تظللهما, وأمواج من الأرواح الهائمة تراءت أمامي.. فبدت لي السماء غارقة بالدم.
************************************************** ******************
أ. ربيع عقب الباب
أحد أروع نصوصك عايدة ، تلك الثمرة الناضحة ، التى أكدت لى تماما ، أنك تلك المبدعة التى شهدت لها من أول نصوصها بقدرتها على الغوص ، واستكناه الأشياء الأشد عمقا ، كما نقرأ عند الكتاب الألمان الكبار .. لو قرأت قبو البصل ، و ما يحمل من كتابات ، وهومن مطبوعات العراق ، لرأيت نفسك بين هؤلاء الكتاب !!
أحب المخاطرة ، و الغوص ، لأننى أحب الاستمتاع أولا بما أكتب ، ثم بعد ذلك يأتى دور المتلقى ، الذى أحترمه ، و أحترم عقله تماما ، فإن رأنى جيدا ، فهذا ما أستهدف ، و إن فشل ، فله لن أتأسف ، أو أتراجع عن عملى ، فليعيد القراءة ، فإن ضل فقد خانه التوفيق و لم يخني .. ليس الجمهور دائما على حق .. أبدا .. ليس على حق خاصة وأن الذوق العام ينهار ، بفعل يد آثمة ، تريد له ذلك !!
أحببت هذا العمل حين قرأته لأول مرة ، و أطالبك بالخوض فى هذه المناطق الوعرة لأنها تكشف الكثير الكثير من الزيف ، و تعرى بشكل فاضح ما نحن عليه !!
هنيئا لى بمعرفتك عايدة الجسور .. كونى بخير دائما ، و تأكدى أنى مهما انشغلت ، لن أنشغل عنك ، و لا عن إبداعك ، و تأكدى من قراءتى له حتى لو لم أكتب !!
تحيتى و تقديرى
************************************************** ******************
محمد إبراهيم سلطان
من وجهة نظرى,لكى نصل لتحليل موضوعى وصحيح يجب أن نتتبع العناصر التالية :
أولا عنصر المكان:
وكان هو لب القصة,ترى أكان فى فلسطين؟أم العراق؟أم كان فى القاهرة الثائرة أيام الملكية الظالمة؟أكان بلبنان؟ أم سيكون؟إختلاف الأماكن لم يمنع الحشود التى إعتقدها البطل فرق تشجيع (ظننتها للوهلة الأولى فرق تشجيع) خرجت دون إرادة بعدما فاض الكيل,وإمتلأت القبور بالشهداء وتشبعت الأراضى بالدماء,كان الحماس أقوى من أى إرادة ( نهم ) أشعل النار بالعيون وأوقدها بحمرة (وكأنها تتبع قوى خارجة عن إرادتها, يدفعها نهم غريب يتوقد في العيون المحمرة كالجمر) كانت الكاتبة موفقة بل أعتقد أنهم كانوا موفقون الإرادة والحماس النابض بغير هدى,وإنساق البطل معهم على غير هدى و أيضا دون إرادة فعاطفة الوطن لا تحتاج لإبراز هوية خُلقت فينا غصب عن الأنف.
ثانياً عنصر الزمان
جاز له الأزمان الثلاثة (الماضى و الحاضر و المستقبل) غير أنى أرجح كفة ( المستقبل) فربما رجحها معى البطل فى هذيانه العفوى وهو يتساءل (هل نحن في يوم الحشر؟) كلمة( الحشر) مستقبلية و لا تقبل أزمنة أخرى و لأن الوجوه المحتشدة كانت غريبة عجز البطل عن معرفتها (لم يفلح في تنشيط ذاكرتي التي تآكلت من كثرة الوجوه المتشحة جباهها بشرائط ملونة) .
وربما كانت الشمس التى سقط عنها ضوئها إستعداداً للرواح تؤكد ذلك بحجة البطل الزائفة (وضوء الشمس الآيل للسقوط بفعل الأتربة المتصاعدة من الأرجل) .
الشخصيات
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ... ما جاء زمانهم ... سننتظرهم بعون الله ربما يمحوا الغشاوة التى أصدأت قلوبنا و معنا البطل الذى كان يحاول دوما الهروب و السلبية (كحالنا اليوم ) (حاولت التملص من الحشود الغفيرة, لكني لم أستطع ) ولكن الأيادى الصادقة مازلت بخير تستنهضه وتحثه كأنها تعلمه فنون الشهادة (فقد سحبتني يد لست أدري من صاحبها, لأستمر في المسير ضمن طابور ) لم يكن الحشر يا صديقى يا من تود الهروب وتصر على ترك الآخرون يوهبون أرواحهم الطاهرة وأنت لا تزال فى عنجهيتك لا تتغير , أردت التحول للأفضل وإيقاظ نفسك لكنك مازلت جبان , تخاف على الكرسى من الضياع , لكن الرغبة بك كانت عارمة (يتملكني فضول لم أستطع تداركه على غير عادتي ـ وتلك العبارة أيقظتني من شرودي وانبهار نفسي, فصرت أبحث عن موطئ قدمي ) وللأسف كنت تريد (فتحة صغيرة لأخلص جسدي.) هم جنود النفس وأنت لا شىء.
الحدث
(الغموض)
(الوجوه المتشحة جباهها بشرائط ملونة) صورة نراها دائما تشير فى محطات الإذاعات و قنوات التلفار على هؤلاء الذين وهبوا أرواحهم فداءاً لك يا وطن.هم يتقدمون بكل بسالة و شجاعة , أما أنت فكنت ساذج القرار لا تزال تنحنى (وخدر تنامي بأنحاء جسدي) تخاف الموت ومتمسكاً بحياتك الرخيصة , حتى وإن مت فستموت على الأرصفة بلا قيمة وسيساعدك على هذا من تكن مصلحته فيك(امتدت يد خفية من بين الجموع ـ أخرجتني من بين طوفان الوجوه المشوهة ـ سقطت على حافة الرصيف) نعم ستموت على الأرصفة كالطيور تتنسل أعضائها رويدا رويدا بغشاوتك التى ظللت عيناك (فتحت عيناي على سعتهما, كانت الغشاوة تظللهما) وفى نفس لحظة موتك ستكون جموع الحشود المزينة الجباة بكل الألوان قد نفذت وعدها وهامت أرواحها تعج بالسماء الممتلئة بدم الشهداء.
كانت تلك السطور هى رؤيتى البسيطة للقصة الغامضة,وللمرة الثانية أعتذر على القصور اللغوى .
دمتى بخير أستاذة عائدة أرجو أن أكون قد وفقت.
************************************************** ******************
أ.عبد الرحيم محمود
الغالية عايدة .....
نص خلته مأخوذا من دوستفسكي ، تتكلمين بلغة الاستبطان
الذاتي الممزوج بهذيانات الواقع ، وتحركين الجمهور باتجاه
فيحركك الجمهور بغبائه في غير اتجاهك ، عجز المواطن
المثقف الذي يرى بعينين مفتوحتين الأفق وما وراءه لكنه
بدلا أن يقود الناس للحياة والنور والمستقبل ، تذبحه أقدام
الجمهور الذاهبة بعكس اتجاه عقارب التقدم ، يجد نفسه
مضطرا للذهاب حيث يسير القطيع ، لا خيار له ، ينتظر
الغيب ليجد له حلا لأزمته ، ولكن الحل لا يأتي !
النص مكتوب ليصور تشويش الرؤية في عيون قطيع
أسلم نفسه لرؤية اليد الخفية التي تقوده بالنار والحديد
والموت إلى حيث تريد ، لا إلى حيث يجب !
حركتك في الزمان في كل اتجاهاته مخيفة ، لكنك جمدت
المكان في ثلاجة عميقة التبريد لذا أصبح النص طائرا
يطير بجناح واحد نحو هوة المجهول الجاذبة بقوة غير
مفهومة ، هناك ضباب كثير لم يجعل الرائي يرى
ما تريدين تصويره لاختلاط الألوان على المساحات
غير الثابتة ، هناك عقدة محلولة سلفا ، ضياع الأمل
في القطيع الذي يساق بلا هدف ، والنهاية التي
ضاعت بين أقدام القطيع جعلت التص مدورا ، لا بداية
ولا نهاية لا بل جعلت البداية والنهاية متماسكتان ترتبط
كل منهما بالأخرى بلا فاصل زمني وكأن الحدث يسير
بلا مكان ، وهذا يجعل النص معلقا كحلم غير قابل للتجسد
لغة النص غاية في الجمال واكتمال العنصر السبكي
الترابطي للألفاظ ، فكل كلمة تتجسد زمنا ، غير أن
مكان تجسدها ضائع من لوحة الرسم الديكارتي الثلاثي
الأبعاد ، نص إبداعي يحتاج لومضة برق تفاعل
بشدتها أكسجين الاحتراق مع نيتروجين بدء الحياة
لتتساقط بذرة البدء على الأرض فتولد أشباح الخيال
على مكان البداية للتغيير من ضياع ولا شعور إلى
هدف محدد وطريق واضحة وتغير من قطيع يساق
إلى بشر تفكر وترى بعينين مفتوحتين !
تحيتي لك ولقاموسك اللغوي الأخاذ سيدتي ، واحترامي
للنقدين الجميلين للأخوين عقب الباب وسلطان !
--------------------------------------------------------------------------------
((حشود))
لم يكن هذا اليوم كباقي الأيام , فالأجساد تسير بلا توقف , قطعان مأخوذة وكأنها تتبع قوى خارجة عن إرادتها , يدفعها نهم غريب يتوقد في العيون المحمرة كالجمر.. تتدافع بين بعضها مخلفة وراءها غبارا يعبق برائحة غريبة , تشبه رائحة تراب متعفن , تلفحه عاصفة ريح , فتنثره.. وضوء الشمس الآيل للسقوط بفعل الأتربة المتصاعدة من الأرجل , لم يفلح في تنشيط ذاكرتي التي تآكلت من كثرة الوجوه المتشحة جباهها بشرائط ملونة , ظننتها للوهلة الأولى فرق تشجيع, لم أعرف كيف قادتني قدماي اللعينتين.. ضمن قطيعها.
تابعت سيري معها , يتملكني فضول لم أستطع تداركه على غير عادتي, وشعور غامض من الوهن سيطر على حواسي المشوشة, هي المرة الأولى التي أرى فيها الناس.. يسيرون على غير هدى!!
وكأني قرأت تلك العبارة في كتاب ما!!
على غير هدى!!
وتلك العبارة أيقظتني من شرودي وانبهار نفسي, فصرت أبحث عن موطئ قدمي.. وفتحة صغيرة لأخلص جسدي.
حاولت التملص من الحشود الغفيرة, لكني لم أستطع, فقد سحبتني يد لست أدري من صاحبها, لأستمر في المسير ضمن طابور, الحشر!!
الحشر؟!!
هل نحن في يوم الحشر؟
سؤال راود ذهني وعيناي تتفرسان بتلك الملامح الجامدة , القاسية من حولي , وشعور بالاختناق أصابني , فرفعت بصري إلى السماء , لأتيقن من الأمر, فكانت السماء فوقي كما هي لم تتغير, غير أن لونها بدا لي مغبرا, يميل إلى الاحمرار.. وعلى شرفات الأبنية بانت رؤوس سوداء تومض وميضا أبيضا , تتوهج ثم تختفي بسرعة شديدة.. مثل البرق.. وبمثل لمح البصر.
حاولت التنفس بعمق , لكني لم أفلح , والهواء من حولي أصبح ثقيلا, مشبعا بالسموم, لم تستطع رئتاي استنشاقه, وسعال مكتوم يدفع بعظام صدري الصدئة , الذي أرهقه الربو, وسجائر كنت ألتهمها.. فالتهمته رغما عنها.
لم تزل عيناي تبحثان عن مخرج , وأزيز رهيب يدوي برأسي, كأنه أزيز الطائرات يدفعني لأن أرتمي تحت الأرجل كي تسحقني أقدامها, فربما سيخلصني انسحاق جسدي من اختناقي, وتيه روحي, وذاك الدوي المرعب الذي أسمعه , يكاد أن يصم سمعي, وضميري بات يؤنبني لأني حشرت نفسي بتلك المعمعة بفضولي, ولم أحرك ساكنا كي أمنعها, يخزني بوخز مؤلم , صرخت بأعلى صوتي , أحاول أن أتبين إن كنت في دوامة كابوس مرعب, فتبدد صراخي بين صرخات الحشود الغريبة, بينما نظر إلي بعضهم نظرة متفرسة, غاضبة , تكاد أن تنفذ داخل رأسي , جعلتني أرتعب.. وأكتم صوتي.
والخوف الذي تلبسني من الحشود , أطاح بكل آمالي بأن أخرج من بينها, سالما, فصرت أبحث عن وجه أعرفه ربما يساعدني على الهروب من موقفي المخزي , وهذا الطوفان الأهوج.. الذي أصبحت أراه أكثر من خطير.
امتدت يد خفية من بين الجموع , دفعتني بقوة , أخرجتني من بين طوفان الوجوه المشوهة, المتشحة جباهها بكل تلك الألوان, سقطت على حافة الرصيف, ارتطم رأسي به بقوة , فدوى صوت الارتطام بجمجمتي, أحسست بألم شديد, لا يوصف , وخدر تنامي بأنحاء جسدي, أفقدني الشعور بحواسي , وشيء ما ينسل من جسدي رويدا رويدا, ظننتها روحي وهي تغادرني.. وأوصالي ترتجف بردا.
فتحت عينيّ على سعتهما, كانت الغشاوة تظللهما, وأمواج من الأرواح الهائمة تراءت أمامي.. فبدت لي السماء غارقة بالدم.
************************************************** ******************
أ. ربيع عقب الباب
أحد أروع نصوصك عايدة ، تلك الثمرة الناضحة ، التى أكدت لى تماما ، أنك تلك المبدعة التى شهدت لها من أول نصوصها بقدرتها على الغوص ، واستكناه الأشياء الأشد عمقا ، كما نقرأ عند الكتاب الألمان الكبار .. لو قرأت قبو البصل ، و ما يحمل من كتابات ، وهومن مطبوعات العراق ، لرأيت نفسك بين هؤلاء الكتاب !!
أحب المخاطرة ، و الغوص ، لأننى أحب الاستمتاع أولا بما أكتب ، ثم بعد ذلك يأتى دور المتلقى ، الذى أحترمه ، و أحترم عقله تماما ، فإن رأنى جيدا ، فهذا ما أستهدف ، و إن فشل ، فله لن أتأسف ، أو أتراجع عن عملى ، فليعيد القراءة ، فإن ضل فقد خانه التوفيق و لم يخني .. ليس الجمهور دائما على حق .. أبدا .. ليس على حق خاصة وأن الذوق العام ينهار ، بفعل يد آثمة ، تريد له ذلك !!
أحببت هذا العمل حين قرأته لأول مرة ، و أطالبك بالخوض فى هذه المناطق الوعرة لأنها تكشف الكثير الكثير من الزيف ، و تعرى بشكل فاضح ما نحن عليه !!
هنيئا لى بمعرفتك عايدة الجسور .. كونى بخير دائما ، و تأكدى أنى مهما انشغلت ، لن أنشغل عنك ، و لا عن إبداعك ، و تأكدى من قراءتى له حتى لو لم أكتب !!
تحيتى و تقديرى
************************************************** ******************
محمد إبراهيم سلطان
من وجهة نظرى,لكى نصل لتحليل موضوعى وصحيح يجب أن نتتبع العناصر التالية :
أولا عنصر المكان:
وكان هو لب القصة,ترى أكان فى فلسطين؟أم العراق؟أم كان فى القاهرة الثائرة أيام الملكية الظالمة؟أكان بلبنان؟ أم سيكون؟إختلاف الأماكن لم يمنع الحشود التى إعتقدها البطل فرق تشجيع (ظننتها للوهلة الأولى فرق تشجيع) خرجت دون إرادة بعدما فاض الكيل,وإمتلأت القبور بالشهداء وتشبعت الأراضى بالدماء,كان الحماس أقوى من أى إرادة ( نهم ) أشعل النار بالعيون وأوقدها بحمرة (وكأنها تتبع قوى خارجة عن إرادتها, يدفعها نهم غريب يتوقد في العيون المحمرة كالجمر) كانت الكاتبة موفقة بل أعتقد أنهم كانوا موفقون الإرادة والحماس النابض بغير هدى,وإنساق البطل معهم على غير هدى و أيضا دون إرادة فعاطفة الوطن لا تحتاج لإبراز هوية خُلقت فينا غصب عن الأنف.
ثانياً عنصر الزمان
جاز له الأزمان الثلاثة (الماضى و الحاضر و المستقبل) غير أنى أرجح كفة ( المستقبل) فربما رجحها معى البطل فى هذيانه العفوى وهو يتساءل (هل نحن في يوم الحشر؟) كلمة( الحشر) مستقبلية و لا تقبل أزمنة أخرى و لأن الوجوه المحتشدة كانت غريبة عجز البطل عن معرفتها (لم يفلح في تنشيط ذاكرتي التي تآكلت من كثرة الوجوه المتشحة جباهها بشرائط ملونة) .
وربما كانت الشمس التى سقط عنها ضوئها إستعداداً للرواح تؤكد ذلك بحجة البطل الزائفة (وضوء الشمس الآيل للسقوط بفعل الأتربة المتصاعدة من الأرجل) .
الشخصيات
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ... ما جاء زمانهم ... سننتظرهم بعون الله ربما يمحوا الغشاوة التى أصدأت قلوبنا و معنا البطل الذى كان يحاول دوما الهروب و السلبية (كحالنا اليوم ) (حاولت التملص من الحشود الغفيرة, لكني لم أستطع ) ولكن الأيادى الصادقة مازلت بخير تستنهضه وتحثه كأنها تعلمه فنون الشهادة (فقد سحبتني يد لست أدري من صاحبها, لأستمر في المسير ضمن طابور ) لم يكن الحشر يا صديقى يا من تود الهروب وتصر على ترك الآخرون يوهبون أرواحهم الطاهرة وأنت لا تزال فى عنجهيتك لا تتغير , أردت التحول للأفضل وإيقاظ نفسك لكنك مازلت جبان , تخاف على الكرسى من الضياع , لكن الرغبة بك كانت عارمة (يتملكني فضول لم أستطع تداركه على غير عادتي ـ وتلك العبارة أيقظتني من شرودي وانبهار نفسي, فصرت أبحث عن موطئ قدمي ) وللأسف كنت تريد (فتحة صغيرة لأخلص جسدي.) هم جنود النفس وأنت لا شىء.
الحدث
(الغموض)
(الوجوه المتشحة جباهها بشرائط ملونة) صورة نراها دائما تشير فى محطات الإذاعات و قنوات التلفار على هؤلاء الذين وهبوا أرواحهم فداءاً لك يا وطن.هم يتقدمون بكل بسالة و شجاعة , أما أنت فكنت ساذج القرار لا تزال تنحنى (وخدر تنامي بأنحاء جسدي) تخاف الموت ومتمسكاً بحياتك الرخيصة , حتى وإن مت فستموت على الأرصفة بلا قيمة وسيساعدك على هذا من تكن مصلحته فيك(امتدت يد خفية من بين الجموع ـ أخرجتني من بين طوفان الوجوه المشوهة ـ سقطت على حافة الرصيف) نعم ستموت على الأرصفة كالطيور تتنسل أعضائها رويدا رويدا بغشاوتك التى ظللت عيناك (فتحت عيناي على سعتهما, كانت الغشاوة تظللهما) وفى نفس لحظة موتك ستكون جموع الحشود المزينة الجباة بكل الألوان قد نفذت وعدها وهامت أرواحها تعج بالسماء الممتلئة بدم الشهداء.
كانت تلك السطور هى رؤيتى البسيطة للقصة الغامضة,وللمرة الثانية أعتذر على القصور اللغوى .
دمتى بخير أستاذة عائدة أرجو أن أكون قد وفقت.
************************************************** ******************
أ.عبد الرحيم محمود
الغالية عايدة .....
نص خلته مأخوذا من دوستفسكي ، تتكلمين بلغة الاستبطان
الذاتي الممزوج بهذيانات الواقع ، وتحركين الجمهور باتجاه
فيحركك الجمهور بغبائه في غير اتجاهك ، عجز المواطن
المثقف الذي يرى بعينين مفتوحتين الأفق وما وراءه لكنه
بدلا أن يقود الناس للحياة والنور والمستقبل ، تذبحه أقدام
الجمهور الذاهبة بعكس اتجاه عقارب التقدم ، يجد نفسه
مضطرا للذهاب حيث يسير القطيع ، لا خيار له ، ينتظر
الغيب ليجد له حلا لأزمته ، ولكن الحل لا يأتي !
النص مكتوب ليصور تشويش الرؤية في عيون قطيع
أسلم نفسه لرؤية اليد الخفية التي تقوده بالنار والحديد
والموت إلى حيث تريد ، لا إلى حيث يجب !
حركتك في الزمان في كل اتجاهاته مخيفة ، لكنك جمدت
المكان في ثلاجة عميقة التبريد لذا أصبح النص طائرا
يطير بجناح واحد نحو هوة المجهول الجاذبة بقوة غير
مفهومة ، هناك ضباب كثير لم يجعل الرائي يرى
ما تريدين تصويره لاختلاط الألوان على المساحات
غير الثابتة ، هناك عقدة محلولة سلفا ، ضياع الأمل
في القطيع الذي يساق بلا هدف ، والنهاية التي
ضاعت بين أقدام القطيع جعلت التص مدورا ، لا بداية
ولا نهاية لا بل جعلت البداية والنهاية متماسكتان ترتبط
كل منهما بالأخرى بلا فاصل زمني وكأن الحدث يسير
بلا مكان ، وهذا يجعل النص معلقا كحلم غير قابل للتجسد
لغة النص غاية في الجمال واكتمال العنصر السبكي
الترابطي للألفاظ ، فكل كلمة تتجسد زمنا ، غير أن
مكان تجسدها ضائع من لوحة الرسم الديكارتي الثلاثي
الأبعاد ، نص إبداعي يحتاج لومضة برق تفاعل
بشدتها أكسجين الاحتراق مع نيتروجين بدء الحياة
لتتساقط بذرة البدء على الأرض فتولد أشباح الخيال
على مكان البداية للتغيير من ضياع ولا شعور إلى
هدف محدد وطريق واضحة وتغير من قطيع يساق
إلى بشر تفكر وترى بعينين مفتوحتين !
تحيتي لك ولقاموسك اللغوي الأخاذ سيدتي ، واحترامي
للنقدين الجميلين للأخوين عقب الباب وسلطان !
تعليق