العمر لحظة
فى لحظة استثنائية قاتلة ، أتى بكل كتبه ، وهو لا يتوقف عن البكاء ، يلقى بها حتى أصبحت كومة ، يدور حول ألمه ، وعذابه ، وحرقته الفارهة :" كلها باطل .. باطل .. استجداء رخيص لا معنى له .. نعم أولادى .. عمرى .. حياتى .. لكن بما أفادوا إلا مزيدا من الفقر و الفاقة .. كل كتاب فيها كان لهدف .. نفس الهدف الرخيص .. نفس الموت .. ولا جديد .. لا جديد .. فلتحرق .. تذهب إلى الجحيم .. لا قيمة لشىء .. أنا بلا قيمة .. و لم أنا .. لم .. و الأنصاف يرتعون .. فى كل واد يهيمون .. يبرطعون .. لم ؟".
انبرى يمزقها ، كأنه يقطع نياط روحه .. واحدة واحدة يمزقها .. لا يتوقف .. يتأمل فى بعضها .. يفر صفحاته .. يمزق .. و الدموع لا تنقطع .. لا تنقطع .. وهو يرى جند المهلبى تطارده .. و تلهث خلفه .. و يشهد حقدهم عليه ، و كيف وشوا به ، و اتهموه بالكفرو الإلحاد .. والزندقة .. فى كل واد يسعى إليه .. لا يتوقف .. دنا من الشمعة ، قرب ورقة منها .. توهجت .. عاد إلى الكومة .. إلى روحه .. وفلذاته .. ومنها كانت النار تتلمظ الوليمة :" تبا لى .. و الحظ و النصيب .. تبا لكل شىء .. للوزير .. و الأمير .. و العالم .. تبا للفلسفة .. و اللغة .. و التاريخ كله .. وهذا الوقت المريض ".
كانت النار فى تهلل و فرح ، يحاصرها بنظراته الباكية ، الناقمة :" عيب فى أم فيهم .. أم الوقت .. قولوا لى .. ردوا على .. كل هذا العلم هراء .. لا شىء .. كل هذا العمر سدا .. لا أجد كسرة .. لا هدمة .. لا شىء سوى الضياع و الموت .. هيا اذهبى إلى الجحيم .. إلى الحجيم .. تملق .. كذب .. استجداء رخيص .. زيف و بهتان .. وتهرؤ .. تزلف ما أحسنته ، و إلى من .. إلى من يا إلهى .. إلى من ؟".
اختنق .. اختنق تماما ، شهق بقسوة ، ألقى بنفسه على اللهب ، و هو يصرخ لا .. لا .. لا .. ، وبكفيه يطفىء النار ، أتى بجوال ، طرحه عليها .. كأنه فى معركة مصيرية .. تكاثف الدخان .. أعمى كل شيء فى المكان .. طرق على الباب .. يلتقط الأوراق ، يمسحها بجلبابه . الطرقات تتزايد :"افتح .. ياعلى افتح الباب".
ومن فجوة خلفية كان يحمل جوالا ، و يتخذ طريقه إلى خارج المدينة ، بعين دامعة ، وجوع أبيد !!
" موقف من حياة أبى حيان التوحيدى "
فى لحظة استثنائية قاتلة ، أتى بكل كتبه ، وهو لا يتوقف عن البكاء ، يلقى بها حتى أصبحت كومة ، يدور حول ألمه ، وعذابه ، وحرقته الفارهة :" كلها باطل .. باطل .. استجداء رخيص لا معنى له .. نعم أولادى .. عمرى .. حياتى .. لكن بما أفادوا إلا مزيدا من الفقر و الفاقة .. كل كتاب فيها كان لهدف .. نفس الهدف الرخيص .. نفس الموت .. ولا جديد .. لا جديد .. فلتحرق .. تذهب إلى الجحيم .. لا قيمة لشىء .. أنا بلا قيمة .. و لم أنا .. لم .. و الأنصاف يرتعون .. فى كل واد يهيمون .. يبرطعون .. لم ؟".
انبرى يمزقها ، كأنه يقطع نياط روحه .. واحدة واحدة يمزقها .. لا يتوقف .. يتأمل فى بعضها .. يفر صفحاته .. يمزق .. و الدموع لا تنقطع .. لا تنقطع .. وهو يرى جند المهلبى تطارده .. و تلهث خلفه .. و يشهد حقدهم عليه ، و كيف وشوا به ، و اتهموه بالكفرو الإلحاد .. والزندقة .. فى كل واد يسعى إليه .. لا يتوقف .. دنا من الشمعة ، قرب ورقة منها .. توهجت .. عاد إلى الكومة .. إلى روحه .. وفلذاته .. ومنها كانت النار تتلمظ الوليمة :" تبا لى .. و الحظ و النصيب .. تبا لكل شىء .. للوزير .. و الأمير .. و العالم .. تبا للفلسفة .. و اللغة .. و التاريخ كله .. وهذا الوقت المريض ".
كانت النار فى تهلل و فرح ، يحاصرها بنظراته الباكية ، الناقمة :" عيب فى أم فيهم .. أم الوقت .. قولوا لى .. ردوا على .. كل هذا العلم هراء .. لا شىء .. كل هذا العمر سدا .. لا أجد كسرة .. لا هدمة .. لا شىء سوى الضياع و الموت .. هيا اذهبى إلى الجحيم .. إلى الحجيم .. تملق .. كذب .. استجداء رخيص .. زيف و بهتان .. وتهرؤ .. تزلف ما أحسنته ، و إلى من .. إلى من يا إلهى .. إلى من ؟".
اختنق .. اختنق تماما ، شهق بقسوة ، ألقى بنفسه على اللهب ، و هو يصرخ لا .. لا .. لا .. ، وبكفيه يطفىء النار ، أتى بجوال ، طرحه عليها .. كأنه فى معركة مصيرية .. تكاثف الدخان .. أعمى كل شيء فى المكان .. طرق على الباب .. يلتقط الأوراق ، يمسحها بجلبابه . الطرقات تتزايد :"افتح .. ياعلى افتح الباب".
ومن فجوة خلفية كان يحمل جوالا ، و يتخذ طريقه إلى خارج المدينة ، بعين دامعة ، وجوع أبيد !!
" موقف من حياة أبى حيان التوحيدى "
تعليق