نور العيون ...رواية طويلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابراهيم عبد المعطى داود
    أديب وكاتب
    • 10-12-2008
    • 159

    نور العيون ...رواية طويلة

    مقدمـــــــــــــــــة
    في عام 1967 تعرضت الدول العربية لضربة غادرة من الصهاينة ..وبموجبها تم سقوط القدس الشريف
    واحتلال سيناء الحبيبة والسيطرة على هضبة الجولان السورية ...وقد ترك هذا الحدث الجلل أعظم الأثر
    فى نفسي وخاصة واننى كنت حينئذ متابعا جيدا للحرب الأمريكية الفيتنامية ..وقرأت عن ثوار فيتنام
    وقوات الفيت كونج والقائد العظيم هوشى منه .. كما تابعت بغيظ وحنق وأسى الطائرات الامريكية العملاقة
    ب 52 وهي تدك هانوي واحراشها بكل انواع القنابل الحارقة والمحرمة دوليا ...بيد أن ثوار فيتنام
    ورجال الفيت كونج وجنود هوشى منه لم يستسلموا بل ازدادوا ضراوة واستبسالا عن وطنهم الحبيب
    حتى اقتحموا سايجون وهرب الامريكان والتقطت طائراتهم بقايا فلولهم من فوق سطح السفارة
    الامريكية بسايجون ...وعندئذ توكد لدى أن العبرة ليست بالقوة ولا بالتكنولوجيا ولكن بالايمان الراسخ
    بعدالة القضية ..والارادة الصلبة ..والتضحيات العظيمة ..
    ثم كانت حرب اكتوبر المجيدة 1973 على هذا المنوال وذاك النمط ..واستعدت ابتسامتى مع الملايين
    من أبناء امتنا الغالية ..
    ومع كرور السنون ظلت هذه الصور لا تفارق مخيلتى ..صور الطائرات المصرية وهي تدك خطوط العدو
    وتحصيناته ...صور الجنود البواسل وهم يقتحمون خط بارليف "أقوى مانع فى العصر الحديث "
    ثم يرفعون العلم المصري على تلال سيناء الحبيبة .
    ودارت عجلة الزمن دورات متعاقبة .. وتغيًر الحال ..وأصبح العدو صديقًا ...والصديق عدوًا ..
    وانهارت القيم ..وساد الظلم .. وانزوى العقل .. وبزغ فجر الدينار والدولار .. و ..
    ومن كل هذه المرادفات حاولت أن استجلب الصور واستخلص العبر من خلال اسرة مصرية
    عاصرت تلك الفترة الحرجة فى التاريخ العربي ..منذ نكسة يونيو 1967 حتى سقوط بغداد ..
    واسأل المولى سبحانه وتعالي أن يوفقني فيما أعرض ..
    وأن يكون عرضي أمينا ...وكلماتي صادقة .
    ابراهيم عبد المعطى داود
    الاسكندرية
  • زينا نافذ
    عضو الملتقى
    • 09-03-2009
    • 212

    #2
    سيدي ..اتوق لعرضك هذا و في القريب انشاءالله تعالى..
    شكرا لك هذا الطرح ..مقدما
    زينا نافذ بركات
    عمان - الاردن

    مدونتي
    طباشير ..وخربشات (زينا بركات ) ..[URL="http://zinanafez.blogspot.com/"]http://zinanafez.blogspot.com/[/URL]
    مدونتي مكتوب_لافته حرة [URL="http://zina.maktoobblog.com/"]http://zina.maktoobblog.com/[/URL]




    [COLOR="DarkRed"]يضع التعب يده على أهدابي ...[/COLOR]كأنه يفرض عليها النوم ...
    لكن ما من شيء يستطيع أن يضع يده على [COLOR="darkred"]أحلامي[/COLOR]

    جبران خليل جبران

    تعليق

    • الشربيني المهندس
      أديب وكاتب
      • 22-01-2009
      • 436

      #3
      الاستاذ ابراهيم
      مبرووووووك المولود الجديد نور العيون
      وارجو ان تكون نور علينا كلنا مهما كانت طويلة فما تحكيه ليس له نهاية
      ودعني استعير هذه الكلمات
      (( يضع التعب يده على أهدابي ...كأنه يفرض عليها النوم ...
      لكن ما من شيء يستطيع أن يضع يده على أحلامي ))
      فقد ذكرتني باشياء كثيرة فقد كانت روايتي الاولي الدخول الي الكابوس حول الفترة التي سبقت حرب 67 ومعها ويبدو انني لم اكن اعرف تلك الكلمات وهي أيضا لم تكن تعرفني
      تمنياتي الطيبة

      تعليق

      • ابراهيم عبد المعطى داود
        أديب وكاتب
        • 10-12-2008
        • 159

        #4
        تقول إحدى الأساطير الجرمانية القديمة بأنه من حق أى إنسان

        أن يدخل كهف العبقرية بشرط أن يترك ذراعا ..أو ساقا ..أو عينا .

        تعليق

        • ابراهيم عبد المعطى داود
          أديب وكاتب
          • 10-12-2008
          • 159

          #5
          [frame="5 98"]بـــــــــــــــــــــــلادى
          أنت أكبر من أملــــــــــى
          وأملــــــــــى فوق خيــالي
          وخيــــالي يسبح حول عرش حبك
          وحبــــــــك ليس له نهاية .

          [/frame]

          تعليق

          • ابراهيم عبد المعطى داود
            أديب وكاتب
            • 10-12-2008
            • 159

            #6
            الفصل الأول " آن الأوان لكي أستريح .."
            استلقي على كرسيه الوثير فى الفراندة المطلة على الحديقة الغربية فى منزله الأنيق المطل
            على نيل القاهرة والمكلل بأشجار الأكاسيا ذات الزهور الارجوانية ..
            مدً بصره نحو الافق البعيد .. متمتما بهذه الكلمات ...
            وجهه لم يش بشىء ما ..
            لازالت قسمات الوسامة ظاهرة فى وجهه الهادىء ..عينان حادتان كعيني الصقر ..سوادهما
            شديد ..تحرسهما أهدابًا طويلة وجسد متناسق رشيق كفرسان العصور الوسطى ..وانف
            مرفوع فى شموخ ..وشعر مسترسل الى الخلف فى نعومة ..
            "آن الأوان كي أستريح "
            وزوجته تتقدم الى جواره متكئة على عكازها الصغير ..جسد مكتنز ..وجه أبيض مشرب
            بحمرة خفيفة ..انحسر غطاء رأسها عن خصلات بيضاء من شعرها تدلت على جبينها
            الصافي ..تبعتها الخادمة دافعة أمامها خوانا يحمل صينية فضية بها فنجانين من القهوة ..
            بقايا عز تليد لايزال يتشبث بالرجل وزوجته ..
            الوقت صيفا ..
            الشمس تنغمس فى النيل ..
            الشفق يخضب الأفق ..
            الرياح اللطيفة تدور فى سكون ورفق على واجهات المنازل والبنايات ..
            مدًت الزوجة يدها بفنجان القهوة نحو زوجها وهي تقول فى ضجر :
            - اكره الصيف وحرًه ..لشد ماأتعبنا هذا العام ..
            رد فى هدوء وهو يتناول من يدها فنجان القهوة :
            - نحن لم نتعود بعد على صيف القاهرة .
            ثم أردف :
            - عموما هو أرحم من صيف الكويت
            جلست على كرسيا الخيزراني بجواره ..ورشفت قطرات من فنجان قهوتها وهزت
            رأسها وهي تقول فى توكيد :
            - نعم الصيف فى الكويت لافحًا ..درجات الحرارة لم تكن تطاق .
            تحيرت فى مقلتيه نظرة ساهمة وقال وعيناه ترنوان الى قرص الشمس المائل
            نحو المغيب :
            - عدنا الى بلدنا الغالي ..جزى الله ابننا هشام خير الجزاء
            ثم اردف فى صوت مفعم بالحزن والأسي :
            - لم نكن نتوقع أن يحدث ماحدث ..!
            جالت فى نعاس الغروب بعين حزينة وهمست فى صوت كأنه ينتزع من قلبها انتزاعا :
            - ترى كيف حالك يابني ..؟ بل أين أنت الآن ..؟!
            ثم اكملت فى مرارة كأنها تتجرع علقما :
            - لازلت اتخيل أننا فى كابوس مرعب واحساسي يقول أن مكروها قد حدث له ..!
            نظر الزوج اليها كأنه يواسيها وبنبرة عميقة متعلقة بأهداب الأمل قال :
            - لا ..إن شاء الله خير ..فإن اعتمادنا على الله وتوكلنا عليه هو سبب نجاتنا
            وسيكون أيضا سبب نجاة ابننا الحبيب ..!!
            همست الزوجة فى ايمان وضراعة :
            - ونعم بالله ..
            أطبق الصمت بالمكان والزمان ..
            بدأ شريط الذكريات يجرى فى مخيلتهما ..
            العز .. الجاه .. الاحداث الجارية .. المصاب الأليم .. الفراق المهين ..
            طيًار فى القوات الجوية ...
            نكسة يونيو
            قامت اسرائيل بعدوانها الغاصب ..وفي ضربة دراماتيكية وخلال ستة أيام تمكنت من
            احتلال سيناء فى مصر ..هضبة الجولان فى سوريا ..الضفة الغربية من الاردن ..
            علت الدهشة الوجوه ..
            حملقت الأعين فى ذهول ..
            تلفت المصريون حولهم غير مصدقين ..
            وتساءل الجميع
            ماذا حدث ..؟ وكيف حدث ..؟
            أين القوات ..؟
            أين الأشاوس والمغاوير والنسور والصقور ..؟
            أين الظافر والقاهر ..؟
            تقوضت الاحلام واندثرت
            تطايرت الامال أشلاء وشظايا ثم سقطت فى أعماق بئر من رماد عفن
            دهم الجميع حزن شديد حتى خال اليهم انهم اشباح تهيم فى وادى التيه
            فتسربلوا بثياب سوداء قاتمة
            الحزن شامل ..
            الحزن باك ..
            الحزن ساخر ..
            ثم
            ثم همهمت أرواح وهي تطل برأسها من دوامة الأسى والضياع وتنزف بكلمات معبقة
            بأوجاع محمومة ..وأنين ساخر .

            تعليق

            • ابراهيم عبد المعطى داود
              أديب وكاتب
              • 10-12-2008
              • 159

              #7
              الفصل الثاني
              هكذا
              انبثقت من مرارة الهزيمة والأسى والضياع ينابيع من التهكًم المرير والسخرية
              اللازعة والهجاء الممض ..
              تبدلت الكلمته الى نكتة ..الجملة الى فكاهة.. الحرف الى ملحة ..
              فدمعت العيون بالضحك المكلوم ..
              وصدق قول الشاعر :
              وكم ذا بمصر من المضحكات .....ولكنه ضحك كالبكا .
              ونتيجة للدموع المسفوحة ..اغتسلت القلوب ..وتطهرت الجوارح ..
              واستفاق الجميع كأنهم من بعد سبات يستيقظون ..
              وإذ بينابيع التهكم والسخرية تجف الى حد ما مصادرها ومواردها
              وتلوح فى الأفق معان سامقة التفتت اليها العيون باستطلاع والافئدة
              بالأشواق .. والعقول بالتدبر ..
              وإذ بالهدف المنشود يتكوًر كقرص القمر حين يلوح من بين الغيوم .
              وعلا صوت الرجال ..الأمل ..الأمل .. وهتف الشباب ..العمل ..العمل
              وصرخت النساء ..الثأر ..الثأر ..
              وانداح فى الجوانح الف هدف وهدف .
              فظهرت الخنساء تدفع اولادها لميدان الجهاد ..
              وبدا ابودجانة معصوب الرأس ويستحث الهمم ..
              وقذف الرجال فلزات اكبادهم على خط النار وجبهات القتال
              كانت مدن القناة قد اخليت من سكانها الذين حملوا امتعتهم
              وانطلقوا لاجئين الى المحافظات المجاورة تعتصر قلوبهم بالغصة
              والحسرة والضياع .. وتتحجر فى مآقييهم دموع الألم والهجران ..
              اقفرت الشوارع ..اغلقت المباني ..امست المدن خرابا في خراب ..
              عشعش البوم والغربان اكنافها ..وسكنت الفئران حجراتها .
              الا أن رجالا جدد قدموا من حدب وصوب ..تلمع اعينهم بالحمية
              وتتطلع قلوبهم الى قرص القمر المنشود ..متطوعون ..فدائيون
              رجال صاعقة ..وطدوا انفسهم على النظام والعمل ..والفداء والتضحية
              ثم بدأت المناوشات والعدو لم يفق بعد من سكرة الفوز ...
              دارت معارك صغيرة لكنها سريعة وخاطفة ..
              انقض الفدائيون يخطفون الجنود الصهاينة ويذبحونهم ذبح النعاج ..
              وكمن رجال الصاعقة لقوات العدو واقتحموا قياداتهم واخذوا الوثائق
              والصور والخرط ..ثم ترامت الأنباء بانتصارات مجيدة متتالية ...
              رأس العش ..شدوان .. ميناء ايلات البحري .. ثم توجت بإكليل النصر
              المبين ..إذ تصدًت لنشات الصواريخ البحرية المصرية للمدمرة الاسرائيلية
              "ايلات" وهي تتبختر بعنجهية وغرور قرب شواطىء بورسعيد واطلقوا
              صواريخهم لتصيبها فى مقتل وما لبث أن استقرت فى الأعماق ..
              وبها عادت الثقة الى المصريين ..فالتمعت العيون بالفرحة ..وتوثبت القلوب
              للفجر القادم .
              عندئذ بلغ الحقد الصهيوني مبلغه ..وانطلق بطائراته يدك مدن القناة بالقنابل
              والصواريخ .. ولم يترك منزلا خربا أو مصنعا مغلقا أو مدرسة مهجورة الا وسوتهم
              بالأرض ..حتى معامل تكرير البترول بمدينة السويس لم تسلم .. لقد كان صوت الانفجارات
              يسمع من على مسافة كيلوماترات عديدة وسحب الدخان تغطي السماء والسحاب بسوادها
              القاتم .. ولم تسلم أيضا المدن الداخلية من العربدة الاسرائيلية فضربت الطائرات مدرسة
              بحر البقر بمحافظة الشرقية وسقط الأطفال وهم يحتضنون كتبهم واقلامهم ..
              وهكذا كانت حرب الاستنزاف الشاملة .

              تعليق

              • ابراهيم عبد المعطى داود
                أديب وكاتب
                • 10-12-2008
                • 159

                #8
                الفصل الثالث
                القاهرة فى 1 رمضان عام 1394ه / سبتمبر عام 1973 م
                لاح الظلام من فوق رؤوس الأشجار ..
                وسبحت أضواء المصابيح فوق سطح النيل الجاري تحت سماء خريفية منقوشة بسحائب بيضاء متناثرة ..
                ومن داخل منزل الحاج عبد المقصود الفلكي المطل على نيل القاهرة ارتفع صوت الشيخ / محمد رفعت مؤذنا
                لصلاة المغرب .
                اسرعت الأم بخطواتها المتثاقلة من داخل المطبخ الى المائدة وهي تحمل بيديها اطباق الطعام وتتبعها دادة
                سميرة بأطباق أخرى ورائحة اللحم المشوي تعبق المطبخ برائحته المميزة .
                وضعت الحاجة مابأيديها على المائدة وجلست متهالكة وهي تتمتم بالأدعية والأذكار بينما أخذت داده سميرة
                تغدو وتروح بين المطبخ والمائدة محملة بأطباق الطعام المختلفة وصنوف الأكل اللذيذة ..وما أن انتهت داده
                سميره من ترتيب الأطباق والأكواب حتى تنهدت بارتياح ورفعت كفها اليمنى فمسحت وجهها الأسمر ثم استدارت
                نحو الحمام وهي تقول :
                - الحمد لله ..باق الوضوء وصلاة المغرب لحين حضور الحاج من المسجد
                نهضت الحاجة من مقعدها وطفقت تصلى فى خشوع وسكينة حتى إذا ماانتهت حتى علا وقع اقدام الحاج على
                السلم الخارجي .سرعان مانفتح الباب ودخل الحاج بقامته الطويلة وشعره الأسود الفاحم وابتسامته المشرقة قائلا :
                - السلام عليكم
                ردت الحاجة فى ود قائلة وهي تشير ناحية المائدة :
                - وعليكم السلام ..تفضل ياحاج
                ثم اكملت وهما يجلسان حول المائدة :
                - قلبي يحدثنى أن صلاح على وشك الحضور
                طأطأ الرجل رأسه قائلا ومؤمنا على حديثها :
                - إن شاء الله
                مال الحاج نحو زوجته قائلا وهو يبسمل :
                - تفضلى ياحاجة .
                سحبت الحاجة كوبا من العصير ورشفت قطرات منه ثم وضعت الكوب بينما جلست داده سميرة
                فى اقصى المائدة وشرعت فى تناول افطارها فى نهم .
                ساد صمت لايقطعه إلا صوت اصطدام الملاعق والأشواك بالأطباق ..
                ثم توقفت الحاجة فجأة عن المضغ وارهفت السمع ثم نهضت واقفة وقد تهلل وجهها بالفرح وصاحت :
                - هاهو صلاح صاعد درجات السلم ..ألم أقل أن قلبي دليلي .
                ثم اندفعت نحوالباب الخارجي والحاج عبد المقصود يقهقه ويقول :
                - صبرا ..صبرا ياحاجة
                لكن الحاجة فتحت الباب الخارجي فلاح أمامها ابنها صلاح مرتديا بذته العسكرية ..بهيج المنظر ..قامة ممشوقة ..
                وما أن رأى أمه حتى ترك حقيبته تسقط من يده وارتمى بين ذراعيها وهو يهتف :
                - أمى ..كل عام وانت بخير وسلامة
                هتفت الأم وهى تقبله فى وجنتيه فى شوق :
                - حمدا لله على السلامة يانور العيون
                تخلص صلاح من حضن أمه وتقدم مسرعا نحو والده الذى وقف لإستقباله فصافحه وانحنى صلاح على يد والده
                فقبلها وهو يقول :
                - كيف حالك ياوالدى ..؟
                ثم التفت بكلتا عينيه وأدار رقبته عدة مرات وهو يقول :
                - أين اخى مراد ..؟
                رد الأب وهو يمسح بكفه على شعر ابنه فى حنان وقال :
                - الحمد لله .. حمدا لله على السلامة ..هيا اجلس وتناول افطارك
                ثم استطرد سريعا :
                - أخوك فى الوكالة ..فاليوم اول رمضان وتقاليدنا معروفة
                سحب صلاح كرسيا بعد أن تلقي الترحيب من داده سميره .
                وجلس بجوار والدته التى ربتت على ظهره فى حنان ولسانها يهدج بالحمد والشكر للعلي القدير ..
                قضم الحاج قطعة لحم وقال وهو يلوكها فى فمه :
                - كيف الحال على الجبهة ..؟
                هز صلاح رأسه وهو يشرب عصيرا ثم قال :
                - الحمد لله ...هدوء لا مثيل له ..!!
                توقف الحاج عن المضغ وقال مندهشا :
                - هدوء ...أهدوء هناك وزوابع هنا .
                قال صلاح وهو يغمس لقمة فى طبق البامية :
                - ولماذا تثيرون الزوابع هنا .
                أجاب الأب وقد توقف عن مضغ الطعام :
                - لقد طهقنا ... سنة الحسم مرت ..والسنة التى تليها مرت .. الى متى الانتظار ..؟
                ثم قال وهو ينقر بأصابعه على المنضدة فى عصبية :
                - متى سنحارب إذن ..؟ متى سنسترد ارضنا ..؟
                قال صلاح بعد ان ابتلع مافي فيه :
                - حين يأتي الوقت المناسب ..!!
                - أى وقت مناسب ..الشعب فى غليان .. الطلبة يخرجون يوميا فى مظاهرات ..العمال يهددون بالأضراب ..
                الكل يطالب بالحرب .
                رد صلاح وصفحة وجهه غارقة فى الهدوء :
                - أى حرب يريدون ونحن لم نستكمل تجهيز جيشنا بعد ..!!
                - ماذا تفعلون طوال السنوات الماضية ..؟
                - حتى حائط الصواريخ الذى نذمع فى تشييده على طول القناة لم يستكمل بعد ..
                كلما بنينا جزءً قامت الطائرات الاسرائيلية بهدمه .
                - وأين دوركم يارجال القوات الجوية .
                مط صلاح شفتيه قائلا :
                - لم نستكمل التدريبات بعد ..والخبراء الروس طردهم السادات ..فنحن حاليا جالسون
                ليس لنا عمل سوى الاستلقاء تحت شعاع الشمس فى الشتاء والتمتع بالنسائم فى الصيف .
                نستلقي فى الشمس ..!!!
                ماذا أقول أيها الرجل الطيب ..؟
                هل أقول أن هناك ملحمة تتم .. واسطورة تكتمل ..؟
                هناك نار ودخان وجهنم الحمراء ..
                هناك قواعد تنصب .. وسراديب تنشأ ...وممرات تشق ..
                تنقض الطائرات فتثور الدماء كالبراكين .. وتصرخ الصواريخ كالرعود ..
                وتنفجر الدانات الف قنبلة وقنبلة ..
                نستلقي فى الشمس ...!!
                من حدود مصر الجنوبية الى مياه المتوسط ..
                المناورات دائمة ...التدريبات قائمة ..والأوامر صارمة ..والنفوس متشوقة ..
                والأمل واعد واعد
                وقرص القمر يقترب رويدا رويدا ..
                نستلقي في الشمس ..!!
                الدماء تسيل ...الرؤوس تقطف ...الأطراف تقطع ..الأجساد تنزف
                وقرص القمر يقترب رويدا رويدا ..
                تدخلت الحاجة وقالت لزوجها فى نظرة مازجها الحنان بالإشفاق :
                - دع صلاح يتناول طعامه
                الا أن الحاج زم شفتيه وانتشر مابين عينيه خطوط دقيقة وقال :
                - أنتم تسترخون فى الشمس والعربدة الاسرائيلية على أشدها ..
                هل تذكر يوم أن أسقطت اسرائيل الطائرة المدنية المصرية فوق رمال سيناء
                يومها كتب موسى صبرى فى صحيفة الأخبار "ياللعار ..سقطت طائرة العرب
                من سماء العرب ..وفوق أرض العرب "
                آه ..متى تنجاب الغمة ياربي ..؟
                متى نثب وثبة النصر الكبرى ..؟
                متى نرى الفجر بنوره الأزرق الهادىء وهو يزيح الظلمة والعتمة وينشر الضياء الوضاح ؟
                رشف صلاح قطرات من العصير فى هدوء وقال لوالده وعلى وجهه ابتسامة نبيلة :
                - صبرا ياابي ..إن بعد العسر يسر .
                هز الحاج رأسه وقال وهو يلقي بالملعقة على المائدة فى توتر :
                -إنى لا ألمح أى يسر
                نهض صلاح متوجها الى الحمام وفى الطريق قابل والدته فانحنى نحوها وقبلها وهو يقول فى حنان :
                - أجازة طويلة ياست الكل ..خمسة أيام مرة واحدة
                فتهلل وجه الأم بالبشر والسرور .

                تعليق

                • ابراهيم عبد المعطى داود
                  أديب وكاتب
                  • 10-12-2008
                  • 159

                  #9
                  الاستاذه الفاضلة / زينا
                  تحية عاطرة
                  أجل كانت ملحمة رائعة استرد فيها
                  العربي والمصري كرامته المجروحة
                  اشكرك على مرورك المعطر بدماثة خلقك ووهج حروفك .
                  خالص ودى
                  ابراهيم عبد المعطى داود

                  تعليق

                  • د.محمد فؤاد منصور
                    أديب
                    • 12-04-2009
                    • 431

                    #10
                    [frame="12 98"]
                    أخي الحبيب إبراهيم عبد المعطي


                    جمال السرد هنا لايحتاج شهادة من أحد ، أهنئك على هذا النص الذي يشدنا من بدايته ، وسننتظر بقية الفصول بشغف .. أتمنى أن تجعل ردودك بلون مختلف عن سياق القص حتى يمكن متابعة ماهومتن النص وماهو ردود على المتابعين ..تمنياتي بالتوفيق
                    مودتي الدائمة وأرق تحيتي.
                    [/frame]

                    تعليق

                    • ابراهيم عبد المعطى داود
                      أديب وكاتب
                      • 10-12-2008
                      • 159

                      #11
                      الفصل الرابع**************
                      كتب المقدم طيار / صلاح عبد المقصود الفلكي في مذكراته الشخصية عن ايام حرب اكتوبر 1973
                      مايلى :
                      استيقظت يوم السادس من اكتوبر فى موعدى المعتاد فبيل آذان الفجر بوقت كاف ..تناولت طعام
                      السحور مع زملائى ثم اديت تمارينا بدنية خفيفة ..ثم صليت الفجر ولاحظت حينئذ أن شيخا ازهريا
                      يؤمنا فى تلك الصلاة والتى اعقبها محاضرة عن فضائل الجهاد بالنفس واختتمها بقوله "أن الشهيد
                      يشفًع فى سبعين من اهله " ..
                      ثم اتجهت صوب مكتب القائد وجلست معه وتبادلناحديثا روتينيا واستفسرت منه عن اصرار الشيخ
                      الأزهري بأن نقلع عن الصيام في هذا اليوم الذى هو بالتحديد العاشر من رمضان ..نظر نحوي القائد
                      نظرة عميقة ولاحت فى عينية نظرة غامضة ولم يرد مما ذادني استغرابا ..ثم جلسنا نتبادل بضع كلمات
                      من هنا ومن هناك وعيناى تراقب اشراق شمس الخريف وهي تطل من بين سحائب متناثرة متفاوتة
                      الشفافية فى سماء ممتدة بلا حدود ..
                      مرت الساعات بطيئة متثاقلة ..
                      ثم دب نشاط غريب حيث حضر مندوب من رئاسة الأركان وسلًم القائد مجموعة من المظاريف المغلقة
                      وانصرف سريعا ..التمعت عينا القائد وسرى فيهما شعاع غريب ..ماذا حدث ...؟ أهى عملية جديدة ؟
                      ربما .. طاقم الفنيين كامل العدد ..الذخائر بجميع انواعها تتجمع فى حظائر الطائرات ..
                      داهمنى احساس بأن ثمة معجزة على وشك الظهور .. سيالا من الحركة السريعة والنشاط يسري فى
                      جميع انحاء القاعدة ..سألت القائد مستفسرا
                      -هل ثمة تعليمات بعملية جديدة ..؟
                      بابتسامة عميقة اجاب وهو يتمعن فى احدى الخرائط التى امامه :
                      - ربما ..!
                      مرت دقائق ثم أمر باستدعاء قائدوا الأسراب في اجتماع عاجل بمكتبه ..
                      وجلسنا جميعا ..
                      تدفقت الكلمات من فم القائد وصوته يمرق فى اطار صمتنا اليقظ ...نبراته حادة وصارمة ..تجاهل انفعالاتنا
                      المتوقعة ودعانا بوجهه الجامد الهادىء الى الاذعان والاستماع ..راح يحدق بوجهه الصخري فى وجوهنا
                      المشرئبة نحوه ..ثم نهض واقفا وسلًم كل منا مظروفا مغلقا ..
                      انتحيت جانبا وفتحت المظروف وقرأت ...خطة كاملة ..صور ..خرط .. تعليات صارمة حادة كنصل الخنجر
                      مرت عيناى على السطور فى تركيز واهتمام .. بيان بالمواقع المطلوب تدميرها .. اماكنها ..ذوايا مواقعها
                      نوع الذخيرة المستخدم ..دانات ..قنابل خارقة ..صواريخ .. المسافة والمكان المحددان ..عمليات الاغارة
                      حماية رؤوس الكباري بعد اقامتها على ضفتي القناة .. حملقت بقوة فى الجملة الأخيرة وندت عنى آهة
                      فرح واكبار .. حماية رؤوس الكبارى ..اذن سيكون هناك عبور بري .. الله اكبر .. هكذا اتضحت الصورة
                      وانجلت وتوكد لدى أن الأمر ليس مجرد عملية محدودة بل هو هجوم شامل كاسح بكل انواع الأسلحة
                      وفصائل القوات .. عبور سينطلق .. نبضات موحية بالفرح من الجميع تتخللها عبارة "الله اكبر "
                      سبح آذان الظهر فوق اديم سماء مشرقة فسجدنا لرب العالمين ندعوا ونبتهل ..,بعد الصلاة مباشرة
                      اجتمع كل منا بطيارى سربه ..,تدارسنا الخطة ..,راجعنا التعليمات الأخيرة والعيون تبرق بالفرحة فى
                      جو مفعم بالجلال والبهاء ..ثم ارتدينا ملابس الميدان العسكرية "بدون رتب " كما هو متبع فى الحروب
                      وقبعنا فى الطائرات المتأهبة انتظارا لدقات الثانية ظهرا .

                      تعليق

                      • ابراهيم عبد المعطى داود
                        أديب وكاتب
                        • 10-12-2008
                        • 159

                        #12
                        الكاتب السكندرى الرائع / الشربينى المهندس
                        تحية عاطرة
                        كل التحايا الطيبة لمرورك العطر وكلماتك الجميلة
                        واتعشم أن تتابع مولودى الروائي الاول .
                        لك كل الود والتقدير
                        ابراهيم عبد المعطى داود

                        تعليق

                        يعمل...
                        X