التقليد والإبداع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى الطوبي
    أديب وكاتب
    • 04-11-2008
    • 278

    التقليد والإبداع

    الأدب في صورته الدقيقة هو وجه من أوجه التعامل مع ثنائية التقليد والإبداع..لا أحد يستطيع أن يتمرد على التقليد دفعة واحدة ،،وفي المقابل لا أحد بمقدوره أن يتقوقع داخل التقليد، ويستنشق ما استنشقه الآخرون ،دون أن تكون فيه ولو مقدار ذرة من الرغبة في الإبداع ..وبين هذا وذاك يجتهد الناس في إظهار الصورة الوجيهة للأدب؛ كل حسب مقدراته ،وطاقاته، وتاريخه الأدبي أيضا ..لا نشك في أن التقليد يرضع المبدع، ويهدهده في المهد، ويطربه بصنوف الكتابة،ويستهويه بألوان الصور ، ويغريه بضروب كثيرة من التجارب..ثم إننا لا نشك أيضا في أن الأديب، حتى في لحظات التلمذة والأخذ، يسترق النظر إلى مفازات الإشراق ومواطن الفراغ يشرق فيها.. وسرعان ما يعود إلى السبل المعبدة في الكتابة ..وهناك من يخنع لهذه السبل المعبدة والفضاءات المسكوكة في الكتابة فينبغ فيها، ويمهر في ارتياد صورها الأسلوبية ،وشروطها التداولية،، ويقنع بهذا الأمر دون أن يدرك أن الإبداع يكمن خلف قضبان اللغة المأهولة ..وكأنني أومئ إلى أن اللغة سجن للمبدع ..أقول نعم إنها تشكل سجنا واختناقا للألى تعودوا على كل صغيرة وكبيرة فيها ،مع أن الكتابة هي ،بشكل من الأشكال ،حرية وتمرد.. ولا أقصد بالحرية أن يقول المبدع ما يريد- وله أن يفعل هذا الأمر- ولكن الحرية هي الابتعاد على كل المجترات والمسكوكات في الاستعمال الأسلوبي للغة.. طبعا أريد الأسلوب العام والأسلوب الخاص أيضا ..
    أثار النقاد التقليد والإبداع بمسميات متعددة بدءا بعمود القصيدة، والمعارضة ،والسرقات الأدبية،، مرورا بالقاعدة والانتهاك، وانتهاء بمواطن التحديد ومواطن اللاتحديد..وبقيت الإشكالية عالقة والقطيعة حاصلة بين الكتابة ولغة النقد ..
    هناك مسلمة أريد أن أسس عليها كلامي في هذا الباب ، ولا أريد أن يكون كلامي ثقيلا على القارئ المحترم.. وهذه المسلمة اجترها الناس في العديد من المجالات العلمية ..وهي أن الشيء يظهر بنقيضه.. الأسود يعرف بالأبيض.. وبضدها تتبين الأشياء ..يجوز لنا أن نقول وفق هذه المسلمة إن الإبداع إنما يعرف بالتقليد ..أي أن المبدع إذا أراد أن يبدع بإشراق يجب أن يعرف التقليد، ولكي يعرف التقليد جيدا يجب ألا يكتفي بما يقال عن هذا التقليد، بل يجب أن يجرب هو نفسه هذا التقليد.. بعبارة أخرى إذا أراد الشخص أن يكون مبدعا متميزا يجب أن يكون مقلدا متميزا ..وإذا أراد أن يكون مبدعا وسطا يجب أن يكون مقلدا وسطا، وإذا أراد أن يكون مبدعا ضعيفا يجب أن يكون مقلدا ضعيفا ..هكذا نقيس التجارب المختلفة في الكتابة ونفسرها ..والذي استقر أمره في التقليد، وصال وجال في هذا الباب، وتحصلت له السلاسة والطلاقة في ركوب الكلام، واستعادة الصور ،سيأتيه حين من الدهر يضيق فيه ذرعا بعالمه الفني، ويشعر بأنه عالم مسكوك، وأن عليه أن يأتي بالجديد، وأن عليه أن ينفلق بصور غير مألوفة لديه، وتراكيب أنف ،وكلمات غير مأهولة حتى يشعر بالحياة تسري في كيانه الإبداعي.. ويشعر بأنه ضروري في الكتابة وليس شخصا طفيليا ..والذي استقر أمره ،في المقابل ،على الإجهاز على الإبداع المبتسر، وطلق التقليد في المهد، وانسلك في عالم الجدة بشكل متهور، سيخبو فتيله حثيثا، وينطفئ نوره، ويشعر كأنما يسعى إلى الهيجاء بغير سلاح ..ويصمت بعد مضي زمن يسير من الفوضى الزائفة ..لأن أمر الإبداع إنما هو حرية وفوضى منظمة انتهى إليها المبدع بعد أن اكتسحه سيل الإبداع فوجد نفسه يزهر جدة بعد أن اختنق بالنظام والرتابة..
    دكتور مصطفى الطوبي
    أستاذ مؤهل.. جامعة ابن زهر/ أكادير/ المغرب
  • رنا خطيب
    أديب وكاتب
    • 03-11-2008
    • 4025

    #2
    الأستاذ الفاضل مصطفى الطوبي

    شكرا لك على هذا الطرح..

    الأدب إذا هو حركة تتماشى مع حركة التطور التكنولوجي و العلمي للعالم.. و لكي يكون الأدب قادرا على ألمشاركة في حركة التطور.. يجب أن يكون قادرا على محاكة لغة العصر... لكي يكون قادرا على محاكاة لغة العصر يجب أن يغير الكثير من المفاهيم اللغوية القديمة لتتماش مع المفاهيم الحديثة للغة العصر.

    حسنا..

    ما هي لغة العصر في يومنا هذا؟؟

    و هل المطلوب من اللغة العربية أن تخلع الكثير من مفاهيمها اللغوية لكي تتناسب مع لغة العصر؟؟

    و إن كانت لغة العصر تحوي الكثير من الهشاشة و ضياع المفاهيم فكيف للغة جميلة مثل لغتنا أن تتوافق مع هذه اللغة لتواكب حركة التقدم في العالم؟؟


    التقليد و الإبداع ..



    التقليد حسب مفهومك هو جزء من الإبداع ، و لكي يكون المبدع ناجحا يجب أن يكون قد أتقن فنون التقليد.

    اتفق معك في هذه المسلمة.. " وهي أن الشيء يظهر بنقيضه " " إن الإبداع إنما يعرف بالتقليد " فهذه حقيقة .. فالاختلاف أمر طبيعي بل من آيات الله أن جعل الاختلاف أية للتميز بين الأضداد .. فلولا الأسود لما عرف الأبيض ، و لولا الشر لما عرف الخير.. و هكذا.
    برأي
    التقليد هو الممارسة المتواصلة لعملية التقليد ، لكن مع هذه الممارسة يجب أن يكون هناك توالد جديد للأفكار ..و مع هذا التوالد تولد الأفكار الجديدة و هذه الأفكار تحتاج إلى صياغات لها تبتعد في رحلتها عن التقليد و هنا تبدأ عملية الإبداع ... فالعمل الإبداعي جذوره تقليد و تطوره إبداع .

    لكن ...ألا تتفق معي بأن الإبداع في الأدب عندنا يعاني كثيرا ؟؟ .. فهو ما زال يعيش صراعا بين المفاهيم القديمة للأدب و بين محاولته الاندماج بالمفاهيم الجديدة للأدب الحديث..

    فماذا هنا علينا أن نفعله لكي نحافظ على هيبة الأدب العربي الرفيع عند العرب و بنفس الوقت أن يكون قادرا على محاكاة الآداب العالمية الراقية؟؟

    هناك معاناة..

    و لغتنا العربية ..كأي قضية عربية .. تعاني من القيود التي تثقل كاهلها.. و تعاني من انفلات الكثير من الضوابط الأدبية و من فقدان الحرية..

    نقطة أخرى أثرتها كنت ابحث عن تفسير لها..

    قبل أن تولد الكتابة .. تكون هناك الفكرة التي تخلق الكتابة..

    حسنا.. يعاني الكثير من المثقفين من مشكلة.. و هي أن الكثير من المثقفين يتمتعون بميزة وهي غزارة الأفكار ، لكن ينقصهم الصياغة الأدبية و الأسلوب اللغوي و البلاغي في وضع هذه الفكرة ضمن قالب لغوي جميل..بحيث تكون الفكرة و الأسلوب منسجمان مع بعضهما البعض و يخرجان بنص أدبي مميز يتذوقه القارئ و يتفاعل معه.

    فهل هنا الحرية التي تكلمت عنها يمكن تطبيقها في هذه المجال بهدف تحرير هذه الأفكار الغزيرة و نشرها أم يجب أن تبقى حبيسة العقل و تموت لمجرد أنها لا يملك مالكها الأسلوب اللغوي الرفيع الذي يصوغ هذه الأفكار ضمن القالب الأدبي؟؟

    استمتعت كثيرا من قراءتي لنصك .. و أرجو أان يكون بيننا حوارا هادفا جميلا ..

    مع التحيات
    رنا خطيب

    تعليق

    • مصطفى الطوبي
      أديب وكاتب
      • 04-11-2008
      • 278

      #3
      سيدتي الفاضلة رنا الخطيب
      أشكرك أولا على تفاعلك مع هذا الاقتراح المعصور من الذات والمؤسس طبعا على تاريخ من التفاعل مع منظور النقد في هذا الباب..
      أعتقد أنك متفقة معي في حديثك عن التأقلم مع مستجدات العصر وإكراهاته ..فقط أريد أن أنبه على أن الحرية المتحدث عنها تمس الشكل الداخلي والشكل الخارجي للخطاب إذا جاز التعبير فلا مجال للحديث عن أفكار خامة في الأدب وفي الوقت نفسه لا مجال للحديث عن شكل خارجي أسلوبي مفتقد إلى المعاني ..مسلمتنا أن المعنى الفني من صلب العمل الأدبي ..وطبعا يجب أن يحصل انصهار مع مقتضيات العصر وفق قالب قوي قادر على المواجهة والتبليغ..
      مع مودتي أيتها الفاضلة المحترمة وشكرا مجددا على تفاعلك الجميل..

      تعليق

      • علي بن محمد
        عضو أساسي
        • 21-03-2009
        • 583

        #4
        [QUOTE=مصطفى الطوبي;182115]الأدب في صورته الدقيقة هو وجه من أوجه التعامل مع ثنائية التقليد والإبداع


        انّ الادب هو حركة بمسارات مختلفة , التقليد فيها جزئيّة,
        ليس الاّ,والابداع هدف وان لم يتحقق.



        ..لا أحد يستطيع أن يتمرد على التقليد دفعة واحدة ،

        قد يحصل ذالك بل انّه حصل..!!!




        ،وفي المقابل لا أحد بمقدوره أن يتقوقع داخل التقليد


        هنالك من عاش مقلدا ومات مقلدا , لانّه لا يرى التقليد عيبا,
        فالتقليد قد يحمل ما هوالايجابي وما هوالسلبي.






        ، ويستنشق ما استنشقه الآخرون ،دون أن تكون فيه ولو مقدار ذرة من الرغبة في الإبداع

        الرغبة في الابداع قد توجد عند البعض كما أنّها قد تكون معدومة
        عند البعض الاخر..



        ..وبين هذا وذاك يجتهد الناس في إظهار الصورة الوجيهة للأدب؛

        يجتهد أصحاب المعرفة العميقة بالادب في اظهار الصورة الوجيهة

        له , لانّ ذالك لا يتسنى لكلّ الناس.




        كل حسب مقدراته ،وطاقاته، وتاريخه الأدبي أيضا ..لا نشك في أن التقليد يرضع المبدع.

        انّ التقليد مرحلة من مراحل البناء في شخص الاديب ,
        البعض يقف عندها ,والبعض يتجازوها الى الابداع.



        ، ويهدهده في المهد، ويطربه بصنوف الكتابة،ويستهويه بألوان الصور ، ويغريه بضروب كثيرة من التجارب..ثم إننا لا نشك أيضا في أن الأديب، حتى في لحظات التلمذة والأخذ، يسترق النظر إلى مفازات الإشراق ومواطن الفراغ يشرق فيها.. وسرعان ما يعود إلى السبل المعبدة في الكتابة ..وهناك من يخنع لهذه السبل المعبدة والفضاءات المسكوكة في الكتابة فينبغ فيها، ويمهر في ارتياد صورها الأسلوبية ،وشروطها التداولية،، ويقنع بهذا الأمر دون أن يدرك أن الإبداع يكمن خلف قضبان اللغة المأهولة ..وكأنني أومئ إلى أن اللغة سجن للمبدع ..أقول نعم إنها تشكل سجنا واختناقا للألى تعودوا على كل صغيرة وكبيرة فيها ،مع أن الكتابة هي ،بشكل من الأشكال ،حرية وتمرد

        انّ اللغة من الاتّساع بما كان ....بحيث يصعب على مبدع ما احتواؤها, والقدرة على الابداع تكمن في الربط بين تصور المبدع ,
        وتوظيفه لمخزونه اللغوي.


        .. ولا أقصد بالحرية أن يقول المبدع ما يريد- وله أن يفعل هذا الأمر- ولكن الحرية هي الابتعاد على كل المجترات والمسكوكات في الاستعمال الأسلوبي للغة.. طبعا أريد الأسلوب العام والأسلوب الخاص أيضا ..

        هذا تقيد للحريّة ...اذ قد يعتبر المخالف انّ ما تعتبره مجترات و
        مسكوكات في الاسلوب و اللفظ . يقع ضمن حزام الحريّة
        فلما استثنيته.؟؟؟؟؟!!


        أثار النقاد التقليد والإبداع بمسميات متعددة بدءا بعمود القصيدة، والمعارضة ،والسرقات الأدبية،، مرورا بالقاعدة والانتهاك، وانتهاء بمواطن التحديد ومواطن اللاتحديد..وبقيت الإشكالية عالقة والقطيعة حاصلة بين الكتابة ولغة النقد ..
        هناك مسلمة أريد أن أسس عليها كلامي في هذا الباب ، ولا أريد أن يكون كلامي ثقيلا على القارئ المحترم.. وهذه المسلمة اجترها الناس في العديد من المجالات العلمية ..وهي أن الشيء يظهر بنقيضه.. الأسود يعرف بالأبيض.. وبضدها تتبين الأشياء ..يجوز لنا أن نقول وفق هذه المسلمة إن الإبداع إنما يعرف بالتقليد

        باعتقادي ان لاتعارض بين الابداع والتقليد,حتى يصبح التقليد
        نقيضا للابداع , اذ قد يكون في موروثنا الثقافي, ما له لون من
        الوان الابداع .


        ..أي أن المبدع إذا أراد أن يبدع بإشراق يجب أن يعرف التقليد، ولكي يعرف التقليد جيدا يجب ألا يكتفي بما يقال عن هذا التقليد، بل يجب أن يجرب هو نفسه هذا التقليد.. بعبارة أخرى إذا أراد الشخص أن يكون مبدعا متميزا يجب أن يكون مقلدا متميزا ..وإذا أراد أن يكون مبدعا وسطا يجب أن يكون مقلدا وسطا، وإذا أراد أن يكون مبدعا ضعيفا يجب أن يكون مقلدا ضعيفا ..هكذا نقيس التجارب المختلفة في الكتابة ونفسرها ..والذي استقر أمره في التقليد، وصال وجال في هذا الباب، وتحصلت له السلاسة والطلاقة في ركوب الكلام، واستعادة الصور ،سيأتيه حين من الدهر يضيق فيه ذرعا بعالمه الفني، ويشعر بأنه عالم مسكوك، وأن عليه أن يأتي بالجديد، وأن عليه أن ينفلق بصور غير مألوفة لديه، وتراكيب أنف ،وكلمات غير مأهولة حتى يشعر بالحياة تسري في كيانه الإبداعي.. ويشعر بأنه ضروري في الكتابة وليس شخصا طفيليا ..والذي استقر أمره ،في المقابل ،على الإجهاز على الإبداع المبتسر، وطلق التقليد في المهد، وانسلك في عالم الجدة بشكل متهور، سيخبو فتيله حثيثا، وينطفئ نوره، ويشعر كأنما يسعى إلى الهيجاء بغير سلاح ..ويصمت بعد مضي زمن يسير من الفوضى الزائفة ..لأن أمر الإبداع إنما هو حرية وفوضى منظمة انتهى إليها المبدع بعد أن اكتسحه سيل الإبداع فوجد نفسه يزهر جدة بعد أن اختنق بالنظام والرتابة..
        دكتور مصطفى الطوبي
        أستاذ مؤهل.. جامعة ابن زهر/ أكادير/ المغرب[/QUOTE]
        [SIGPIC][SIGPIC]

        تعليق

        • مصطفى الطوبي
          أديب وكاتب
          • 04-11-2008
          • 278

          #5
          شكرا أخي علي المجادي
          أفضل أن تنتقد الكلام في كليته وألا تجزئه سطرا سطرا لأن ذلك يفسد المبتغى التداولي ..أعطيك مثالا فقط فأنا أقصد بالناس في سياق كلامي العارفين بالأدب ولا أقصد عامة الناس ..
          ثم إن هذا الموضوع هو طرح خاص لك أن تقبله ولك أن ترفضه ..شريطة أن يتأسس رفضك على قراءة متأنية للنقد ..
          مع مودتي..

          تعليق

          يعمل...
          X