طائر مغرد
ينتظرها كان ، في ذات البقعة ، على جمر أحر ، وحضورها يترقب ، بين وقت و آخر ، أوحشه اسمها ، حروفه الأحلى ، كنجم قطبي ، في الأفق يشدو ، فيختفي كل ما في المجرة .. كم يحبها ، لو أن الوقت ينسلخ ، لو يستطيع ، لسلخ كل عمره ، كثوب خرق تخلص منه ، و أبقى على أجمل ما فيه هي ! بدموع حنين تتندى عيناه ، و الساعات تولى ، وهو على حاله ، يترقب وصول خرافته ، وحلمه المستحيل ، كل شيء شائه أمام عينيه، لا معنى لشيء دونها ، غرس المنى يشتل ، في كل ساعاته ، ما عاد يهمه سواها ، كل ما يعنيه أصبحت ، و ليذهب العالم إلى الجحيم ، كفاه ما ضاع ، و ما بقى إلا القليل ، و هي تستحق عمرا فوق عمر . يستحضر ملامحها ، كل ملامحها ، ريحها ، حديثها ، صوتها ، كل شيء فيها ، كم بها هو مجنون ، و ما قبلها عرف الجنون . يضحك وحيدا ، ووحيدا يبكى ، وحين يغضب ، كعصف السماء يكون غضبه ، حتى زرعها حلما في كل شبر ، في هذا البيت ، و في أفئدة من يرفضونها ! هو المغنى الذائع الصيت ، ينام و يصحو معانقا زجاج المدينة ، لا يريم ، و لا شيء مهما عظم يوقفه ، ولم تكن بأقل منه جنونا !
عبر شاب مدينة الزجاج ، أتى يترنم ، أعطوه تصريحا واسما فنيا ، وربابة وهوية ؛ فعلا صوته متناغما ، مما استرعى انتباهة المغنى الكبير، وهو بأحلى أغانيه يصدح ، تقف به قدماه ، على آثار انطبعت ،وتوهجت ، في ذات البقع المتشظية ، والكبير يكاد يقضى ، كلما توقف الشاب ، يعلو أنينه ، و بلا توقف تسيل دمعاته ، بينما تنهدات القادم تتلاحق ، و تترى اهتزازته ، و كأنها لطاووس تنتفش ، ثم يخطو لنقطة أخرى ، بكفيه يلم أثرا ، يفرشه على رقعة جسده منتشيا.إنها آثارها ، آثار معشوقته . عين الكبير تتابعه ، عبر زجاج أغبش تتكسر ، وروحه كعصفور حط قرب موقد ؛ فهلك زغبه ، وريش جناحيه .
في موضع يتوارى ، يرى منه كل ما يتم ، وحين اكتفى الشاب ، جمارك المدينة لم يعبر ماضيا لحال سبيله ، بله انتظر .. انتظر كثيرا ، والكبير تتخلع أوردته ، و دمه أمامه ينسل ، بكل ما تحمل رأسه يفتك الحزن ، من نخاع ، و فتات لحم ودماء ، فتنقله الرأس المقتول ، لنفس المشهد .. نعم ، سبق ورأى ، وعاش ، وتألم .رأى نفس المشهد الرهيب ، ذات مساء ليس ببعيد !!
أيضا شاب كان ، يحتضن ربابته ، عبر مدينة تشبه تلك ، وغنى حتى رقصت نوافذ المدينة وأبوابها ، وعلى خطى حبيبته ، ارتمى ، و بترابها عفر وجهه ، ثم موضع قدمها احتضن ، حتى أكلت الدهشة الكبير ، فدنا منه :" كنت رائعا .. رائعا ".
انتشى الشاب ، وخطف كفى الرجل ، ودار به :" إنني في انتظار ربتي .. سيدي .. كم أحبها .. أحبها .. لا .. بل أعبدها ".
رقص قلب الكبير ، وضمه بقوة ، و عيناه تذرفان :" يالك من محب جسور ".
بربابته طار الشاب ، حلق عاليا ، بين نجوم السماء سكن ، تخاطفته هناك ملائكة للمحبين:" هي قادمة .. قادمة ".
الكبير يتابع ، التوت رقبته ، انثنى جذعه ، اكتوى ، فانبطح أرضا :" من هي سيدي .. من ؟!!".
كأنه بمعراج يقترب ، ثم قبل وصوله للأرض هوم :" يا ربى .. ألا تعرف ، ألا تحس ، كم ربة هنا في مدينتك ، هي واحدة ، وهى في إجازة منذ .... ".
فرش شك خيمته ، و نار تولدت ، لفت الخيمة ، أحرقت كل أوراق عمره ، فغنى موتا ، وركضا اختفى ؛ حفاظا على بعض كبرياء ، فتلقفته السقطات ، حتى أدمت جلده ، لكنه إلى سدرته وصل ، يأكله الحزن ، و يعضه الألم ، كانت قد حاصرته ، و فى الإيقاع به تفننت ، وهو ضاحك يردد :" كبير أنا ، لي من السنين ضعف عمرك ".
تضحك مهللة :" ليس العمر بتعكز السنين ....... ".
و كلما وجد طريقا للهرب تسلل ، لكنها كانت تدميه سخرية ، و غنى يومها كما لم يغن من قبل !
الآن حل الرحيل ، وإلى أبعد نقطة للحنين :" ألا تنتظرها ، كيف صدقت مخبولا ، أرعن هو بلا شك ؟!".
إنه جارها ، لصق حارتها ، و في مدينة من زجاج أنا عابر ، محض خيال ، بينما مجسد هو ، دم ولحم ، يطرق أبواب حارتها ، و بيتها ، ويشهد كل ما لا يراه هو ، أنفاسها يشم ، رائحة عرقها ، صوتها كيف له تناغم وتغنج ، شفتيها .. بسمتها .. ضحكاتها .. حزنها .. حنينها ، التواءها تحت وطأة الكلمات !!
يا ويلك من مدن الزجاج ، وضراوة المحبين ، والتصاق الأعتاب ، وأنت هنا محض هواء .. هواء . ألا تنتظر حتى تأتى ..انتظر ، ولا تتعجل الأمور
حين أتت في نفس توقيت ، أذاع سره الشاب ، وقفت أمامه ترقص :" أحببت ، قابلت حب عمري ، افرح لي ، كم أحبه ".
وجه الكبير سلخته الكلمات ، أصبح وجها يشبه ضفدعة :"وما كنت أنا .. ما كنت ؟!".
بأفاع أحسها ، تلتف حول عنقه ، تعتصره ، يختنق حد الموت ، يمزق قميصه تماما ، و يتراجع قليلا ، تبيض الرؤية في عينيه :" لكن يمامتي لا .. لا .. ليست هي ".
غامت الدنيا ، وحين كان الشاب يغادر مدينة الزجاج ، بعد أن شتل في كل أثر من آثار حبيبته وردة ، كان هو الكبير يتمالك نفسه ، وعرق غزير يبلله ، يسرع صوب جمرك المدينة ، ومن موظف هناك ، عرف أن الشاب ، يسكن نفس مدينة تسكنها خرافته ، فتجمد تماما !!
كان ألم ينتقل بسرعة على جانبي رأسه :" إلا جوهرتي .. لا .. بيننا ما يجعل الأمر مستحيلا ، نعم .. نعم ". هز جسده ، دفعه للتحرك ، ما ترك موضعه ، كتمثال منتصب ، كعجز نخلة خاوية ، وعلى جانبي شفتيه ظهرت بعض رغاو ، وتهالك أخيرا ، سقط أرضا بلا حراك :" لا أصدق .. لا أصدق .. لا أصـ..... ".بينما أضواء مدينة الزجاج ، تبهت ، وتبدو كأن سخط السماء ، حل بها فجأة ؛ فأصبحت مدينة موتى ، لا أثر فيها ، ليس إلا أصوات غربان ، وحدآت تحوم ، وجثث متناثرة تتخاطفها نسور جائعة !!
ينتظرها كان ، في ذات البقعة ، على جمر أحر ، وحضورها يترقب ، بين وقت و آخر ، أوحشه اسمها ، حروفه الأحلى ، كنجم قطبي ، في الأفق يشدو ، فيختفي كل ما في المجرة .. كم يحبها ، لو أن الوقت ينسلخ ، لو يستطيع ، لسلخ كل عمره ، كثوب خرق تخلص منه ، و أبقى على أجمل ما فيه هي ! بدموع حنين تتندى عيناه ، و الساعات تولى ، وهو على حاله ، يترقب وصول خرافته ، وحلمه المستحيل ، كل شيء شائه أمام عينيه، لا معنى لشيء دونها ، غرس المنى يشتل ، في كل ساعاته ، ما عاد يهمه سواها ، كل ما يعنيه أصبحت ، و ليذهب العالم إلى الجحيم ، كفاه ما ضاع ، و ما بقى إلا القليل ، و هي تستحق عمرا فوق عمر . يستحضر ملامحها ، كل ملامحها ، ريحها ، حديثها ، صوتها ، كل شيء فيها ، كم بها هو مجنون ، و ما قبلها عرف الجنون . يضحك وحيدا ، ووحيدا يبكى ، وحين يغضب ، كعصف السماء يكون غضبه ، حتى زرعها حلما في كل شبر ، في هذا البيت ، و في أفئدة من يرفضونها ! هو المغنى الذائع الصيت ، ينام و يصحو معانقا زجاج المدينة ، لا يريم ، و لا شيء مهما عظم يوقفه ، ولم تكن بأقل منه جنونا !
عبر شاب مدينة الزجاج ، أتى يترنم ، أعطوه تصريحا واسما فنيا ، وربابة وهوية ؛ فعلا صوته متناغما ، مما استرعى انتباهة المغنى الكبير، وهو بأحلى أغانيه يصدح ، تقف به قدماه ، على آثار انطبعت ،وتوهجت ، في ذات البقع المتشظية ، والكبير يكاد يقضى ، كلما توقف الشاب ، يعلو أنينه ، و بلا توقف تسيل دمعاته ، بينما تنهدات القادم تتلاحق ، و تترى اهتزازته ، و كأنها لطاووس تنتفش ، ثم يخطو لنقطة أخرى ، بكفيه يلم أثرا ، يفرشه على رقعة جسده منتشيا.إنها آثارها ، آثار معشوقته . عين الكبير تتابعه ، عبر زجاج أغبش تتكسر ، وروحه كعصفور حط قرب موقد ؛ فهلك زغبه ، وريش جناحيه .
في موضع يتوارى ، يرى منه كل ما يتم ، وحين اكتفى الشاب ، جمارك المدينة لم يعبر ماضيا لحال سبيله ، بله انتظر .. انتظر كثيرا ، والكبير تتخلع أوردته ، و دمه أمامه ينسل ، بكل ما تحمل رأسه يفتك الحزن ، من نخاع ، و فتات لحم ودماء ، فتنقله الرأس المقتول ، لنفس المشهد .. نعم ، سبق ورأى ، وعاش ، وتألم .رأى نفس المشهد الرهيب ، ذات مساء ليس ببعيد !!
أيضا شاب كان ، يحتضن ربابته ، عبر مدينة تشبه تلك ، وغنى حتى رقصت نوافذ المدينة وأبوابها ، وعلى خطى حبيبته ، ارتمى ، و بترابها عفر وجهه ، ثم موضع قدمها احتضن ، حتى أكلت الدهشة الكبير ، فدنا منه :" كنت رائعا .. رائعا ".
انتشى الشاب ، وخطف كفى الرجل ، ودار به :" إنني في انتظار ربتي .. سيدي .. كم أحبها .. أحبها .. لا .. بل أعبدها ".
رقص قلب الكبير ، وضمه بقوة ، و عيناه تذرفان :" يالك من محب جسور ".
بربابته طار الشاب ، حلق عاليا ، بين نجوم السماء سكن ، تخاطفته هناك ملائكة للمحبين:" هي قادمة .. قادمة ".
الكبير يتابع ، التوت رقبته ، انثنى جذعه ، اكتوى ، فانبطح أرضا :" من هي سيدي .. من ؟!!".
كأنه بمعراج يقترب ، ثم قبل وصوله للأرض هوم :" يا ربى .. ألا تعرف ، ألا تحس ، كم ربة هنا في مدينتك ، هي واحدة ، وهى في إجازة منذ .... ".
فرش شك خيمته ، و نار تولدت ، لفت الخيمة ، أحرقت كل أوراق عمره ، فغنى موتا ، وركضا اختفى ؛ حفاظا على بعض كبرياء ، فتلقفته السقطات ، حتى أدمت جلده ، لكنه إلى سدرته وصل ، يأكله الحزن ، و يعضه الألم ، كانت قد حاصرته ، و فى الإيقاع به تفننت ، وهو ضاحك يردد :" كبير أنا ، لي من السنين ضعف عمرك ".
تضحك مهللة :" ليس العمر بتعكز السنين ....... ".
و كلما وجد طريقا للهرب تسلل ، لكنها كانت تدميه سخرية ، و غنى يومها كما لم يغن من قبل !
الآن حل الرحيل ، وإلى أبعد نقطة للحنين :" ألا تنتظرها ، كيف صدقت مخبولا ، أرعن هو بلا شك ؟!".
إنه جارها ، لصق حارتها ، و في مدينة من زجاج أنا عابر ، محض خيال ، بينما مجسد هو ، دم ولحم ، يطرق أبواب حارتها ، و بيتها ، ويشهد كل ما لا يراه هو ، أنفاسها يشم ، رائحة عرقها ، صوتها كيف له تناغم وتغنج ، شفتيها .. بسمتها .. ضحكاتها .. حزنها .. حنينها ، التواءها تحت وطأة الكلمات !!
يا ويلك من مدن الزجاج ، وضراوة المحبين ، والتصاق الأعتاب ، وأنت هنا محض هواء .. هواء . ألا تنتظر حتى تأتى ..انتظر ، ولا تتعجل الأمور
حين أتت في نفس توقيت ، أذاع سره الشاب ، وقفت أمامه ترقص :" أحببت ، قابلت حب عمري ، افرح لي ، كم أحبه ".
وجه الكبير سلخته الكلمات ، أصبح وجها يشبه ضفدعة :"وما كنت أنا .. ما كنت ؟!".
بأفاع أحسها ، تلتف حول عنقه ، تعتصره ، يختنق حد الموت ، يمزق قميصه تماما ، و يتراجع قليلا ، تبيض الرؤية في عينيه :" لكن يمامتي لا .. لا .. ليست هي ".
غامت الدنيا ، وحين كان الشاب يغادر مدينة الزجاج ، بعد أن شتل في كل أثر من آثار حبيبته وردة ، كان هو الكبير يتمالك نفسه ، وعرق غزير يبلله ، يسرع صوب جمرك المدينة ، ومن موظف هناك ، عرف أن الشاب ، يسكن نفس مدينة تسكنها خرافته ، فتجمد تماما !!
كان ألم ينتقل بسرعة على جانبي رأسه :" إلا جوهرتي .. لا .. بيننا ما يجعل الأمر مستحيلا ، نعم .. نعم ". هز جسده ، دفعه للتحرك ، ما ترك موضعه ، كتمثال منتصب ، كعجز نخلة خاوية ، وعلى جانبي شفتيه ظهرت بعض رغاو ، وتهالك أخيرا ، سقط أرضا بلا حراك :" لا أصدق .. لا أصدق .. لا أصـ..... ".بينما أضواء مدينة الزجاج ، تبهت ، وتبدو كأن سخط السماء ، حل بها فجأة ؛ فأصبحت مدينة موتى ، لا أثر فيها ، ليس إلا أصوات غربان ، وحدآت تحوم ، وجثث متناثرة تتخاطفها نسور جائعة !!
تعليق