ولادة مجرة - قصة خيالية - نزار ب. الزين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نزار ب. الزين
    أديب وكاتب
    • 14-10-2007
    • 641

    ولادة مجرة - قصة خيالية - نزار ب. الزين


    ولادة مجرة
    قصة خيالية
    نزار ب. الزين*
    *****


    اشتدت آلام معدتي ،
    لم يتجاوب جسمي مع الأدوية المختلفة ،
    تستمر الأوجاع...
    تؤرقني ....
    تسوِّدُ الدنيا في ناظري...
    << لا بد من إجراء جراحة >>
    يقول الطبيب ، فاجيبه بلا تردد بالموافقة ؛
    " وجع ساعة و لا كل ساعة" أقول في سري .
    أدخل غرفة العمليات ،
    يحقنني طبيب التخدير بالبنج ،
    أغيب عن الوجود هنيهة ،
    ثم ....
    ثم أنتبه لنفسي ، أنني في موقع مرتفع ، أطل منه على غرفة العمليات !
    الجراح و مساعدوه و طاقم الممرضين و الممرضات...
    أشاهدهم جميعا و قد أحاطوا بجسد مسجى إحاطة السوار بالمعصم ،
    كل منهم أو منهن يقوم بعمل ما ،
    بدوا جميعا كخلية نحل نشطة ...
    يتقدم الجراح ،
    تناوله المساعدة مشرطا ،
    يبدأ بشق الجلد ،
    تنبثق الدماء ،
    تقوم ممرضة أخرى بتجفيفها ؛
    أتساءل : << كيف سمحوا لي بالدخول إلى غرفة العمليات ؟ >>
    أتذكر : << أنا المريض ، أدخلوني لإجراء جراحة في معدتي !>>
    يصيبني الارتباك ،
    يتحول الارتباك إلى هلع ،
    اقترب ،
    أتاكد ؛
    ذلك هو جسدي !..
    ذلك هو وجهي !!!
    يتحول الهلع إلى رعب ،
    كيف يحدث ذلك ؟
    من أنا و من ذاك المسجى ؟؟
    أذهب إلى دورة المياه بحثا عن مرآة،
    أقف تجاه المرآة فلا أرى شيئا ...
    مزيد من الارتباك ينتابني ،
    أعود إلى غرفة العمليات ؛
    ألاحظ ارتباك الجراح و معاونيه ،
    أحدهم يصرخ :
    - ضغطه يهبط .
    يعلو صوته أكثر :
    - ضغطه يزداد هبوطا .
    ثم ....
    يصيب الصورة أمامي تشوشا ،
    ثم.....
    لم أعد أرى أو أسمع شيئا .

    *****

    صوت مألوف ،
    ألتفت ،
    لا أجد أحدا ،
    و لكن الصوت يناديني من جديد ،
    إنه والدي ،
    يرحب بي و لكنني لا أراه ؛
    أسمع صوت والدتي ترحب بي بدورها ،
    و لكنني لا أرها ؛
    أسأل والدي :
    - لِمَ أسمعك و لا اراك ؟
    يجيبني :
    - سوف تراني هناك !
    ثم يدعوني لأقوم بالسياحة التي طالما حلمت بها :
    << ما أن تفكر بموقع حتى تجد نفسك فيه !..>>
    يقول والدي ، ثم تضيف والدتي :
    << و بعد سياحتك سوف نلتقي ، سوف تلتقي أيضا بكل الذين افتقدتهم في كل مراحل حياتك ...>>
    أشعر براحة لم يسبق أن شعرت بمثلها ،
    أشعر بخفة لم يسبق أن شعرت بمثلها !

    *****

    القمر ...
    لطالما سحرني بجماله ...
    حتى عندما وطئوه وقالوا أنه أرض قاحلة ، بقيت على حبه مقيما ،
    ما كدت أذكره حتى كنت فوقه ،
    أتابع آثار أقدام رواده ،
    سهول جدباء كما قالوا ،
    صخور و أحجار ،
    جبال و وديان عميقة ،
    نظرت إلى الأفق فبانت الكرة الزرقاء ،
    إنها الأرض التي أنتمي إليها ؛
    ثم همست إلى ذاتي :
    هذا قمر الأرض فماذا عن عن قمر المشتري ؟
    و إذا بي فوق أرض تيتان ..
    يا للروعة ،
    أنهار و بحار ،
    غيوم و أمطار ،
    مخلوقات تظهر فوق الماء بين كتل الجليد ثم تغوص فيه ،
    مخلوقات لا تشبه الأسماك ،
    و لا تشبه الحيتان ،
    و لا تشبه البشر ،
    مخلوفات متفردة ،
    و لكنها رائعة الجمال ، دائمة الإبتسام ....
    تعوم قليلا ، تصدح بأعذب الألحان ، ثم تغوص ليظهر غيرها في استعراض غنائي شجي !

    *****

    <<اكتشف علماء الأرض وجود كواكب شبيهة بالأرض في مجرتنا>>
    قلت في سري ،
    و إذا بي في أحد تلك الكواكب ،
    كوكب يعج بمخلوقات شبيهة بالبشر ،
    مخلوقات نشطة ،
    رؤوسهم كبيرة و كذلك عيونهم ، و لكن لا أفواه لهم ؛
    أتعجب !
    أجول بينهم في الشوارع و البيوت باحثا عن السر ،
    فأكتشف أنهم لا يأكلون البتة ،
    عناصر الهواء تمنحهم أسباب الحياة ؛
    و هم بالتالي لا يتكلمون ، ينظرون في عيون بعضهم بعضا ، فتنتقل الأفكار بينهم بالتخاطر !
    هم أيضا لم يعرفوا أو يسمعوا قط بما نسميه بالصراعات ،
    لم يجربوا أبدا الحروب ،
    ماعرفوا الجرائم أو الانحرافات أبدا ...
    حكومتهم واحدة ،
    حكومتهم منتخبة ،
    حكومتهم لا مهمة لها غير الإعمار و البحوث العلمية ،
    لم يحتاجوا قط إلى رجال أمن أو استخبارات ، و بالتالي لا سجون و لا معتقلات !

    *****

    ثم بدأت أتنقل من كوكب إلى آخر ،
    مجرتنا درب اللبانة تعج بالكواكب ،
    و كثير منها تعمرها المخلوقات ،
    بعضها شبيه بالبشر و بعضها بعيد الشبه ،
    بعضها يسبق حضارة البشر بآلاف السنين ،
    و بعضها لا زال بدائيا ،

    *****

    ثم يلمع في ذهني سؤال :
    << ترى هل سأتمكن من التعرف على الثقوب السوداء ؟! ..>>
    و فجأة أجدني إلى جوار ثقب اسود !
    منظر تقشعر له الأبدان ،
    مجموعات نجمية بكل كواكبها و أقمارها و مخلوقاتها تندفع نحوه بسرعة جنونية ..
    << لِمَ لا أندفع معها ؟ >>
    تساءلت !

    *****

    لا أدري كم استغرق ذلك من الوقت ،
    فقط شعرت باختلاط الزمان و المكان ،
    هوة سحيقة يكاد لا يكون لها قرار ،
    تهدر في وسطها النجوم و الكواكب كملايين الشلالات النورانية ،
    أو كسرب من طائرات ف16 مؤلف من ملايين الطائرات ، تصخب معا ،
    و تندفع لولبيا في دوامة هائلة الحجم ؛
    ثم ينكشف أمام ناظري كون جديد مختلف ؛
    ثم أجد نفسي فوق كوكب مختلف ،
    مناظر خلابة لم أشهد أو أسمع بمثلها قبلا ،
    أطيار و أشجار و أنهار ،
    ألوان تأخذ الألباب !
    و فجأة أسمع صوت والدي من جديد ،
    ألتفت فأجده أمامي بشحمه و لحمه و لكن في أوج شبابه ،
    ثم أسمع صوت والدتي ،
    تهرع نحوي فتعانقني و تتشبث بي لفترة و هي تمطرني بقبلاتها ،
    ثم يتوالي كل من عرفت من أقاربي من فرع أمي أو أبي للترحيب بي ،
    ثم يتوالى كل من عرفت من زملاء و أصدقاء و جيران في كل مراحل عمري ،
    جميعهم في أوج الشباب و في عمر واحد ؛
    همست لأحد أصدقائي : << هل لديك مرآة ؟>>
    يصحبني من يدي إلى شاطئ بحيرة ، صفا ماؤها حتى بدا ما في قعرها و كأنه في متناول اليد ،
    اقتربت من صفحة الماء ،
    فشاهدت وجهي للمرة الأولى منذ غادرت غرفة العمليات ..
    فأنا أيضا عدت إلى شبابي !

    *****

    يصدح صوت يغرد مناديا :
    - المميزون مدعوون لمشاهدة استعراض جديد ،
    يتوجه الناس جميعا نحو ما يشبه مدرج هائل الحجم ،
    مجموعات و أفرادا ؛
    ثمت منظمون في ثياب زاهية ،
    ينادي أحدهم :
    - فليدخل الشهداء و ضحايا الحروب أولا ،
    يصطفون في طابور طويل ، ثم يدخلون أحدهم خلف الآخر ،
    المنظمون في الثياب الزاهية يدققون – مبتسمين - في الوجوه ،
    ثم ....
    - فلتدخل الأمهات كل الأمهات بلا استثناء ،
    ثم....
    - المضطهدون و المظلومون و ضحايا الإجرام ،
    ثم ....
    - ضحايا الأمراض و التلوث و الإعاقة بجميع أشكالها البدنية و العقلية ،
    ثم ...
    - جميع الأطباء و العاملين بالمجال الطبي فيما عدا الذين اتخذوا من مهنة الطب تجارة !
    ثم ....
    - المعلمون عدا من كان منهم يستعمل العصا و يدعي أنها من الجنة ،
    ثم .....
    - جميع من عملوا أعمالا خيرة مهما دنت قيمتها .
    ثم .....
    - أصحاب الأهداف السامية من الأدباء و الشعراء و الفنانين
    ثم .....
    - المخترعون و المبتكرون مهما كانت مساهماتهم - في تطوير مجتمعاتهم - تافهة ، و يستثنى منهم مخترعو الأسلحة .
    ثم .... أضاف :
    - كالعادة ،محظور دخول مخططي الحروب و المحرضين عليها و مخترعي و تجار السلاح بلا استثناء .
    و كذلك : محظور دخول المجرمين و الزعماء المستبدين بلا استثناء ، و كذلك منفذي رغباتهم الإجرامية سواء بكبت معارضيهم و قمعهم أو سجنهم أو نفيهم أو قتلهم .
    و كذلك : محظور دخول المتعصبين و المتزمتين عرقيا و قبليا و إقليميا و دينيا و مذهبيا مهما كانت ممارساتهم التعصبية بسيطة .
    و كذلك : محظور دخول الخونة و المحتالين و اللصوص و المرتشين .
    و أخيرا : محظور دخول البخلاء و المقترين مهما كانت حججهم .

    *****

    أجد نفسي في الداخل مع المميزين ،
    أتساءل : << ترى ما الذي ميزني ؟ >>
    يأتيني الجواب بالايحاء :
    <<أمضيتَ حياتك دون أن تؤذي أحدا ، و انتهت حياتك كضحية من ضحايا التلوث البيئي..>>

    *****

    و يبتدئ الاستعراض ....
    ما يشبه شاشة التلفاز و لكنها شاشة عملاقة هائلة الحجم ،
    خيوط من النور بجميع ألوان الطيف ما أعرف و ما لا أعرف ، تنبثق من المجهول ،
    تتشابك ،
    تتدافع ،
    يبدو بعضها كمليارات الأسهم النارية تنطلق معا ،
    يتدفق بعضها الآخر كشلالات من نور في كل اتجاه ،
    تصدر أصواتا موسيقية أروع من أية سمفونية سمعتها من قبل ؛
    لا تلبث الأنوار أن تتحول إلى غيوم سديمية ،
    ثم ينقسم السديم إلى مجموعات ،
    ثم تندمج كل مجموعة ببعضها بعضا ،
    فتتحول إلى أجسام ،
    ثم تتحول الأجسام إلى نجوم و كواكب و كويكبات ،
    يعلو صياح المتفرجين مهللين فرحين مزغردين .....
    لقد ولدت للتو مجرة جديدة !
    يغرد أحدهم من ذوي الثياب الزاهية :
    << هيا انطلقوا فعمروها بالحب و السلام >>

    *****

    فجأة أجد نفسي ثانية في غرفة العمليات ،
    فرغ الجراح لتوه من إجراء صدمة كهربائية لجسدي المسجى ،
    يعلن أحد المساعدين :
    << أرى نبضا ، قلبه يعود إلى العمل ! >>
    بعد فترة لا أدري كم طالت ،
    أفيق من تأثير المخدر ،
    أجد زوجتي و أولادي إلى جانبي ، يهنئونني بالسلامة !.

    ------------------

    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com
  • ابراهيم عبد المعطى داود
    أديب وكاتب
    • 10-12-2008
    • 159

    #2
    الاستاذ الحبيب / نزار الزين
    تحية عاطرة
    دائما أستاذي الحبيب تتألق نصوصك
    وإن اخترقت السحب واضحت كالشهب
    ترسل بروقها وبريقها للأرض الجدباء .
    ها نحن نلتقي مرة أخرى في هذا المحراب
    الجميل وتكتحل عيناى برؤية حروفك الذهبية .
    لك منى كل الود والتقدير والاحترام
    ابراهيم عبد المعطى داود

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      الزميل القدير
      نزار ب . الزين
      تدهشني تلك الرؤيا الرائعة
      نص سلس ويوحي بمقدرة عالية على الإمساك بروح النص والقدرة على التنقل بين العوالم
      جميلة فكرتك
      أعجبتني كثيرا
      تحياتي لك سيدي الكريم وودي
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • نزار ب. الزين
        أديب وكاتب
        • 14-10-2007
        • 641

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ابراهيم عبد المعطى داود مشاهدة المشاركة
        الاستاذ الحبيب / نزار الزين
        تحية عاطرة
        دائما أستاذي الحبيب تتألق نصوصك
        وإن اخترقت السحب واضحت كالشهب
        ترسل بروقها وبريقها للأرض الجدباء .
        ها نحن نلتقي مرة أخرى في هذا المحراب
        الجميل وتكتحل عيناى برؤية حروفك الذهبية .
        لك منى كل الود والتقدير والاحترام
        ابراهيم عبد المعطى داود

        [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.almolltaqa.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/119.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]***
        يا مرحبا بك هنا و هناك
        صدقا لقد افتقدتك
        ***
        أخي المبدع ابراهيم
        حروفك النيِّرة أضاءت نصي
        و أدفأتني
        فلك الشكر و الود ، بلا حد
        نزار[/ALIGN]
        [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

        تعليق

        • نزار ب. الزين
          أديب وكاتب
          • 14-10-2007
          • 641

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
          الزميل القدير
          نزار ب . الزين
          تدهشني تلك الرؤيا الرائعة
          نص سلس ويوحي بمقدرة عالية على الإمساك بروح النص والقدرة على التنقل بين العوالم
          جميلة فكرتك
          أعجبتني كثيرا
          تحياتي لك سيدي الكريم وودي
          [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.almolltaqa.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/53.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]أختي الفاضلة عائدة
          أسعدني إعجابك بالقصة
          أما إطراؤك الدافئ
          فهو وسام شرف أعتز به
          كل الإمتنان لزيارتك و مشاركتك القيِّمة
          مع خالص المودة و التقدير
          نزار[/ALIGN]
          [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

          تعليق

          يعمل...
          X