أضيئت الأنوار .. وعلقت الزينات .. وتعالت الأغاريد .. وصدحت الألحان .. وترنمت الشفاه بالأناشيد
كل الذين أمامه يفتحون أذرعتهم لعناقه
كل الشفاه تسارع إلى تقبيله ..
تهمس في أذنه :مبارك يا عريس
تبرق في شفتيه بسمة شكر سرعان ما تنطفيء
يشعر بشيء ما يعصر قلبه .. يلقيه في غياهب الحزن برغم مظاهر الفرح التي تحيط به
صوت يأتيه من خلفه :هيييي يا أخ إبتسم نحن هنا نريد صورة معك في هذا اليوم الأغر فيبتسم إستجابة لهم
ويأتيه نداء محبب إلى قلبه : عبد الرحمن
يسرع تجاه الصوت ترتسم ملامح طفولية على محياه وهو يجيب :
لبيك أبتي
يقف أمام أبيه كطفل لم يتجاوز الثامنة يصغي بإنصات ولا يزيد على قوله : حاضر حاضر حاضر حبيبي
يطبع قبلة على رأس أبيه ويعود أدراجه
يشعر برغبة جامحة للبكاء .. يقطعها صوت لطالما أحبه ولعب معه : عمو عمو مبارك عمو
يلتقطه من الأرض ويلقيه في الهواء وهو يردد بفرح : إياد حبيب عمو حبيب عمو
يضمه إليه يقبله يشتم براءة الطفولة وسحر أريجها
يسأله : أين ريم .. فيجيب بحلاوة آسره عند ماما
يضمه أخرى يشعر أنه يريد أن يحتمي به يختفي في غضونه
لحظات تمنى أن يكون فيها إياد ..
أو أن يعود به الزمن إلى الوراء إلى لحظة طفولية واحدة يعيشها ببراءة .. يحياها بنقاء
يتأمل لإياد يرى في قسماته ملامح أبيه يسأله : أين بابا
ويأتيه صوت جهوري على مقربة منه : وماذا تريد من أبيه ها
يلتفت فيرى أخاه محمد يتعانقان ..
أهلا محمد كيف حالك
محمد : بخير يا عريس الغفلة ههههههههههههههههههه
شد حيلك يا بطل هههههههههههههههه
عبد الرحمن :أشد حيلي !!! الذي يسمعك يظن أني داخل لمعركة
محمد : هي كذلك والدماء ستكون للركب هههههههههههههههه
يقطع محمد مزاحه ويوجه حديثه مباشرة لأخيه : عبد الرحمن
نعم يا محمد
محمد :أمي تبحث عنك
عبد الرحمن : وأين أجدها الأن
محمد : هناك في الغرفة المجاورة لصالة النساء
تسارعت خفقات قلبه .. إرتعشت أطرافه .. إمتقع لونه
مابك سأله أخوه أجاب مسرعا وقد بدى عليه شيء من الإرتباك : لا شيء .. لا شيء .. على الإطلاق
رد عليه وكأنه يصدر أوامرا عسكرية : ماذا تنتظر إذهب إليها حالا
حاضر حاضر سأذهب الأن
نظر لإمه التي تشع بكل أنوار الأمومة والحب والحنان وهي تستقبله قائلة :مبارك حبيبي منك المال ومنها العيال
رد مبتسما : بارك الله فيك أمي
أخذ بيدها بكل رفق وانحنى ليطبع قبلة على يدها ..
عاودته تلك الموجة العارمة .. يريد أن يبكي ..
وأخذ يلثم يد أمه ويقبلها كأنه يتوسل إليها
يكفي يابني .. يكفي بارك الله فيك .. يكفي باركك الله حبيبي
تأملت وقالت وقد برقت عيونها : وقد دخولك على عروسك حان
رد مرتبكا : الأن يا أمي
أجابت مبتسمة : نعم الأن
زفر زفرة بعمق قلبه وقال وهو يهز رأسه في استغراق : حاضر حاآآآآآآآآآآضر يا أمي
ثم استدرك سائلا إياها : أمي أين أحلام ؟
ردت وهي تتلفت كأنها تبحث عن شيء : أحلام في تلك الغرفة مع باقي أخواتك إذهب إليهن فإنهن يردن أن يقمن بآخر اللمسات قبل دخولك الصالة إبتسمت له ثم انصرفت
طرق الباب برفق ثم دخل على أخواته : عبووووووووووووودي
قالت الصغرى : ها ما رأيك في أناقتي
رد ببتسامة بارده : أكثر من رائعة .. وأنا .. وأنت كذلك
أحطن به هذه تسرح لحيته وتلك تبخره وثالثة تعطره وتصلح من هندامه .. يعترض هذا عطر نسائي تجيبه غير مبالية : لا عليك لن يلاحظ ذلك أحد استسلم لهن وسبح مع خيالاته وحين انتهين
إقتربت منه أحلام وهي أكبرهن وأقربهن إلى قلبه ..
إحتضنته وقبلته قائلة : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير
رد بهدوء : شكرا ربي يسعدك
نظرت إليه وابتسمت بألم وقالت : عبد الرحمن أعلم والله أي مشاعر تنتابك وأي إحساس تعيشه الأن ولك الحق في ما تعانيه ولو لم أر منك هذا الأمر لما كنت أنت لكني أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك ولو إجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) هيا تقدم حفظك الله وأخذت بيده فسار معهن مستسلما كأنه يقتلع أقدامه إقتلاعا من الأرض
يدخل قاعة الإحتفال تتزاحم الزغاريد لمسمعه يرشونه بالورود .. القاعة تتضوع ببخور العود
تعج بالتبريكات والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقف أمام عروسه وهي في قمة جمالها وأناقتها
طقوس الحفل ومراسيمه تجعله يعيش الدور بكل مافيه تجبره أن يخرج من آلامه وسياط ضميره التي تسلخه سلخا
تلتفت إليه وبدون ترتيب مسبق يغمز لها تطرق مبتسمة في حياء
أخذ ينظرإليها طويلا .. فهي المرة الأولى التي يتأملها بإمعان
همس قائلا لها : انت جميلة جدا يا عبير
نظرت إليه أحاطته بعيون ممتنة وابتسامة شاكرة
يفسح النسوة الطريق من أمامه وقد تحجبن .. يأخذ بيد عروسه ويجتاز الزحام معلنا نهاية هذه المراسيم يخطو بخطوة غير التي دخل بها .. شيء ما يدغدغ عاطفته .. طيف من شبه فرح يحلق في أعماقه يرسم أمارات ابتسامة على شفتيه
يفتح باب السيارة يجلس عروسه يرفع فستانها من الأرض برفق يغلق الباب وينطلق إلى بيته الجديد
كل شيء معد وجاهزلإستقبال العروسين ياخذ بيدها يوصلها لغرفة النوم تجلس في إستحياء على طرف السرير
يهمس برفق : عبير ترد بأنوثة واستحياء : ها
ـ أنت لم تتعشين أليس كذلك
نعم ولكني لا أريد شيئا
ـ لا لا لا بد من أن أحضر عشاء .. إنتظريني سأذهب وأعود في الحال .. يخرج مسرعا يصفق الأبواب من خلفه يقود سيارته بجنون يتصل بصديق طفولته وزوج أخته خالد
السلام عليكم ورحمة الله أبا سليمان
يجيب ببتهاج : وعليكم السلآآآآآآآآآآآآآآآآم ورحمة الله وبركاته مرحبتيييييييييييين يا عرييييييييييييس
قاطعه بعجلة :خالد أحلام معك
أجاب بتوجس : نعم هاهي بجانبي خيرا إنشاء الله هل تريد التحدث معها قاطعه أخرى: أين أنت الأن ؟
أجابه : في الطريق إلى البيت .. لماذا ؟
قال بسرعه : قل لي أين أنت بالتحديد ؟
أجابه بحيرة : أنا الآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآن في شارع أبي بكر الصديق رضي الله عنه أمام الثانوية الخامسة للبنات
رد عليه بحده : إنتظرني ولا تبرح مكانك سآتيك حالا
أنتظرك ..!!!! لكن لماذا ؟؟!!!
قاطعه قائلا : سوف تعرف حين آتيك أقفل الخط ولم يلتفت لإتصالات خالد المتكررة
يترجل من سيارته يلقي التحية ثم يقول :المعذرة خالد لكني سأحرمك من أحلام هذه الليلة
يقول وقد بلغ الأمر عنده أقصاه :مابك يا رجل ماذا حدث بربك
يجيبه وهو ينظر لأحلام : لا تقلق ستعرف كل شيء فيما بعد
تعالي يا أحلام هيا أريدك في أمر هام
ـ حسبي الله ونعم الوكيل طيب والبنات
يجيبها خالد في استسلام : إذهبي معه سأخذ البنات لأمي وأمري لله
تذهب أحلام معه وفي الطريق يشتري بعض الطعام وينطلق بسرعة قصوى تحاول أحلام جاهدة أن تعرف سر تصرفه هذا وهو لا يزيد على قوله : ستعرفين كل شيء في وقته لا تستعجلي يا حلا
يوصلها إلى بيته ويعطيها المفتاح ويطلب منها البقاء مع عبير حتى يعود تسأله في دهشة عارمه : أين ستذهب ؟
ـ لدي عمل مهم لا بد أن أقوم به الليلة
إرتفع صوتها وهي تسأله وقد إتسعت حدقة عينيها :أي عمل هذا الذي يجبرك أن تترك عروسك في هذه الليله
ـ سأخبرك بكل شيء عند عودتي هيا أنزلي ولا تطيلين حديثك فيما لا يفيد هيا ،،،،
وماذا أقول لعبير سألته
فأجاب : قولي لها أي شيء مثلك لا تعدم الحيلة
صمتت للحظة ثم نادته : عبدالله
ـ نعم
قالت : والله إنك مجنون
إبتسم لها وهي مغادرة وأعطاها قبلة في الهواء وما أن أقفلت الباب حتى إنطلق كالبرق يحرق الطريق و يقطع كل الإشارات الحمراء ..
وصل إلى حيث يريد .. أوقف السيارة .. خرج وقبل أن يغلق الباب وضع هاتفه السيار في سيارته دخل العمارة وقف عند المصعد يظغط على الزر يظغطه مرارا وتكرارا
يتمتم : سحقا
يستخدم السلم يصعده بخفة يصل الدور الرابع يخرج المفتاح من جيبه يبحث بين المفاتيح عن مفتاح الشقه
يقول متضجرا من أصوات المفاتيح : هييييييآآآآآآآآآآآآآآآآآ
يفتح الباب بهدوووووووووووووووووء
قلبه يخفق بشدة يمشي ببطء يشعر بالرعشة تسري في أوصاله
يشعر أن الدماء متجمدة في عروقه تقوده أقدامه لحجرتها
يدفع الباب برفق يراها غارقة في دموعها وقد إحتضنت وسادتها
تمتم في أعماقه : يا إلاهي حتى في هذه اللحظة لا تريدين أحدا ما أشد عنادك
كانت المسكينة تبكي بصوت مرتفع كالأطفال لدرجة أنها لم تلاحظ وجوده يقترب منها يناديها برفق ولطف : حنان .. حنان
تلتفت إلى مصدر الصوت فزعة .. تجلس .. تنظر إليه وقد إختلطت تعابير وجهها تشخص إليه وفمها مفتوح ..
يقترب منها يضمها لصدره يقبل جبينها .. حنان حبيبتي
تحدث نفسها : هو بالتأكيد هو أنا لا أحلم
تنفجر باكية بحرقة ومرارة .. يرتفع صوتها بالبكاء .. يضمها لصدره لكنها تبكي بدون شعور ..
لم يستطع مقاومة تلاطم أمواج دموعها تجرفه لأعماق حزنها وفجيعتها يضمها بقوة وينفجر باكيا .. يبكي ويردد سامحيني سامحيني تتشبث به تظغط بقوتها على معصميه ..
يحاول تهدأتها يقبلها يرتشف دموعها ..
إجتاحته حالة هستيرية ..
بدأ يقبلها بجنون بلهفة وشوق .. يوزع قبلاته على محياها يضمها بعنف يقبلها برغبة قوية قوية تجتاحه ، شعور يكتنفه أنه أحوج ما يكون إليها من أي وقت مضى بدت له امرأة أخرى يريد أن يعيش تفاصيلها بكل ما أوتي من رجولة وعنفوان
لا يدري بصدق ماذا أصابه في تلك الليله
كأنه ما عاشها إثنتي عشرة سنة وهو كامن في جزيئيات أنوثتها بدت له أشهى وأعذب وألذ وأطيب أنثى على الإطلاق
نعم لقد بدت له امرأة أخرى برغم حالتها المزريه في تلك الليلة
نعم إنه يحبها حتى الجنون ويعشقها حتى الموت
استسلمت أمام رغبته الجامحة تلك
لقد كانت ليلة أخرى صافح فيها اللذة وعانق الألم ..
قُبَلٌ إختلطت فيها ملامح الرغبة بالحزن أو هكذا بدت له
نام في أحضانها تلك الليلة وهي تذوب حسرة وألما وحين تأكدت من نومه إنسلت من بين ذراعيه على غير عادتها
غط في نوم عميق كما يظهر لها جلست بجانبه تبكي بصمت تقلب صفحات الذكريات الماضية ..
عادت للوراء لأجمل لحظاتها معه للسنة الأولى بكل مافيها من ذكرى
للسنة الثانية من زواجهما
عبد الرحمن
ـ نعم حياتي
مرت سنتان ولم أحمل بعد
ـ لا عليك الأمر بيد الله سبحانه
أشعر بالقلق
ـ لا داعي للقلق ألم يخبرنا الطبيب أننا على خير مايرام ولله الحمد
بلا
ـ فلما القلق إذن ها
عبد الرحمن
ـ ها حياتي
ممكن أطلب منك طلبا
ـ خيالاتك أوامر حنو
كانت أمي اليوم في زيارتنا فهل تعرف ماذا قالت لي
ـ ماذا قالت لك
قالت : إذا عبد الرحمن يحبك بصدق فاليصبر عشر سنوات فإن لم تحملي فله أن يتزوج ،،،،
قطعت حركته على السرير وتمتماته وهو نائم خيالاتها ..
نظرت إليه وهو نائم على بطنه كالأطفال قد توسد ساعده ورفع إحدى رجليه ومد الأخرى
تمتمت ودموعها على خديها : أحبك ولا أريد أن أحرمك من نعمة الولد طلبت منك عشر سنوات فأتممتهن وزدت سنتين من عندك
أخذت تصارع أحزانها وآلامها تتأرجح مع ذكرياتها ذات اليمين وذات الشمال ترفعها النجاد وتحطها الوهاد وتتكفأ فوق أحزانها تكفؤ السفينة فوق الموج وما أن سمعت أذان الفجر يملأ الآفاق حتى انطرحت بهدوء وتظاهرت بالنوم
أخذ يتململ على فراشه متظاهرا بالإستيقاظ نظر إليها مرمر يده على شعرها طبع قبلة على جبينها أخذ دشا باردا وارتدى ملابسه وخرج .. خرج تاركا إياها تتجرع غصص ذهابه
صلى الفجر وجاء بالأذكار وهو في طريق العوده وصل للبيت .. فتح الباب فاستقبلته أخته غاضبة : يا شيخ إستحي على وجهك عيب عليك والله حرام عليك البنت في حالة يرثى لها يا ويلك من الله
نظر إليها مبتسما وقال : أخرجي منها أنت وكل شيء سيكون آخر حلاوه إلتفتت ذاهبة فاستوقفها جهزي الإفطار أشعر بجوع شديد
تمتمت ساخرة : ها الحمد لله رب العالمين عشنا وشفنا والله .
ذهب لعروسه طرق الباب برفق ودخل
ـ السلام عليكم ورحمة الله
ردت بصوت منخفض لم يسمع منه سو :سسسسس
جلس بجانبها وأخذ يديها بين يديه
وهمس لها في رقة متناهية قائلا : عبير صدقيني إذا لم يكن لي خيرا في حنان فلن يكون لي خيرا فيك أنت
نظرت إليه وقد علتها الدهشة فتحت عينيها وهي تنظرفي غرابة ووجوم
أكمل حديثه قائلا : عبير عندما ذهبت لإحضار العشاء إتصل بي أخو حنان الأصغر وأخبرني أن حنان أصيبت بنوبة إغماء تم على إثرها نقلها للمشفى
شهقت قائلة وهي تضع يديها على خديها : يا الله هذا كله بسببي
أطرقت مغمضة ثم نظرت إليه وقد برقت الدموع في عينيها
أنزل يديها من فوق خديها وجمعهما بين يديه وقال : اعذريني كان لا بد أن أكون بجانبها في ظرف مثل هذا
لم تنبس ببنت شفة فواصل يقول : عبير لا تلومي نفسك في شيء لا ذنب لك فيه وهي أحوج ما تكون منك للدعاء
صمتت هنيهة ثم قالت بنبرة حزينة : وكيف هي الأن
قال بجمود مصطنع: أعطيتها مغذية وهي بخير الأن
قالت باستغراب : أطيتها مغذية !!!!!!!!!
تدارك الأمر وقال : أقصد الدكتور كتب روشتة الدواء وأحضرت لها المغذية أسأل الله أن يشفيها
قومي الأن لقد حضرت أحلام طعام الإفطار لي معك بعده حديث آخر إبتسمت وخرجوا للإفطار
لم تمر السنة حتى كان في حجر عبير احمد
وكان في حجر حنان امير
كل الذين أمامه يفتحون أذرعتهم لعناقه
كل الشفاه تسارع إلى تقبيله ..
تهمس في أذنه :مبارك يا عريس
تبرق في شفتيه بسمة شكر سرعان ما تنطفيء
يشعر بشيء ما يعصر قلبه .. يلقيه في غياهب الحزن برغم مظاهر الفرح التي تحيط به
صوت يأتيه من خلفه :هيييي يا أخ إبتسم نحن هنا نريد صورة معك في هذا اليوم الأغر فيبتسم إستجابة لهم
ويأتيه نداء محبب إلى قلبه : عبد الرحمن
يسرع تجاه الصوت ترتسم ملامح طفولية على محياه وهو يجيب :
لبيك أبتي
يقف أمام أبيه كطفل لم يتجاوز الثامنة يصغي بإنصات ولا يزيد على قوله : حاضر حاضر حاضر حبيبي
يطبع قبلة على رأس أبيه ويعود أدراجه
يشعر برغبة جامحة للبكاء .. يقطعها صوت لطالما أحبه ولعب معه : عمو عمو مبارك عمو
يلتقطه من الأرض ويلقيه في الهواء وهو يردد بفرح : إياد حبيب عمو حبيب عمو
يضمه إليه يقبله يشتم براءة الطفولة وسحر أريجها
يسأله : أين ريم .. فيجيب بحلاوة آسره عند ماما
يضمه أخرى يشعر أنه يريد أن يحتمي به يختفي في غضونه
لحظات تمنى أن يكون فيها إياد ..
أو أن يعود به الزمن إلى الوراء إلى لحظة طفولية واحدة يعيشها ببراءة .. يحياها بنقاء
يتأمل لإياد يرى في قسماته ملامح أبيه يسأله : أين بابا
ويأتيه صوت جهوري على مقربة منه : وماذا تريد من أبيه ها
يلتفت فيرى أخاه محمد يتعانقان ..
أهلا محمد كيف حالك
محمد : بخير يا عريس الغفلة ههههههههههههههههههه
شد حيلك يا بطل هههههههههههههههه
عبد الرحمن :أشد حيلي !!! الذي يسمعك يظن أني داخل لمعركة
محمد : هي كذلك والدماء ستكون للركب هههههههههههههههه
يقطع محمد مزاحه ويوجه حديثه مباشرة لأخيه : عبد الرحمن
نعم يا محمد
محمد :أمي تبحث عنك
عبد الرحمن : وأين أجدها الأن
محمد : هناك في الغرفة المجاورة لصالة النساء
تسارعت خفقات قلبه .. إرتعشت أطرافه .. إمتقع لونه
مابك سأله أخوه أجاب مسرعا وقد بدى عليه شيء من الإرتباك : لا شيء .. لا شيء .. على الإطلاق
رد عليه وكأنه يصدر أوامرا عسكرية : ماذا تنتظر إذهب إليها حالا
حاضر حاضر سأذهب الأن
نظر لإمه التي تشع بكل أنوار الأمومة والحب والحنان وهي تستقبله قائلة :مبارك حبيبي منك المال ومنها العيال
رد مبتسما : بارك الله فيك أمي
أخذ بيدها بكل رفق وانحنى ليطبع قبلة على يدها ..
عاودته تلك الموجة العارمة .. يريد أن يبكي ..
وأخذ يلثم يد أمه ويقبلها كأنه يتوسل إليها
يكفي يابني .. يكفي بارك الله فيك .. يكفي باركك الله حبيبي
تأملت وقالت وقد برقت عيونها : وقد دخولك على عروسك حان
رد مرتبكا : الأن يا أمي
أجابت مبتسمة : نعم الأن
زفر زفرة بعمق قلبه وقال وهو يهز رأسه في استغراق : حاضر حاآآآآآآآآآآضر يا أمي
ثم استدرك سائلا إياها : أمي أين أحلام ؟
ردت وهي تتلفت كأنها تبحث عن شيء : أحلام في تلك الغرفة مع باقي أخواتك إذهب إليهن فإنهن يردن أن يقمن بآخر اللمسات قبل دخولك الصالة إبتسمت له ثم انصرفت
طرق الباب برفق ثم دخل على أخواته : عبووووووووووووودي
قالت الصغرى : ها ما رأيك في أناقتي
رد ببتسامة بارده : أكثر من رائعة .. وأنا .. وأنت كذلك
أحطن به هذه تسرح لحيته وتلك تبخره وثالثة تعطره وتصلح من هندامه .. يعترض هذا عطر نسائي تجيبه غير مبالية : لا عليك لن يلاحظ ذلك أحد استسلم لهن وسبح مع خيالاته وحين انتهين
إقتربت منه أحلام وهي أكبرهن وأقربهن إلى قلبه ..
إحتضنته وقبلته قائلة : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير
رد بهدوء : شكرا ربي يسعدك
نظرت إليه وابتسمت بألم وقالت : عبد الرحمن أعلم والله أي مشاعر تنتابك وأي إحساس تعيشه الأن ولك الحق في ما تعانيه ولو لم أر منك هذا الأمر لما كنت أنت لكني أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك ولو إجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) هيا تقدم حفظك الله وأخذت بيده فسار معهن مستسلما كأنه يقتلع أقدامه إقتلاعا من الأرض
يدخل قاعة الإحتفال تتزاحم الزغاريد لمسمعه يرشونه بالورود .. القاعة تتضوع ببخور العود
تعج بالتبريكات والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقف أمام عروسه وهي في قمة جمالها وأناقتها
طقوس الحفل ومراسيمه تجعله يعيش الدور بكل مافيه تجبره أن يخرج من آلامه وسياط ضميره التي تسلخه سلخا
تلتفت إليه وبدون ترتيب مسبق يغمز لها تطرق مبتسمة في حياء
أخذ ينظرإليها طويلا .. فهي المرة الأولى التي يتأملها بإمعان
همس قائلا لها : انت جميلة جدا يا عبير
نظرت إليه أحاطته بعيون ممتنة وابتسامة شاكرة
يفسح النسوة الطريق من أمامه وقد تحجبن .. يأخذ بيد عروسه ويجتاز الزحام معلنا نهاية هذه المراسيم يخطو بخطوة غير التي دخل بها .. شيء ما يدغدغ عاطفته .. طيف من شبه فرح يحلق في أعماقه يرسم أمارات ابتسامة على شفتيه
يفتح باب السيارة يجلس عروسه يرفع فستانها من الأرض برفق يغلق الباب وينطلق إلى بيته الجديد
كل شيء معد وجاهزلإستقبال العروسين ياخذ بيدها يوصلها لغرفة النوم تجلس في إستحياء على طرف السرير
يهمس برفق : عبير ترد بأنوثة واستحياء : ها
ـ أنت لم تتعشين أليس كذلك
نعم ولكني لا أريد شيئا
ـ لا لا لا بد من أن أحضر عشاء .. إنتظريني سأذهب وأعود في الحال .. يخرج مسرعا يصفق الأبواب من خلفه يقود سيارته بجنون يتصل بصديق طفولته وزوج أخته خالد
السلام عليكم ورحمة الله أبا سليمان
يجيب ببتهاج : وعليكم السلآآآآآآآآآآآآآآآآم ورحمة الله وبركاته مرحبتيييييييييييين يا عرييييييييييييس
قاطعه بعجلة :خالد أحلام معك
أجاب بتوجس : نعم هاهي بجانبي خيرا إنشاء الله هل تريد التحدث معها قاطعه أخرى: أين أنت الأن ؟
أجابه : في الطريق إلى البيت .. لماذا ؟
قال بسرعه : قل لي أين أنت بالتحديد ؟
أجابه بحيرة : أنا الآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآن في شارع أبي بكر الصديق رضي الله عنه أمام الثانوية الخامسة للبنات
رد عليه بحده : إنتظرني ولا تبرح مكانك سآتيك حالا
أنتظرك ..!!!! لكن لماذا ؟؟!!!
قاطعه قائلا : سوف تعرف حين آتيك أقفل الخط ولم يلتفت لإتصالات خالد المتكررة
يترجل من سيارته يلقي التحية ثم يقول :المعذرة خالد لكني سأحرمك من أحلام هذه الليلة
يقول وقد بلغ الأمر عنده أقصاه :مابك يا رجل ماذا حدث بربك
يجيبه وهو ينظر لأحلام : لا تقلق ستعرف كل شيء فيما بعد
تعالي يا أحلام هيا أريدك في أمر هام
ـ حسبي الله ونعم الوكيل طيب والبنات
يجيبها خالد في استسلام : إذهبي معه سأخذ البنات لأمي وأمري لله
تذهب أحلام معه وفي الطريق يشتري بعض الطعام وينطلق بسرعة قصوى تحاول أحلام جاهدة أن تعرف سر تصرفه هذا وهو لا يزيد على قوله : ستعرفين كل شيء في وقته لا تستعجلي يا حلا
يوصلها إلى بيته ويعطيها المفتاح ويطلب منها البقاء مع عبير حتى يعود تسأله في دهشة عارمه : أين ستذهب ؟
ـ لدي عمل مهم لا بد أن أقوم به الليلة
إرتفع صوتها وهي تسأله وقد إتسعت حدقة عينيها :أي عمل هذا الذي يجبرك أن تترك عروسك في هذه الليله
ـ سأخبرك بكل شيء عند عودتي هيا أنزلي ولا تطيلين حديثك فيما لا يفيد هيا ،،،،
وماذا أقول لعبير سألته
فأجاب : قولي لها أي شيء مثلك لا تعدم الحيلة
صمتت للحظة ثم نادته : عبدالله
ـ نعم
قالت : والله إنك مجنون
إبتسم لها وهي مغادرة وأعطاها قبلة في الهواء وما أن أقفلت الباب حتى إنطلق كالبرق يحرق الطريق و يقطع كل الإشارات الحمراء ..
وصل إلى حيث يريد .. أوقف السيارة .. خرج وقبل أن يغلق الباب وضع هاتفه السيار في سيارته دخل العمارة وقف عند المصعد يظغط على الزر يظغطه مرارا وتكرارا
يتمتم : سحقا
يستخدم السلم يصعده بخفة يصل الدور الرابع يخرج المفتاح من جيبه يبحث بين المفاتيح عن مفتاح الشقه
يقول متضجرا من أصوات المفاتيح : هييييييآآآآآآآآآآآآآآآآآ
يفتح الباب بهدوووووووووووووووووء
قلبه يخفق بشدة يمشي ببطء يشعر بالرعشة تسري في أوصاله
يشعر أن الدماء متجمدة في عروقه تقوده أقدامه لحجرتها
يدفع الباب برفق يراها غارقة في دموعها وقد إحتضنت وسادتها
تمتم في أعماقه : يا إلاهي حتى في هذه اللحظة لا تريدين أحدا ما أشد عنادك
كانت المسكينة تبكي بصوت مرتفع كالأطفال لدرجة أنها لم تلاحظ وجوده يقترب منها يناديها برفق ولطف : حنان .. حنان
تلتفت إلى مصدر الصوت فزعة .. تجلس .. تنظر إليه وقد إختلطت تعابير وجهها تشخص إليه وفمها مفتوح ..
يقترب منها يضمها لصدره يقبل جبينها .. حنان حبيبتي
تحدث نفسها : هو بالتأكيد هو أنا لا أحلم
تنفجر باكية بحرقة ومرارة .. يرتفع صوتها بالبكاء .. يضمها لصدره لكنها تبكي بدون شعور ..
لم يستطع مقاومة تلاطم أمواج دموعها تجرفه لأعماق حزنها وفجيعتها يضمها بقوة وينفجر باكيا .. يبكي ويردد سامحيني سامحيني تتشبث به تظغط بقوتها على معصميه ..
يحاول تهدأتها يقبلها يرتشف دموعها ..
إجتاحته حالة هستيرية ..
بدأ يقبلها بجنون بلهفة وشوق .. يوزع قبلاته على محياها يضمها بعنف يقبلها برغبة قوية قوية تجتاحه ، شعور يكتنفه أنه أحوج ما يكون إليها من أي وقت مضى بدت له امرأة أخرى يريد أن يعيش تفاصيلها بكل ما أوتي من رجولة وعنفوان
لا يدري بصدق ماذا أصابه في تلك الليله
كأنه ما عاشها إثنتي عشرة سنة وهو كامن في جزيئيات أنوثتها بدت له أشهى وأعذب وألذ وأطيب أنثى على الإطلاق
نعم لقد بدت له امرأة أخرى برغم حالتها المزريه في تلك الليلة
نعم إنه يحبها حتى الجنون ويعشقها حتى الموت
استسلمت أمام رغبته الجامحة تلك
لقد كانت ليلة أخرى صافح فيها اللذة وعانق الألم ..
قُبَلٌ إختلطت فيها ملامح الرغبة بالحزن أو هكذا بدت له
نام في أحضانها تلك الليلة وهي تذوب حسرة وألما وحين تأكدت من نومه إنسلت من بين ذراعيه على غير عادتها
غط في نوم عميق كما يظهر لها جلست بجانبه تبكي بصمت تقلب صفحات الذكريات الماضية ..
عادت للوراء لأجمل لحظاتها معه للسنة الأولى بكل مافيها من ذكرى
للسنة الثانية من زواجهما
عبد الرحمن
ـ نعم حياتي
مرت سنتان ولم أحمل بعد
ـ لا عليك الأمر بيد الله سبحانه
أشعر بالقلق
ـ لا داعي للقلق ألم يخبرنا الطبيب أننا على خير مايرام ولله الحمد
بلا
ـ فلما القلق إذن ها
عبد الرحمن
ـ ها حياتي
ممكن أطلب منك طلبا
ـ خيالاتك أوامر حنو
كانت أمي اليوم في زيارتنا فهل تعرف ماذا قالت لي
ـ ماذا قالت لك
قالت : إذا عبد الرحمن يحبك بصدق فاليصبر عشر سنوات فإن لم تحملي فله أن يتزوج ،،،،
قطعت حركته على السرير وتمتماته وهو نائم خيالاتها ..
نظرت إليه وهو نائم على بطنه كالأطفال قد توسد ساعده ورفع إحدى رجليه ومد الأخرى
تمتمت ودموعها على خديها : أحبك ولا أريد أن أحرمك من نعمة الولد طلبت منك عشر سنوات فأتممتهن وزدت سنتين من عندك
أخذت تصارع أحزانها وآلامها تتأرجح مع ذكرياتها ذات اليمين وذات الشمال ترفعها النجاد وتحطها الوهاد وتتكفأ فوق أحزانها تكفؤ السفينة فوق الموج وما أن سمعت أذان الفجر يملأ الآفاق حتى انطرحت بهدوء وتظاهرت بالنوم
أخذ يتململ على فراشه متظاهرا بالإستيقاظ نظر إليها مرمر يده على شعرها طبع قبلة على جبينها أخذ دشا باردا وارتدى ملابسه وخرج .. خرج تاركا إياها تتجرع غصص ذهابه
صلى الفجر وجاء بالأذكار وهو في طريق العوده وصل للبيت .. فتح الباب فاستقبلته أخته غاضبة : يا شيخ إستحي على وجهك عيب عليك والله حرام عليك البنت في حالة يرثى لها يا ويلك من الله
نظر إليها مبتسما وقال : أخرجي منها أنت وكل شيء سيكون آخر حلاوه إلتفتت ذاهبة فاستوقفها جهزي الإفطار أشعر بجوع شديد
تمتمت ساخرة : ها الحمد لله رب العالمين عشنا وشفنا والله .
ذهب لعروسه طرق الباب برفق ودخل
ـ السلام عليكم ورحمة الله
ردت بصوت منخفض لم يسمع منه سو :سسسسس
جلس بجانبها وأخذ يديها بين يديه
وهمس لها في رقة متناهية قائلا : عبير صدقيني إذا لم يكن لي خيرا في حنان فلن يكون لي خيرا فيك أنت
نظرت إليه وقد علتها الدهشة فتحت عينيها وهي تنظرفي غرابة ووجوم
أكمل حديثه قائلا : عبير عندما ذهبت لإحضار العشاء إتصل بي أخو حنان الأصغر وأخبرني أن حنان أصيبت بنوبة إغماء تم على إثرها نقلها للمشفى
شهقت قائلة وهي تضع يديها على خديها : يا الله هذا كله بسببي
أطرقت مغمضة ثم نظرت إليه وقد برقت الدموع في عينيها
أنزل يديها من فوق خديها وجمعهما بين يديه وقال : اعذريني كان لا بد أن أكون بجانبها في ظرف مثل هذا
لم تنبس ببنت شفة فواصل يقول : عبير لا تلومي نفسك في شيء لا ذنب لك فيه وهي أحوج ما تكون منك للدعاء
صمتت هنيهة ثم قالت بنبرة حزينة : وكيف هي الأن
قال بجمود مصطنع: أعطيتها مغذية وهي بخير الأن
قالت باستغراب : أطيتها مغذية !!!!!!!!!
تدارك الأمر وقال : أقصد الدكتور كتب روشتة الدواء وأحضرت لها المغذية أسأل الله أن يشفيها
قومي الأن لقد حضرت أحلام طعام الإفطار لي معك بعده حديث آخر إبتسمت وخرجوا للإفطار
لم تمر السنة حتى كان في حجر عبير احمد
وكان في حجر حنان امير
تعليق