بين العقلانية والربانية
يخوض المرء في غلس الفكر ويلوذ بآراء تتزاوج بين تلك الواضحة المعالم، البينة التعاليم النافذة المرامي، وبين هذه المختلفة أغراضها والمتشعبة سبلها، والتائهة مقاصدها.
وما الدراسات المستقبلية والتخطيطات الاقتصادية، سواء منها ذات الأجل البعيد، أو المدى القريب ، إلا خرص الخارصين، وتنجيم المنجمين بطرق يسمونها علم الإحصاء،((Statistiques ))وتكذبها الوقائع والأحداث مما يضطر معها دوما للتقويم ومراجعة الفارق بين التقديرات والوقائع، لتقليص فارق تخميناته، وستر باب جهله. مما اضطر بعض الخبراء للقول بأن علم الإحصائيات : هو فن الكذب بالدقة*. وأما العلوم الإنسانية بصفة عامة – ما عدى مناهج البحث- فحدث عن خرافاتها ولا حرج...
وو" كان الغرب إلى بداية القرن العشرين واثقا بعقلانيته, منتشيا بتجربته وقوته, حيث سمع العقل التنوير( ديكارت, اسبينوزا, كانط, هيكل) الذي تولدت عنه الفلسفة الوضعية, التي كانت تبشر بعصر العلم بعد أن طوت البشرية مرحلتي اللاهوت والفلسفة, سمح هذا العقل بزرع وهم كبير في أوربا وهو أنها قد خلفت وراءها مرة واحدة وإلى الأبد كل همجية وجهل وروحية القرون الوسطى, وإذا بأوربا تتحول فجأة إلى مسرح لأبشع الديكتاتوريات, وتصبح أوربا المتباهية بنفسها فاشية ونازية واستعمارية مرعبة وتندلع حربان عالميتان. وهنا راح فلاسفتها يتساءلون كيف أمكن للعقل أن ينتج اللاعقل وكيف أمكن للتنوير أن يرتد إلى جاهلية ؟ "1
ولئن تحرر العقل الغربي من خرافات الكنيسة ومن ظلمها وظلامها, فلقد أدرك الغربيون تناقض نتائج ما حصده العقل المجرد سواء من إيجابيات أو من سلبيات. كما اختلفت منطلقاته الفكرية وتعددت دوافعها بين شريفة وسافلة، فضلا عن عنصرية ملتهبة تارة، وباردة أحيان أخر.
وغريب أمر هذا العقل, أينطلق في تفكيره من أنانيته ؟ أم بفكر اجتماعي ؟ ثم أيكون فكره ارتجاليا أم شاملا لكل جوانب المشكل ؟ أيترك شأنه لكل من هب ودب ؟ أم لابد من طبقة أرستقراطية التفكير ؟ أيفكر بالفكر التليد أم بالفكر القومي والوطني ؟ وما عسى أن يقدم أو يؤخره عند التعارض أو التناقض للفكير الإداري والسياسي والحزبي والقضائي والوطني والقومي؟ و...؟
ثم أنحتكم إلى عقلي أنا وهو – حسب رأيي – ناضج ؟ أيرضى غيري بعقلي حكما؟ أنرتضي إمام الشيعة وهو معصوم – بحسب نظرهم ؟ – أم برأي البابا وهو معصوم على الأقل في أمور الدين ؟ ترى أترضى بآرائهم اليهود ؟ أو البوذيون أو السنيون من المسلمين ؟ أم السلفيون؟، أم الصوفيون؟ ثم أيرضى عن كل هؤلاء العلمانيون؟ والقوميون؟....
إنها جولات للعقل في حقول المعرفة, لكن أيها أجدى وأنفع وأيها أضل وأضر ؟ هل مرد ذلك إلى العقل المجرد ؟ أيكشف العقل مساتير الغيب واختراق حجب ما وراء المادة والصعود إلى الملأ الأعلى ؟
ليس الإشكال في اتخاذ العقلانية مذهبا لكون العقل يرشد للحق، ومن سعى باحثا عن الحق كان محقا، ولو مات دونه، مات على الإسلام؛ إنما الأمر على ما يستبطن في باطن الناس من كيد ومكر وخبث لئلا يتبعوا الحق، ولا يستسلموا له ولو رأوا ما رأى فرعون وسحرته؛ اشتط فرعون غضبا من سجود السحرة لله، بينما استسلم السحرة لرب العالمين وآتوه ساجدين، وصدوا شطحات فرعون صدودا، ووقفوا في وجهه استخفافا وعنادا.
ومن كوة النور المبين نلمس سبب اختلاف الناس وتفرقهم بعد أن كانوا أمة : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة:213).
وباختلاف القلوب والنيات تختلف المواقف وتتباين بين من ارتاح للفكرة واهتز لها وجاء بأبكار الأفكار على شاكلة الكعاب الأتراب، وبين من لم يلو رأسا، يصده الحرمان، وتلفه المؤاساة، وتأخذ بيده الشفقة، وهكذا يتمذهب الناس ويتخندقون ويتحزبون ويمضون كل على شاكلته، وقد تشعبت بهم السبل.{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر : 29].
وسبيل الحق واحد لا يتعدد وسبل الباطل طرائق قددا...
فلو أخذت الحداثة أياد متوضئة ذات قلوب سليمة ما أهمها إلا الانصياع لمضمون النص والاسترشاد بهديه بعد البحث والتنقيب والتأكد من الدلالات : { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر:18).
أما من كانت طويته فاسدة وبربد تأليه عقله وجعله الحكم الفصل في الحكم على النص فزيغه يهديه سبيل الضلال. لكونه اعتدى على الحق الذي يمثله القرآن دون أن يلم بجوانبه المختلفة، وهو ظلم ؛ إذ الظلم وضع الشيء في غير محله أو في غير إبانه، أو قوله قول زور باطل.
ما عرف التاريخ من مناهج تغييرية أتت أكلها إلا منهاج الدين ومنهاج الإيديولوجية وإن كان منهاج الإيديولوجية أقل ارتباط بالفكرة، وأسرع تحرر منها إن وجد المتنفس، - انقرضت الشيوعية في الاتحاد السوفييتي لما وجد الناس منها متنفس فتخلصوا من ضغطها وعسعستها على الصدور، ويبحث الغرب اليوم متنفسا وسُلَّما يقيه دروب شره الليبرالية -؛ على عكس رابطة الدين فهي أقوى وأشد وثوقا وأربط جأشا وأثبت عودا وأقوى صلابة ما دام العبد لا يسعى إلا لمرضاة مولاه والله لا يرضى عن كل خلل أو انحراف أو ظلم أو استبداد أو جهل أو فقر.
وتبقى الرابطة الدينية مجرد مسوح وتعاويذ إن لم يترب المتدين تربية إيمانية تجعله مرتبطا بربه ارتباطا وثيقا ليضحى شمسا تنير الأرجاء، فيطبع ولا ينطبع، ويؤثر ولا يتأثر، وإن لم يستق توجيهاته من مصدرها الرباني ، وإن لم يتقمصها تربية عنيدة، لا غرو أن ينقلب رأسا على عقب ويسقط في أحضان المتربصين به الساعين إلى احتوائه؛ ليذهب مشروعه مع أدراج الرياح، عند أدنى كبوة أخلاقية، أو عندما تحدق مخاطر تشمل الجميع، أو عند منعرج الطريق حيث تعمى الأبصار وتتزاوج المفاهيم وتختلف الآراء وتتناقض التحليلات ويهمن اللونين الأبيض والأسود على الحوار.
وأنقل هذا الخبر ليستيقن المستيقنون، ويقمع الشاكون المشككون**:
مادة " الميثالونيدز " – تساعد المرء خفض الكلستروا والتمثيل الغدائي وتقوية القلب وضبط التنفس فضلا عن محاربة أعراض الشيخوخة، ويفرزها المخ البشري تدريجيا بداية من السن 15 حتى سنة 35 من عمر المرء، ثم يقل إفرازها حتى 60 من العمر.
انهمك فريق بحث ياباني عن هذه المادة السحرية، فلم يعثر عليها إلا في نوعين من النباتات : التين والزيتون، لم يعثر عليها في التين وحده، ولا في الزيتون وحده، بل في دمج كل من التين والزيتون، وبقي سؤال ما هي الكمية التي ينبغي إدراجها من كلا الصنفين ليعطي أفضل إنتاج لهذه المادة؟
قالم الدكتور طه إبراهيم بإرسال كل ما توصل إليه بحثه في القرآن الكريم من كون الزيتون ذكر ست مرات بصريح العبارة ومرة ضمنيا وأن الزيتون لم يذكر إلا مرة واحدة في القرآن وبعث بهذه الإشارات للفريق الباحث.
وبعد الأخذ بمقياس سبعة زيتون زائد واحد التين توصلوا إلى الغرض المطلوب. وتأكدوا من وجود هذه المعطيات القرآنية ورجع رئيس الفريق مسلما بعد أن سلموا براءة الاختراع لد. طه إبراهيم.
فهل بعد عرض للأمور النظرية والتطبيقية نستخلص أن من يمضي بعقل مسدد بالوحي أولى بالاقتداء أم من يمشي مكبا على وجهه يطمئن لكل ما لمع به فكره دون اعتبارات أخر؟.
وطبعا ننظر إلى المعادلة التالية: العقل + الوحي > العقل وحده
ومن غير المعقول المراهنة على تسويتها أو نقضها. فهل بان الأمر واتضح؟؟؟
---------------------------------
*. Dissertation Economique Les ABC du Bac, Fenand Natthan 1970
1- مجلة الوعي المعاصر عدد 6-7 السنة الثانية 1422 مقال لقاسم شعيب تحت عنوان العقل الإسلامي هموم التحرير والتنوير ص173
** خبر من الدكتور ظافر العمري في رسالة خاصة.
يخوض المرء في غلس الفكر ويلوذ بآراء تتزاوج بين تلك الواضحة المعالم، البينة التعاليم النافذة المرامي، وبين هذه المختلفة أغراضها والمتشعبة سبلها، والتائهة مقاصدها.
وما الدراسات المستقبلية والتخطيطات الاقتصادية، سواء منها ذات الأجل البعيد، أو المدى القريب ، إلا خرص الخارصين، وتنجيم المنجمين بطرق يسمونها علم الإحصاء،((Statistiques ))وتكذبها الوقائع والأحداث مما يضطر معها دوما للتقويم ومراجعة الفارق بين التقديرات والوقائع، لتقليص فارق تخميناته، وستر باب جهله. مما اضطر بعض الخبراء للقول بأن علم الإحصائيات : هو فن الكذب بالدقة*. وأما العلوم الإنسانية بصفة عامة – ما عدى مناهج البحث- فحدث عن خرافاتها ولا حرج...
وو" كان الغرب إلى بداية القرن العشرين واثقا بعقلانيته, منتشيا بتجربته وقوته, حيث سمع العقل التنوير( ديكارت, اسبينوزا, كانط, هيكل) الذي تولدت عنه الفلسفة الوضعية, التي كانت تبشر بعصر العلم بعد أن طوت البشرية مرحلتي اللاهوت والفلسفة, سمح هذا العقل بزرع وهم كبير في أوربا وهو أنها قد خلفت وراءها مرة واحدة وإلى الأبد كل همجية وجهل وروحية القرون الوسطى, وإذا بأوربا تتحول فجأة إلى مسرح لأبشع الديكتاتوريات, وتصبح أوربا المتباهية بنفسها فاشية ونازية واستعمارية مرعبة وتندلع حربان عالميتان. وهنا راح فلاسفتها يتساءلون كيف أمكن للعقل أن ينتج اللاعقل وكيف أمكن للتنوير أن يرتد إلى جاهلية ؟ "1
ولئن تحرر العقل الغربي من خرافات الكنيسة ومن ظلمها وظلامها, فلقد أدرك الغربيون تناقض نتائج ما حصده العقل المجرد سواء من إيجابيات أو من سلبيات. كما اختلفت منطلقاته الفكرية وتعددت دوافعها بين شريفة وسافلة، فضلا عن عنصرية ملتهبة تارة، وباردة أحيان أخر.
وغريب أمر هذا العقل, أينطلق في تفكيره من أنانيته ؟ أم بفكر اجتماعي ؟ ثم أيكون فكره ارتجاليا أم شاملا لكل جوانب المشكل ؟ أيترك شأنه لكل من هب ودب ؟ أم لابد من طبقة أرستقراطية التفكير ؟ أيفكر بالفكر التليد أم بالفكر القومي والوطني ؟ وما عسى أن يقدم أو يؤخره عند التعارض أو التناقض للفكير الإداري والسياسي والحزبي والقضائي والوطني والقومي؟ و...؟
ثم أنحتكم إلى عقلي أنا وهو – حسب رأيي – ناضج ؟ أيرضى غيري بعقلي حكما؟ أنرتضي إمام الشيعة وهو معصوم – بحسب نظرهم ؟ – أم برأي البابا وهو معصوم على الأقل في أمور الدين ؟ ترى أترضى بآرائهم اليهود ؟ أو البوذيون أو السنيون من المسلمين ؟ أم السلفيون؟، أم الصوفيون؟ ثم أيرضى عن كل هؤلاء العلمانيون؟ والقوميون؟....
إنها جولات للعقل في حقول المعرفة, لكن أيها أجدى وأنفع وأيها أضل وأضر ؟ هل مرد ذلك إلى العقل المجرد ؟ أيكشف العقل مساتير الغيب واختراق حجب ما وراء المادة والصعود إلى الملأ الأعلى ؟
ليس الإشكال في اتخاذ العقلانية مذهبا لكون العقل يرشد للحق، ومن سعى باحثا عن الحق كان محقا، ولو مات دونه، مات على الإسلام؛ إنما الأمر على ما يستبطن في باطن الناس من كيد ومكر وخبث لئلا يتبعوا الحق، ولا يستسلموا له ولو رأوا ما رأى فرعون وسحرته؛ اشتط فرعون غضبا من سجود السحرة لله، بينما استسلم السحرة لرب العالمين وآتوه ساجدين، وصدوا شطحات فرعون صدودا، ووقفوا في وجهه استخفافا وعنادا.
ومن كوة النور المبين نلمس سبب اختلاف الناس وتفرقهم بعد أن كانوا أمة : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة:213).
وباختلاف القلوب والنيات تختلف المواقف وتتباين بين من ارتاح للفكرة واهتز لها وجاء بأبكار الأفكار على شاكلة الكعاب الأتراب، وبين من لم يلو رأسا، يصده الحرمان، وتلفه المؤاساة، وتأخذ بيده الشفقة، وهكذا يتمذهب الناس ويتخندقون ويتحزبون ويمضون كل على شاكلته، وقد تشعبت بهم السبل.{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر : 29].
وسبيل الحق واحد لا يتعدد وسبل الباطل طرائق قددا...
فلو أخذت الحداثة أياد متوضئة ذات قلوب سليمة ما أهمها إلا الانصياع لمضمون النص والاسترشاد بهديه بعد البحث والتنقيب والتأكد من الدلالات : { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر:18).
أما من كانت طويته فاسدة وبربد تأليه عقله وجعله الحكم الفصل في الحكم على النص فزيغه يهديه سبيل الضلال. لكونه اعتدى على الحق الذي يمثله القرآن دون أن يلم بجوانبه المختلفة، وهو ظلم ؛ إذ الظلم وضع الشيء في غير محله أو في غير إبانه، أو قوله قول زور باطل.
ما عرف التاريخ من مناهج تغييرية أتت أكلها إلا منهاج الدين ومنهاج الإيديولوجية وإن كان منهاج الإيديولوجية أقل ارتباط بالفكرة، وأسرع تحرر منها إن وجد المتنفس، - انقرضت الشيوعية في الاتحاد السوفييتي لما وجد الناس منها متنفس فتخلصوا من ضغطها وعسعستها على الصدور، ويبحث الغرب اليوم متنفسا وسُلَّما يقيه دروب شره الليبرالية -؛ على عكس رابطة الدين فهي أقوى وأشد وثوقا وأربط جأشا وأثبت عودا وأقوى صلابة ما دام العبد لا يسعى إلا لمرضاة مولاه والله لا يرضى عن كل خلل أو انحراف أو ظلم أو استبداد أو جهل أو فقر.
وتبقى الرابطة الدينية مجرد مسوح وتعاويذ إن لم يترب المتدين تربية إيمانية تجعله مرتبطا بربه ارتباطا وثيقا ليضحى شمسا تنير الأرجاء، فيطبع ولا ينطبع، ويؤثر ولا يتأثر، وإن لم يستق توجيهاته من مصدرها الرباني ، وإن لم يتقمصها تربية عنيدة، لا غرو أن ينقلب رأسا على عقب ويسقط في أحضان المتربصين به الساعين إلى احتوائه؛ ليذهب مشروعه مع أدراج الرياح، عند أدنى كبوة أخلاقية، أو عندما تحدق مخاطر تشمل الجميع، أو عند منعرج الطريق حيث تعمى الأبصار وتتزاوج المفاهيم وتختلف الآراء وتتناقض التحليلات ويهمن اللونين الأبيض والأسود على الحوار.
وأنقل هذا الخبر ليستيقن المستيقنون، ويقمع الشاكون المشككون**:
مادة " الميثالونيدز " – تساعد المرء خفض الكلستروا والتمثيل الغدائي وتقوية القلب وضبط التنفس فضلا عن محاربة أعراض الشيخوخة، ويفرزها المخ البشري تدريجيا بداية من السن 15 حتى سنة 35 من عمر المرء، ثم يقل إفرازها حتى 60 من العمر.
انهمك فريق بحث ياباني عن هذه المادة السحرية، فلم يعثر عليها إلا في نوعين من النباتات : التين والزيتون، لم يعثر عليها في التين وحده، ولا في الزيتون وحده، بل في دمج كل من التين والزيتون، وبقي سؤال ما هي الكمية التي ينبغي إدراجها من كلا الصنفين ليعطي أفضل إنتاج لهذه المادة؟
قالم الدكتور طه إبراهيم بإرسال كل ما توصل إليه بحثه في القرآن الكريم من كون الزيتون ذكر ست مرات بصريح العبارة ومرة ضمنيا وأن الزيتون لم يذكر إلا مرة واحدة في القرآن وبعث بهذه الإشارات للفريق الباحث.
وبعد الأخذ بمقياس سبعة زيتون زائد واحد التين توصلوا إلى الغرض المطلوب. وتأكدوا من وجود هذه المعطيات القرآنية ورجع رئيس الفريق مسلما بعد أن سلموا براءة الاختراع لد. طه إبراهيم.
فهل بعد عرض للأمور النظرية والتطبيقية نستخلص أن من يمضي بعقل مسدد بالوحي أولى بالاقتداء أم من يمشي مكبا على وجهه يطمئن لكل ما لمع به فكره دون اعتبارات أخر؟.
وطبعا ننظر إلى المعادلة التالية: العقل + الوحي > العقل وحده
ومن غير المعقول المراهنة على تسويتها أو نقضها. فهل بان الأمر واتضح؟؟؟
---------------------------------
*. Dissertation Economique Les ABC du Bac, Fenand Natthan 1970
1- مجلة الوعي المعاصر عدد 6-7 السنة الثانية 1422 مقال لقاسم شعيب تحت عنوان العقل الإسلامي هموم التحرير والتنوير ص173
** خبر من الدكتور ظافر العمري في رسالة خاصة.
تعليق