مرج من الشقائق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مها عزوز
    أديب وكاتب
    • 20-12-2008
    • 282

    مرج من الشقائق

    مرج من الشقائق نبت فجاة في حقل العمر دافقا قانيا طموحا هل كانت تمتلك حق اقتلاعه هل كانت تقوى على اطفاء عيونه المضيئة وسط سماء مكفهرة و جو متلبد و عواصـــف و رعود ؟
    لم يكن امامها اكثر من خيارين اما ان تقبع وسط جدران الاسمنت المسلح و الوجوه المسلحة و الزمن الكالح او ان تتلهى براعاية حقل الشقائق
    كانت تعلم حق العلم انها لم تكن الا شقائق,,, رقيقة السيقان ... تميل مع النسيم اذا مال متوهجة المهج,,, متفتحة الاحداق . كانت شقائق ,,, لا غير. نعم كانت شقائق. تتخذ من حقول القمح دروعا ... تختفي في ثنايا السنابل القويــــــــة ,,,و السنا بل مليئة حبات , انعم الله هذه السنة ..فكانت قموحا وفيرة، و اعلافا للمواشي ، و ارزاقا للاثرياء و الفقراء انعم الله بحقول و اعلاف و مواش.
    كانت تخرج في كل مساء فترى الارض في حلة بديعة من الخضرة، و مروج من الالوان زرقاحينا صفرا احيانا,
    صادفتها ذات مساء بنفسجات ... خجولات تعانقت عند اسفل الصخور , كن جليلات على تلك المقاعد الوثيرة مــــــن الاوراق و الاعشاب حتى اذا ما هب النسيم التجان الى صدر الصخرة ينشدن الاحتماء,,, تلك هي البنفسجات,
    اما الشقائق... اه على الشقائق,,, و واه للشقائق... بهجة النظر، فتنة الحقول : تنبت دون استئــذان، و تعلو زاهية بقوام يتمدد ,,,, في يوم او يومين او ثلاثة ايام و تتفتح الازهار شعلة الحياة ,, ربيع الكون يخصب الارض في يوم و ليلة فتطرح حبا و اشــــواقا,,, و لهيبا

    وتمر الطفلة مساء مع والدها بين الحقول وتفتنها الشقائق فتهز اباها من سترته "ابي,,, يا ابي ,,, الازهار الحمراء ,,, و يعتذر متعللا بتاخر الوقت و وعورة المسالك الى حقل الازهار . فتثور,,, و تصيح,,, و تضرب الارض بقدميها ,فيتوقف بدراجته الحمراء الجديدة و ياخذها من يدها ويسلكان الطريق الى حقل الشقائق فتتعثر بالصخور,,, و الارض المفلوحة ,,, وتســـــقط و تُخدش ركبتاها,,, فيساعدها ابوها على الوقوف مزمجرا غاضبا و يواصلان الطريق الى هناك فتقتعد الارض و تقطف الشقائق واحدة بعد اخرى و تقبل احداقها و تتاملها وتنظر الى الاهداب المكحولة و الى البؤبؤ المتالق مفتونة مبهورة ماخوذة ثم تقطف و يقطف معها ابوهاو تنظر الى الحقل الاحمر الكبير الذي اصبح بين يديها فيزداد وجيب قلبها الصغير
    هذا يكفيها ,,,سيكون في بيتها ما يلهيها عن الدنيا حتى الغد , ستضع سريرها فوق السيقا ن و راسها بين المهج الحـــــــمراء,, و تغفو وهي تتامل الاحداق . انها تحمل الى بيتها مرج الشقائق, و تعود ادراجها تأبى الامساك بيد ابيها المنفعل فصدرها ما يطيق الانفصال عن باقة الازهار
    و تسقط ثانية و تتبعثر الازهار و تغطيها حبات التراب فتجمعها متاسفة لابيها ثم تتفطن الى ان جوربيها قد انسلخا في مستوى الركبتين فتغطيهما بباقة الازهار اتقاء لمزيد من الغضب و و تنحل خصلات شعرها على وجههـــــــــا المتورد و يسقط المشبك ارضا فتلتقطه لتجمع به الازهار ويرفعها ابوها الى كرسييها من الدراجة فتتفقّد ركبتيها المنسلختين فاذا عليهما من لون الازهار فتغطي شقائق الركبتين بشقائق الازهار و تعدو بهما الدراجة على الطريق و يضيع صوابها في الطريق,,, لو كان يقبل ان ينزلها عند الاقحـــــــــــــــــوان و السوسان و اللؤلؤ و المرجان لم يكن في امكانها الا ان تفتن بالارض بسحر الألوان
    يتبع
  • مها عزوز
    أديب وكاتب
    • 20-12-2008
    • 282

    #2
    فاذا ما وصلت الى البيت فاجاتها باقة الازهار و قد التوت منها الاعناق ،و نامت الاحداق ،فتثور في وجه ابيها: لماذا لم تجمع لي الا ما نام من الازهار؟اريدها متوهجة ,,,ملتهبة لا اريد لها ان تنام, و تتدخل امها لفك الخصام ,قائلة في رفق : ياا بنيتي الازهار ,,,كما الانسان ,,تنام و الليل على الابواب ،، هيا الى الطعام , و تقبل على امها التي فارقتها منذ الصباح فتنصت اليها ثم تقول:ّ الا نجعلها يا امي في مزهرية علها تتفتح في الصباح ؟و تقول امها :لا يا ابنتي ,,,الشقائق لا تعيش حتى الصباح,,, لكن اقطفي منها المزيد في الغد وتتقدم الام من الباقة الذاوية , فتلقي بها الى القمامة و تتفجع الفتاة و هي ترى الوهج المضيء يختلط فجاة بقشور البيــــــــــض و سيقان البقدونس وحسك الاسماك و فضلات الطعام و تاسف ثم تتذكر المرج الاحـــمر و تغمض عينيها و تنام وفي العين مرج احمر :::و احلام
    ظلت الشقائق اقرب الالوان الى قلبها تفتنها ,,,تلهبها ,,, فتقطفها و تحضنها الى صدرها حتى اذا ما التوت منها الاعناقـ و نامت الاحداق، طرحتها في حديقة البيت بعيدا عن القمامة و الاخماج
    ما الذي عاد بها ليذكرها بذلك الزمان القصي ؟ امعزوفته الاخيرة في المقهى
    زينة يا بنت الهنشـــــير يا بنت الغلة و الثمــــــــرة
    بنت القمح و بنت شعير بنت الشمس و بنت القمرة
    حسيت قلبي ولى عصير و بيديك تعصر في الخمرة
    زينة زينة هـــــــــــــاي يا بنت الهنشير يا زيَـــــنة
    ام
    صوت الكمنجة الصادح من المذياع يولد في المذياع احداقا و, الحقيقة ان صوت الكمنجة عذبها في الايام الاخيرة تكاد تسمعها كامل يومها عندما تكون في البيت او في قاعة الدرس او بينهما ,لم تكن الالحان واضحة في مسمعيها ان هي الا حرف او حرفان، على درجة ما في مقام ما ينساب الى اذنها ثم ينتهي فجاة و دون استئذان ,فتبحث عن مذياع قريب لا تجده او تخذلها ازراره و تتناسى الامر و لكن الصوت يعود الى الدق في اذنيها ثانية و تهم بسؤال من معها عن الامرو لكن لااثر فيهم للانصات الى شيء وتكتم السؤال في حلقها ولا تتفوه بشيء
    نعم هكذا راتك مرجا من الشقائق يملا فجاة حقل العمر و كان حضورك اروع من السنابل المكتنزة و الحبات الممتلئة و اعلاف المواشي

    الهنشير: الحقل و المقطع من اغنية تونسية
    يتبع

    تعليق

    • يسري راغب
      أديب وكاتب
      • 22-07-2008
      • 6247

      #3
      في فصل الشتاء ازور الحدائق
      مع قطرالندى في الصباح
      التقي شقائق النعمان الحنون
      تتباهى بشكلها الاحمر القاني
      تزهو بنقطة سوداء في قلبها
      ونعيش اللحظة
      نختفي صغارا
      هل يرانا احد سوى همساتنا
      هل يسمعنا من يسترق السمع
      -------------------
      في رحلة الايام
      نغادر المكان
      حين يدور الزمان
      يكون التوهان
      ننسى زهر الحنون
      ويتوه الانسان فينا
      سحبنا الذهب الاسود الى الصحراء
      قلوبنا تغلفت بالدراهم والدولارات
      لم يعد هناك حدائق خضراء
      تزهر وسطها شقائق النعمان
      تبلدت المشاعر والاحاسيس
      سرقتنا الايام
      وضاع منا المكان
      ----------------------
      حين قررنا ان نعود الى الاحلام
      كان الزمان قد شاب
      وعاب وغاب
      وفي المقابر
      تلونا الايات المباركات
      هناك ماوى الاباء والامهات اموات
      الاماكن تغيرت والنفوس تبدلت
      كل الاشياء تغيرت
      لم يعد بيننا بذور لشقائق النعمان
      ---------------------
      سافرنا عبر الفضاء
      وجدنا هناك من يذكرنا
      بانه لا يزال هناك لمسة حنان
      هناك زهر الحنون والمها
      باقه من الورود وبقايا حنون
      واشياء تاخذنا الى طفوله
      عشناها ووشمنا بها الذاكره
      عادت الينا الذاكره الان
      عادت على حاسوب
      وصفحات المنتديات
      اه واه والف الاه
      زمن الطفولة ضاع
      لم يبق سوى حصار الايام
      -------------------
      مها
      والمها لازال رمزا للجمال
      كنت كذلك مها
      مودتي
      وكل التقدير

      تعليق

      • محمد ثلجي
        أديب وكاتب
        • 01-04-2008
        • 1607

        #4
        مها يال روعة ما تكبتين ويال جمال ورقة ما تنسجين لنا من درر معتقة بالجلنار والياقوت الخالص

        لن أكون ناقداً هذا الصباح بل متذوقاً لجملة الجمل ورقة التعبير وانسيابية الحرف وذكاء النص والسرد

        فيساعدها ابوها على الوقوف مزمجرا غاضبا و يواصلان الطريق الى هناك فتقتعد الارض و تقطف الشقائق واحدة بعد اخرى و تقبل احداقها و تتاملها وتنظر الى الاهداب المكحولة و الى البؤبؤ المتالق مفتونة مبهورة ماخوذة ثم تقطف و يقطف معها ابوهاو تنظر الى الحقل الاحمر الكبير الذي اصبح بين يديها فيزداد وجيب قلبها الصغير
        هذا يكفيها ,,,سيكون في بيتها ما يلهيها عن الدنيا حتى الغد , ستضع سريرها فوق السيقا ن و راسها بين المهج الحـــــــمراء,, و تغفو وهي تتامل الاحداق . انها تحمل الى بيتها مرج الشقائق
        ,

        مها يا رائقة مارسي علينا طقوسك الملائكية وحروفك التي توشك من وادي عبقر ومنا المتابعة والإنصات بخشوع لدقة ما تكتبين
        ***
        إنه الغيبُ يا ضيّق الصدرِِ
        يا أيها الراسخ اليومَ في الوهمِ والجهلِ
        كم يلزمُ الأمرَ حتى يعلّمك الطينُ أنك منهُ
        أتيت وحيدًا , هبطت غريبًا
        وأنت كذلك أثقلت كاهلك الغضّ بالأمنياتِ
        قتلت أخاك وأسلمته للغرابِ
        يساوى قتيلاً بقابرهِ

        تعليق

        • مها عزوز
          أديب وكاتب
          • 20-12-2008
          • 282

          #5
          "]
          فتنها وهجك، بريقك، حلقت في سحر الاهداب . تتقلب فيك بين حمرة الزهور و حمرة الشفق ما كان اروعها ارجوحة في السماءعلقت بايدي القدر لكن ارجوحة القدر، قطع نياطها القدر، ومارس رحل ، و في اعقابه افريل, و جاء اوان الحصاد ,,, واه من الحصاد, امتلات الطرق بالحصادات الدراسات تحجب السنابل و تحجب الزهور, و جاء العمال و الفلاحون,,, خراف تذبح ونذور توفى،، و شقائق تتوفى,,, يا ويلها على الشقائق اذ تتوفى ,,,اسلاك و اشواك تقتحم المرج الهادئ ,,عصي،، مناجل,, معاول رفوش،، كل ملازم الدفن حاضرة,,, حتى الاكفان . ويمتلئ المرج الهادئ بالضجيج و الفرقعة و القرقعة و العويل ،، و يطأ الجميع الحقل , فتفصل السنابل عن السوق ــو تقشر الحبات و تذرو الرياح الهشيم ،و تمتلئ اكداس من الخير الوفير و ترتفع الزغاريد و الاغاريد و تهدر الشاحنات،،،
          اذنت الشمس بالمغيب ، و ركب اخر العمال الشاحنات التي احضرتهم من مكا ن بعيد و قبل ان يقفز اخر الانفار الى الشاحنة عمد الى عود ثقاب و اشعل قطعة من الهشيم ,و رماها وسط الهشيم و امتد لسان النار ليطوّق كل الهشيم و اذا اللسان يصبح طوقا يحاصر الحقل ثم يمتد الى الاعماق و ترتفع النيران و يرتفع الدخان ثم يشتد السواد ,لا شيء غير السواد, مات الهشيم ماتت السيقان ضاعت الاحداق و اشتعلت البتلات غاب المرج مرج الشقائق تحت الرماد,
          و اشتدت حمرة الشفق تملا الاقف جرح ينزف في كبد السماء و الطفلة اضحت كهلة تخاف المراجيح تسخر من المراجيح و يمتلئ صدرها بصوت جنائزي للكمان
          عُمِركْشِي رِيت ِالنَار ِوسْطِ الحَلفَاء
          ِو الِريح دَايَر فِي عْجَاجًة قْوِية
          مُحَال هَذا محَبتُه عِيِريَة يَا وَلفتِي

          وتقترب من المرج مرج العمر و قد اضحى سرابا ،،خرابا دمارا تبحث عن شقيقة ,, عن الاحداق عن البتلات ,,و لاو حتى بتلات وتنكفئ تتلمس الرماد بالانامل و الاصـــــــــــابع و الاكف و ترفع حفنة من الرماد بحثا عن الوهج عن الاحداق,,, لاشيء غير رائحة الاحتراق , و يقتحم صوت فيروز اذنها متفجعا حزينا

          ياشقيق الروح من جسدي اهوى بي منك ام الم
          نعم لاشيء غير الاحتراق؟؟،،، و الاختناق و تضم بعض الرماد الى بعض من صدرها اضحى رمادا فاذا الاحتراق يرحب بالاحتراق و جذوة اللهب التي خالتها خامدة في الرماد تتقد ويشتعل فيها جزء من الرماد يكوي صميم الاعماق و وتمتلا احتراقا و يصيح الطاعمون حولها« ما ابنو المشوي saignant» فتتلهى عنهم وقد دقت فيها الحواس و استمعت الى المعزوفة الاخيرة من تلك السهرة


          سمعت في شطك الجميل ماقالت الريح للنخيل
          يسبح الطير ام يغنــــــي و ينشد الحب للخميل
          و ازهر تلك ام صبايا شربن من خمرة الاصيل
          و موكب بالحنين سار ام هذه فرحة العذارى
          تجري و تجري هواك نارا
          حملت من سحرها نصيبي
          آه آه آه على سرك الرهيب
          و سحرك الفاتن الغريــــب
          يانيل ياساحر العـــــــيون
          فتزفر رباه اما آن للقصة ان تنتهي بعد؟


          الولفة: دارجة تونسية بدوية تعني الاليفة اي الحبيبة
          الحلفاء نبات سريع الالتهاب يصنع منه الورق
          الاغنية من التراث التونسي
          ما ابنو المشوي saignant: ما الذ الشواء لم يكتمل نضجه فدمه يتقاطر عليه
          العبارة تتردد في الدارجة التونسية التي تخالطها الفرنسية عادة

          تعليق

          • ركاد حسن خليل
            أديب وكاتب
            • 18-05-2008
            • 5145

            #6
            مها عزوز
            يعجبني رسمك للحروف وهذا التمكـّن المسيطر على الكلمة والفكرة.
            أرجو أن نقرأ لك المزيد والمشوّق
            دمت بخير
            تحيـة وأكثر
            ركاد حسن خليل

            تعليق

            يعمل...
            X