طاووس الأميرة
صحا السلطان من نومه على إثر حركة ونداءات خافتة تأتى من خارج مخدعه، وانتظر على فراشه، ربما تهدأ الحركة، وتختفي النداءات، ولكنها كانت تتزايد بشكل يدعو إلى القلق، ومع ذلك لم يقبل الحاجب الأكبر كعادته؛ ليطلعه على ما يحدث !!
ترك السلطان فراشه، وخطا بضع خطوات، ثم دار هنا وهناك، وراح يدنو من النافذة، فأبصر ساحة القصر تموج بالحركة، والفرسان يمتطون جيادهم، بعضهم ينفلت خارج القصر، والآخر يقبل من خارجه. حالة من الاستنفار والذعر تسيطر على الجميع؛ وكأنه كابوس !
انزعج السلطان، وتراجع بعيدا عن النافذة، وتحرك تجاه الباب، كان عقله مشغولا بفك هذا اللغز، ماذا يحدث في القصر، في البلاد، وسأل نفسه: "هل أفتح الباب لأعرف ما يحدث ؟! " لكنه لم يفتحه، بل نادى بصوته القوى : " يا كبير الحجاب ... يا كبير الحجاب !!"
فتح الباب، ودخل كبير الحجاب على غير عادته، مذعورا قلقا، وانحنى أمام السلطان:" أمر مولاي "
دهش السلطان من هيئته، وازدادت الشكوك والريب دخله، وقال في نفسه:" أيكون انقلابا دبره الجيش؟! أم تتعرض البلاد لعدوان ما؟!"
همهم السلطان قائلا: " ما الذي يحدث فى قصري يا كبير حجابي؟"
هم الحاجب بالإجابة، لكنه توقف فجأة !!
ثقلت هواجس السلطان، فدارغاضبا، وعلا صوته: " أقول لك ما الذي يحدث فى قصري "
هنا بكى الحاجب الأكبر، ووقع على الأرض، وهو يردد: " الأميرة يامولاى .. الأميرة !!"
حط السلطان على كرسيه، وتنهد شاعرا ببعض الارتياح، فالأمر يرتبط بالأميرة، ومسألة الانقلاب مسألة لا أساس لها، ولكن ما الذي حدث للأميرة !!
هتف السلطان: " مالها الأميرة .. تكلم .. هل حدث لها مكروه ؟!"
نطق الحاجب الأكبر بصعوبة، وهو يمسح وجهه: " الأميرة اختفت يامولاى !!"
اغتصب السلطان ابتسامة غريبة، وبصوت أقل حدة قال: " اختفت .. ربما كانت هنا أو هناك !!"
عاودت الحاجب الأكبر نوبة البكاء، وزفر قائلا: " الفرسان يبحثون عنها طول الليل، ولم يقفوا لها على أثر "
ترك السلطان الكرسي، تحرك في المكان، بحث في نفسه عن أسباب لاختفائها، لم يتحدث معها في شيء، لم يغضبها، حتى حين رفضت الخطيب رقم عشرين، تبسم في وجهها، بالأمس مرَّ عليها كالعادة، ودخل خدرها .. كانت تستعد للنوم، طبع قبلة على جبينها، ثم مضى؛ بالعكس كان وجهها مشرقا فياضا بالحياة !!
اعتدل الحاجب الأكبر، ونبه السلطان إلى أمر لم يكن في حسبانه: "لقد خطفت يا مولاى "
قهقه السلطان قائلا: " خطفت !! من يجرؤ على ذلك يا حاجبى الطيب .. لا .. لا .. ربما كانت هنا أو هناك "
عاد الحاجب يلح: " هل نسى مولاي الخطيب الأخير، وكيف عاد إلى بلاده مثقلا بكلمات رفضها "
أربد وجه السلطان، وعبس للحظة، ثم انبسط، بينما كان يتراجع، ويجلس على الكرسي، وهو يستحضر صورة الخطيب هذا، وكلمات الأميرة التي نزلت على رأسه كالصاعقة: " أنت تطلب المستحيل، تريد أن تحقق ما فشلت فى تحقيقه بالجيوش .. آسفة .. لوكان غرضك شخصي لرحبت بك .. عد إلى بلادك سالما .. فلا نامت أعين الجبناء "
كم كان السلطان سعيدا بكلماتها، وكم كان مشفقا على الأمير، الذي مزقت الأميرة عن وجهه القناع.. المهم أكرم وفادته، ثم ودعه بعد أن حمله رسالة إلى والده سلطان بلاد الزيتون
دقات خافتة على الباب .. لوح السلطان للحاجب ليفتح فورا، وفى طرفة عين فتح الباب، وبان أحد الحجاب، انحنى فى مكانه: " مولاي "
هلل الحاجب الأكبر: " هيه .. هل وجدتموها ؟!"
تأتأ الحاجب قائلا: " كلا يامولاى، ولكن شهود العيان يؤكدون أنها كانت تسير وحدها، وهى في حالة طيبة، بل يقولون أنها كانت تغنى، وتجرى وتلعب والدموع في عينيها !!"
رفع السلطان يديه شاكرا لله، ثم قال: " أين رأوها يابنى ؟!!"
وجاء رد الحاجب بمزيد من الغموض: "مولاي رأوها في كل اتجاه يؤدى إلى حدود البلاد
دهش الحاجب الأكبر، وهجم صارخا على الحاجب: "ماذا تقول .. هل أنت واعٍ لما تقول ؟"
أكد الحاجب ما سبق ونطق به: " نعم يامولاى .. في مشارق البلاد ومغاربها، وشمالها وجنوبها .. أتى الفرسان بشهود عيان، وكلهم يؤكدون رؤيتهم لها، وفي نفس التوقيت !!"
أمر السلطان بمثول الشهود بين يديه فورا، وبالفعل دخل من شرق البلاد جماعة، ومن غربها، ومن شمالها وجنوبها، وكلهم يؤكدون رؤيتهم لها، وفى نفس التوقيت!!
كلام غامض ملغز، يرفضه أي عاقل إلا إذا كانت الأميرة أميرة مسحورة، أو أن السلطان أنجب أربع أميرات وليس واحدة، والأربعة لهن نفس الملامح ونفس الصفات !!
شهود العيان يقسمون أنهم رأوها، وتحدثوا إليها، وحدثتهم، وهى تعدو مسرعة
طأطأ السلطان رأسه، ثم أمرهم بالانصراف، فجأة استوقفهم قائلا:" ألم تلاحظوا شيئا ما كلمة مثلا قالتها، حركة أتت بها .. ملابسها، هل كانت ملابس خروج وفسحة أم لا .. تذكروا "
من الحدود الشرقية قال قائل منهم:" نعم.. تذكرت جملة كانت تكررها فى أغنيتها السرداب الكتاب .. لا .. السرداب مظلم وأنا ما تعودت الظلام !!"
ومن الحدود الغربية قال قائل منهم: " نقش على الجدران يكاد يقتلني.. نعم سوف أتذكر.. نقش على دمى الجدران وفى الثياب وفى الهواء .. نعم يا مولاى .. نعم !!"
ومن الحدود الشمالية قال قائل منهم: " كانت تغنى ونحن نسمع ثم كررت قولا ، قالت: قال اللئيم ابن الليئم "إنى إليك قادم من بين أجنحة الطاووس، لتصبحين أميرتي !!"
ومن الحدود الجنوبية قال قائل منهم: " مولاى أحاول التذكر لكنى أذكر شعرها الطويل غير الممشط، عباءتها الرقيقة، ويديها التي عجزت عن رفعهما كأنهما مقيدتان "
صرف السلطان الشهود، ثم ارتدى حلته الملكية، وقد صمم على البحث عن الأميرة بنفسه، بعد أن تحول الأمر إلى لغز، وحين أصر الحاجب الأكبر على مرافقته رفض رفضا باتا، ومضى وحده
كان المكان الذي قصده السلطان هو خدر الأميرة ، مرق من الباب، بهدوء، عاين كل شيء فى الحجرة، أثاث، مرآة على شكل بجعة، صوان، سرير جميل على هيئة طاووس
تذكر السلطان أيام كانت الأميرة في الرابعة من عمرها، أصاب الفزع كل الوصيفات، كل من بالقصر، حين فوجئن باختفاء الأميرة، وبعد أن تحول الأمر إلى مشهد حزين، وتأكد الجميع من ضياع الأميرة ذهب السلطان بنفسه إلى خدرها، وبعد أن نال منه التعب، واليأس من العثور عليها، إذا بصوت أنفاسها يأتيه خافتا ضعيفا، وأبصرها نائمة تحت سريرها هذا وتكرر ذلك أكثر من مرة، لكنها بمرور السنين أقلعت عن هذه العادة !!
حدث السلطان نفسه: " هل عادت إلى سابق عهدها، ربما !!" وحط على أرض الحجرة، ثم نظر أسفل السرير، لكنه لم يجد شيئا مثلما كان ، أخذ نفسا عميقا، وهدأ بعض الشيء، هدأ تماما، وهو يستعيد ما قاله شهود العيان من كلمات: "قال الأول : السرداب مظلم و أنا ما تعودت الظلام!!
وقال الثاني: " نقش على دمى الجدران وفي الثياب وفي الهواء "
وقال الثالث: " قال اللئيم ابن اللئيم " إنى إليك قادم من بين أجنحة الطاووس لتصبحين أميرتى !!"
لم يصل السلطان لشيء، هم معتدلا، حدق فى الحجرة، الأثاث، المرآة، السرير الذي كان على شكل طاووس !!
هتف منفعلا: " وهى قالت : إنى إليك قادم من بين أجنحة الطاووس.. الطاووس نعم هو إحساس داخلي يقول أنها قصدت هذا " وراح يزيح السرير من مكانه، حط على البلاط، مسح عليه بيده، نقرعليه بإصبعه، جاءه رنين أجوف، دقق النظر، طرق ثانية، نالت منه الفرحة، وقف، استدعى الفرسان فورا، أمرهم بنزع البلاط أسفل السرير، وفى سرعة البرق أزاحوا البلاط، فظهرت فجوة كبيرة وعميقة، نزل الفرسان داخلها واحدا واحدا !!
مضى الفرسان فى سرداب مظلم، أضاءوه بالمشاعل، فرأوا نقوشا وزخارف، ورموزا لمغتصبي بلاد الزيتون المجاورة لهم، والسلطان يتقدم، ويأمر بمزيد من الفرسان، وهو فى غاية الدهشة، كيف وصلوا إلى هنا، ومتى فعلوا هذا دون أن يشعر بهم أحد ؟!!
السرداب طويل ممتد، وكأنه لا ينتهى .. توقف السلطان، أصدر أوامره لقائد الجيش بالاستعداد لخوض معركة رهيبة ضد هؤلاء الأعداء، الذين يخططون لسرقة البلاد، وليس الأميرة وحدها !!
وبالفعل دارت معركة رهيبة، فى السرداب، وعلى الحدود، وعلى أرض الزيتون المغتصبة، وأزيلت النقوش والزخاف اللئيمة، وهدم السرداب، ولم يتوقف القتال حتى عادت الأميرة، وثارت بلاد الزيتون على مغتصبيها لتحرير أرضهم !!
ومن يومها والأميرة تظهر كل ليلة، على الحدود الأربعة، تغنى وتركض خلف الفراشات، وفى كل ليلة ينتظرها الناس والأطفال والفرسان، ويغنون معها الأغاني الجميلة !
صحا السلطان من نومه على إثر حركة ونداءات خافتة تأتى من خارج مخدعه، وانتظر على فراشه، ربما تهدأ الحركة، وتختفي النداءات، ولكنها كانت تتزايد بشكل يدعو إلى القلق، ومع ذلك لم يقبل الحاجب الأكبر كعادته؛ ليطلعه على ما يحدث !!
ترك السلطان فراشه، وخطا بضع خطوات، ثم دار هنا وهناك، وراح يدنو من النافذة، فأبصر ساحة القصر تموج بالحركة، والفرسان يمتطون جيادهم، بعضهم ينفلت خارج القصر، والآخر يقبل من خارجه. حالة من الاستنفار والذعر تسيطر على الجميع؛ وكأنه كابوس !
انزعج السلطان، وتراجع بعيدا عن النافذة، وتحرك تجاه الباب، كان عقله مشغولا بفك هذا اللغز، ماذا يحدث في القصر، في البلاد، وسأل نفسه: "هل أفتح الباب لأعرف ما يحدث ؟! " لكنه لم يفتحه، بل نادى بصوته القوى : " يا كبير الحجاب ... يا كبير الحجاب !!"
فتح الباب، ودخل كبير الحجاب على غير عادته، مذعورا قلقا، وانحنى أمام السلطان:" أمر مولاي "
دهش السلطان من هيئته، وازدادت الشكوك والريب دخله، وقال في نفسه:" أيكون انقلابا دبره الجيش؟! أم تتعرض البلاد لعدوان ما؟!"
همهم السلطان قائلا: " ما الذي يحدث فى قصري يا كبير حجابي؟"
هم الحاجب بالإجابة، لكنه توقف فجأة !!
ثقلت هواجس السلطان، فدارغاضبا، وعلا صوته: " أقول لك ما الذي يحدث فى قصري "
هنا بكى الحاجب الأكبر، ووقع على الأرض، وهو يردد: " الأميرة يامولاى .. الأميرة !!"
حط السلطان على كرسيه، وتنهد شاعرا ببعض الارتياح، فالأمر يرتبط بالأميرة، ومسألة الانقلاب مسألة لا أساس لها، ولكن ما الذي حدث للأميرة !!
هتف السلطان: " مالها الأميرة .. تكلم .. هل حدث لها مكروه ؟!"
نطق الحاجب الأكبر بصعوبة، وهو يمسح وجهه: " الأميرة اختفت يامولاى !!"
اغتصب السلطان ابتسامة غريبة، وبصوت أقل حدة قال: " اختفت .. ربما كانت هنا أو هناك !!"
عاودت الحاجب الأكبر نوبة البكاء، وزفر قائلا: " الفرسان يبحثون عنها طول الليل، ولم يقفوا لها على أثر "
ترك السلطان الكرسي، تحرك في المكان، بحث في نفسه عن أسباب لاختفائها، لم يتحدث معها في شيء، لم يغضبها، حتى حين رفضت الخطيب رقم عشرين، تبسم في وجهها، بالأمس مرَّ عليها كالعادة، ودخل خدرها .. كانت تستعد للنوم، طبع قبلة على جبينها، ثم مضى؛ بالعكس كان وجهها مشرقا فياضا بالحياة !!
اعتدل الحاجب الأكبر، ونبه السلطان إلى أمر لم يكن في حسبانه: "لقد خطفت يا مولاى "
قهقه السلطان قائلا: " خطفت !! من يجرؤ على ذلك يا حاجبى الطيب .. لا .. لا .. ربما كانت هنا أو هناك "
عاد الحاجب يلح: " هل نسى مولاي الخطيب الأخير، وكيف عاد إلى بلاده مثقلا بكلمات رفضها "
أربد وجه السلطان، وعبس للحظة، ثم انبسط، بينما كان يتراجع، ويجلس على الكرسي، وهو يستحضر صورة الخطيب هذا، وكلمات الأميرة التي نزلت على رأسه كالصاعقة: " أنت تطلب المستحيل، تريد أن تحقق ما فشلت فى تحقيقه بالجيوش .. آسفة .. لوكان غرضك شخصي لرحبت بك .. عد إلى بلادك سالما .. فلا نامت أعين الجبناء "
كم كان السلطان سعيدا بكلماتها، وكم كان مشفقا على الأمير، الذي مزقت الأميرة عن وجهه القناع.. المهم أكرم وفادته، ثم ودعه بعد أن حمله رسالة إلى والده سلطان بلاد الزيتون
دقات خافتة على الباب .. لوح السلطان للحاجب ليفتح فورا، وفى طرفة عين فتح الباب، وبان أحد الحجاب، انحنى فى مكانه: " مولاي "
هلل الحاجب الأكبر: " هيه .. هل وجدتموها ؟!"
تأتأ الحاجب قائلا: " كلا يامولاى، ولكن شهود العيان يؤكدون أنها كانت تسير وحدها، وهى في حالة طيبة، بل يقولون أنها كانت تغنى، وتجرى وتلعب والدموع في عينيها !!"
رفع السلطان يديه شاكرا لله، ثم قال: " أين رأوها يابنى ؟!!"
وجاء رد الحاجب بمزيد من الغموض: "مولاي رأوها في كل اتجاه يؤدى إلى حدود البلاد
دهش الحاجب الأكبر، وهجم صارخا على الحاجب: "ماذا تقول .. هل أنت واعٍ لما تقول ؟"
أكد الحاجب ما سبق ونطق به: " نعم يامولاى .. في مشارق البلاد ومغاربها، وشمالها وجنوبها .. أتى الفرسان بشهود عيان، وكلهم يؤكدون رؤيتهم لها، وفي نفس التوقيت !!"
أمر السلطان بمثول الشهود بين يديه فورا، وبالفعل دخل من شرق البلاد جماعة، ومن غربها، ومن شمالها وجنوبها، وكلهم يؤكدون رؤيتهم لها، وفى نفس التوقيت!!
كلام غامض ملغز، يرفضه أي عاقل إلا إذا كانت الأميرة أميرة مسحورة، أو أن السلطان أنجب أربع أميرات وليس واحدة، والأربعة لهن نفس الملامح ونفس الصفات !!
شهود العيان يقسمون أنهم رأوها، وتحدثوا إليها، وحدثتهم، وهى تعدو مسرعة
طأطأ السلطان رأسه، ثم أمرهم بالانصراف، فجأة استوقفهم قائلا:" ألم تلاحظوا شيئا ما كلمة مثلا قالتها، حركة أتت بها .. ملابسها، هل كانت ملابس خروج وفسحة أم لا .. تذكروا "
من الحدود الشرقية قال قائل منهم:" نعم.. تذكرت جملة كانت تكررها فى أغنيتها السرداب الكتاب .. لا .. السرداب مظلم وأنا ما تعودت الظلام !!"
ومن الحدود الغربية قال قائل منهم: " نقش على الجدران يكاد يقتلني.. نعم سوف أتذكر.. نقش على دمى الجدران وفى الثياب وفى الهواء .. نعم يا مولاى .. نعم !!"
ومن الحدود الشمالية قال قائل منهم: " كانت تغنى ونحن نسمع ثم كررت قولا ، قالت: قال اللئيم ابن الليئم "إنى إليك قادم من بين أجنحة الطاووس، لتصبحين أميرتي !!"
ومن الحدود الجنوبية قال قائل منهم: " مولاى أحاول التذكر لكنى أذكر شعرها الطويل غير الممشط، عباءتها الرقيقة، ويديها التي عجزت عن رفعهما كأنهما مقيدتان "
صرف السلطان الشهود، ثم ارتدى حلته الملكية، وقد صمم على البحث عن الأميرة بنفسه، بعد أن تحول الأمر إلى لغز، وحين أصر الحاجب الأكبر على مرافقته رفض رفضا باتا، ومضى وحده
كان المكان الذي قصده السلطان هو خدر الأميرة ، مرق من الباب، بهدوء، عاين كل شيء فى الحجرة، أثاث، مرآة على شكل بجعة، صوان، سرير جميل على هيئة طاووس
تذكر السلطان أيام كانت الأميرة في الرابعة من عمرها، أصاب الفزع كل الوصيفات، كل من بالقصر، حين فوجئن باختفاء الأميرة، وبعد أن تحول الأمر إلى مشهد حزين، وتأكد الجميع من ضياع الأميرة ذهب السلطان بنفسه إلى خدرها، وبعد أن نال منه التعب، واليأس من العثور عليها، إذا بصوت أنفاسها يأتيه خافتا ضعيفا، وأبصرها نائمة تحت سريرها هذا وتكرر ذلك أكثر من مرة، لكنها بمرور السنين أقلعت عن هذه العادة !!
حدث السلطان نفسه: " هل عادت إلى سابق عهدها، ربما !!" وحط على أرض الحجرة، ثم نظر أسفل السرير، لكنه لم يجد شيئا مثلما كان ، أخذ نفسا عميقا، وهدأ بعض الشيء، هدأ تماما، وهو يستعيد ما قاله شهود العيان من كلمات: "قال الأول : السرداب مظلم و أنا ما تعودت الظلام!!
وقال الثاني: " نقش على دمى الجدران وفي الثياب وفي الهواء "
وقال الثالث: " قال اللئيم ابن اللئيم " إنى إليك قادم من بين أجنحة الطاووس لتصبحين أميرتى !!"
لم يصل السلطان لشيء، هم معتدلا، حدق فى الحجرة، الأثاث، المرآة، السرير الذي كان على شكل طاووس !!
هتف منفعلا: " وهى قالت : إنى إليك قادم من بين أجنحة الطاووس.. الطاووس نعم هو إحساس داخلي يقول أنها قصدت هذا " وراح يزيح السرير من مكانه، حط على البلاط، مسح عليه بيده، نقرعليه بإصبعه، جاءه رنين أجوف، دقق النظر، طرق ثانية، نالت منه الفرحة، وقف، استدعى الفرسان فورا، أمرهم بنزع البلاط أسفل السرير، وفى سرعة البرق أزاحوا البلاط، فظهرت فجوة كبيرة وعميقة، نزل الفرسان داخلها واحدا واحدا !!
مضى الفرسان فى سرداب مظلم، أضاءوه بالمشاعل، فرأوا نقوشا وزخارف، ورموزا لمغتصبي بلاد الزيتون المجاورة لهم، والسلطان يتقدم، ويأمر بمزيد من الفرسان، وهو فى غاية الدهشة، كيف وصلوا إلى هنا، ومتى فعلوا هذا دون أن يشعر بهم أحد ؟!!
السرداب طويل ممتد، وكأنه لا ينتهى .. توقف السلطان، أصدر أوامره لقائد الجيش بالاستعداد لخوض معركة رهيبة ضد هؤلاء الأعداء، الذين يخططون لسرقة البلاد، وليس الأميرة وحدها !!
وبالفعل دارت معركة رهيبة، فى السرداب، وعلى الحدود، وعلى أرض الزيتون المغتصبة، وأزيلت النقوش والزخاف اللئيمة، وهدم السرداب، ولم يتوقف القتال حتى عادت الأميرة، وثارت بلاد الزيتون على مغتصبيها لتحرير أرضهم !!
ومن يومها والأميرة تظهر كل ليلة، على الحدود الأربعة، تغنى وتركض خلف الفراشات، وفى كل ليلة ينتظرها الناس والأطفال والفرسان، ويغنون معها الأغاني الجميلة !
تعليق