الجهة اليسرى - من تجليات غرفة الإنعاش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد نديم
    عضو الملتقى
    • 16-05-2007
    • 50

    الجهة اليسرى - من تجليات غرفة الإنعاش

    [align=center][frame="1 80"]الجهـة اليسرى

    من تجليات غرفة الإنعاش

    بقلم محمد نديم



    ( رسمت معلمته يوما ما ،سمكة فوق السبورة السوداء،مبينة عليها كل تفاصيل جسدها وزعانفها , وطالبت التلاميذ أن يرسموها وبدقة شديدة ، وانتظرت منهم الأخطاء، ليطل وجهها المتجعد غضبا ،فوق وجوههم المشرقة بالخوف ، ،ثم تنهال على أكفهم الصغيرة بعصاها الغليظة.
    سرح الحرفوش الصغير بخاطره وهو ينظر للسمكة المرسومة بالطباشير ، ترى كيف يكون طعمها؟ وفقد انتباهه إلى الدرس ، فكانت العصا ثقيلة الوقع على أصابعه الصغيرة ، وعندما بكى لجدته كي تطبخ له سمكة، وعدته خيرا . )
    **********
    على صدر الشاشة ،ذات الوجه المتجعد غضبا ،المعلمة البنية اللون ، تلقى بيانا باسم دولتها العظمى عن ضرورة ممارسة الديمقراطية بين سكان (النجوع) المتخلفة ، أولئك الذين يجب أن يرسموا الأطعمة، ولا يحق لهم أن يتذوقوها، لأنهم ببساطة لا يمكنهم ،بل لا يحق لهم ذلك.
    **********
    ( عندما مد الحرفوش الصغير يده في درج طاولته , وأخرج شيئا من الحلوى ، وهم بالتقامها ، لمحته المعلمة . و قامت الدنيا ولم تقعد.تجعد وجه المعلمة كليمونة جافة ،وبرزت عيناها كجمرتين, وانهالت على وجهه صفعا وعلى مسامعه سبا وقذفا. حاول دفع الصفعات بيده الصغيرة ، فما كان منها إلا أن اتهمته بالسفالة وقلة الأدب،لأنه حاول التعدي عليها !!! ، فتكالبت عليه باقي المعلمات ، وانهالت عليه العصا ).
    **********
    أمام شاشة التلفاز المفعمة بالضجيج والنار والأشلاء، لا طعم للأشياء في فمي , أنفاسي ألملمها بصعوبة كأشلاء ممزقة.وكوب الشاي يرتعش في يدي.
    (منذ ذلك اليوم ، تعلم الحرفوش الصغير فن السكوت ، وتجرُعَ مرارة النظر إلى الحلوى التي بين يديه دون أن يجرؤ على لمسها.)
    **********
    على صدر الشاشة , كان وجه المعلمة يزداد تجعدا ،وهي تلقى بيانا باسم دولتها العظمى ،عن مكافحة المكافحين ، الذين يرفعون أيديهم لرد الصفعات ، صرخت في بيانها : إرهابيون ، رسمت بالعصا الغليظة علامة X على نقطة فوق خارطة كبيرة ، وأصدرت أمرها لطائرات حديثة وصواريخ عابرة كي تنهمرحممها فوق هذه النقطة بدقة شديدة، فتمزق أحلام البسطاء.
    ( حين يشذ بفكره قليلا ، كان الحرفوش الصغير يمرح في رياض من خياله الطفولي البريء ، وكان يصحو دائما على رأس العصا الغليظة ،تشير نحوه أن : قـِفْ ، ومد كفيك الصغيرتين ,وتناول وجبتك اليومية من العقاب ، لشرودك عن الدرس ولو قليلا.)
    أمام شاشة التلفاز، كان قطار الضجيج والنار والألم يتتابع أمام عيني ، وكان طعم الحلوى أكثر مرارة.وفي يدي ،كان جهاز التحكم عن بعد، حاولت تغيير وجه الشاشة إلى شيء آخر فلم أتمكن ، اختلطت الصور بين إعلانات الحلوى ووجوه الأطفال وأجسادهم الممزقة . داخل الشاشة وبين تفاصيل الخير،ألمح ابنتي ذات الضفيرتين ، خرجت لتوها لشراء بعض الحلوى ،لقد تأخرت كثيرا ، ومازال أمامها الكثير من الواجب المدرسي كي تتمه ، افترسني القلق ، فقلب معلمتها قاس كعصاها.
    **********
    .قطار الضجيج واللهب والدماء ، يركض في كياني اضغط أزرار جهاز التحكم الآلي فإذا بي داخل جهاز التلفاز أركض بين القطيع الذي يحركه الفزع، في تفاصيل الخبر ، باحثا عن ابنتي في كل اتجاه.مراسلو محطات التلفاز وسط الجموع يحذرون من انفجار وشيك ، أو غارة جديدة متوقعة ، أو قصف آخر محتمل.
    الشوارع تغص بكلاب مسعورة سوداء ، ومعلمين يمسكون هراوات غليظة،وحشود من المهرجين , والمعدمين ,ولابسي الأقنعة، ومطربي الأغاني الهابطة،والقوادين، والراقصات، وحاملي الكئوس والبيارق ،والمباخر، وباقات الشوك والورود ،والأسلحة البيضاء ،والشموع السوداء المفخخة ،وبائعي الأطعمة الفاسدة والأدوية المنتهية الصلاحية والحارات تغض بالجنازات.
    **********
    قطار اللهيب والألم والضجيج يجتاح كل ذرة في كياني ، وأنا أركض ببطء شديد متنفسا بصعوبة بالغة، الخوف يجتاحني والعرق يكاد يغرقني.تصرخ المعلمة القميئة الوجه مشيرة إلي بعصاها الغليظة : ... إرهابي أمسكوه .
    حاولت التنصل من هويتي فلم أتمكن ، ألقيت بجسدي وسط الزحام ، قررت أن أهرب عائدا إلى بيتي الذي لمحته على الجهة المقابلة من خلال شاشة التلفاز،رأيت كوب الشاي ، مازال يصدر دخانا رقيقا على الطاولة في ركني المفضل أمام الجهاز الصاخب في بهو شقتي الصغيرة .لم أستطع العودة .أشعر بالاختناق والغثيان وقطار النار والألم يركض صاخبا في كياني كله , ذراعي الأيسر تكاد تُشـَل ، شعرت أن القطار يمزقها تحت عجلاته الفولاذية بلا رحمة.
    **********
    المعلمة ترج الشارع بصراخها : أمسكوه ، العصا الغليظة تتبعني وتقرع كتفي وظهري ، و الحلوى تتساقط من جيبي والسمكات الملونة تفرمن دفتري، ووجه جدتي مازال مبتسما في ناظري ،ويعدني خيرا!
    ركض الجميع ورائي. لا مفر،لا مفر من الضغط على أزرار جهاز التحكم عن بعد ، ضغطت بشدة على كل الأزرار ، انفجرت الشمس ،وتحولت الشوارع إلى خيمة من نار وتناثرتُ مع الرعد ،والدخان، والحجارة، والأشلاء، والغبار.
    **********
    رأيت جدتي بملابس الممرضات ، تقترب أنفاسها الرقيقة من وجهي،وهي تدس بحنان رأس إبرة في ذراعي ، وكف رقيقة لطفلة ذات ضفائر, تمسك بعض حلوى , تحتضن بقوة كفي المرتعشة الساخنة .
    وجه صديقي الحميم ، بملابس الأطباء, يظهر و يغيب، سمعته بالكاد ، وهو يطمئنني من خلال ابتسامته المضيئة ، حمد لله على سلامتك ، ويستفسرمني : أخبرني بالتفصيل كيف بدأ الألم معك في الجهة اليسرى من الصدر ؟

    10 يوليو 2007 [/frame][/align]
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    نكهه فريده...
    تحية
    ورغبه بقراءة اخرى

    تعليق

    • محمد نديم
      عضو الملتقى
      • 16-05-2007
      • 50

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
      نكهه فريده...
      تحية
      ورغبه بقراءة اخرى
      شكرا لمرورك العاطر.
      في انتظارالقراءة المتأنية.

      نديم

      تعليق

      • mmogy
        كاتب
        • 16-05-2007
        • 11282

        #4
        ( رسمت معلمته يوما ما ،سمكة فوق السبورة السوداء،مبينة عليها كل تفاصيل جسدها وزعانفها , وطالبت التلاميذ أن يرسموها وبدقة شديدة ، وانتظرت منهم الأخطاء، ليطل وجهها المتجعد غضبا ،فوق وجوههم المشرقة بالخوف ، ،ثم تنهال على أكفهم الصغيرة بعصاها الغليظة.
        سرح الحرفوش الصغير بخاطره وهو ينظر للسمكة المرسومة بالطباشير ، ترى كيف يكون طعمها؟ وفقد انتباهه إلى الدرس ، فكانت العصا ثقيلة الوقع على أصابعه الصغيرة ، وعندما بكى لجدته كي تطبخ له سمكة، وعدته خيرا . )


        هذه القصة الرمزية .. تذكرني بنكتة قديمة .. عندما ذهب أحد الريفيين للطبيب .. ليشكو من وجع فى مؤخرته .. فأخبره الطبيب بضرورة عمل جلسة كهربائية .. وبينما يجري الطبيب تلك الجلسة الكهربائية .. إذا بالرجل الريفي يضحك ويقهقه فسأله الطبيب لما تضحك .. فقال أضحك على الكهربا التي دخلت مؤخرتي ولم تدخل البلد .


        قرأت قصصا رمزية هادفة .. واستمتعت حقا .

        شكرا استاذنا
        إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
        يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
        عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
        وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
        وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

        تعليق

        • وائل ياسين
          عضو الملتقى
          • 03-09-2007
          • 35

          #5
          نص مفاجئ ولغه تجيد المراوغه كلما امسك المتلقى بها
          هو العالم كما اعرفه ولا استطيع ان احكيه
          نص جميل بالفعل يا صديقى

          تعليق

          • د. جمال مرسي
            شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
            • 16-05-2007
            • 4938

            #6
            مكثت هنا طويلا و لم أشأ الذهاب
            فأسلوبك يجذب المتلقي إلى آخر حرف
            لي عودة من جديد
            و لكني أحببت أن تعرف أني كنت هنا و سأعود
            محبتي أخي الحبيب محمد
            و تقديري لكل ما تكتبه
            و السؤال :
            أين أنت عن قاعة الشعر هنا ... اشتقنا لأعمالك و نقدك البناء
            و كم أعجبتني قراءتك لقصيدتي أغنية للحب و البحر في أبناء مصر
            فليتك تعيد نشره هنا

            محبتي
            sigpic

            تعليق

            • إيهاب رضوان سعد
              عضو الملتقى
              • 27-07-2007
              • 47

              #7
              الله الله يا عزيزى .. نص غاية فى الروعة بحق ، جعل عينىّ تسابقان الأسطر وقلبى ينبض مع البطل بعنف . تقبل خالص تهنئتى وحبى .

              تعليق

              يعمل...
              X