مفهوم الشعر عند صلاح عبد الصبور: الواقعية والصوفية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • علي المتقي
    عضو الملتقى
    • 10-01-2009
    • 602

    مفهوم الشعر عند صلاح عبد الصبور: الواقعية والصوفية

    يرى صلاح عبد الصبور " أن الأديب إنسان اجتماعي واع منفعل بالحياة، ثم هو من بعد ذلك معبر دافع ناشط في مجاله الكلامي" . ويقصد ب"اجتماعي" أن يعيش الأديب واقعه بصراعاته الحقيقية لا أن يتخيله من خلال نماذج عالية من الأدب الواقعي أو من خلال نظرية فلسفية جاهزة. وحينما يعيش هذا الواقع ويستوعبه، إذ ذاك فقط لا يحرم شرف المحاولة في قداستها وعمقها.
    بهذا التصور الذي يجعل من الواقع قواما على الواقعية كما يوحي بذلك تعبير صلاح عبد الصبور" الحياة أولا...! " لم ينطلق هذا الشاعر من أي تصور نظري جاهز، وإنما حاول فهم واقعه وتحديد أسئلته الجوهرية الذاتية والاجتماعية بغية البحث لها عن أجوبة ممكنة، مؤمنا في ذلك بأن الأفكار المجردة أو الاهتمام السياسي المحدد لا يستطيعان أن يشكلا عملا فنيا دون الاستناد إلى قيم جمالية بلاغية . فكيف تعامل عبد الصبور مع هذا الواقع، وكيف أصبح واقعيا؟
    مفهـوم الشعـر: "الشعر صوت إنسان يتكلم مستعينا بمختلف القيم الفنية لكي يكون أصفى وأنقى من صوت غيره من الناس، فهو يستعين بالموسيقى والإيقاع والصورة والذهن والخيال. وكل هذه الأشياء مجتمعة تجعل لصوته هذه الفاعلية التي يستطيع بها في كلماته أن ينقل قدرا من الحقيقة الإنسانية التي يحسها هو منطبعة عليه إلى غيره من الناس" .
    نستخلص من هذا التعريف ثلاث خصائص تحدد ماهية الشعر:
    ـ الشعر صوت إنسان يتكلم.
    ـ نقل الحقيقة الإنسانية التي يحسها الشاعر إلى الناس.
    ـ توسل قيم وأدوات فنية لكي يكون الشعر أصفى وأنقى.

    1:
    الشعر صوت إنسان يتكلم:
    لا يقصد صلاح عبد الصبور هنا الصوت بمفهومه الفيزيقي المقابل للصمت، وإلا سيكون شيئا تافها ومبتذلا. إذ كل ما يفوه به الإنسان هو صوت، وإنما يقصد صوتا متميزا له معنى متميز يصدر عن إنسان يتكلم. والكلام ضد الثرثرة، فعامة الناس لا تتكلم وإنما تثرثر، وفي ثرثرتها تتناقل أفكارا مشتركة عامة تحجب الحقيقة الإنسانية الوجودية وتتجاهلها. أما الشاعر بوصفه إنسانا واعيا بذاته وبوجوده، فيحس هذه الحقيقة وينقلها إلى غيره من الناس.

    .2 :
    عن أي حقيقة إنسانية يتحدث صلاح عبد الصبور؟ يرى هذا الشاعر متأثرا بالفلسفات الميتافيزيقية عامة، والوجودية منها بشكل خاص أن "الوجود هو المعطى الأول للإنسان" ، وهو مهدد بالعدم . وبين الوجود والعدم، بين منبع النهر ومصبه، يعيش هذا الإنسان حياة مليئة بالشرور والآلام " خالية من الحرية إلا تحت مستوى الضرورة" ، الشيء الذي يحول الأرض إلى جحيم، وحياة الإنسان إلى عذاب. وقد سعى الإنسان منذ القديم إلى إعطاء معنى لحياته متوسلا الدين والفلسفة والفن "فالنبي والشاعر والفيلسوف ـ إذن ـ أصوات شرعية، وشرعيتها تشمل كل ألوان الحياة الإنسانية بغية تنظيمها وتخليصها من فوضاها وتنافرها. ومجال رؤيتهم هو الظاهرة الإنسانية في زمانها الذي هو الديمومة، وفي مكانها الذي هو الكون، وفي حركتها التي هي التاريخ" .
    إن الظواهر الإنسانية التي تحدث عنها صلاح عبد الصبور ليست ظواهر مجردة، لا ولا هي مستقاة من واقع آخر غير واقعه المصري الذي يعيشه يوميا بانتصاراته وانكساراته، ويرفض عكس ذلك . يقول :" لو سألت أحدهم وهو آمن مبتهج النفس ـ لماذا أنت واقعي؟ ـ لأجاب : لأن المسرح للأدب الواقعي ... وأنا أحب التمثيل. ولو سألته: هل استبصرت بكفاح العامة في سبيل امتلاك الحياة؟ قال: وما حاجتي وقد قرأت لفلان وفلان ...
    ،، أما نحن ، فقد ألقينا بقلوبنا في المعركة، معركة أحباب الحياة، وثملنا بانتصاراتها وبكينا انكسارها. وكان شعرنا سكرنا وبكاءنا، ولا علينا من النماذج والتقاليد...إننا نتنفس الحياة بشغف ومرارة ونهدم ونبني ونبشر ونجدف، وقد يمسنا الشعر بجناحه فنلتهب"
    .
    واضح من هذا القول أن الشاعر والفيلسوف والنبي لا ينظرون إلى الواقع نظرة أحادية، وإنما ينظرون إليه نظرة شمولية كلية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، والواقعي والميتافيزيقي، والحياة والموت، والأمل واليأس ...وهذه النظرة راجعة إلى أن العالم ناقص، وكل من هؤلاء يحمل بين جوانبه شهوة لإصلاحه، لكن الشك والقلق يلازمهم، الشيء الذي يسم حياتهم بالقلق واليأس الأبديين، إلا أنه ليس يأسا أو قلقا تشاؤميا، إنه يأس ناتج عن إحساس بالمسؤولية ووعي بها .
    وقد سعت كل الديانات القديمة، أرضية كانت أم سماوية، وكذا الفلسفات المادية والمثالية إلى البحث عن حل لهذه المعضلة الوجودية. وقد تبنى صلاح عبد الصبور في المرحلة الأولى من حياته الفنية موقفا ماديا محضا، ـ وهي المرحلة التي تهمنا في هذا البحث ـ فأنكر وجود الله متأثرا بصرخة نيتشه الإلحادية المرعبة، ورأى في المادية الجدلية موقفا فكريا متماسكا قادرا على تحقيق الكمال في المجتمع. إلا أن تواتر الأحداث العالمية في الستينيات خصوصا في أوربا الشرقية، وصعود خروتشوف إلى السلطة، وفضحه لكل جرائم الستالينية، حطم أسطورة الشيوعية والمادية والواقعية في فكر صلاح. فرفض هذا الموقف، كما رفض كل علاقة ميكانيكية بين الفن والواقع لأنها تؤدي إلى أخطاء جمالية فادحة تتلخص في
    ـ استخدام مفهوم الانحطاط الشامل في النقد الماركسي وهو مفهوم لا يراعي الاستقلال النسبي للأبنية الفوقية.
    ـ اختزال الفن في بعده الأيديولوجي، وتهميش خصوصياته الفنية.
    ـ عدم مراعاة خصوصيات المعرفة بوصفها معرفة نوعية بموضوعها ولغتها.

    وقد وجد هذا الشاعر الحائر بعد تخليه عن الماركسية في الدين إجابة مقنعة متأثرا في ذلك بكيركجارد، فأصبح يرى جدوى الحياة في العودة بالإنسان إلى نقائه وصفائه الأول، أي العودة به إلى الله نقيا كما صدر عنه. ولن يتأتى له ذلك إلا بتحقيق ثلاث فضائل إنسانية كبرى عانى صلاح كثيرا من غيابها في حياته ومجتمعه هي: الصدق والحرية والعدالة .
    وللوصول إلى هذه الحقيقة الإنسانية والتعبير عنها ونقلها إلى الآخرين يمر الشاعر كالمتصوف بمراحل ثلاث :
    ـ مرحلة الوارد: وهي مرحلة إشراقية يقتنص فيها الذهن خاطرة أو رؤيا فتستغرق قلبه كليا.
    ـ مرحلة الفعل الذي يلي الوارد وينبع منه، ويتحقق بالتأمل والتحديق في الذات الممتلئة بالرؤى والمعارف والخواطر قصد اكتشاف الحقيقة والتعبير عنها برموز لغوية.
    ـ مرحلة العودة، وهي مرحلـة يعود فيهــا الإنسان إلى ذاتـه ليعيـد قـراءة ما اكتشف وما فعل. وهي مرحلة وعي كامل تتشكل فيه القصيدة تشكيلا فنيا. .
    واضح من هذا التصور أن الموقف المادي والموقف الديني الصوفي ما هما إلا إجابتان ضمن إجابات ممكنة لنفس السؤال الوجودي المستنبط من الواقع المعيش الذي عاشه صلاح عبد الصبور. فالواقع المصري ومن خلاله الواقع الإنساني لم يتغير، لذلك لم تتغير الأسئلة التي يثيرها. وما يمكن أن يتغير مرات متعددة، هو نظرتنا إلى هذا الواقع وما نقترحه من حلول لإشكالاته وإجابات على أسئلته.
    .3: اللغة الشعرية أو الوسائل الفنية التي يتوسلها الشعر لكي يكون أصفى وأنقى: يكاد الإجماع يحصل على رفض قوانين اللغة الشعرية القديمة وأعرافها. إلا أن أسباب هذا الرفض ودوافعه والبدائل التي تقترح تتعدد بتعدد الشعراء. فمنهم من يدفع باللغة إلى أقصى درجات التجريب التي قد تصل إلى الفوضوية، وهم غالبا من أصحاب الثقافة الفرنسية، كما سبق أن رأينا. ومنهم من يدفع بها إلى أقصى درجات البساطة، وهم غالبا الذين تأثروا بإليوت. وبين هؤلاء وأولئك نجد شعراء يوفقون بينهما لإيجاد لغة ثالثة لا هي بلغة الحديث اليومي ولا هي بلغة التجريب.
    ويعد صلاح عبد الصبور من بين الذين قرأوا إليوت وتأثروا بجسارته اللغوية، وقدرته على تكييف كلمات الحديث اليومي وتطويعها قصد إدراجه في السياق الشعري. ويرجع هذا التأثر إلى طبيعة اللغة العربية التي تحولت على الرغم من غناها المعجمي الدال على المدركات الحسية والوجدانية، بعد خمسمئة سنة من التخلف الحضاري إلى لغة موحشة غريبة " لا تصلح للاستعمال بحكم الذوق الفني" ، الشيء الذي حولها إلى لغة فقيرة. وقد زاد من فقرها تعفف اللغة الشعرية من استخدام الألفاظ المتداولة حتى ولو كانت فصيحة بدعوى سوقيتها.
    وقد دعا صلاح عبد الصبور إلى تجاوز هذه النظرة، والتصرف في اللغة بوصفها كنزا كما تصرف فيها القدماء دون تمييز بين المتداول وغير المتداول. واستخدام أي لفظ منها ما دام صالحا للتعبير عما يراد قوله. ولن يتم ذلك في نظره إلا بمعاودة النظر في التراث العربي قصد إدراك غناه، وترويض الألفاظ الجديدة لإدخالها في السياق الشعري.
    وقد تعرضت محاولاته الشعرية في هذا السياق لانتقادات كثير من النقاد بدعوى التفاهة والركاكة، يقول في رده على الناقد كاظم جواد :" ما هذا يا سيد كاظم ... يا سيدي المادي الجدلي ... لا تمزق القصيدة، وأدرك الصورة كلية ينصلح موقفك، وسأضع منظارك فوق عيني وأناقش البيت (1) : وشربت...ألم تشرب قط؟ ألم تستعمل العرب المضرية والقحطانية هذا اللفظ، وما الفرق بين الشاي والخمر والماء والمرق، أليست كلها مما يشرب ؟ لقد قاس إليوت حياته بملاعق القهوة.
    ،، حمدا لله أنني لم استعمل ملعقة أو فنجانا وإلا كانت كارثة وعم التصايح، وما أظنك تنكر أن الجار والمجرور( في الطريق ) استعملا في الشعر ألوف المرات" .

    : توظيف الأسطورة: ينظر صلاح عبد الصبور إلى الأسطورة بوصفها "تعبيرا عن الذات الإنسانية في وحدتها وجوهرها" . ويتوسلها بالإضافة إلى تقنيات أخرى كالثقافة الشعبية والتاريخ للتخلص من الجزئية والظرفية، والارتقاء بشعره إلى مستوى المطلق، وإضفاء نبرة موضوعية عليه. إلا أن معظم الشعراء في نظره أساؤوا استخدامها لاكتفائهم بمحاكاة الشعر الأوربي. في حين أن الأسطورة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي وسيلة لتعميق النص وفتحه على تجارب إنسانية غير شخصية. وهذا يقتضي تفكيكها إلى عناصرها الأولية، وانتقاء ما هو صالح للتوظيف دون أن يكون بارزا على السطح الظاهري للقصيدة. وبغير هذه الطريقة يتحول النص إلى ركام من المعارف تفتقر إلى شروح وهوامش واطلاع واسع على حقول معرفية متعددة لفهمها.
    : التشكيل : يستمد صلاح تصوره عن التشكيل من فن التصوير أساسا، كما يستمده من تصور نيتشه للمأساة اليونانية، فهذه المأساة كما يراها هذا الفيلسوف توازن بين الديانة الديونيزيوسية التي تقدس النشوة وتمجد اللذة، وتطلق كل القوى الحية في الإنسان ، وبين العبادة الأبولونية التي تقدس العقل وتحترم التصميم والبناء . فالقصيدة الشعرية ـ كما سبقت الإشارة ـ تفتقر بعد مرحلتي الوارد والفعل إلى تأمل واع قصد تشكيلها تشكيلا فنيا يتميز بخاصيتين اثنتين أولاهما : الذروة الشعرية: وتعد حسب صلاح " محك الكمال في بناء القصيدة" . ويختلف التشكيل باختلاف أماكن وجودها في أول القصيدة أوفي وسطها أوفي آخرها. وثانيتهما: التوازن بين العناصرالشعرية المختلفة إيقاعا وتركيبا ودلالة.


    نخلص مما سبق إلى ما يلي :
    * إن الواقعية في شعر صلاح عبد الصبور ليست إلا مرحلة من مراحل تطوره الشعري، ومع ذلك، فقد كان لها الأثر البالغ حتى خلال المراحل الأخرى، فقد ظل الواقع منطلق كل تجربة شعرية.
    * إن إيمان الشاعر بالواقعية لم يجعله أسير مجموعة من المبادئ النظرية الجاهزة أو أسير اتجاه سياسي معين يسيره ويستظل بظله.
    * لقد بدأ صلاح وجوديا وقضى مرحلة من حياته ماديا وانتهى شاعرا صوفيا، وهي مراحل متداخلة في ما بينها، إذ اعتبر البحث عن الحقيقة من مهام الفيلسوف والنبي والشاعر، لذلك يبدو من الصعب الاكتفاء بمرحلة من هذه المراحل.
    [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
    مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
    http://moutaki.jeeran.com/
  • عبدالرؤوف النويهى
    أديب وكاتب
    • 12-10-2007
    • 2218

    #2
    قصائد من أشعار صلاح عبدالصبور

    [align=justify]صلاح عبدالصبور ..شاعرى الأثير ..عشتُ معه صبياً وأعيش الآن ..مع مسرحه وشعره وكتاباته ،أجد فيه نفسى وأبحث عن ذاتى .

    شكراً أستاذنا الجليل د. المتقى
    هذه بعض قصائده ..
    ولى مع كتاباتك القيّمة .. وقفات.



    (1)

    رؤيا


    في كل مساء،

    حين تدق الساعة نصف الليل،

    وتذوي الأصوات

    أتداخل في جلدي أتشرب أنفاسي

    و أنادم ظلي فوق الحائط

    أتجول في تاريخي، أتنزه في تذكاراتي

    أتحد بجسمي المتفتت في أجزاء اليوم الميت

    تستيقظ أيامي المدفونة في جسمي المتفتت

    أتشابك طفلاً وصبياً وحكيماً محزوناً

    يتآلف ضحكي وبكائي مثل قرار وجواب

    أجدل حبلا من زهوي وضياعي

    لأعلقه في سقف الليل الأزرق

    أتسلقه حتى أتمدد في وجه قباب المدن الصخرية

    أتعانق و الدنيا في منتصف الليل.

    حين تدق الساعة دقتها الأولى

    تبدأ رحلتي الليلية

    أتخير ركنا من أركان الأرض الستة

    كي أنفذ منه غريباً مجهولاً

    يتكشف وجهي، وتسيل غضون جبيني

    تتماوج فيه عينان معذبتان مسامحتان

    يتحول جسمي دخان ونداوه

    ترقد أعضائي في ظل نجوم الليل الوهاجة و المنطفأة

    تتآكلها الظلمة و الأنداء، لتنحل صفاء وهيولي

    أتمزق ريحا طيبة تحمل حبات الخصب المختبئة

    تخفيها تحت سراويل العشاق.

    و في أذرعة الأغصان

    أتفتت أحياناً موسيقى سحرية

    هائمة في أنحاء الوديان

    أتحول حين يتم تمامي -زمناً

    تتنقل فيه نجوم الليل

    تتجول دقات الساعات

    كل صباح، يفتح باب الكون الشرقي

    وتخرج منه الشمس اللهبية

    وتذوّب أعضائي، ثم تجمدها

    تلقي نوراً يكشف عريي

    تتخلع عن عورتي النجمات

    أتجمع فاراً ، أهوي من عليائي،

    إذ تنقطع حبالي الليلة

    يلقي بي في مخزن عاديات

    كي أتأمل بعيون مرتبكة

    من تحت الأرفف أقدام المارة في الطرقات.

    [/align]

    تعليق

    • عبدالرؤوف النويهى
      أديب وكاتب
      • 12-10-2007
      • 2218

      #3
      قصائد من أشعار صلاح عبدالصبور

      (2)
      زيارة الموتى

      [align=justify]
      [align=justify]زرنا موتانا في يوم العيد

      وقرأنا فاتحة القرآن، وللمنا أهداب الذكرى

      وبسطناها في حضن المقبرة الريفية

      وجلسنا، كسرنا خبزاً وشجوناً

      وتساقينا دمعاً و أنيناً

      وتصافحنا، وتواعدنا، وذوي قربانا

      أن نلقى موتانا

      في يوم العيد القادم.

      يا موتانا

      كانت أطيافكم تأتينا عبر حقول القمح الممتدة

      ما بين تلال القرية حيث ينام الموتى

      و البيت الواطئ في سفح الأجران

      كانت نسمات الليل تعيركم ريشاً سحرياً

      موعدكم كنا نترقبه في شوق هدهده الاطمئنان

      حين الأصوات تموت،

      ويجمد ظل المصباح الزيتي على الجدران

      سنشم طراوة أنفاسكم حول الموقد
      وسنسمع طقطقة الأصوات كمشي ملاك وسنان

      هل جئتم تأنسون بنا؟

      هل نعطيكم طرفاً من مرقدنا؟

      هل ندفئكم فينا من برد الليل؟

      نتدفأ فيكم من خوف الوحدة

      حتى يدنو ضوء الفجر،

      و يعلو الديك سقوف البلدة

      فنقول لكم في صوت مختلج بالعرفان

      عودوا يا موتانا

      سندبر في منحنيات الساعات هنيهات

      نلقاكم فيها، قد لا تشبع جوعاًن أو تروي ظمأ

      لكن لقم من تذكار،

      حتى نلقاكم في ليل آت.

      مرت أيام يا موتانا ، مرت أعوام

      يا شمس الحاضرة الجرداء الصلدة

      يا قاسية القلب النار

      لم أنضجت الأيام ذوائبنا بلهيبك

      حتى صرنا أحطاب محترقات
      حتى جف الدمع الديان على خد الورق العطشان

      حتى جف الدمع المستخفي في أغوار الأجفان

      عفواً يا موتانا

      أصبحنا لا نلقاكم إلا يوم العيد

      لما أدركتم انا صرنا أحطاباً في صخر الشارع ملقاة

      أصبحتم لا تأتون إلينا رغم الحب الظمآن

      قد نذكركم مرات عبر العام

      كما نذاكر حلماً لم يتمهل في العين

      لكن ضجيج الحاضرة الصخرية

      لا يعفنا حتى أن نقرأ فاتحة القرآن

      أو نطبع أوجهكم في أنفسنا، و نلم ملامحكم

      ونخبئها طي الجفن.

      يا موتانا

      ذكراكم قوت القلب

      في أيام عزت فيها الأقوات

      لا تنسونا .. حتى نلقاكم

      لا تنسونا .. حتى نلقاكم[/align]

      [/align]

      تعليق

      • عبدالرؤوف النويهى
        أديب وكاتب
        • 12-10-2007
        • 2218

        #4
        قصائد من أشعار ..صلاح عبدالصبور

        (3)
        لحن

        [align=justify]جارتي مدت من الشرفة حبلاً من نغم

        نغم قاس رتيب الضرب منزوف القرار

        نغم كالنار

        نغم يقلع من قلبي السكينه

        نغم يورق في روحي أدغالاً حزينه

        بيننا يا جارتي بحر عميق

        بيننا بحر من العجز رهيب وعميق

        و أنا لست بقرصان، ولم اركب سفينه

        بيننا يا جارتي سبع صحارى

        و أنا لم ابرح القرية مذ كنت صبيا

        ألقيت في رجلَي الأصفاد مذ كنت صبيا

        أنت في القلعة تغفين على فرش الحرير

        و تذودين عن النفس السآمه

        بالمرايا الفارس الأشقر في الليل الأخير

        (أشرقي يا فتنتي)

        (مولاي !!)

        ( أشواقي رمت بي )

        (آه لا تقسم على حبي بوجه القمر

        ذلك الخداع في كل مساء

        يكتسب وجهاً جديد ..

        جارتي ! لست أميراً

        لا ، ولست المضحك الممراح في قصر الأمير

        سأريك العجب المعجب في شمس النهار

        أنا لا املك ما يملأ كفيّ طعاما

        وبخديك من النعمة تفاح وسكر

        فاضحكي يا جارتي للتعساء

        نغّمي صوتك في كل فضاء

        و إذا يولد في العتمة مصباح فريد

        فاذكريني ..

        زيته نور عيوني وعيون الأصدقاء

        ورفاقي الطيبين

        ربما لا يملك الواحد منهم حشوَ فم

        و يمرون على الدنيا خفافاً كالنسم

        ووديعين كأفراخ حمامه

        وعلى كاهلهم عبء كبير وفريد

        عبء أن يولد في العتمة مصباح جديد
        [/align]

        تعليق

        • عبدالرؤوف النويهى
          أديب وكاتب
          • 12-10-2007
          • 2218

          #5
          قصائد من أشعار ..صلاح عبدالصبور

          (4)

          أغنية من فيينا

          كانت تنام في سريري ، والصباح

          منكب كأنه وشاح

          من رأسها لردفها

          وقطرة من مطر الخريف

          ترقد في ظلال جفنها

          و النفس المستعجل الحفيف

          يشهق في حلمتها

          وقفت قربها، أحبها، أرقبها، أشمها

          النبض نبض وثني

          والروح روح صوفي، سليب البدن

          أقول ، يا نفسي، رآك الله عطشى حين بل غربتك

          جائعة فقوتك

          تائهة فمد خيط نجمة يضيء لك

          يا جسمها الأبيض قل : أأنت صوت؟

          فقد تحاورنا كثيراً في المساء

          يا جسمها الأبيض قل: أأنت خضرة منوّرة؟

          يا كم تجولت سعيدا في حدائقك

          يا جسمها الأبيض قل : أأنت خمرة؟

          فقد نهلت من حواف مرمرك

          سقايتي من المدام و الحباب و الزبد

          يا جسمها الأبيض مثل خاطر الملائكة

          تبارك الله الذي قد أبدعك

          و أحمد الله الذي ذات مساء

          على جفوني وضعك

          لما رأينا الشمس في مفارق الطرق

          مدت ذراعيها الجميلتين

          مدت ذراعيها المخيفتين

          ونقرت أصابع المدينة المدببه

          على زجاج عشنا، كأنها تدفعنا

          تذهب ، أين ؟

          تشابكت أكفّنا ، واعتنقت

          أصابع اليدين

          تعانقت شفاهنا، وافترقت

          في قبلة بليلة منهومه

          تفرقت خطواتنا، وانكفأت

          على السلالم القديمه

          ثم نزلنا للطريق واجمين

          لما دخلنا في مواكب البشر

          المسرعين الخطو نحو الخبز و المئونه

          المسرعين الخطو نحو الموت

          في جبهة الطريق ، انفلتت ذراعها

          في نصفه، تباعدت، فرّقنا مستعجل يشد طفلته

          في آخر الطريق تقت - ما استطعت - لو رأيت

          ما لون عينيها

          وحين شارفنا ذرى الميدان غمغمت بدون صوت

          كأنها تسألني .. من أنت
          ؟

          تعليق

          • عبدالرؤوف النويهى
            أديب وكاتب
            • 12-10-2007
            • 2218

            #6
            قصائد من أشعار ..صلاح عبدالصبور

            (5)
            الظل والصليب


            [align=justify]هذا زمان السأم

            نفخ الأراجيل سأم

            دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل ..

            سأم

            لا عمق للألم

            لأنه كالزيت فوق صفحة السأم

            لا طعم للندم

            لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة ..

            … ويهبط السأم

            يغسلهم من رأسهم إلى القدم

            طهارة بيضاء تنبت القبور في مغاور الندم

            نفن فيها جثث الأفكار و الأحزان ، من ترابها ..

            يقوم هيكل الإنسان

            إنسان هذا العصر و الأوان

            (أنا رجعت من بحار الفكر دون فكر

            قابلني الفكر ، ولكني رجعت دون فكر

            أنا رجعت من بحار الموت دون موت

            حين أتاني الموت، لم يجد لديّ ما يميته،

            وعدت دون موت

            أنا الذي أحيا بلا أبعاد

            أنا الذي أحيا بلا آماد

            أنا الذي أحيا بلا ظل .. ولا صليب

            الظل لص يسرق السعادة

            ومن يعش بظله يمشي إلى الصليب، في نهاية الطريق

            يصلبه حزنه، تسمل عيناه بلا بريق

            يا شجر الصفصاف : إن ألف غصن من غصونك الكثيفه

            تنبت في الصحراء لو سكبت دمعتين

            تصلبني يا شجر الصفصاف لو فكرت

            تصلبني يا شجر الصفصاف لو ذكرت

            تصلبني يا شجر الصفصاف لو حملت ظلي فوق كتفي، وانطلقت

            و انكسرت

            أو انتصرت

            إنسان هذا العصر سيد الحياه

            لأنه يعيشها سأم

            يزني بها سأم

            يموتها سأم

            2

            قلتم لي :

            لا تدسس أنفك فيما يعني جارك

            لكني أسألكم أن تعطوني أنفي

            وجهي في مرآتي مجدوع الأنف

            3

            ملاحنا ينتف شعر الذقن في جنون

            يدعو اله النقمة المجنون أن يلين قلبه، ولا يلين

            (ينشده أبناءه و أهله الأدنين، و الوسادة التي لوى عليها فخذ زوجه، أولدها محمداً وأحمداً وسيدا

            وخضرة البكر التي لم يفترع حجابها انس ولا شيطان)

            (يدعو اله النعمة الأمين أن يرعاه حتى يقضي الصلاة،

            حتى يؤتى الزكاة، حتى ينحر القربان، حتى يبتني بحر ماله كنيسة ومسجداً وخان)

            للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان

            ملاحنا يلوي أصابعاً خطاطيف على المجداف و السكان

            ملاحنا هوى إلى قاع السفين ، واستكان

            وجاش بالبكا بلا دمع .. بلا لسان

            ملاحنا مات قبيل الموت، حين ودع الأصحاب

            .. والأحباب و الزمان و المكان

            عادت إلى قمقمها حياته، وانكمشت أعضاؤه، ومال

            ومد جسمه على خط الزوال

            يا شيخنا الملاح ..

            .. قلبك الجريء كان ثابتاً فما له استطير

            أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحو المشرق البعيد

            ثم قال :

            - هذي جبال الملح و القصدير

            فكل مركب تجيئها تدور

            تحطمها الصخور

            وانكبتا .. ندنو من المحظور، لن يفلتنا المحظور

            - هذي إذن جبال الملح و القصدير

            وافرحا .. نعيش في مشارف المحظور

            نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير و التوقع المرير

            وبعد آلاف الليالي من زماننا الضرير

            مضت ثقيلات الخطى على عصا التدبر البصير

            ملاحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نلامس الجبل

            وطار قلبه من الوجل

            كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم

            حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحو القاع

            ولم يعش لينتصر

            ولم يعش لينهزم

            ملاح هذا العصر سيد البحار

            لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم

            لأنه يموت قبل أن يصارع التيار

            4

            هذا زمن الحق الضائع

            لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله

            ورؤوس الناس على جثث الحيوانات

            ورؤوس الحيوانات على جثث الناس

            فتحسس رأسك

            فتحسس رأسك!
            [/align]

            تعليق

            • عبدالرؤوف النويهى
              أديب وكاتب
              • 12-10-2007
              • 2218

              #7
              قصائد من أشعار ..صلاح عبدالصبور

              (6)

              القديس
              [align=justify]
              إليّ ، إليّ، يا غرباء يا فقراء يا مرضى

              كسيري القلب والأعضاء ، قد أنزلت مائدتي

              إليّ ، إليّ

              لنَطْعَمَ كسرة من حكمة الأجيال مغموسه

              بطيش زماننا الممراح

              نُكسِّر، ثم نشكر قلبنا الهادي

              ليرسينا على شط اليقين، فقد أضل العقل مسرانا

              إليّ إليّ

              أنا، طوفت في الأوراق سواحاً، شبا قلمي

              حصاني، بعد أن حلمت بي الأوهام والغفله

              سنين طوال، في بطن اللجاج، وظلمة المنطق

              وكنت إذا أجن الليل، واسنخفى الشجيونا

              وحنّ الصدر للمرفق

              وداعبت الخيالات الخليينا

              ألوذ بركني العاري، بجنب فتيلي المرهق

              وأبعث من قبورهم عظاماً نخرة ورؤوس

              لتجلس قرب مائدتي، تبث حديثها الصياح و المهموس

              وان ملت، وطال الصمت، لا تسعى بها أقدام

              وان نثرت سهام الفجر ، تستخفي كما الأوهام

              وقالت:

              بأن النهر ليس النهر، و الإنسان لا الإنسان

              وأن حفيف هذا النجم موسيقى

              وأن حقيقة الدنيا ثوت في كهف

              و أن حقيقة الدنيا هي الفلسان فوق الكف

              وأن الله قد خلق الأنام ، ونام

              و أن الله في مفتاح باب البيت

              ولا تسأل غريقاً كُبّ في بحرٍ على وجهه

              لينفخ بطنه عشباً وأصدافاً وأمواها

              كذلك كنت

              وذات صباح

              رأيت حقيقة الدنيا

              سمعت النجم و الأمواه والأزهار موسيقى

              رأيت الله في قلبي

              لأني حينما استيقظت ذات صباح

              رميت الكتب للنيران، ثم فتحت شُباكي

              وفي نفس الضحى الفواح

              خرجت لأنظر الماشين في الطرقات، والساعين للأرزاق

              وفي ظل الحدائق أبصرت عيناي أسراباً من العشاق

              وفي لحظة

              شعرت بجسمي المحموم ينبض مثل قلب الشمس

              شعرت بأنني امتلأت شعاب القلب بالحكمه

              شعرت بأنني أصبحت قديساً

              وأن رسالتي ..

              هي أن أقدسكم.[/align]

              تعليق

              • محمد جابري
                أديب وكاتب
                • 30-10-2008
                • 1915

                #8
                نسائم وأذواق

                عزيزي علي متقي حفظك الله ورعاك؛
                نسائم لطيفة، وأذواق لذيذة، وتمسك بطبق الواقع، مع نفي الدلالات المخالفة، تلك كانت سمات هذا الطود الذي ارتمى في أبحر الإلحاد وخرج ناجيا، بينما إسماعيل أدهم ارتمى بين أمواجه ليجعل حدا لتناقضات فكره، وإقصاء ذاته من الوجود.

                والسر بين الشخصين أن من كانت سرائره سليمة، وتمسك بالحق الذي هو اسم الله، وقانونه، بلغ المنزل وأدلج، وحتى إن انقطع حبل العمرولم يدرك سبيل الحق مات مسلما؛ لكونه قضى حيانه باحثا عن الحق.

                وكنت بصدد قراءة للكاتب المميز والناقد الفذ عبد العلي الوزاني فإذا بي أجدني بين طبقين وقراءتين لنفس شاعرية ممزوجة، ورغبة في تمرير نفس من أنفاسه أترككم ترشفون لذة كأسه وعمق عبيره:

                "الأدب فن من الفنون الإنسانية التي يتحدث إليها الإنسان بخلجات قلبه، وتموجات روحه، واندفاعات خاطره، فكان اتصاله بالإنسان اتصالا بالأعماق، وأعماق الإنسانية في الأدب مورد "رزق فني" ؛ وإذا انقطعت الصلة بين الأدب وتلك الأعماق فقد العنصر الإنساني الذي هو سر وجوده، وإذا استطاع أحد أن يكون "إنسانا" في كتاباته فقد فاز بنعمة الأدب، وما محاولة الإنسان أن يبدع الفنون إلا مظهرا لسعيه في تكرار نفسه, وبعثها في صوره الفنية التي يصورها ؛ وعلى أساس هذا الرأي اطمأن مؤرخو الأدب والأخلاق إلى الآثار الإنسانية الفنية في سبيل البحث عن ألوانه النفسية، ومشاعره الوجدانية، ونحن كثيرا ما نقرأ نفوسنا في الآثار الفنية لغيرنا؛ وكأنما هي من عملنا نحن لا من عمل ذلك الغير ؛ وعلى قدر معرفة الإنسان لنفسه ومقدرته على أداء تلك المعرفة يكون تفوقه وإبداعه في الفنون.

                والكمال في الفنون الجميلة هو كمال "الشخصية" الإنسانية فيها ؛ إذا تبين لنا هذا تسارع إلى ذهننا أن الأدب ذوق، وهو يتفاوت في الأشخاص حسب أمزجتهم وانفعالاتهم, وتأثراتهم بمظاهر الحياة؛ ومن ثم كانت الموازنة بين قطعتين من الشعر كالموازنة بين ذوقين وإحساسين."

                بارك الله فيكم وفي جهودكم
                http://www.mhammed-jabri.net/

                تعليق

                • علي المتقي
                  عضو الملتقى
                  • 10-01-2009
                  • 602

                  #9
                  أخي عبد الرؤوف : لم يكن المرحوم صلاح عبد الصبور شاعرا مصريا فحسب ، بل كان شاعرا عربيا يُقرأ من المحيط إلى الخليج، أذكر أثر شعره في نفوسنا نحن طلاب الأدب العربي في الجامعة المغربية ، نقرأ شعراء العربية من المحيط إلى الخليج دون تمييز بين مغربي ومشرقي، نحس أنهم جميعا يمثلون الجيل الذي تتلمذنا على يديه، والمسؤول عن تكويننا الأدبي والأيديلوجي . وقد كانت قصيدة الناس في بلادي وقصيدة الملك لك من أحب القصائد إلى نفسي في تلك المرحلة .
                  ما يميز صلاح عبد الصبور لغته البسيطة المنتقاة كلماتها من حياتنا اليومية ، لكن وراءها فلسفة إنسانية عميقة عاشها جيله يوما بيوم وترجمها إلى نصوص إبداعية خالدة .
                  شكرا أخي عبد الرؤوف على اختياراتك الإبداعية الجميلة التي أتمنى أن تكون مرجعا أساسيا للشعراء الشباب حتى يصقلوا موهبتهم، فالإبداع موهبة تربى وتصقل بقراءة النصوص الرائعة .
                  [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                  مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                  http://moutaki.jeeran.com/

                  تعليق

                  • علي المتقي
                    عضو الملتقى
                    • 10-01-2009
                    • 602

                    #10
                    ونحن كثيرا ما نقرأ نفوسنا في الآثار الفنية لغيرنا؛ وكأنما هي من عملنا نحن لا من عمل ذلك الغير ؛ وعلى قدر معرفة الإنسان لنفسه ومقدرته على أداء تلك المعرفة يكون تفوقه وإبداعه في الفنون.

                    ألأخ الكريم الأستاذ محمد الجابري : حفظنا الله وإياكم وبعد :
                    إن أي نص شعري أدبي لاتجد فيه ذاتك بوصفك إنسانا لا يرقى إلى أن يكون نصا شعريا إنسانيا. ولكي يتحقق ذلك يرتقي الشاعر بتجربته من أن تكون تجربة تهمه وحده إلى تجربة إنسانية ، وذلك بتخليصها من كل ماهو ظرفي وآني وجزئي ومناسبتي وزماني ومكاني ، وتحويلها إلى تجربة إنسانية تلامس معضلة كيانية تهم كل الناس ، فبدلا من أن نتحدث عن جريمة قتل الأطفال الفلسطينيين مثلا كقضية تهمنا نحن العرب والمسلمين ، نتحدث عن جريمة قتل الأطفال بوصفهم أطفالا أيا كانت جنسيتهم وديانتهم ، فتجد لهذا أثرا في نفوس كل الناس حتى من داخل الدولة الإسرائيلية التي ترتكب هذه الجرائم .
                    ويتوسل الشعراء لتحقيق ذلك بمجموعة من الآليات والتقنيات أهمها توظيف التراث الإنساني المشترك من أساطير وتاريخ وثقافة شعبية وذاكرة شعرية .فالألم والسعادة والحب والإخاء والحزن والموت والحياة والمصير الإنساني والشقاء ... كلها مواضيع إنسانية مشتركة يمكن أن تهم كل إنسان . تحياتي الصادقة
                    [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                    مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                    http://moutaki.jeeran.com/

                    تعليق

                    • عبدالرؤوف النويهى
                      أديب وكاتب
                      • 12-10-2007
                      • 2218

                      #11
                      قصائد من أشعار ..صلاح عبدالصبور

                      [align=justify]توافقات

                      من ديوان (شجرالليل)



                      يعترينى المزاج الرمادى، حين تصير
                      السماء رمادية ، حين تذبل
                      شمس الأصيل، وتهوى على
                      خنجر الشجر ، النقط الشفقية
                      تنزف منها ، تموت بلا ضجة ،
                      ويوارى أضالعها العاريات
                      التراب الرميم

                      يعترينى المزاج
                      الترابى ، حين تصير السماء
                      ترابية ، حين يصبح مرج السماء
                      جديبا ، كصحراء تنحل فيها
                      النجوم رمالا،وينحل حتى
                      يذوب ببطن الهيولى القديم
                      التراب السقيم ..

                      يطلع الصبح ، يطلع فى َصباح ،
                      فلا باهر الضوء ، أو مشرق
                      القسمات ، ولكنه فارغ ، الكلام
                      محار رخيص ، وقلبى يفرغ من
                      حزنه الغسقى لكى يشرب الضجر
                      الماسخ الطعم ، موج من
                      اللحظات البطيئة يحملنى مثلما
                      يحمل النسر والدود أو يحمل
                      الزهر والفطر والعشب والريح ،
                      أو يحمل العشق والقتل ويحمل
                      الذكريات الغبية ، يلقى بها فى
                      ظلام شطوط المساء ..السديم

                      ها أنا سائر فى الفصول، عليل
                      صحيح ، كئيب ، وأخشى الكآبة
                      حينا ، وتمضى الحياة تعيد
                      مداراتها، والشمس النجوم تعيد
                      استدارتها، وروحى تعيد ولاداتها
                      واحتضاراتهاوالشموس النجوم ..

                      والشموس النجوم الأهلة ، يازمنا
                      فاترا،ياحياة تجرب كيف تقلد
                      صورتها فى الزمان البعيد القديم.

                      ها أانا أستدير بوجهى إليك،أيا
                      زمنا ليس يوجد بعد ،أيا زمنا
                      قادما من وراء الغيوم .

                      ها أنا أستدير بوجهى إليك ،
                      فأبكى لأن انتظارى طال ،لأن
                      انتظارى يطول ،لأنك قد لا
                      تجىء ،لأن النجوم تكذب
                      ظنى ،لأن كتاب الطوالع يزعم
                      أنك تأتى إذا اقترن النسر
                      والافعوان،لأن الشواهد لم
                      تتكشف ،لأن الليالى الحبالى
                      يلدن ضحى مجهضا،ولأن
                      الاشارات حين تجىء ..

                      تجىء اليناالاشارات من مرصد
                      الغيب يكشف عن سرها
                      العلماء الثقات ،تقول :
                      انتظار عقيم !
                      انتظار عقيم !


                      قصيدة من القصائد الرائعة ، وكثيرا ما أقرأها ، بل أحفظها وأرددها إذا ادلهمت الدنيا بروحى.
                      أستاذنا الجليل ..د.المتقى
                      لست أدرى ..لماذا هذه القصيدة تسبح فى روحى.؟؟
                      هل لأنى.. دائماً ..فى انتظار عقيم؟؟؟
                      !!![/align]

                      تعليق

                      • علي المتقي
                        عضو الملتقى
                        • 10-01-2009
                        • 602

                        #12
                        أخي عبد الرؤوف : هذا إحساس شاعر عاش العصر العربي الذهبي عصر الاستقلال وعصر الثورة الناصرية و عصرحرب الكرامة ، وسنوات الرصاص بكل آمالها وآلامها وتفاؤلها ، فكيف يكون إحساسنا نحن اليوم ؟ نحن الجيل الذي عاش مذابح صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة وجنوب لبنان والضفة وغزة وحروب الخليج المتوالية ، وكل آمالنا المتبقية اليوم كما قال أحد الصحافيين المغاربة محصورة في أن ننتصر في مباراة من مباريات كرة القدم ، وما دون ذلك يبدو مستبعدا على الرغم من الآمال التي تحاول أن تبثها فينا المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، لكن الإحساس باليأس وصل مداه في عصر الصورة البشعة للحروب القذرة. فهل تبقى لنا انتظار حتى يكون عقيما أو غير عقيم ، أملنا الوحيد أن نرى أخوانا لنا في هذا القطر العربي أو ذاك ينعمون بالأمن والأمان ، ويعيشون كباقي الناس في اي قطر من العالم . وحتى هذا الأمل نعيشه كل يوم مشوبا بالقلق والخوف من أن تعيد إسرائيل ترتيب حروفه فيتحول من أمل إلى ألم .
                        تحياتي الصادقة
                        [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                        مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                        http://moutaki.jeeran.com/

                        تعليق

                        يعمل...
                        X