انثـــى ليـــلــة صيــــف...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • انورخميس
    أديب وكاتب
    • 08-11-2008
    • 104

    انثـــى ليـــلــة صيــــف...

    انـــثى ليـــلـة صيف...

    ها قد عدنا اليك مدينة البحر والشمس والملح ..والحروقات الجلدية.." تلفظت بها والسيارة تخطو اولى خطواتها داخل المدينة ..رد احد الرفاق من الخلف "والزغاليل لا
    تنسى ذلك "..ثم ضحك بمرح وتبعته ضحكات اخرى .. "رأس البر" تلك المدينة التى اعتدنا اللجوءكلما سنحت الظروف هربا من قيظ يوليو لجمالها ونظام ونظافة شوارعها وقبل ذلك معقولية اسعارها بالنسبة لأسر متوسطة الحال ..كنا _كرفاق_ نأتى اليها منفردين كل مع عائلته..لكن هذه السنة اصررنا ان نأتى سويا
    بعيدا عن العائلات ..هذا لأننا صرنا رجالا..هكذا قلنا لأقناع الآباء..اما السبب الحقيقى فهو الرغبة فى التخلص من القيود العائلية التى تحد من المرح الغير مسئول
    والانفلات البرئ احيانا الغير ذلك غالبا والذى لا تحلو مثل هذه الرحلات دونه..كنا يومها اربعة مراهقين فرغنا لتونا من امتحانات
    الثانوية المملة منتظرين النتائج التى ستحدد مصائرنا..أقلنا احد الرفاق فى سيارة ابيه الذى قبل ان يتنازل له عنها بعد عناء فتناوبنا عليها القيادة حتى وصلنا ..بحثنا عن
    نزل مواجه للبحر فلم نجد إلا بأسعار لا تطيقها مدخراتنا الطلابية الصغيرة وبعد بحث استغرق بعض الوقت فى شد وجذب مع السماسرةفى محاولة للنزول بسعر الليلة اكتفينا بشقة صغيرة من غرفة وصالة بمبنى يبعد نسبيا عن البحر لليلتين فقط نظرا للحالة الاقتصادية التى كانت عليها جيوبنا التى حرمت من الدعم لأننا "صرنا رجالا" تلك الكلمة السخيفة التى تلفظت بها حماقتنا فنتج عنها حرماننا من العطايا الابوية التى رأت فى كلمتنا تصريح بالتوفير.."رجل ..رجل..عموما وفرت!!" ..هكذا قال لى ابى عندما اعلنته برجولتى المزعومة..استلمنا الشقة وافرغنا حقائبنا واعددنا غدائنا وبعدما فرغنا من التهامه خرجنا(للبالكون) كل يحمل كوب شاى وسيجارة مستطلعين عن بعد امواج البحر والشمسيات التى تجب المصطافين عن اعيننا ..فى هذه اللحظة ظهرت ..فى لباس صيفى خفيف يكشف عن الذراعين وجزء من الصدر امرأة فى البالكون المقابل شكلها لا يوحى بالجمال..نحيفة نوعا ما مجعدة الشعر ..لكنها بالنسبة لنا كانت صيدا ثمينا فهى اول" زغلولة" نصادفها عن قرب..و"زغلولة" هذا لقب كنا نطلقه على النساء ونجمعه"زغاليل"..عندما ظهرت التفتنا جميعا دفعة واحدة اليها..لا حظت هى ذلك فراقها ان تحوذ انتباه اربعة مراهقين على قدر من الوسامة فوقفت برهة تتطلع فينا محاولة
    اختبار انعكاس انوثة غير موجودة إلا فى اعين مراهقة ترى فى كل ما هو مكور وعريان انوثة طاغية لا مراء فيها..بدأت الاختبار بتمرير يدها على خصلات شعرها المجعد مستعرضة شعيرات ابطها امام اعيننا المحملقة ..ثم التقطت من حمالة الصدر سجائرها المستوردة جامعة بسلة عينيها النظرات الجائعة..تعالت الصافرات العابثة فبادلتها بابتسامة بترها إقتحام المشهد قنفذ ضخم ..على هيئة رجل عملاق ينبت الشعر من كل بقعة فى جسده نصف العارى فأطبقت الشفاة المبتسمة وخرست الصافرات
    العابثة..نهرها الرجل وامرها بالدخول ناظرا الينا نظرة مهددة جعلتنا نلتفت ثانية دفعة واحدة ..لكن هذه المرة كل فى اتجاه عدا اتجاه الرجل القنفذ.


    *****
    فرضت السيدة وقنفذها سطوتهما على اغلب احاديثنا ..فى البحر ..اثناء تسكعنا فى شوارع المدينة مساء..حتى فى مسامراتنا البلكونية الساهرة كانا هما محورالحديث..انتظرنا ظهورها فى البالكون اومن وراء النوافذ المفتوحة لكنها لم تظهرعلق احدنا.. "يبدو ان (البغل) قد منعها من الوقوف فى البالكون" ..تسائل آخر ..إذا كانت متزوجة من هذا (الثور) كما قلتم فما هدفها من مناوشة اربعة (مفاعيص) اضخمهم فى عرض ابرة ..يعانى اصحهم من سوء التغذية؟!" قلت فى غرور الواثق مما يقول " لا تنظر المرأة لغير زوجها إلا اذا لم يملأ عينها..وليست المسألة بالاحجام"..قال رابعنا المشاكس بخبث"تقصد عينها أم........." واكملها بغمزة ضج الضحك على اثرها وتعالت الصفعات على صفحات الايدى.





    عند اقتراب الليل من منتصفه قرر الرفاق النزول للشاطئ لتجريب حظهم فى اصطياد بعض الزغاليل ودعونى ملحين فرفضت بحجة انى منهك وسأخلد للنوم ..بالطبع لم انم بعدما رحلوا بل ظللت جالسا مكانى محملقا فى الجهة المقابلة منتظرا لحظة الظهور الغير متيقنة ..راسما فى خيالى سيناريو مثير لمغامرة ذكورية مع امرأة سهلة اتباهى بها امام الرفاق ..جلست مدة ساعة تقريبا بلا حراك منى اوظهور منها حتى كدت ايأس ..خاصة بعدما لاحظت انطفاء الانوار خلف النوافذ..بدأت الوم نفسى على اضاعتى فرصة الخروج مع الاصدقاء واخذ نصيبى من المرح مع الزغاليل ..عندما شرعت فى القيام للنوم محبطا ..ظهرت السيدة..وقفت بمقابلتنى ناظرة فى عينى مباشرة مخرجة سجائرها ..عدت للجلوس مكانى واشعلت سيجارة لأشعرها انى متفاعل معها بطريقة ما..فكرت ان أسألها عن الساعة ثم افتح معها حوارا لكنى تراجعت خشية ان يخرج قنفذها على حين غرة فيضبطنى احادث امرأته فيحدث ما لا يحمد عقباه خاصة انى بمفردى ولا قبل لى به ان اراد تلقينى درسا فآثرت السكون مكتفيا بالنظرات علها تفهم مقصدى..لكن متى كن النساء يأخذن بالنظرات المجردة من الافعال..نظرت لها طويلا الى ان سأمت هى ذلك فكانت بين لحظة واخرى تشيح بعينيها باتجاه البحر او الى الشارع اسفلها حتى انهت سيجارتها فتراجعت للخلف مطفأة المصباح الفلورى المضئ للبالكون واضجعت على احد الكراسى ..اثار تصرفها حنقى فهى تستطيع من موضعها ان ترقبنى دون ان ارقبها او اعلم ان كانت ترقبنى ام لا..فى هذه اللحظة عاد الرفاق محدثين ضجة وتزامن دخولهم مع قيام السيدة ..قال لى احدهم مهللا.."فاتك نصف عمرك..كنا مع ثلاثة زغاليل ماركة صنع فى المنصورة ..لولا خشيتهم من اسرهم كنا اتينا بهن الى هنا..ليتك كنت معنا"..قال اخينا المشاكس لامزا.."دعه ..فيبدو انه من هواة المستعمل"..وضج بضحكة اثارت ضحكات قاصعتها زاجرا..
    _ "ماذا تقصد؟"


    _ " اقصد تلك (العتقية) التى فرت عندما اتينا"


    _ "وماذا فى ذلك؟"


    _ " ماذا فى ذلك ؟! اخبروه انتم ماذا فى ذلك؟!"


    قالها بدهشة فتبرع احدهم بالإيضاح قائلا..


    "الذى فى ذلك انها متزوجة من شخص كان فى حياة سابقة اتوبيسا نهريا..او فى احسن الاحوال طائر رخ إن نفخ فينا سيحيلنا رمادا..ولعلمك امى تريد ان ترانى يوما ما فى( الكوشة) ..فبأى حق تحرمها من ذلك؟"..تجاهلت نظرية صديقى فى تناسخ الارواح وعلاقتها بأمنيات وانا اقول .."وان نلتها؟"..وضع صديقى المشاكس يده مطوقا كتفى وقال فى لهجة نصح ابوى ساخرة.."إفهم يا ابنى..هى فى حد ذاتها ليست مشكلة..المشكلة فى الثور الراقد الآن بجوارها والذى إن احس بك تحوم حولها فإنى لا اشك
    فى انه سيبتلعك ..ثم يهضمك..وفى النهاية ينضحك شعرا على جسده الملئ بالشعر!!"..قالها وعاد للضحك محرضا الاخرين عليه فنزعت يده من على كتفى وقلت فى تحد..
    _ "وان نلتها دون اى خسائر؟"


    _"مستحيل"


    _"اتراهن؟"


    _"على ماذا؟


    _" ان لم استطع اصطيادها فسأشترى من جيبى الخاص كيلو (مشبك) لكل فرد منكم ..وان استطعت دون خسائر يحدث العكس..موافقون؟"..


    اومات رؤوس بالإيجاب وألسنة ب"ok" فقال المشاكس محاولا احباطى.."موافق..ولكن تذكر اننا هنا لليلتين مرت منهما واحدة وبقيت واحدة.فهل ستستطيع؟"..


    قلت بثقة غير متيقنة.." سأفعل".



    *****



    خلدوا الى النوم وظللت انا بقية الليل افكر فى كيفية كسب الرهان..فكرت ان انسب مكان التقيها فيه هو الشاطئ..سأتابعها من بعيد وفى اول فرصة تكون فيها بمفردها اظهر انا وادير معها حوارا..إن اوصلنى لشئ كان بها ..وإن صدتنى يكون قد كفانى ظهورى معها امام الرفاق بمفردها كدليل على انى اوقعتها فى حبائلى ..وبهذه الطريقة اكون قد كسبت الرهان فى الحالتين..اختمرت الفكرة فى رأسى فهدأ عقلى وغفوت مكانى.


    استيقظت صباحا ناظرا للجهة المقابلة وجدت بعض النوافذ مغلقة والمكان يسوده السكون فاستنتجت انهما قد ذهبا للشاطئ ..قمت مسرعا وايقظت الرفاق مخبرا اياهم انى سأسبقهم للشاطئ لملاقاة الزغلولة وان عليهم اللحاق بى إن ارادوا ان يروا بأم اعينهم هذا اللقاء.


    مسحت الشاطئ شبرا شبرا مستغرقا نصف اليوم تقريبا ولم اعثر لها على اثر ..عدت الى الرفاق الذين كانوا قد اتوا خلفى مهرولين آملين خيبتى التى رأوها بالفعل ترتسم على وجهى ليسمعونى ما لذ وطاب من السخرية والتهكم والضحكات الشاطئية المجلجلة المختلطة بصوت الموج الذى خيل لى انه يضحك منى هو الآخر..عدت الى المسكن حانقا ..ماذا افعل؟..فأنا لن اقبل الخسارة بأى حال..على إذا رسم خطة بديلة اخيرة لن يسمح الوقت المتبقى بسواها..ماذا لو انى هاتفتها؟.. لكن من اين لى برقم هاتفها المحمول..إذا ماذا لو هاتفتنى هى؟..برق الخاطر فى رأسى فنزلت مسرعا باحثا فى ارجاء المدينة عن متجر يبيع الادوات الكتابية..عثرت بعد عناء على واحد..
    اشتريت قلم"ماركر"..وعدت مسرعا للمسكن لأكتب رقم هاتفى بخط كبير واضح على حائط البالكون مجازفا بقيمة التأمين والتى بالضرورة سيخصمها السمسار عند تسليم الشقة متخذا فعلتى مبررا..وانا افعل ذلك ورد فى رأسى ان زوجها قد يلحظ..او انها لن تهتم ..مما جعلنى للحظة اشعر بقدر كبير من السخف فيما افعل مما هممت معه ان
    أتوقف..لكن ضيق الوقت وحاجتى لدرء هزيمتى التى رأيتها فى اعين الرفاق تكفلا بإزالة هذا الشعور..إذا فليذهب هوللجحيم إن لاحظ..وهى ايضا إن لم تهتم..هكذا قلت فى نفسى وانا انتهى من كتابة الرقم .."هى محاولة يائسة لكنها قد تنجح ..من يعلم؟!"..تمتمت بها وانا استلقى على كرسى مراقبا البالكون المقابل منتظرا الظهور الثالث للمرأة اللعوب.



    قاربت الشمس على المغيب وقارب الرفاق على العودة ولم تظهر السيدة..ورغم انه وقت يكون النوم فيه غير محبب..علاوة على اننى لم اكن اشعر بالنعاس إلا انى قمت محاولا النوم كر اهرب من الالسنة الطويلة التى لن اخلص منها خاصة حين يرى اصحابها ما كتب على الحائط..بالفعل لم يمر الكثير حتى عادوا..من الوضع متناوما سمعت وقع خطواتهم المتجهة للبالكون ثم الضحكات المختلطة بالترديد البطئ للرقم المكتوب..ثم جرس هاتفى المحمول الذى تجاهلته لمعرفتى ان احدهم من يتصل ..ثم بعد برهة نغمة تعلمنى بوصول رسالة قصيرة علمت انها بالتبعية من احدهم التقطت هاتفى قارئا اياها.." الشاب الوسيم ذا العيون الملونة..ان كنت تريدنى فأنا الآن بمفردى فى المسكن ..انتظرك فى السرير فلا تتأخر"..كان هذا مضمون الرسالة وكان هذا ما يقرأه احدهم بصوت عال لتضج من حوله الضحكات..ظللت فى تجاهلى لهم فأتوا جميعا إلى وقال احدهم"نعرف انك لم تنم"..تواكب قوله مع الوخزات ثقيلة الظل فقمت لهم ضاربا اقربهم (بالمخدة) قائلا"ماذا تريدون منى يا انذال"..قال احدهم ضاحكا"نريد اثنى عشر جنيها ثمن (المشبك) الذى تدين لنا به فنحن ذاهبون الآن لنشتريه"..استعدت مخدتى قائلا..


    _"لم تكسبوا الرهان بعد يا ظرفاء"


    _"اما زال لديك امل؟!"


    قلت وانا اعود لوضع النوم .."رهاننا يمتد حتى الغد".. قال فى بعض جدية.."لك ماتريد ايها البائس والآن ألن تأتى معنا؟"..قلت موليا لهم ظهرى .."لا.. اذهبوا انتم".
    *****


    اخذنى النوم ..حلمت ببعض الاحلام المشوشة التى تليق بنوم مثل هذه الاوقات وحلمت ايضا بالسيدة..حلما مهزوزا إجتاز كل المقدمات الضرورية الممهدة للقاء مكتفيا بصورة شاحبة ابيضxاسود عن لقاء جنسى معها لم ارى تفاصيله بوضوح..ولولا الاحاسيس التى شعرت بها داخل الحلم ما استطعت وصف بالجنسى..وانا فى ذروة الحلم
    استيقظت على صوت تحطم شئ زجاجى..حسبت ان الرفاق قد عادوا ..لكنى عندما استعدت كامل ادراكى انتبهت الى انى لا زلت بمفردى وان هذا الصوت اتى من الخارج ومن التحديد من الجهة المقابلة..خرجت الى البالكون فسمعت صوت السيدة يعلو فى شجار مع الرجل القنفذ سمحت ضلفة النافذة المفتوحة بنفاذه الى اذنى ..لمحتنى هى فى نظرة خاطفة متابعة شجارها..ويبدو ان الرجلقد لاحظ ففهم ان هناك من يتلصص فأطل من النافذة ثم صفعها بعنف لتحول الضلفة المغلقة دون ن سماعى مفردات الشجار فلم اتمكن من تحديد موضوعه..عدت الى الداخل وقمت بتشغيل التلفاز واضجعت باسترخاء على السرير..نظرت للساعة فوجدتها الحادية عشروكسور..
    تأخر الرفاق ..يبدو انهم قد قرروا الاستمتاع بالليلة الاخيرة للمصيف..فى الواحدة تقريبا كنت قد سأمت الجلوس بمفردى فقمت هاما بالخروج للتمشية..رن هاتفى فالتقطته متوقعا ان يكون احد الرفاق لكنى وجدت رقما غريبا..دست زر الاجابة محاولا استبعاد هاجس ان تكون هى..


    _ آلو


    جاءنى من الطرف الآخر صوت انثوى هامس مرتبك يردد نفس الكلمة..


    _ من انت؟


    قلتها وانا اصيغها فى نفسى "هل معقول ان تكون انت؟"


    _ اخرج للبالكون


    جاءنى الصوت بها فخرجت لأجد السيدة تضع هاتفها على اذنها وتتكلم فى نفس اللحظة التى اتانى فيها الصوت قائلا:


    _هل عرفت الآن من أكون؟


    اومأت برأسى


    _عد الآن للداخل كى لا يلحظنا احد


    فعلت ما طلبت فأتانى صوتها متابعا
    _هل تريد ان ترانى على إنفراد؟


    _بالطبع


    _إذن الحق بى على الشاطئ ..سأنتظرك هناك


    _وهو كذلك


    قطعت الاتصال فوقفت واجما للحظات محاولا استجماع شتات فكرى الذى اربكته المفاجئة لأفكر..هل هو لقاء حقيقى ام فخ محتمل ..محتمل ان يكون القنفذ قد لاحظ المكتوب فقادته الظنون للمشاجرة السابقة وعندما انكرت هى اى معرفة بالرقم المكتوب او بصاحبه طلب منها كدليل ان تهاتفنى للقائها وعندما اذهب فى الموعد اجدهما بانتظارى فتحدث مواجهة تثبت بها براءتها واتلقى ان عقابى ..معقول جدا..إذا..هل اغامر واذهب ..ام اوثر السلامة..دارت هذه الاسئلة بخلدى الى ان قاطعتها عودة الرفاق مما ساعدنى فى حزم امر وطرح هواجسى جانبا فقررت الذهاب وليكن ما يكون ما يكون..قبل ان يبدأ الرفاق فى تكرار مطالبتهم بأنصبتهم من (المشبك) عاجلتهم قائلا.."انا ذاهب للقائها عند الشاطئ ..إن اردتم الؤية بأعينكم الحقوا بى عن بعد..وعندما اشير لكم بالإبتعاد عودوا ادراجكم"..قلتها بقصد توفير الدعم إن كان سيناريو الفخ هو القائم ..فأنا لن آكل (العلقة) بمفردى على اية حال..قلتها متجاهلا عبارات من قبيل.."لم نعد نأكل من هذا الكلام"..او من قبل "صحيح هذه المرة..ام ستكون مثل سابقتها"
    ..او"تابعوا الكذاب حتى الباب"..فقط قلتها وخرجت.
    *****



    محفور هذا اللقاء فى الذاكرة لم يزل..بكل تفاصيله التى تنساب فى لحظات كثيرة غير مناسبة احيانا..واقفة بالقرب من الموج على حافة الانغماس مولية ظهرها للعالم..اقترب منها بارتباك ..اقف لحظة مترددا..اهم ان انقر كتفها لكنى اتراجع قائلا.."احم..مدام ..مساء الخير"..تلتفت وقد ارتسمت على وجهها نظرة المباغتة لكنها تتجاوزها بسرعة وتمد لى يدها قائلة.."اهلا"بابتسامة انتزعتها غصبا من اعماق مرارة ما لتزين بها وجهها الشاحبذى الاهداب المخضبة بالدمع او ربما برذاذ الموج..هكذا احسست وانا التقط يدها متأملا هذا الوجه الذى به شئ إنسانى للغاية ..ليس هو الوجه المعد لفخ ..وايضا ليس بالوجه الرخيص الذى تتلهف شفاته للقبلت الحارة ..وجه لا ينم عن الشبق الذى شعر به مع النسخة الحلمية للسيدة..وجه مقلق للرغبة المنتظرة خلف اسوار الملابس الخفيفة..الرغبة المستعدة للمجازفة بالإنفجار هنا على الشاطئ..او حتى فى احضان الموج المرادف للبلل..رغبة مبتلة..إحساس جديد قد يكون من الممتع تجربته.


    _ "إسمى..."


    تسحب يدها من يدى بسرعة لتضعها على شفتى..


    _"هش..لا اريد ان اعرف"


    قلت وقد اسقطت منخاطرى هاجس الفخ لتحل محله الآمال فى لقاء ساخن:
    _"إن كنت لا تريدين معرفة اسمى فعلى الاقل اخبرينى بإسمك"


    قالت وهى تسحبنى من يدى لأقف بمحاذاتها:
    _"فى ماذا تهمنا الاسماء..الاسماء غير مهمة"


    تريد السيدة ان تجعلها نزوة صيفية عابرة دون ان تتورط فى ما هو ابعد من ذلك..لا بأس ..حقها..هكذا قلت فى نفسى وانا ادعوها:
    _"اتحبين ان نجلس فى احدى الكافتيريات..ام تفضلين التمشية؟"
    _"قلنظل هنا امام البحر..ألا ترى هذا الجمال الذى تحيله الظلمة غموضا ساحرا"..


    مدخل لا بأس به للقاء من المفترض ان يكون ساخنا..هكذا علقت على عبارتها فى نفسى وانا المح الرفاق عن بعد وقد اتوا ليختبروا صدق زعمى فجلست ودون تكلف جذبت يدها برفق لتفعل مثلى كى اثبت للأعين المتلصصة مدى الالفة التى صارت بيننا ..استجابت بآلية فجلست ضامة قدميها الى صدرها مطوقة اياهما بذاراعيها وتطلعت الى الموج لحظات ثم سألتنى دون التفات:
    _"كم عمرك؟"


    _ "18"


    _"كان ليصبح فى مثل عمرك الآن"


    _" من؟ "


    _" ابنى"


    _"هل لك ابن؟"


    _" كان "


    " كان؟! "


    _ "تسرب منى فى نزيف ابتلعه المرحاض"


    قالتها ثم التفتت الى سائلة:
    _" هل صحيح انهم يتخلصون من الصرف الصحى هنا فى البحر؟"


    قلت بدهشة ممزوجة ببعض التقزز:


    _ " اعتقد ذلك!"


    عادت تتأمل البحر وهى تقول:
    _"إذن فهنا مثواه "


    محاولا تنبيهها الى اننا جئنا الى هنا لشئ آخر غير الحديث عن جنينها المنزوف وعلاقته بالصرف الصحى.. وعلاقة الاثنين بالبحر:
    _ألهذا منذ جئنا وانت لا تأبهين سوى للبحر"


    اجابت بعدم فهم لمغزى السؤال:
    _"ليس لهذا فقط ..فالبحر يتيح لنا الكلام بحرية اكبروالتفكير بهدوء اكثر..يتيح لنا مجالا للفضفضة الآمنة ..او التى نظن انها آمنة..لا اعرف لماذا نظن ذلك ..اعتقد اننا نحسب ان صوتنا سيضيع فى هدير موجه فلا يستطيع الآخر الذى نتعرى امامه بالفضفضة سماع ما نقول ..فنشعر براحة مزدوجة..واهمين انا انفسنا بأننا قد ازحنا عن صدورنا بعض الهموم بالفضفضة امام شخص آخروفى نفس الوقت نكون قد احتفظنا فى الحقيقة بأسرارنا لأنفسنا وهو فى الحقيقة ما لا يحدث..لأن الحقيقة ان الآخر دائما ما يكون قد سمع ما قلنا ..كما تفعل انت الآن"..قالتها ملتفتة الى ضابطة إياى متلبسا بلفتة نحو الرفاق أوجبتها ثرثرتها التى لم تكن وقتها تعنينى فى شئ ..خاصة انى لم افهم معظمها..نظرت الى ماكنت انظر اليه قائلة:
    _" هل دعوت اصدقائك؟"


    _" لا ..لا..اصدقائى؟!..بالطبع لم افعل"


    نظرت فى عينى صامتة مما جعلنى اقول فى تسليم شابه بعض الكذب:
    _"لم ادعوهم..لكن من الممكن ان يكونوا قد استشفوا عندما رأونى آتيا انى على موعد فأتوا ليروا من برفقتى.."


    عادت ناظرة للموج فى صمت امتد برهة فحاولت قطعه بسؤال لم يعننى فعلا معرفة اجابته بل فقط سألته لأحاول إعادة الحديث لمجراه الهادئ بعيدا عن الشكوك التى قد تكون داخلتها إثر الالتفاتة الاخيرة:
    _الم تنجبى بعدما فقدتى جنينك هذا؟"


    ردت بهدوء:
    _ " تكرر النزف..فاكتشف الاطباء ان البيت هو الطارد وليس الساكن هو الهارب"


    _"لا افهم"


    _" قالوا لى انه تسرطن ويجب ان يزال هو وآلة التبوض الصانعة للأجنة..انتزعوهما منى رغم رفضى ..تاركين اياى انثى بلا انوثة سوى تلك التى تحتل خانة النوع فى الرقم القومى..حرمونى حتى من طفل انبوبى اشعر معه بالحياة" ..قالتها ثم ذيلتها بـ" هل تراهنتم على؟" ..اصابنى سؤالها المتفرس بارتباك لص امسك بحمله فبدأت فى التلفظ بكلمات نفى متلعثمة تثبت اكثر مما تنفى فراستها فالتفتت الى مبتسمة رابتة على يدى برفق وهى تقول:
    _" لا بأس..قد كسبت الرهان على كل حال..اليس كذلك؟"


    قالتها وتمددت فوق الرمال واضعة يديها خلف رأسها مسلطة عينيها هذه المرة نحو السماء..


    _"كيف ترانى ؟"


    قلت وانا اشير لرفاقى بالابتعاد معتقدا ان الحديث بدأينحو المنحى الذى ابغيه:
    _"اراك جميلة بالطبع"
    _"لا اقصد هذا..اقصد ما الانطباع الذى اخذته عنى ونقلته بالطبع لأصحابك ..ترانى امرأة رخيصة تنتظر اقرب الفرص لتبلل فراش زوجها بسوائل اول رجل يصادفها ..اليس كذلك؟"
    اصابنى كلامها المكشوف بالوجوم هذه المرة وعندما حاولت النطق سبقتنى قائلة:
    _هل تحب الشموع؟..انا احب الشموع..هل جربت يوما ان تجلس فى ضوئها الخافت مراقبا الظلال المرتسمة على الحوائط؟".
    _ "فقط عندما تنقطع الكهرباء"
    _"إذن تخيل ان الكهرباء انقطعت وانك جالس الآن امام شمعة بدأت تستنفذ وتذبل ضوئها يخبو فأتيت انت ووضعت عليها قطرة زيت ..ماذا يحدث؟"


    اجبت فى تساؤل:
    _"تتوهج؟"


    _"ثم تعود سريعا لتخبو"..قالت ثم صمتت لحظة واردفت.."انا الشمعة وانت قطرة الزيت..هل تفهمنى؟".
    اومأت برأسى فعاد الصمت الذى قاطع الحديث كثيرا لسود لكن لمدة اكبر هذه المرة ..اغمضت عينيها فى ثبات جعلنى اظن انها فى طريقها للنوم..اقتربت منها بحذر متشجعا وهبطت على شفتيها بقبلة هادئة لكن عميقة..لم تمانع..بل احتوت شفتاى وقبلتنى"بحرقة"..لا اجد غير هذه الكلمة لأصف طبيعة القبلة ..احسست ان شفتيها قيد اطبق على فمى ..قبلتنى قبلة مختنق لأنبوب اكسجين ..قبلتنى حتى شعرت ان انفاسى تضيق وحياتى تنسحب فنزعت فمى من شفتيها هابطا الى اسفل ..وانا فى الطريق قاطعتنى قائلة:
    _"انظر ..القمر انزوى خلف الغيوم"


    نظرت الى حيث قالت ضجرا من هذه الشاعرية الآتية فى غير وقتها وقلت:
    _" عادى..سحابة صيف كما يقولون..لا تقلقى سيظهر الآن"..قلتها مستأنفا طريقى لأخدود صدرها فأولتنى ظهرها قائلة:


    _"هكذا تنزوى اعمارنا خلف غيوم الزمن..لكن الفرق بيننا وبين القمر انه دائما لديه الفرصة للظهور ثانية على صفحة السماء..اما نحن عندما نغيب فلا فرصة اخرى لدينا للظهور على صفحة الحياة ..فنغيب وكأنا لم نكن يوما..اليس فى ذلك بعض الظلم؟..نحن والقمر مخلوقات..والخلود والفناء كلمات تحدد المصائر..ومن قسم الاقدار اختار للقمر الخلود مصيرا وترك لنا الفناء..وهذه هى مأساتنا كبشر........." قالت ذلك مفقدة إياى أى رغبة..حتى الرغبة فى الكلام..قالته وقالت الكثير من كلام لم اسمعه جيداحيث تمددت على الارض وانشغلت بلعنها فى نفسى ..هى ..والقمر.. والسماء ..والغيوم ..و..ثقل جفناى فنمت.




    افقت على لسعة الشمس وضوضاء اثارها بعض المصطافين الذين اتوا للشاطئ باكرا..لم اجدها جوارى بالطبع..فقمت عائدا الى السكن لاحظت اثناء العودة عدم وجود سيارة زوجها ..رفعت نظرى لأعلى فوجدت ان نوافذعا مغلقة..صعدت الى الرفاق فاستقبلنى احدهم باسما وهويقول " (عتقيتك) رحلت باكرا..ها قل لى ..ماذا فعلت بعدما رحلنا؟"..اجبت بضيق لم يكترث إلا بالخبر الذى احتل الجزء السابق للسؤال "نمت".. نطقتها مهرولا الى هاتفى المحمول باحثا فى سجل المكالمات الواردة عن رقمها ثم طلبت..طلبت..وطلبت لكن...........


    الهاتف الذى تحاول الاتصال به ..ربما يكون مغلقا او غير متاح حاليا".


    *****
    " ها قد رحلنا..مدينة البحر والشمس والملح ..والحروقات الجلدية"..تلفظ بها احد الرفاق نيابة عن الصمت الذى احتلنى والسيارة تنهب طريق العودةوانا انظر للخلف و لا زلت اسمع صوت الموج ..اسمعه رغم اختفائه فعليا عن ناظرى...اسمع زئيره المحتبس فى صدفة وجدتها صدفة على الشاطئ..رد احد الرفيقين الجالسين بجانبى فى الخلف.."و(العتاقى )..لا تنسى ذلك"..قالها ناظرا الى فى ابتسامة واكبتها وخزة فى قدمى المحملة بلفائف(المشبك)* التى تنازلوا لى عنها بطيب خاطر..فأنا فى نظرهم قد كسبت الرهان .




    .................................................. .................................................. .................................................. ...............................................


    (المشبك)*: حلوى تشتهر بها مدينة دمياط
    __________________
    التعديل الأخير تم بواسطة انورخميس; الساعة 05-09-2011, 01:23.
    http://anwarkamess.maktoobblog.com/
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #2
    [align=center]الأستاذ الأديب
    أنور خميس
    هل تعلم كم من وقتى أكلت سطورك !!
    قوية البنيان .. ومفردات لذيذة مثل مشبك دميا ط
    (لكن بالتأكيد موش هيكون أحلى من مشبك مطوبس هههههههه )
    سرد خفف عنى طول الأسطر (كالعادة) .. كنت أتنفس أنفاس الصبى .. كان صدرى يطبل فى لحظة كان بها قليل من الوصف الصريح .. بطبيعة البشر هم كانوا فى مرحلة لا تتعوض ليتهم استغلوها فيما ينفعهم فى الرشد .. !
    جميلة القصة أحببت الوصف و المفردات .. الصور رغم بساطة الأسلوب متينة أحكمتها بعمل (كنترول) على قلمك و بالتالى سيطرت على الصبية بذكاء ..كنت أعدو بسرعة فى السطور كى أرى النهاية الرومانسية الهادئة لنا و القاسية على الصبى .
    أشكرك بعدد كلمات القصة الطويلة إثر الحوار المسهب و لكن بجمال .[/align]

    ملحوظة :[align=right](اثنى عشر جنيها ثمن المشبك )
    وهم كانوا ثلاثة غير الصبى . يعنى الكيلو هيقف بـ 4 جنيه .. يابلاش .
    مع إنى كنت موصى واحد زميلى بيشتغل فى راس البر على 2 كيلو .. وخد منى 11 جنيه يعنى الكليو وقف عليا بـ 5 جنيه و نص ..
    عموما المشبك عندنا فى مطوبس بـ 6 جنيه بالهنا و الشفا .
    هههههههههههه
    تحياتى [/align]
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • انورخميس
      أديب وكاتب
      • 08-11-2008
      • 104

      #3
      ههههه..

      عذرا أخى محمد على تأخرى فى الرد عامين..

      ولكنى حقا لم أقرأ مداخلتك الجميلة الا الآن وانا أقلب فى موضوعاتى السابقة..

      أما عن أنها أكلت وقتك..فإنى أعتذر..ولكنها مجموعة مواقف مترتبة على بعضها ..هل كان يمكن الاختصار ..أعتقد..ولكن لم تكن لتخرج القصة بالشكل الذى يرضينى..ولكن هل طول القصة يخرجها عن كونها قصة ..لا أعتقد..فقط يدخلها فى عداد القصص الطويلة..وكم قرأت قصصا طويلة لكل الادباء بلا إستثناء..

      أما عن المشبك..فالبطل كان عمره ثمانية عشر عام..وبالتأكيد ساعتها كان المشبك أرخص..ههههههه

      أما عن مشبك مطوبس فلم أذقه حقيقة..

      أسعدتنى جدا مداخلتك..

      وعذرا مرة أخرى لتأخرى فى الرد
      التعديل الأخير تم بواسطة انورخميس; الساعة 05-09-2011, 01:45.
      http://anwarkamess.maktoobblog.com/

      تعليق

      يعمل...
      X