رسالة من لندن...!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابراهيم عبد المعطى داود
    أديب وكاتب
    • 10-12-2008
    • 159

    رسالة من لندن...!!

    رسالة من لندن مذ سافر حازم الى لندن فى بعثة تعليمية وهو يراسل أخاه الأكبر بإنتظام , كان يقص فى رسالاته عن كل مايمر به , وكل مشكلة تعتريه , وكل موقف يتعرض له .. ولم لا ..؟ فقد اعتاد أن يصارح أخاه بكل شىء , يأخذ منه النصيحة , ويستلهم منه الحكمة .. فقد كان أخوه بمثابة الأب والعم والخال والصديق .. يثق فى رجاحة عقله .. وعمق تفكيره ..
    وفى يوم زرت الأخ الأكبر .. وتشعب الحديث .. وبالطبع سألته عن حال أخيه فى لندن .. ابتسم وأخرج من جيبه خطابا تلقاه منه وقال وهو يضعه فى يدى :
    - إقرأ .. هذه آخر أخبار أخى ..
    **************
    أخى الحبيب
    تحية عاطرة
    منذ أن وطئت بأقدامى أرض مدينة لندن .. وكما كتبت فى رسائلى السابقة لم أخرج من صومعتى .. الجامعة .. الفندق .. غير أنى أؤدى صلاتى فى أوقاتها . وأتلو القرآن كل صباح .. وأذكر الأدعية فى المساء .. انخرطت فى الحياة الجديدة لكن بحذر وتوجس .. دققت فى كل تصرفاتى .. حاسبت نفسى عن كل شاردة .. أغمضت عيني عن كل فحش .. كنت أذهب الى الجامعة مترجلا ومارا بميدان بيكادللى الشهير .. كنت ألمح الشباب والفتيات يمرحون .. يصخبون .. فأدير وجهى وأسرع الخطى عابرا الميدان بسرعة كأنى أهرب من شيطان .. علمتنى ياأخى أن أصلى .. وأن أحتهد فى دروسى .. وكانت لكلماتك أوقع الأثر فى نفسى .. ونصائحك ترن فى أذنى ( اياك والسهر والعربدة وصحبة النساء ) .. وكلما اختلط علي الأمر أو عنً لى شىء ما .. سألت نفسى :
    - ترى كيف يتصرف أخى لو كان فى مثل موقفى .. ؟؟
    حتى كان يوم
    مررت بالميدان كعادتى .. كان المطر ينهمر بهوس .. والثلج يتساقط بغزارة .. والناس من حولى يجرون .. يبتعدون عن الخلاء .. ويبحثون عن مكان يحميهم .. أما أنا فقد احتميت تحت مظلة صغيرة بعد أن دثرت نفسى جيدا بالكوفية ووقفت أرقب الطريق .والمارة .. بعد برهة لمحت فتاة تتقدم نحوى مسرعة ثم تقف الى جوارى وقد التصقت بى تحت المظلة .. كانت ترتعش من البرد الشديد حتى أكاد أسمع صوت اصطكاك أسنانها .. ومياه المطر بللت ملابسها .. وتهدًل شعرها على جبينها فى فوضى .. أحسست بشفقة اجتاحت كيانى .. بسرعة خلعت معطفى ورفعته واضعا اياه على كتفيها .. نظرت نحوى بإمتنان وهى تمسح قطع الثلج من فوق جبينها .. شعرت براحة عجيبة .. شعرت أن مافعلته كان نابعا من رغبة غريزية فى المساعدة ومد يد العون .كتلك الرغبة التى تدفعنا الى اختطاف طفل من طريق احدى السيارات أو تلك التى تدفع شخصا لايجيد السباحة الى الوثوب من فوق جسر لإنقاذ انسان أشرف على الغرق .. هكذا تصورت .. والفتاة ملتصقة بى .. وصوت المطر يخفت تدريجيا حتى انقطع تماما وعادت الحياة ثانية الى المدينة .. أفقت من تطلعى وجدت الفتاة تنظر الي بعينين فيهما سحر وبراءة وقالت :
    - أشكرك .. يبدو أنك شرقي ..؟
    هززت رأسى .. رفعت المعطف من فوق كتفيها وناولته لى , أطالت التحديق فى وجهى ثم تبسمت وهي تقول :
    - هل تعرف أن عينيك ساحرتان ..؟
    لم أجب .. إحمر وجهى خجلا فأسبلت عينى .. أكملت :
    - أنت خجلان .. أنت هنا فى لندن !!
    حاولت أن أتكلم وأنا أضع المعطف على كتفى .. قالت وهى تشير بأصبعها آخر الشارع :
    - أنظر .. على بعد خطوات يوجد مطعم صغير .. .. هل تمانع أن نتناول طعام العشاء فيه الليلة .. ؟
    لم أعرف كيف أجيب .. ازددت خجلا .. سكتت الفتاه برهة وهى تتابع التحديق ثم قالت :
    - سأنتظرك موعدنا الساعة الثامنة .
    انصرفت ..مرقت كالغزال وهى تنظر الي وتشير بيدها ..
    دخلت جامعتى لأول مرة وعقلى مشتت .. عينا الفتاة الساحرتان وإنطلاقها كالغزال وصوتها الساحر كأنه صوت ربابة .. والموعد الذى ضربته لى الساعة الثامنة
    عدت فى الرابعة الى الفندق وأنا مضطرب .. قلق .. أخذت أتلو القران كأننى موشك على الغرق .. أو لعل نور الإيمان يثبت قلبى .. ولكنى أشعر بإنحراف حاد فى أحاسيسى .. انى أنزلق فى هدوء لكن فى ثبات وإصرار .. أطبقت المصحف الكريم . شعرت بأن مايدور فى خاطرى لاينبغى أن يجول فيه وأنا أمس الكتاب الطاهر .. اليوم موعد فى مطعم وغدا موعد فى مخدع وهنا لافرق !!
    وقفت أصلى العصر وعقلى شارد ثم صليت المغرب وكنت أتلو الآيات وأنا لاأعيها .. شعرت بأننى أنافق ربى .. أصلى له بفكر مشتت وعقل عابث .. وكلما مر الوقت اشتد وجيب قلبى .. وكلما نظرت الى الساعة أجد نفسى مدفوعا دفعا الى أن ألبى الدعوة لماذا أحاول إنتقاء أحسن ملابسى .. ؟ لماذا أحلق ذقنى ؟ لماذا أفعل ذلك وأنا لم أقرر بعد الذهاب ؟! ربما كان عقلى الباطن قد قرر وانتهى الأمر .. ربما كان سحر الفتاة قد استولى عليً فأصبحت بلا إرادة .. ذهبت فى الموعد تماما .. كان المطعم غاصا بالرواد .. والأنوار متلألئة.. الوجوه مشرقة .. الضحكات خافتة .. رأيت صاحبتى تجلس على مائدة تقدمت نحوها وجلست قبالتها فى إرتباك .. استقبلتنى بإبتسامة ساحرة وعينان تلمعان قالت :
    - أردت أن أشكرك على جميل صنعك قصصت ماحدث على أمى وأبى فباركا هذا اللقاء وشجعانى على دعوتى هذه لك.
    شعرت بعجب أخى العزيز , شعرت بالفارق , أتذكر ماحدث الصيف الماضى عندما وقف عويس يتكلم مع سعدية فى الحقل .. مجرد كلام .. فقد ثار والدها وبالمنجل ذبحها كما تذبح النعجة .. أما هنا فأبوها وأمها جلسا يتحاوران .. يفكران فى كيفية رد الجميل الي ..!
    بدا لى سحر روحها أروع ألف مرة من سحر وجهها وجسدها .. لاأكتمك أخى اننى جئت الى الموعد وفى ظنى انه موعد غرام .. ومن يدرى ؟ ربما يكون موعد اثم وفجور ..
    وقتها احتقرت نفسى .. شعرت بأننى انسان كنت مستعدا أن أتخلى عن مبادئى وتربيتى ودينى لمجرد اشارة وابتسامة وصوت عزب .. ماأضعف ايمانى ..
    كان حديث الفتاة عجبا .. سألتنى عن دينى وبلادى وتقاليدى الإجتماعية .. أفضت اليها , قالت :
    - ليتنى أستطيع زيارة بلادكم الجميلة , سأبذل كل جهدى لأحقق هذه الأمنية .. وفور تخرجى من الممكن أن أقوم بالسياحة أنا وخطيبى !
    أفقت من ذهولى .. ومن السحر الذى نثرته الفتاة حولى .. خطيبها .. حسبت أول الأمر أنها تصطاد رجلا وفى أحسن الظروف زوجا .. ولكن هاهى مخطوبة .. انها لاتفعل الا عملا إنسانيا محضا .. كاد ريقى يجف .. وأخذت الكلمات تتعثر فى فمى .. هل أحببتها ؟ هل أغار عليها ؟؟ ها أناذا أكاد أتهاوى لأنه لايمكن أن تكون هذه أو تلك ..!
    سألتها :
    - هل تحبينه ..؟
    أبدت دهشتها من السؤال وقالت :
    - ولماذا اذن اخترته زوجا لى ..؟
    طال الحديث , كانت كثيرة الإبتسام .. وكنت مهموما دائم الإنقباض
    بدت أمامى رائعة ساحرة .. قالت ونحن نفترق :
    - اتمنى أن أراك كل اسبوع .. واذا جاء خطيبى فسيسعده هو الآخر التعرف عليك ..!
    وافترقنا .. ولم اذهب للموعد .. كانت حياتى تتنازعها قوى متعددة متجسدة فى أمنيات لم تتم .. تمنيت لو لم تكن محبوبة اذن لأحببتها .. تمنيت لو لم أكن قد رأيتها اذا لأرتحت من نار الحب التى تتلظى فى قلبى .. تمنيت لو تركتنى حيث كنت فى صومعتى .. وعزلتى ..
    وانطلقت فى السهر لأنى وجدت فيه ماينسينى بعض خجلى وانطوائى وعدم تقديرى الجيد للأمور ..
    وثبت لدى أن الأشخاص الذين طبعوا على الهدوء والدعة هم وحدهم الذين يعانون من هذه الإنفعالات عندما تنفجر عواطفهم المكبوتة بمثل القوًة التى ينفجر بها البركان . بهرتنى الحياة الجديدة .. فتيات جميلات .. غناء ,, أضواء .. رقص .. وفى غمرة السقوط نسيت الفتاة تماما وأصبحت أسخر من براءتى وحيائى !!
    حتى كانت ليلة رأس السنة
    اشتعلت لندن بالأضواء المبهرة .. والأنوار الساطعة .. والصخب الهادر
    ذهبت الى صالة الرقص .. كانت الموسيقى مثيرة .. وكنت فتى السهرة بلا منازع والبنات تدعوننى للرقص .. ودعتنى واحدة فلبيت دعوتها وبينما كنت اخاصرها والموسيقى تزعق كأنها شيطان .. ملت عليها وضممتها الى صدرى .. هاهى .. هى بعينيها الفتاة .. املى ورجائى .. أفقت ولمحت فى عينيها بريق ملاك يغيب ونظرات شيطان صاعد ..!
    قالت :
    - أنت ؟
    قلت
    - أنت ؟
    كانت الخمر تفوح من فمها وجسدها يضطرب بين يدى .. قالت :
    - دعنا نخرج بعيدا إن لى معك حديثا
    طال الحديث وسألتها عن تبدل حالها قالت فى حزن :
    - خاننى خطيبى وتركنى وذهب ولن يعود ..
    سألتها :
    - وهل هذا سبب يجعلك تبدين هكذا ..؟
    قالت :
    - حياتى ملكى وسأعيش كما أريد
    قلت لها :
    - نتزوج سويا
    قالت :
    - لن أفعل .. أحببت مرة واحدة وخاننى الحب فأغلقت قلبى
    قلت :
    - لن تستطيعى إن الحب يطرق القلب وقت أن يشاء
    قالت :
    - ووقت أن أشاء أنا أيضا ..!
    سألتنى صاخبة :
    - وأنت هل ذقت الحب ..؟
    قلت :
    - نعم مرة واحدة ذات مساء !!
    قالت :
    - ثم
    قلت :
    - ذهب ولن يعود
    حاولت أن تلتصق بى .. دفعتها دفعا الى الصالة ثم خرجت أفر بنفسى فرارا
    سرت فى الطرقات أتنفس نسيم الفجر المنعش والسكارى يتخبطون من حولى ..
    كنت واضح الهدف .. نظرت الى السماء .. ظلمة الليل قد بهتت وإنسكب فى الأفق الشرقى نور الفجر الهادىء .. كنت قد اقتربت من مسكنى ومررت على مسجد بابه مفتوح .. نظرت بداخله مدفوعا برغبة مجهولة .. وإذ بصوت المؤذن تلتقطه أذناي .. يدعو الى الصلاة .. كان صوت المؤذن جميلا .. تمشًت فى حواسى نور إيمانى .. وعصر قلبى حنين سماوى .. وإهتز وجدانى بعنف وكأنى أسمعه لأول مرة ..
    أخى الحبيب
    الحياة أعظم جامعة للتعليم
    دعنى آخذ عظاتى منها .. لاتعظنى هذه المرة .
    وتقبل خالص ودى .
    ..

    التعديل الأخير تم بواسطة ابراهيم عبد المعطى داود; الساعة 25-04-2009, 12:54.
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    ابراهيم عبد المعطي داوود
    صدقا تركت الكيبورد وصفقت لنصك طويلا
    جاء النص مؤثرا بكل كلمة من كلماته وبكل لحظة وصف لمشاعر الإنسان
    نص باذخ فعلا وعفوي ويمتلك قدرة كبيرة أخاذة على الغور عميقا
    رائع ولاشك أبدا شرح الكثير مما يحدث حولنا ومعنا ولنا.. نص خصب بكل المعاني ويستحق النجوم الخمسة
    تحياتي لك وودي زميلي الكريم
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      الاستاذ القدير ابراهيم عبد المعطي داود

      الحياة أعظم جامعة للتعليم

      قصة ممتعة تحتوي على دروس ومواعظ هادفة
      اسلوب جميل ولغة اجمل
      دمت بخير
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        صديقى إبراهيم داوود
        صباح جميل مثلك
        لم يبد الأمر مأساويا ؟
        و الحقيقة أنه لا يحتمل إطلاقا ، خاصة ،و أن البطل لم تكن له الصلة الحميمة بهذه البطلة .. لا أدرى .. ربما تراثنا الذى حملنا به ، و التى أكدت عليه فى أول بل فى كل القصة ؟!
        هذا لقاء يتم بين مغترب ، و فتاة ، فى لحظة لا نقول استثنائية ، و لكنها عادية تماما ، فلم كان كل هذا الافعام ، و كل هذه الحمول ، و كأنه كان فى حقيقة أمره ينتظر ، أن يحدث فتحا هناك ، فى بلاد الغرب ، يشبه فتوحات العرب و الأبطال الأقدمين .. أحسست بذلك .. فهو يقف على شفير من المعاناة ، محملا بالكثير من التقاليد الحازمة ، و الرادعة ، فإذا اقترب شاب من فتاة ، فالشيطان ثالثهما ، و إذا ما فعل معروفا ، فإن حبا لا بد سيقع .. غريب أمرنا ، و كأننى مازلت أقرأ فى مذكرات أو ل مغترب عربى فى بلاد الافرنج ، أو لرفاعة الطهطاوى ، و غيره من الأقدمين ، و كأن الحياة نفسها لم تتغير هنا ، فى بلادنا .. بلاد العرب .. خاصة مصر .. !!
        أقرأ باستغراب لما رأيت !!
        وكفى هنا
        هناك بعض الأخطاء التى تسربت أخى ، أذكر فقط للتنويه :
        و قال وهى يضعه فى يدى ( وهو )
        ونصائحك ترن فى أذناى ( أذنى )
        حتى كان يوما .. كان هنا بمعنى جاء فتكون ( يوم )
        هل تعرف أن عيناك ساحرتان ( عينيك )
        متلألأة ( متلألئة )
        استقبلتنى بابتسامة ساحرة و عينا تلمعان ( وعينين )
        أما هنا فأبيها و أمها جلسا يتحاوران ( فأبوها )
        هذا غير همزتى الوصل و القطع فى أول الأفعال و الأسماء
        شكرا لك أخى العزيز
        تحيتى و تقديرى
        sigpic

        تعليق

        يعمل...
        X