خصائص الكتابة الذاتية (2)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد جابري
    أديب وكاتب
    • 30-10-2008
    • 1915

    خصائص الكتابة الذاتية (2)

    خصائص الكتابة الذاتية (2)
    [align=justify]
    أوهمتكم قرائي ببخار كثافة حروفي، وأذقتكم من كأس رنات الكتابة أسرار البنان في استشعار تأليف الكلم لرسم الصور، والظلال، والأنغام.
    وفي غياب بنت الدار، حضرت بسمة ملأت الجو كرما، وأشعلت شمعة ثانية لمجالسة القيثارة البلبلية المسومة في إيحاء ذاتي لخصائص القلم بالأنغام والنبرات.

    لا تفتش عن الذاتية في وديان البديع، ولا في تجاعيد خدود خزفي زخرف الألفاظ، فقد تبدو خيوطها الشاعرية في جبة فقير، وبأبشع خدوش، وقد تفقد في سطوع أجمل أسلوب، ولدى منارة مجمع فني بياني ناظم لضروب التجميل بالمعنى العميق والفكر السامق، فضلا عن متنافر السنان وغريب المعان.

    وإنما تهطل الموسيقى الذاتية من شلالات واد عبقري المزاج، فياض الإحساس هطول الوابل الصيب على قلب مضطرب فيستكين ويخشع وتلين له القناة؛ ويترقرق سيله في هدير الأمواج: وتلك منابع شرايين الحياة تقول: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى [18] وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى [19]}النازعات.

    وقد تسيل الكلمة من أشعة شمس بنفسجية أو ما دون الحمراء، فتروي خضرة الأعشاب الندية، وتقطف فواكه وثمار دانية، لأبيعكم كلمة طفلة بريئة من النقاط والفواصل: كلمة من قطف أسرار البوح الخبيئة، وبإمعان النظر تجدها نسرا طليق الجناحين يهفو بسرعة نحو العلا في عزة وكبرياء، وشمم وإباء.

    كما قد يمتلئ دكان الذاتي شاعرية من مناغاة صبي،، تجري مجراها في مخي ورفيف إحساسي، وتقع بين مسافة مائة درجة من خطوط الطول الربيعية، ومائة درجة من خطوط العرض الجمالية؛ لتمدنا بأغراس التمر الحلو في صحراء هجير، وزغردات ألف ناي، وسنابل متوهجة نضارة يثير حفيفها النسيم الأسمر .

    وعلى نغمات صفير شجاع أقرع اهتزت ماجنة اهتزازها ونثرت دلالات زينتها ورقصت رقصها معلنة غربة الدار؛ مسكينة هي، لاعلم عندها مما نعيشه ونحياه.

    فالربانيون لهم مناجاة النور في الظلمة الحسية، تنقشع عندها الهموم وتذوب، وتتفسح الأحلام، ويلمع النور نارا لموسى(عليه السلام)، وتغدو النار بردا وسلاما على إبراهيم(عليه السلام)، ويلتقي النور بالسلام ؛ لتكتمل الدائرة ويزداد ظهورا وحجة وبينة، وشهادة على الناس بأن لا ربا سواه.

    ومن سذاجة ألفاظ الدهماء وبساطتها يملأ الأدباء عبر شرايين الشعور المفتوحة قِرَب أدب الخلود، فيتجاوبون ويتجاذبون رحيق الصفاء المطلق، ويرشفون زنجبيل الإخلاص الإنساني.

    فالأدب القوي غني بطبيعة الروح عن الطلاء الكاذب،فأدبي وأدبك ما وسعني وإياك بصفاء روحي وخلال إنسانية متموجة متمازجة متداخلة...

    فلا حديث كلفة، ولا كثافة، ولا تعقيد بيان، ولا جمال مصنوع، ولا بهرج خادع، وما ينصرف عن أعمال الروح إلا كاذب الزخرف ضعاف الطبائع وفقراء النفوس.فليس البيان زهو فضول الخيال الضعيف والعقلية الباردة.

    وإنما البيان الحق هو الذي ترغمه قوتان : قوة الطبع، وقوة المعنى، وتدعمها معاني اللذة والفرح والرجاء, والألم، والضنى، واليأس، لتشكل ومضة ألوان القوس القزحية، والتي تترنح صعودا وهبوطا لتحفيز أزواج عوامل القصة ومحركاتها وفق نغماتها الطبيعية المسكوكة سلفا، والمترنحة من أقصى اليمين لأقصى الشمال.

    ألا ما أجمل العيش في الضباب يغمرني ويملأ الأفق ليصبغ كل شيء من حولي فتزول الأبعاد، والأحجام، والحدود، والأوزان، فلا فوق، ولا تحت، ولا شمال، ولا جنوب،...فأغيب عن اسم اليوم، وعن وعقارب الساعة، لأعيش المطلق في جنة الخلد منذ الآن بجمالية جدرانها، وحدائقها الغناء، وتزاور الأطهار الكرام البررة وأتنسم روائح الطهر الباذخ... تلك تطلعات لبعضنا بين انغمس فيها الأخرون انغماسا.

    وما الأدب في مجموعه، وما الكتابة في مضمونها، إلا أنهار تنساب في جداول لتروي ظمأى الصحراء، شقا لثغورها وإنعاشا لباطنها، جُر خيرها على يد أقلام أفراد البشر.
    [/align]
    http://www.mhammed-jabri.net/
  • محمد جابري
    أديب وكاتب
    • 30-10-2008
    • 1915

    #2
    الوادي الذي لم يرشف حروفه راشف، هل جرى في صحراء قفر؟ أم أن رواءه لم يرق لشعراء الزمان، فهجروه هجرا جميلا؟

    فالكتابة الذاتية فن وسيل من بحور الشعرية، نعتها القرطاجني ب "الأقاويل الشعرية"، ورماها الصوفية ب"الإشراقات " الأدبية، وما هي إلا كتابات الطبع والتطبع من غير كثافة تفقد الخيط الرفيع الرابط للمعنى، وتصوير فني رائق للمبنى، في بعد بعيد عن رسوم البيان وتموجات فنون أصنافه.

    فهل بدا الكلام بيّنا، من ثقوب الغيوم ؟
    http://www.mhammed-jabri.net/

    تعليق

    يعمل...
    X