[CENTER]
أصيل برائحة المطر ودفق الضوء ...
إلى صديقي إدريس مسناوي
[SIZE="4"]
كأن صوته آت من تجاويف الرغبة وأسوار التاريخ ... في طريقنا
إلى ضيعته على أطراف المدينة الشاردة كان حليما في صمته ونظراته ..
انتظر أن ألبي دعوته لفترة طويلة ..في كل مرة كانت تستلبني الأيام ... وفرح
كثيرا عندما جئت ... في حديقة الورد الجميلة أمام بيته الريفي ...لم يكن يطلب
غير أن أشاركه شايه وصحن المكسرات من حمص وكاكاو ... طفلا كان في فرحه بالأرض ...
بالماء والأشجار والورد البلدي الذي زرعه بنفسه واعتنى به وسقاه كأي قصيدة جميلة ...
سافرنا مسافات من الزجل والشعر والأدب ... في عينيه تلتمع حكمة رواقية رصينة
وهو يحدثني عن تجربته ومعاناته ومكابداته الجمالية وإشراقاته الصوفية ... تحدثنا
عن " أل جسد " ... مجموعته الشعرية الصادرة مؤخرا... عن النقلة الجديدة في كتاباته ...
في كل مرة يأتينا أريج الورود ورائحة أشجار التوت والحامض ... نذهب لنملأ الماء
من البئر الذي حفره بكل شغف ... نسقي الحديقة الجميلة ... نساعد زوجته الوديعة التي
كانت تهيئ الشاي وتسترق السمع لأشعارنا ... ولم يتنازل عن إصراره في أن أقرأ
له من شعري ... هو يعلم أني لا أحب قراءة شعري خارج الأمسيات الرسمية التي
ننظمها في المدينة أو التي نستدعى لها ... قرأت بكل حب ولذة ... وما أحسست بثقل
اللحظة مثلما كنت أعتقد ...في نظراته العاشقة يجيئني انتشاء ما ... افتتان ما ...
كانت توقفه بعض الصور أو المقاطع ... ويعيد ترديدها بصوته الرخيم ... ويجهر
بنشوته ... يأتيني صوته في هدوء المكان وهو يقول لي كما يقول دائما :
عبد الحميد ... أنت شاعر ... لكنك تستنزف
موهبتك لأنك لا تريد أن تنشر مجموعتك الأولى ...! ... وأطمئنه بأنني بصدد تجهيز ديواني
للطبع قريبا ... وكأي أب حقيقي يحمر شعوره من الفرح ... هو يعتقد أن كل إصدار هو انتصار
للجمالية على الرداءة ... في كل لحظة أحس أنني أمام نبي هارب من زمن سحيق ومطارد
من قوم حلت بهم اللعنة ... أمامي يتبدى ذاتا متلاشية في إنكار ذاتها ... يخاف على إبداعه
من الابتذال ...ويخاف على شخصه من السقوط ...
عندما يشتد به ألم المعاناة من جحود الآخرين الذين تربوا على يديه ... وسرحوا في بيته
العامر بمدينة سلا ... يقف كأنه كون أليق ووجود مضيء ... ويجيب على كل الخيبات
بمزيد من الجمال والعمق الفني ... في حشرجات صوته ... تتشكل أهازيج الأمازيغ
واشتعالات التواريخ ورقصات الفصول ... وأندهش من هذا " المتوحد " الذي
يرفض أن يمنح دواوينه مقابل ثمن مادي ... وأن يحول ضيعته إلى مجال فلاحي تجاري ...
فقط ليظل مستمتعا بعذرية الأشياء كشاعر ... كما يرفض أي تكريم لشخصه ... لأنه
يعتقد أن كل تكريم هو احتساب نهاية خدمة ... وتأدية دين لطرف ما ... !
طوال ذلك الأصيل الربيعي ... لم نتوقف عن تبادل الصمت وقطف الورود ... ومثل ملاك
أسطوري يلتقط التوت من شجيراته ويطعمني ... ويحيطني بلحظة من الحنو المنفلت ...
يحدثني عن مشاريعه في تحويل بيته الريفي إلى صالون أدبي ينعقد كل شهر ... وعن
رؤاه لمفهوم القصيدة الزجلية الحديثة التي تمثل ابتلاءه الأبدي ... وعن تاريخ قبيلة زمور
المنسي في مجلدات المستشرقين وخلف ركام من الأوهام وتراجيديات التواريخ المتعاقبة ...
في ذلك الأصيل الربيعي كان قصيدة متحركة ... قصيدة مجسدة في صخب صمته وعمق
كلماته وصدق شعوره ...
آه يا صديقي ... كم مطرا سألقف من قوافيك لأستطيع التسلل إلى التفاصيل الضوئية في كتاباتك ...
لأنك لا تكتب بل تضيء ... وكم حقلا سأتمدد في بساتينه الخضراء لأتمكن من اعتناق الإيقاعات
المتموجة في أزجالك ...!! أيها الحاني على سكينة الكينونة ... !
تيفلت في :
22-04-09[/SIZE]
أصيل برائحة المطر ودفق الضوء ...
إلى صديقي إدريس مسناوي
[/CENTER
]
]
عبد الحميد شوقي
[SIZE="4"]
كأن صوته آت من تجاويف الرغبة وأسوار التاريخ ... في طريقنا
إلى ضيعته على أطراف المدينة الشاردة كان حليما في صمته ونظراته ..
انتظر أن ألبي دعوته لفترة طويلة ..في كل مرة كانت تستلبني الأيام ... وفرح
كثيرا عندما جئت ... في حديقة الورد الجميلة أمام بيته الريفي ...لم يكن يطلب
غير أن أشاركه شايه وصحن المكسرات من حمص وكاكاو ... طفلا كان في فرحه بالأرض ...
بالماء والأشجار والورد البلدي الذي زرعه بنفسه واعتنى به وسقاه كأي قصيدة جميلة ...
سافرنا مسافات من الزجل والشعر والأدب ... في عينيه تلتمع حكمة رواقية رصينة
وهو يحدثني عن تجربته ومعاناته ومكابداته الجمالية وإشراقاته الصوفية ... تحدثنا
عن " أل جسد " ... مجموعته الشعرية الصادرة مؤخرا... عن النقلة الجديدة في كتاباته ...
في كل مرة يأتينا أريج الورود ورائحة أشجار التوت والحامض ... نذهب لنملأ الماء
من البئر الذي حفره بكل شغف ... نسقي الحديقة الجميلة ... نساعد زوجته الوديعة التي
كانت تهيئ الشاي وتسترق السمع لأشعارنا ... ولم يتنازل عن إصراره في أن أقرأ
له من شعري ... هو يعلم أني لا أحب قراءة شعري خارج الأمسيات الرسمية التي
ننظمها في المدينة أو التي نستدعى لها ... قرأت بكل حب ولذة ... وما أحسست بثقل
اللحظة مثلما كنت أعتقد ...في نظراته العاشقة يجيئني انتشاء ما ... افتتان ما ...
كانت توقفه بعض الصور أو المقاطع ... ويعيد ترديدها بصوته الرخيم ... ويجهر
بنشوته ... يأتيني صوته في هدوء المكان وهو يقول لي كما يقول دائما :
عبد الحميد ... أنت شاعر ... لكنك تستنزف
موهبتك لأنك لا تريد أن تنشر مجموعتك الأولى ...! ... وأطمئنه بأنني بصدد تجهيز ديواني
للطبع قريبا ... وكأي أب حقيقي يحمر شعوره من الفرح ... هو يعتقد أن كل إصدار هو انتصار
للجمالية على الرداءة ... في كل لحظة أحس أنني أمام نبي هارب من زمن سحيق ومطارد
من قوم حلت بهم اللعنة ... أمامي يتبدى ذاتا متلاشية في إنكار ذاتها ... يخاف على إبداعه
من الابتذال ...ويخاف على شخصه من السقوط ...
عندما يشتد به ألم المعاناة من جحود الآخرين الذين تربوا على يديه ... وسرحوا في بيته
العامر بمدينة سلا ... يقف كأنه كون أليق ووجود مضيء ... ويجيب على كل الخيبات
بمزيد من الجمال والعمق الفني ... في حشرجات صوته ... تتشكل أهازيج الأمازيغ
واشتعالات التواريخ ورقصات الفصول ... وأندهش من هذا " المتوحد " الذي
يرفض أن يمنح دواوينه مقابل ثمن مادي ... وأن يحول ضيعته إلى مجال فلاحي تجاري ...
فقط ليظل مستمتعا بعذرية الأشياء كشاعر ... كما يرفض أي تكريم لشخصه ... لأنه
يعتقد أن كل تكريم هو احتساب نهاية خدمة ... وتأدية دين لطرف ما ... !
طوال ذلك الأصيل الربيعي ... لم نتوقف عن تبادل الصمت وقطف الورود ... ومثل ملاك
أسطوري يلتقط التوت من شجيراته ويطعمني ... ويحيطني بلحظة من الحنو المنفلت ...
يحدثني عن مشاريعه في تحويل بيته الريفي إلى صالون أدبي ينعقد كل شهر ... وعن
رؤاه لمفهوم القصيدة الزجلية الحديثة التي تمثل ابتلاءه الأبدي ... وعن تاريخ قبيلة زمور
المنسي في مجلدات المستشرقين وخلف ركام من الأوهام وتراجيديات التواريخ المتعاقبة ...
في ذلك الأصيل الربيعي كان قصيدة متحركة ... قصيدة مجسدة في صخب صمته وعمق
كلماته وصدق شعوره ...
آه يا صديقي ... كم مطرا سألقف من قوافيك لأستطيع التسلل إلى التفاصيل الضوئية في كتاباتك ...
لأنك لا تكتب بل تضيء ... وكم حقلا سأتمدد في بساتينه الخضراء لأتمكن من اعتناق الإيقاعات
المتموجة في أزجالك ...!! أيها الحاني على سكينة الكينونة ... !
تيفلت في :
22-04-09[/SIZE]
تعليق