قراءة في رواية "عزازيل" للدكتور يوسف زيدان
المؤلف:
الدكتور يوسف زيدان ، أستاذ الفلسفة الأسلامية ومدير قسم الوثائق والمخطوطات بمكتبة الأسكندرية .
مقدمة الرواية :
وضع الدكتور يوسف زيدان مقدمة لروايته يؤكد فيها أن أحداث الرواية حقيقية وأنه قد قام بترجمة وقائعها من مخطوطات أثرية مكتوبة باللغة السريانية وأنه قد عكف على ترجمتها وأمضى مدة سبع سنوات في هذه المهمة ، وأن هذه الرقائق قد أكتشفت مدفونة ومخزنة في صندوق خشبي .. ألخ .. وهي خدعة أوحى بها الكاتب لقرائه أن دوره لم يتعد ترجمة تلك المخطوطات من اللغة السريانية إلى اللغة العربية .. بل إنه إمعاناً في خداع القارئ قد أطلق على نفسه اسم المترجم وليس المؤلف ووقع على المقدمة بهذه الصفة حتى ليظن القارئ بالفعل إنه إنما يقرأ وقائع حقيقية وعملاً مترجماً ، صحيح أن الكاتب قد أشار في المقدمة وبشكل عرضي أن شخصية الراهب هيبا وهي الشخصية الرئيسية بالرواية لاوجود لها في الوثائق التاريخية وأنه لم يستطع التأكد من وجودها ، لكن ذلك كان إمعاناً منه في إفهام القارئ ، انه حتى وإن لم يكن لذلك الراهب وجود فعلي مثبت إلا أن وجود الرقائق بخط يده ومحفوظة عبر القرون بالشكل الذي أشار إليه يؤكد حتمية وجوده ،مادام الأثر يدل على صاحبه وتلك أيضاً كانت خدعة كبرى من مؤلف العمل.
فصول الرواية :
الرواية تقع في واحد وثلاثين فصلاً سماها الكاتب رقوقاً حتى نظن أن مانقرأه كان على رقائق جلدية قبل ترجمته إلى العربية عن السريانية.
عنوان الرواية :
عزازيل وهو اسم من أسماء الشيطان العديدة كأبليس وأهريمان ..ألخ.
بنية الرواية :
..ترتكز الرواية على أحداث تاريخية حقيقية وموثقة عن فترة الصراعات المذهبية بين كنيسة الأسكندرية ككنيسة حافظت على الدوام على أسس العقيدة المسيحية وبين المنتمين إلى عقائد مسيحية أخرى كالنسطورية والأريوسية والذين تعدهم كنيسة الأسكندرية من المهرطقين المحرفين لأصول العقيدة المسيحية ..هذا الخط الأساسي في الرواية هو الخط التاريخي الحقيقي والموثق والذي جرت أحداثه في أوائل القرن الخامس الميلادي في عصر بابا الأسكندرية المسمى "كيرلوس عمود الدين ".. وإلى جانب هذا الخط وبموازاته تجري أحداث متخيلة بطلها راهب مصري من صعيد مصر غادر بلاده في الجنوب هرباً من مشاكل أسرية حاصرته ودفعته إلى طريق الرهبنة ودراسة الطب ثم هاجر منها إلى الأسكندرية ليستكمل أدواته في معالجة المرضى والتزود من العلوم والمعارف الطبية.
مختصر الرواية :
بعد رحلة شاقة يصل الراهب هيبا إلى الأسكندرية فيقابل على شاطئ البحر بعد أن أوشك على الغرق ، إمرأة تدعى اوكتافيا فتأخذه إلى بيتها وتقوم على خدمته ورعايته دون أن تتعرف على هويته زاعمة أنه حبيبها الذي انتظرت خروجه من البحر كما قيل لها ،وهي سيدة وثنية تكره المسيحين ، وقد انزلق لممارسة الرزيلة معها على مدار أربعة أيام قضاها بضيافتها، ومنها علم بمحاضرات العالمة السكندرية الشهيرة هيباتيا والتي جذبه الحديث الشائق عن مكانتها العلمية الرفيعة، وكان يمكنه أن يستمر مع أوكتافيا إلى مالانهاية لولا أنه انزلق في الحديث فأفصح عن هويته المسيحية ممادعاها لطرده من بيتها شر طردة ، وبعد أن تشرد لبعض الوقت ذهب لحضور محاضرة العالمة هيباتيا وسحرته مكانتها العلمية ورقيها وجاذبيتها وقرر كشخص محب للعلم أن يداوم على حضور محاضراتها لولا أن ذلك تعارض مع حضوره قداس الأحد الذي يقيمه البابا كيرولوس بالكنيسة المرقسية حيث انتهى به المطاف .. في هذه الفترة ثار المسيحيون على هيباتيا باعتبارها وثنية ضالة ومضللة وقادته قدماه ليشهد أبشع جريمة ارتكبها عوام المسيحيين قاموا فيها بقتل العالمة هيباتيا والتمثيل بجثتها وهي حادثة ثابتة تاريخياً وظفها الكاتب ليبرر غضب الراهب هيبا ونقمته على هذا السلوك الدموي والذي أدى إلى مقتل هذه العالمة العظيمة والتي كان قد أعجب بها ، وقرر وهو الذي لايقر التشدد باسم الدين أن يهرب من مصر متجهاً إلى أورشليم , وفي طريقه قام بتعميد نفسه من جديد واختار لنفسه اسم هيبا وهو المقطع الأول من اسم العالمة الوثنية التي هزه مقتلها مع عجزه عن نصرتها وكأنه يؤسس موقفاً شخصياً من الأحداث الجارية ..
يلتقي في اورشليم بوفد الحجاج القادم من أنطاكية وعلى رأسه الأسقف تيودور المصيصي وبمعيته القس نسطور الذي سيلعب فيما بعد دوراً هاماً في الصراع الكنسي الذي سيدور بينه حين يصبح أسقفاً للقسنطينية مقر الأمبراطور الروماني وبين بابا الأسكندرية وتتوطد العلاقة بين الراهب هيبا ونسطور بشكل يجعل لنسطور مكانة كبيرة في نفس هيبا حتى أنه يطلب منه الرحيل من أورشليم ليلتحق بأحد الأديرة عند حلب ليكون قريباً من أنطاكية وليتمكن من زيارته بين الحين والحين ، وبالفعل ينفذ القس هيبا النصيحة وينتقل للعيش نهائياً في ذلك الدير ،ومن هناك يتابع مايجري من صراع كنسي متصاعد ،وفي هذه الأثناء تظهر شخصية مرتا الفتاة رائعة الحسن التي تسكن إلى جوار الدير بحيث يستطيع هيبا مراقبتها من مكتبته وتتطور بينهما العلاقة حتى تملك عليه نفسه وتتطور العلاقة بينهما إلى أن ينزلق معها للخطيئة من جديد ولايستطيع الفكاك من أسرها حتى أنها تطلب منه أن يترك الرهبنة و أن يتزوجها ويرحلا معاً إلى بلده الأصلي في جنوب مصر وإلا فإنها ستنتقل إلى حانات حلب حيث تعمل بالبارات هناك كفتاة ليل لتعول نفسها وخالتها المريضة ، ويدور الصراع داخل هيبا ليسقط بعد ذلك مريضاً بحمى شديدة يفقد على أثرها الوعي ويدخل في غيبوبة عميقة لمدة عشرين يوماً يهذي بماكان بينه وبين مرتا فينكشف أمره لسكان الدير ، وتحدث أثناء غيبوبته المرضية مواجهة بينه وبين عزازيل الشيطان الذي تجسد له وسيطر على أفكاره وشوش مفاهيمه وأمره بأن يدون كل ماجرى له منذ خرج من بلاده للمرة الأولى ..
هذه باختصار شديد أحداث رواية عزازيل والتي هي غاية في الإمتاع والتي يقع في أسرها القارئ بحيث لايستطيع التفريق بين ماهو حقيقي وثابت تاريخياً وبين ماهو روائي ومختلق لضرورة الرواية وفكر المؤلف .
ملاحظات على الرواية
جدير بالذكر أن الكاتب قد اعتمد على تقنية "الفلاش باك" لسرد أحداث الرواية .. فالرواية تبدأ من حيث انتهت الأحداث الحافلة بحياة الراهب هيبا وسيطرة الشيطان على أفكاره وأمره له بتدوين ماجرى معه من أحداث ..
يظهر الكاتب تعاطفاً واضحاً مع المذهب النسطوري ويصور البابا كيرولوس بابا الأسكندرية في تلك الحقبة وكأنه يرعى التشدد الديني وكأنه كذلك من حرض على قتل العلماء والمفكرين وأبرزهم العالمة هيباتيا ، فالقتلة في الرواية كانوا يستمعون إلى موعظة البابا قبل أن يخرجوا في ثورة عارمة للفتك بهيباتيا ، وهو موقف ربما لم يكن مقصوداً لذاته من الكاتب وقد أثار هذا الموقف غضب رجال الكنيسة المصرية على أي حال لكنني اتصور أن الكاتب كان يريد أن يبعث برسالة لكل المتشددين من كل الأديان الذين يرون في مستحدثات العصر لوناً من الكفر ويخاصمون العلم حتى يصورونه وكأنه الشيطان الأكبر ، وهي الرسالة التي يرسلها ضمنياً لجماعات التشدد الديني الإسلامي حتى وإن كانت الأحداث تجري قبل ظهور الإسلام، لكن تظل ذات الرسالة صالحة في كل الأحوال وهو أن الكاتب ضد ممارسة العنف باسم الدين.
وبعد فهذه قراءة سريعة لأحداث عمل روائي متميز حصل على جائزة عالمية للرواية العربية عن جدارة واستحقاق .. فهو عمل ممتع تذوب فيه الخيوط الوهمية بين الحقيقة والخيال.
تعليق