القط الأسود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الجبار خمران
    عضو الملتقى
    • 02-05-2009
    • 132

    القط الأسود

    [align=right]اجلس واسكت وتعلم. هكذا أمرني القط . أجل، وجه إلي كلماته الثلاث بحزم وكأنه معلم عربية فصيح. لماذا لم يرطن لسانه بواحدة من لغة قومه، لغة موليير أو شكسبير مثلا. اجلس واسكت وتعلم. عربية فصيحة، لغة قومي بعينين جاحظتين. هل يعرف هذا العفريت "الجاحظ"، ربما قرأ كتاب "الحيوان". يبدو أنني أفرطت في الشرب.

    لم يكن يعلم أن الغربة قاسية هكذا، فقد كبَدهُ البرد ومزق الحنين أشرعة روحه التائهة في بحر من العزلة. أما الحب الذي تغدقه "كريستيل" على هذا القط فأحجية عليه حلها.

    - هل كلمني فعلا؟

    كلما جلستُ لمشاهدة التلفاز يجلس قطها الأسود كلطخة سوداء منتصبا قبالتي، ينظر إلي وكأنه يلاعب بعينيه كرة من خيوط أفكارٍ في رأسي، ربما يسأل نفسه كيف الخلاصُ مني، مثلما أفكر في خلاصي منه. لكن ماذا لو كانت متزوجة به أيضا، و يرى فيها قطة روحه .. ها قد بدأت تُخرف.. ليتني أعرف كيف يُصرع الجان .. عندما أكثر من الشرب يخسر ذهني كل غزواته ضد الشعوذة والتخاريف .. لِما أحسها إذا تفضله علي، أ لأنه من أهل المكان، و أنا لست إلا مهاجرا مهيض الجناح، قادما من وراء البحر..خرف..خرف.. يوما ما سأضع حدا لحياة العفريت الذي يسكن قط النحس هذا. أعرف أنه كان يرسم الأنْسَ على جدران تسيج وحدتها بهذا المنزل العتيق. ولكن لماذا اختارته أسود اللون.

    - وَاشْ ما تتْخافش من المشَاشْ كْحْلينْ..بازْ لهاذ النصارى.

    على كل حال، زواجنا أعدم الضرورة التي أباحت حضوره، فلا مبرر لوجوده الآن..هذه هي الفتوى.

    موقفه من القطط السوداء أخذه عن جدته لأبيه، "المستشارة الكبرى" للعائلة في أمور كهذه : إنها ليست شعوذة، القط الأسود بالذات مَلِكُ المكان الذي يقطنه، كلما رأيتَ قطا أسودا فلا تتردد في قولها، مْشْ كْحلْ تْم يْوْحلْ.

    آه يا جدتي، قط فرنسا الأسود هذا مختلف. يتكلم لغتنا، يعرف الجاحظ و يدرسني البيان. تعتني به زوجتي "كريستيل" مثلي تماما، و أكثر. تأخذه للبيطري بانتظام، وتغسله بشامبو وملين "اثنين في واحد".

    - لكن لا عليك، لن يشاركني حبها.. لن يأمرني بعد.

    هدوء تام..لا شيء ولا كلام..لا كتاب حيوان، ولا حيوان.. فقط ، لطخة سوداء على الأرض وأخرى حمراء وعينين مغمضتين. ثم صرخةٌ صرخة "كريستيل" المدوية مزقت الصمت الثقيل و رددت صداها جدران العمائر المجاورة.

    تفكر لو أنه دفن الجثة قبل أن تباغته زوجته، أو كبها في قمامة بعيدة، لساعده ذلك على أن يقنعها بأن القط خرج ولم يعد. شأنه شأن القطط التي تموء بتشردها مفضلة الأكل من خشاش الأرض على العيش ببيوت بني البشر.
    محاولاته لتهدئة "كريستيل" باءت بفشل ذريع. بكاؤها بصوت عالٍ ومشاداتهما الكلامية، أوصلت العراك إلى نقطة اللاعودة : صفعات على وجه الزوجة الفرنسية، التي أطلت من النافذة، بوجه تغمره الدموع وشعر منفوش، لتستغيث على زوجها.

    لم يتعجب من أن تطلقه "كريستيل" بعد الحادث، لمجرد تخلصه من أنفاس النحس الأسود وصفعه لها، بقدر ما تعجب من أن قطة جارتهم هي التي استدعت الشرطة ساعتها للقبض عليه.[/align]
    [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    عبد الجبار صديقى القديم
    قرأت هنا قصا مدهشا ، بالفعل كان يحمل فى كل سطر جديدا ، و ينبض بروح كاتبه ، للغاية التى يسعى إليها منذ أول سطر ، وحتى انتهاء العمل ، شدنى شدا إلى هذا القط الأسود ، العجيب و الفريد فى بنائه و تكوينه !
    كانت اللغة منسابة ، رائقة كماء رقراق ، تفترش مساحة القص
    و تصنع تشكيلها بقدرة ، و فنية عالية !!
    هناك بين طيات الحديث برزت شاعرية فى القص ، دلت على روح القاص الشاعرة .. !
    فى انتظارك جديدك أخى الجميل
    دمت جميلا
    sigpic

    تعليق

    • عبد الجبار خمران
      عضو الملتقى
      • 02-05-2009
      • 132

      #3
      الصديق العزيزربيع عقب الباب فتحت باب إطراء لم أعرف كيف أدخله .. وهل أنا أهل له ..
      شكرا لمشاعرك النبيلة ولقراءتك المشجعة ..دمت ودام ربيع نبضك الثقافي والإبداعي
      التحيات
      [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]

      تعليق

      • عبد الجبار خمران
        عضو الملتقى
        • 02-05-2009
        • 132

        #4
        عفوا "بابَ" إطراء
        [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميل القدير
          عبد الجبار خمران
          لعين ذاك القط
          وربما رمى صاحبنا بلعنة أفسدت عليه كل شيء!
          سردك كان مرحا يمتزج برائحة الشجن الدفين بين هجرة توجب على المرء أن يكون شخصا (( ثالثا)) لا زوجا!!
          كم تتشابه قصص الكثير منا
          وكم يتشابه الوجع
          ونصيحتي لبطلك
          أن يبتعد عن النساء اللواتي يملكن القطط!!
          (( وياخوفي ليروح على وحده .. تملك كلب!!))
          كل الود لك
          رائع كنت
          تحياتي بحجم فرنسا
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • عبد الجبار خمران
            عضو الملتقى
            • 02-05-2009
            • 132

            #6
            الزميلة العزيزة عائده محمد نادر
            سعدت بكلماتك..كل الشكر للقراءة والإهتمام..
            بخصوص النصيحة. فلم أعد أقابل المعني منذ زمن لأنه ركب زورق القصة ورحل. لكنني أعدك أن أبلغه نصيحتك.بل سأبالغ و أدعوه للإبتعاد عن كل من بحوزتهن حيوان
            إذا ما التقيته طبعا
            التحيات
            [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]

            تعليق

            يعمل...
            X