شمة هواء
قصة صالح القاسم
زوجي لا تحب الطلعات ، ولا شمات الهواء ، ولا تعرف طريقة الوصول الى قلبي عن طريق بطني كما هو مكتوب في مقدمة كتاب فن الطبخ الحديث . وإذا قلت لها مرة : قومي يا بنت الناس البسي دعينا نأخذ الأولاد في نزهة خارج البيت أدارت قفاها بلا اكتراث وكأنني أتحدث مع حائط أو إنسان غريب غير موجود ، وإذا ما تكرَمت وردت على السؤال ، أجـابت بقرف واشمئزاز : بـلا قرف ، بـلا هـم ، وهل نحن من البشر ؟؟؟ لنشبع الخبز أولاً ، ثم نفكر فيمـا تقول .
ملعونة الوالديــن لا ترحــم ولا تدع فرصة لرحمة الله أن تنزل . طبيخ لا تعرف الطبخ ... وإذا ما حاولت كَي بنطلون ، أو قميص حرقت طرفه وقلبت خلقته : حرقتها الحياة وخبزتها بالألم والعذاب والجوع الدائم : أنستها حمرة الشفاه , استعدادات يوم الزفاف .. النكد الدائم طيف هائم لا يفارق البيت . والنكد في العمل بات مستلزماً روتينيــاً : يــوم العمل تنغيص في تنغيص ؛ محلّى بتكشيرات المدير القميئة ، وأوامره القبيحة ، إشعاره الدائم للموظفين وما حوله أنهم حمير أولاد حمير شيء لا يوصف ، ويكفي لجعل كل تنهدات ورمشات العمل غل وملل ، النفاق واجب يومي مقدس يجب تأديته بكل عناية حتى أضمن في نهاية السنة تقريراً يؤهلني لموافقة الإدارة العليا على منحي العلاوة السنوية التي لا تكفي حتى لشراء دجاجة هزيلة .
أرى الناس ، أرى بعض الجيران يوم العطلة يأخذون أنفسهم في نزهة خارج البيت : في رحلة الى شتاء الغور ، أو نسائم الصيف العجلونية فأمتعض وأتمنى على زوجي أن تراهم وتغار منهم ثـم تأتي الي تطلب مني أن أفعـل مثلهم ، وإلا لن تقعد لي في البيت بعد الآن .
مساء هذا اليوم ، أي يوم ! لا أدري . عدت الى البيت لا أرى الفضاء ، ليس للفضاء لوناً ولا للحياة طعماً ، المدير غدر بي هذا اليوم ، رغم نفاقي له طول السنة ، وتظاهري بالدعاء المتواصل له بطول العمر ، تمسحي بأذياله ، ركوعي وخنوعي .. آه ..؟ رغم كل هذه الوساخة وانصياعي لكل رغباته كتب في التقرير على عكس ما أتوقع ، طارت العلاوة السنوية .
بالمذلة والمسكنة غمست نفسي وتجرأت وسألته : لماذا ؟ زعق في وجهي وطردني بعد أن شتمني . بكيت للموظفين . تدخل منهم من لا يزال في دمهم ذرة حياء ومن هم أقرب منزلة عنده من حيث الدس والخيانة . ترجوه أن لا يطردني من العمل ، وأنه يكفيني ما تلقيت من اللعان والسباب ، وقالوا له : سامحه هذه المرة ، وسنحضره لك مثل الكلب يعتـذر ، فقط سامحه هذه المرة وسنجعله يقبل يديك . قبلت يديه وقدميه ، على أنغام السكاكين التي تقطع داخلي .
ها آنذا أدخل البيت مقهوراً مغتاظـاً تسبقني أحشائي التي تتدافع تريد أن تخرج من بطني من شدة لهيب القلب المحترق . استقبلتني الزوجة !! عفواً ، لم يسبق لزوجتي أن قامت واستقبلتني ، أو حتى فكرت بفتح الباب في وجهــي . وهــي بحدة وانفعال تصرخ : والله عال . هذا الناقص . لم يبق شيء لأفعله إلا فتح الباب لجنابك .. أنا لست خدامة . ومراسم الإستقبال هذه إياك أن تذكرها مرة أخرى .
خرج الأولاد مذعورين إثر الصوت مستغربين مما يحدث ، وخصوصاً خبطة الباب التي هـزت أرجاء المنزل ، صرخت بها أن تلبس هي والأولاد بسرعة : بسرعة أريد أن أخرج ، أكاد أختنـق . حاولــت اعتراضي . صرخت بشراسة : ولا كلمة . كلمة أخرى وأطلقك . لاذت بالصمــت ثـم همست وهي ترتعد : على الأقل دعني أحضر بعض الأكل للأولاد . قلت في الطريق نشتري .
أدرت محرك السيارة : سيارة قديمة تعمل غالب الأوقات بواسطة دفع أيدي أهل الخير من المارين في الطريق . وفي الشتاء وأيام البرد القارس أحسب حسابي فأركنها على أعلى منحدر قريب حتى تدحل بسهولة في الصباح ليتم تعشيق تروسها دون حاجة لانتظار مارق يأكله البرد فيعتذر بأنه على عجلة من أمره .
ركبت الزوجة ، ركب الأولاد ، انطلقـت السيارة . لا أعرف الى أين أتجه ، لم أكن متأكداً أن هــذه الحديدة المتآكلة تستطيع ايصالنـا الى مكان هادئ مريح ، أشجار ظليــلة مثلاً بالقرب من مجرى نهر ينسـاب بعذوبــة تبعـث في النفـس الطمأنينة والســلوى . السلوى ؟ ، هه ..
قلت : البتراء ، قالت : عال والله ، مع أنها كانت لا تطيق الذهاب الى أي مكان
صرخ أحد الأولاد باكياً . نظرت ؛ كان الرضيع في حضنها . صرخت فيها أن تسكت الولد قبل أن أرميها هي وابنها من الشباك ، ألقمته حلمة ثديها . عاد الهدوء يخيم مرة أخرى . ولم يعد نسمع سوى قرقعة السيارة ، خبطات العادم الأكزوزت المخزوق من عدة أماكن ، ورجرجات العجلات على الأرض ، أحد الأولاد من الخلف يطلب طعاما : ماما ، أنا جائع أريد أن آكل . وخزتــه بكوع يدي أن يخرس : أصبر بعد قليل سنعثر لك على السم وتملأ كرشك هذا الذي لا يشبع .
بعد مسافة لا أدري كم هي ؟ أحسست بالسيارة تهتز وترتج بنفس الطريقة عندما ينفذ منها البنزين عادة : تتلوى مثل الإنسان الذي تنتزع منه روحـه ؛
طَفَتْ ، حاولت تشغيلها مرة أخرى ، لكن الموت كان قد استقر بها وأخذ يحملق في كل شيء . قفزت صورة المدير الى ذهني . بصقت وأخذت أنظر حولي . نظرت الى الزوجة . كانت على شفا هاوية الانفجار ، لو تجرأت ووجهت لها أي انتقاد أو أية كلمة لانفجرت وهبت في وجهي صابّة جام غضبها غير مبالية بتهديدها بالطلاق أو لا . لذلك حبست الكلام وتابعت النظر الى بقية الأولاد . لم أســتطع الإستمرار هــكذا ، فخرجـت من السيـارة أبحـث عن شيء قد يساعد في نجاتنا .
كان الجو موحشاً ، معتماً لا يكنز إلا الصمت الرهيب ، مددت بصري الى كل اتجاه لعلي ألمح سيارة تقترب فأوقفها وأسألها بعض البنزين لأتابع الطريق . لكن المكان بدأ وكأنه لم يسبق لأحد أن مر به .
عقارب الساعة تجري ، ولا تتوقف . والأولاد يتلوون من الجوع والعطش . زأرت الزوجة : يا زفت . تعال . طريقتها أخافتني . اعتقدت أن مكروهاً ما قد حصل . والآن ماذا ستفعل يا فالح . ألم أقل لك أن شمات الهواء ليست لنا . يجب أن تخلصنا من هذه المصيبة . الأولاد أوشكوا على الهلاك . والرضيع أخرج كل ما في جوفه بسبب الحر . ولم يعد في صدري ما يمصه .
غاص المكان في العتمة أكثر . صراخ الأطفال ازداد حدّة وبقي يمزق خيوط الصمت حتى قبيل الفجر بعد أن هدهـم البكاء والتعب وناموا . أنا والزوجة لم نستطع النوم . شهدنا انشقاق الخيط الأبيض من الأسود . بقينا في أماكننا لا ندري ماذا نفعل . رأينا الشمس وهي تتصاعد الى السماء حتى تعامدت فوق الرؤوس . خفـت على الأولاد ، شـرعت أوقظهم واحداً تلو الآخر . عيون الزوجة كانت تتطاير شرراً لو سقط شعاعها على مخلوق لقتله .
البنت الصغيـرة فاتنه لم تقم بعد . اقتربت منها أكثر وقلبتها على ظهرها لأوقظها جيداً . فوجئت ببرودة جسدها تخترق أصابع يدي وترعبني ، وضعت أذني على قلبها . كانت جثــة هامدة . رفعتها الى حضني ، شـددت عليها ، تمنيت لو ترجع ماءً ودماً ، تعود الى صلبي ولا تخلق .
حطم البكاء جدران كل شيء : جدران وحشة المكان وعتمته ، صمته الرهيب . ولم يبق واقفاً إلا الدمعات التي تنهمر من العيون مثل الجمر . ضربت الزوجة على صدرها ونتفت شعرها . عزقت التراب وأهالته على رأسها ، لم أستطع أيقافها و مواساتها .
لا حول ولا قوة الا بالله ، تمتمت ، وضعت البنت على الأرض وأخذت أعفر التراب في كل مكان أحاول أن أصنـع قبـراً . زعقت الزوجة : توقـف . قلت : لماذا ؟ قالت : وهل تريد أن تقتلنا أيضـاً ، قلت لها : وكيف ذلك ؟ إذا فعلت ذلك فسوف تقتلنا جميعا ، الا يكفيك ما فعلتـه بنا حتى هذه اللحظــة ؟ لم أفهم ماذا تقصد بذلك ، بقيت أعفر التـراب من تحت ، وهي تصرخ وتولول من فوق .
قصة صالح القاسم
زوجي لا تحب الطلعات ، ولا شمات الهواء ، ولا تعرف طريقة الوصول الى قلبي عن طريق بطني كما هو مكتوب في مقدمة كتاب فن الطبخ الحديث . وإذا قلت لها مرة : قومي يا بنت الناس البسي دعينا نأخذ الأولاد في نزهة خارج البيت أدارت قفاها بلا اكتراث وكأنني أتحدث مع حائط أو إنسان غريب غير موجود ، وإذا ما تكرَمت وردت على السؤال ، أجـابت بقرف واشمئزاز : بـلا قرف ، بـلا هـم ، وهل نحن من البشر ؟؟؟ لنشبع الخبز أولاً ، ثم نفكر فيمـا تقول .
ملعونة الوالديــن لا ترحــم ولا تدع فرصة لرحمة الله أن تنزل . طبيخ لا تعرف الطبخ ... وإذا ما حاولت كَي بنطلون ، أو قميص حرقت طرفه وقلبت خلقته : حرقتها الحياة وخبزتها بالألم والعذاب والجوع الدائم : أنستها حمرة الشفاه , استعدادات يوم الزفاف .. النكد الدائم طيف هائم لا يفارق البيت . والنكد في العمل بات مستلزماً روتينيــاً : يــوم العمل تنغيص في تنغيص ؛ محلّى بتكشيرات المدير القميئة ، وأوامره القبيحة ، إشعاره الدائم للموظفين وما حوله أنهم حمير أولاد حمير شيء لا يوصف ، ويكفي لجعل كل تنهدات ورمشات العمل غل وملل ، النفاق واجب يومي مقدس يجب تأديته بكل عناية حتى أضمن في نهاية السنة تقريراً يؤهلني لموافقة الإدارة العليا على منحي العلاوة السنوية التي لا تكفي حتى لشراء دجاجة هزيلة .
أرى الناس ، أرى بعض الجيران يوم العطلة يأخذون أنفسهم في نزهة خارج البيت : في رحلة الى شتاء الغور ، أو نسائم الصيف العجلونية فأمتعض وأتمنى على زوجي أن تراهم وتغار منهم ثـم تأتي الي تطلب مني أن أفعـل مثلهم ، وإلا لن تقعد لي في البيت بعد الآن .
مساء هذا اليوم ، أي يوم ! لا أدري . عدت الى البيت لا أرى الفضاء ، ليس للفضاء لوناً ولا للحياة طعماً ، المدير غدر بي هذا اليوم ، رغم نفاقي له طول السنة ، وتظاهري بالدعاء المتواصل له بطول العمر ، تمسحي بأذياله ، ركوعي وخنوعي .. آه ..؟ رغم كل هذه الوساخة وانصياعي لكل رغباته كتب في التقرير على عكس ما أتوقع ، طارت العلاوة السنوية .
بالمذلة والمسكنة غمست نفسي وتجرأت وسألته : لماذا ؟ زعق في وجهي وطردني بعد أن شتمني . بكيت للموظفين . تدخل منهم من لا يزال في دمهم ذرة حياء ومن هم أقرب منزلة عنده من حيث الدس والخيانة . ترجوه أن لا يطردني من العمل ، وأنه يكفيني ما تلقيت من اللعان والسباب ، وقالوا له : سامحه هذه المرة ، وسنحضره لك مثل الكلب يعتـذر ، فقط سامحه هذه المرة وسنجعله يقبل يديك . قبلت يديه وقدميه ، على أنغام السكاكين التي تقطع داخلي .
ها آنذا أدخل البيت مقهوراً مغتاظـاً تسبقني أحشائي التي تتدافع تريد أن تخرج من بطني من شدة لهيب القلب المحترق . استقبلتني الزوجة !! عفواً ، لم يسبق لزوجتي أن قامت واستقبلتني ، أو حتى فكرت بفتح الباب في وجهــي . وهــي بحدة وانفعال تصرخ : والله عال . هذا الناقص . لم يبق شيء لأفعله إلا فتح الباب لجنابك .. أنا لست خدامة . ومراسم الإستقبال هذه إياك أن تذكرها مرة أخرى .
خرج الأولاد مذعورين إثر الصوت مستغربين مما يحدث ، وخصوصاً خبطة الباب التي هـزت أرجاء المنزل ، صرخت بها أن تلبس هي والأولاد بسرعة : بسرعة أريد أن أخرج ، أكاد أختنـق . حاولــت اعتراضي . صرخت بشراسة : ولا كلمة . كلمة أخرى وأطلقك . لاذت بالصمــت ثـم همست وهي ترتعد : على الأقل دعني أحضر بعض الأكل للأولاد . قلت في الطريق نشتري .
أدرت محرك السيارة : سيارة قديمة تعمل غالب الأوقات بواسطة دفع أيدي أهل الخير من المارين في الطريق . وفي الشتاء وأيام البرد القارس أحسب حسابي فأركنها على أعلى منحدر قريب حتى تدحل بسهولة في الصباح ليتم تعشيق تروسها دون حاجة لانتظار مارق يأكله البرد فيعتذر بأنه على عجلة من أمره .
ركبت الزوجة ، ركب الأولاد ، انطلقـت السيارة . لا أعرف الى أين أتجه ، لم أكن متأكداً أن هــذه الحديدة المتآكلة تستطيع ايصالنـا الى مكان هادئ مريح ، أشجار ظليــلة مثلاً بالقرب من مجرى نهر ينسـاب بعذوبــة تبعـث في النفـس الطمأنينة والســلوى . السلوى ؟ ، هه ..
قلت : البتراء ، قالت : عال والله ، مع أنها كانت لا تطيق الذهاب الى أي مكان
صرخ أحد الأولاد باكياً . نظرت ؛ كان الرضيع في حضنها . صرخت فيها أن تسكت الولد قبل أن أرميها هي وابنها من الشباك ، ألقمته حلمة ثديها . عاد الهدوء يخيم مرة أخرى . ولم يعد نسمع سوى قرقعة السيارة ، خبطات العادم الأكزوزت المخزوق من عدة أماكن ، ورجرجات العجلات على الأرض ، أحد الأولاد من الخلف يطلب طعاما : ماما ، أنا جائع أريد أن آكل . وخزتــه بكوع يدي أن يخرس : أصبر بعد قليل سنعثر لك على السم وتملأ كرشك هذا الذي لا يشبع .
بعد مسافة لا أدري كم هي ؟ أحسست بالسيارة تهتز وترتج بنفس الطريقة عندما ينفذ منها البنزين عادة : تتلوى مثل الإنسان الذي تنتزع منه روحـه ؛
طَفَتْ ، حاولت تشغيلها مرة أخرى ، لكن الموت كان قد استقر بها وأخذ يحملق في كل شيء . قفزت صورة المدير الى ذهني . بصقت وأخذت أنظر حولي . نظرت الى الزوجة . كانت على شفا هاوية الانفجار ، لو تجرأت ووجهت لها أي انتقاد أو أية كلمة لانفجرت وهبت في وجهي صابّة جام غضبها غير مبالية بتهديدها بالطلاق أو لا . لذلك حبست الكلام وتابعت النظر الى بقية الأولاد . لم أســتطع الإستمرار هــكذا ، فخرجـت من السيـارة أبحـث عن شيء قد يساعد في نجاتنا .
كان الجو موحشاً ، معتماً لا يكنز إلا الصمت الرهيب ، مددت بصري الى كل اتجاه لعلي ألمح سيارة تقترب فأوقفها وأسألها بعض البنزين لأتابع الطريق . لكن المكان بدأ وكأنه لم يسبق لأحد أن مر به .
عقارب الساعة تجري ، ولا تتوقف . والأولاد يتلوون من الجوع والعطش . زأرت الزوجة : يا زفت . تعال . طريقتها أخافتني . اعتقدت أن مكروهاً ما قد حصل . والآن ماذا ستفعل يا فالح . ألم أقل لك أن شمات الهواء ليست لنا . يجب أن تخلصنا من هذه المصيبة . الأولاد أوشكوا على الهلاك . والرضيع أخرج كل ما في جوفه بسبب الحر . ولم يعد في صدري ما يمصه .
غاص المكان في العتمة أكثر . صراخ الأطفال ازداد حدّة وبقي يمزق خيوط الصمت حتى قبيل الفجر بعد أن هدهـم البكاء والتعب وناموا . أنا والزوجة لم نستطع النوم . شهدنا انشقاق الخيط الأبيض من الأسود . بقينا في أماكننا لا ندري ماذا نفعل . رأينا الشمس وهي تتصاعد الى السماء حتى تعامدت فوق الرؤوس . خفـت على الأولاد ، شـرعت أوقظهم واحداً تلو الآخر . عيون الزوجة كانت تتطاير شرراً لو سقط شعاعها على مخلوق لقتله .
البنت الصغيـرة فاتنه لم تقم بعد . اقتربت منها أكثر وقلبتها على ظهرها لأوقظها جيداً . فوجئت ببرودة جسدها تخترق أصابع يدي وترعبني ، وضعت أذني على قلبها . كانت جثــة هامدة . رفعتها الى حضني ، شـددت عليها ، تمنيت لو ترجع ماءً ودماً ، تعود الى صلبي ولا تخلق .
حطم البكاء جدران كل شيء : جدران وحشة المكان وعتمته ، صمته الرهيب . ولم يبق واقفاً إلا الدمعات التي تنهمر من العيون مثل الجمر . ضربت الزوجة على صدرها ونتفت شعرها . عزقت التراب وأهالته على رأسها ، لم أستطع أيقافها و مواساتها .
لا حول ولا قوة الا بالله ، تمتمت ، وضعت البنت على الأرض وأخذت أعفر التراب في كل مكان أحاول أن أصنـع قبـراً . زعقت الزوجة : توقـف . قلت : لماذا ؟ قالت : وهل تريد أن تقتلنا أيضـاً ، قلت لها : وكيف ذلك ؟ إذا فعلت ذلك فسوف تقتلنا جميعا ، الا يكفيك ما فعلتـه بنا حتى هذه اللحظــة ؟ لم أفهم ماذا تقصد بذلك ، بقيت أعفر التـراب من تحت ، وهي تصرخ وتولول من فوق .
تعليق