هارولد بينتر.. العلامة و الموقف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الجبار خمران
    عضو الملتقى
    • 02-05-2009
    • 132

    هارولد بينتر.. العلامة و الموقف

    [align=right]"المسرح من أصعب الفنون" مقولةٌ لأحد أهم رواده، بيتر بروك، والذي نجد المعادل الموضوعي لطرحه هذا؛ على مستوى الكتابة المسرحية.
    فعلى امتداد القرن العشرين ككل، لن تسعفنا الأسماء إلا بذكر ما لا يتجاوز عَدّه على رؤوس الأصابع من الكتاب؛ الذين أثّروا بحق في مسار الكتابة المسرحية.

    و هارولد بينتر – إلى جانب كتاب قليلين أمثال برتولد بريشت وصمويل بكيت – علامة فارقة في مسار الكتابة الدرامية، إنهم سامقون في ثنايا زمن القرن المنصرم، فهموا و مارسوا المسرح مثلما يصعد المرء جبلا، وجدوا المسرح منتصبا أمامهم كفن تعبيري تمكنوا عبره من امتحان أغوار أسئلة الذات التائهة في وجودية اجتماعية و ميتافيزيقية تسيطر عليها علاقات ناشزة؛ داخل عالم تحكمه المصالح و الغايات التي تبررها الوسائل.

    وخلف كل الثرثرات المسرحية السائدة تجلت "متاهة" المثقف والمسرحي هارولد بينتر المغرية بولوج غرف معالجات درامية بلمسة سحر مسرحي خاص ، وشخصيات طاعنة في اللغز و الإثارة، وفضاءات مسرحية بأجواء "بينتريسكية" خاصة - نسبة إلى اسمه - و حوارات بمفردات دقيقة و ذكية مرصوصة بحس شعري نافذ. فما نسمعه/أو نقرِؤه؛ إشارة لما لا نسمعه/ولا نقرؤه..و المرئي تدليل على لا مرئي تعج به حدائق النص الخلفية. و ما بين سطور النفس البشرية، يتضح جليا على سطور كتابته الدرامية والشعرية بشفافية متناهية.

    الشخصيات تنحتها يد كاتبنا بمهارة مبدع لا تَظهر ضربات إزميله على تحفه؛ فشفاهها تنبس بما تداريه دهاليز ذكرياتنا الحميمة و دوافعنا العدوانية بسلاسة مثيرة..وهو بذلك يمنح المتلقي امتياز أن يستخلص بنفسه مقصود النصوص؛ والتي يصنفها بعض نقاده بالمسرحيات الصعبة، في حين يصفها بينتر بأنها لا تأتي مجهزة برسائل بسيطة وبحلول واضحة.

    نصوص بينتر في صراع مفتوح وبلا هوادة مع "اللاتواصل" المسيطر على العلاقات الاجتماعية،و المهيمن على علاقاتنا بماض نستحضره لنهرب منه،أو نستعير تفاصيله لنتجاوز بها حاضرا أكثر رتابة و قتامة. و يكشف مسرحه تلك الهوة السحيقة من اللاتواصل بين ما نحسه و ما يتوجب علينا أن نتلبسه اجتماعيا و ندافع عنه،حاملين بَيْرق نفاق اجتماعي ما نلبت أن نلقي به فارّين من معركة الحقيقة والمواجهة الصادقة.

    و الكاتب البريطاني الذي تتملكه الإثارة كلما نظر إلى صفحة بيضاء، توقف عن الكتابة المسرحية منذ سنة 2005 ليصرخ المثقف فيه ساخرا وكـأنه يتفوه بحوار لإحدى شخصياته :"ألم يكن كافيا ما كتبت؟؟"
    ترك لنا ما يفوق ثلاثين عملا إبداعيا، كما ترك لنا أيضا ، ما كرس جهوده له في أواخر سنواته : مواقف مثقف سجل وبصوت عال رفضه لإرهاب الدولة و للكيانات القتُولة و للعنف في السجون و غرف التعذيب و للحرب التي تُشن على الشعوب ولتبريرات مجرميها التي يعتبرها "قمامة لغوية" وبلاغة إنشائية مبتذلة توظف لعمل إجرامي عنوانه الحصار و التجويع و إقفال لمعابر الحياة فالقصف والقتل بالجملة..

    وإذا ما رفض رؤساء تحرير الصحف البريطانية والأمريكية نشر قصيدته السياسية "كرة القدم الأمريكية" لفظاعتها اللغوية على حد تعبيراتهم – و التي كتبها إبان حرب الخليج الثانية – فقد استغرب هو من كوننا نخاف "فظاعة" اللغة أكثر مما نخاف فظاعة الواقع الذي أنتجها.
    إنه خبير متفجرات لغوية تكنس الجاهز، بل لغويّ بحزام قصيدة ناسفة لصور الزيف الأخلاقي الذي ينسج مفاهيم سرابية..كأن ينعت مجرمو الحرب حربهم "بالنظيفة" في حين نتانتها تزكم أنف التاريخ..أو أن تُظهر الجثث وأطلال المدنية المهدمة وإزهاق أرواح الأطفال الزكيّة غباء "القنابل الذكية"..يقول بينتر في "قصيدة القنابل" بترجمة سعدي يوسف :

    لم يعد لدينا المزيد من كلمات تقال
    كلّ ما تبقى، القنابل
    التي تنفجر خارجة من رؤوسنا.
    كل ما تبقى، القنابل التي تمتص ما تبقى من دمنا.
    كل ما تبقى، القنابل التي تصقل جماجم الموتى.

    القصيدة غاضبة تعكس بمفرداتها تجاوب المبدع الرافض لما يكتسح حساسيته وصفاء روحه من بشاعة حروب لا يريد لها صناعها أن تنتهي.[/align]
    [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]
  • يحيى الحباشنة
    أديب وكاتب
    • 18-11-2007
    • 1061

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة عبد الجبار خمران مشاهدة المشاركة
    [align=right]"المسرح من أصعب الفنون" مقولةٌ لأحد أهم رواده، بيتر بروك، والذي نجد المعادل الموضوعي لطرحه هذا؛ على مستوى الكتابة المسرحية.
    فعلى امتداد القرن العشرين ككل، لن تسعفنا الأسماء إلا بذكر ما لا يتجاوز عَدّه على رؤوس الأصابع من الكتاب؛ الذين أثّروا بحق في مسار الكتابة المسرحية.

    و هارولد بينتر – إلى جانب كتاب قليلين أمثال برتولد بريشت وصمويل بكيت – علامة فارقة في مسار الكتابة الدرامية، إنهم سامقون في ثنايا زمن القرن المنصرم، فهموا و مارسوا المسرح مثلما يصعد المرء جبلا، وجدوا المسرح منتصبا أمامهم كفن تعبيري تمكنوا عبره من امتحان أغوار أسئلة الذات التائهة في وجودية اجتماعية و ميتافيزيقية تسيطر عليها علاقات ناشزة؛ داخل عالم تحكمه المصالح و الغايات التي تبررها الوسائل.

    وخلف كل الثرثرات المسرحية السائدة تجلت "متاهة" المثقف والمسرحي هارولد بينتر المغرية بولوج غرف معالجات درامية بلمسة سحر مسرحي خاص ، وشخصيات طاعنة في اللغز و الإثارة، وفضاءات مسرحية بأجواء "بينتريسكية" خاصة - نسبة إلى اسمه - و حوارات بمفردات دقيقة و ذكية مرصوصة بحس شعري نافذ. فما نسمعه/أو نقرِؤه؛ إشارة لما لا نسمعه/ولا نقرؤه..و المرئي تدليل على لا مرئي تعج به حدائق النص الخلفية. و ما بين سطور النفس البشرية، يتضح جليا على سطور كتابته الدرامية والشعرية بشفافية متناهية.

    الشخصيات تنحتها يد كاتبنا بمهارة مبدع لا تَظهر ضربات إزميله على تحفه؛ فشفاهها تنبس بما تداريه دهاليز ذكرياتنا الحميمة و دوافعنا العدوانية بسلاسة مثيرة..وهو بذلك يمنح المتلقي امتياز أن يستخلص بنفسه مقصود النصوص؛ والتي يصنفها بعض نقاده بالمسرحيات الصعبة، في حين يصفها بينتر بأنها لا تأتي مجهزة برسائل بسيطة وبحلول واضحة.

    نصوص بينتر في صراع مفتوح وبلا هوادة مع "اللاتواصل" المسيطر على العلاقات الاجتماعية،و المهيمن على علاقاتنا بماض نستحضره لنهرب منه،أو نستعير تفاصيله لنتجاوز بها حاضرا أكثر رتابة و قتامة. و يكشف مسرحه تلك الهوة السحيقة من اللاتواصل بين ما نحسه و ما يتوجب علينا أن نتلبسه اجتماعيا و ندافع عنه،حاملين بَيْرق نفاق اجتماعي ما نلبت أن نلقي به فارّين من معركة الحقيقة والمواجهة الصادقة.

    و الكاتب البريطاني الذي تتملكه الإثارة كلما نظر إلى صفحة بيضاء، توقف عن الكتابة المسرحية منذ سنة 2005 ليصرخ المثقف فيه ساخرا وكـأنه يتفوه بحوار لإحدى شخصياته :"ألم يكن كافيا ما كتبت؟؟"
    ترك لنا ما يفوق ثلاثين عملا إبداعيا، كما ترك لنا أيضا ، ما كرس جهوده له في أواخر سنواته : مواقف مثقف سجل وبصوت عال رفضه لإرهاب الدولة و للكيانات القتُولة و للعنف في السجون و غرف التعذيب و للحرب التي تُشن على الشعوب ولتبريرات مجرميها التي يعتبرها "قمامة لغوية" وبلاغة إنشائية مبتذلة توظف لعمل إجرامي عنوانه الحصار و التجويع و إقفال لمعابر الحياة فالقصف والقتل بالجملة..

    وإذا ما رفض رؤساء تحرير الصحف البريطانية والأمريكية نشر قصيدته السياسية "كرة القدم الأمريكية" لفظاعتها اللغوية على حد تعبيراتهم – و التي كتبها إبان حرب الخليج الثانية – فقد استغرب هو من كوننا نخاف "فظاعة" اللغة أكثر مما نخاف فظاعة الواقع الذي أنتجها.
    إنه خبير متفجرات لغوية تكنس الجاهز، بل لغويّ بحزام قصيدة ناسفة لصور الزيف الأخلاقي الذي ينسج مفاهيم سرابية..كأن ينعت مجرمو الحرب حربهم "بالنظيفة" في حين نتانتها تزكم أنف التاريخ..أو أن تُظهر الجثث وأطلال المدنية المهدمة وإزهاق أرواح الأطفال الزكيّة غباء "القنابل الذكية"..يقول بينتر في "قصيدة القنابل" بترجمة سعدي يوسف :

    لم يعد لدينا المزيد من كلمات تقال
    كلّ ما تبقى، القنابل
    التي تنفجر خارجة من رؤوسنا.
    كل ما تبقى، القنابل التي تمتص ما تبقى من دمنا.
    كل ما تبقى، القنابل التي تصقل جماجم الموتى.

    القصيدة غاضبة تعكس بمفرداتها تجاوب المبدع الرافض لما يكتسح حساسيته وصفاء روحه من بشاعة حروب لا يريد لها صناعها أن تنتهي.[/align]
    [frame="1 98"]لا حرمنا الله من قلمك أيها الرائع الجميل عبد الجبار خمران .. موضوع يزخر بالمعرفة .. والوجع .. الغريب أن لم يمر عليه أحد .. هذه مأساة نعيشها كل يوم .. هذا مرضنا .. وهذا وجعنا .
    تمر الأشياء الجميلة الرائعة الجادة ..فيما نلهو ببعضنا شتما ولطما .. ونحرك أذرعنا ونشد قبضاتنا ..بينما العقول في سبات .
    احببت أن اسجل حضوري هنا على متصفحك ايها الرائع .
    دمت ودام قلمك الذي احترم .[/frame]
    شيئان في الدنيا
    يستحقان الدموع ، والنزاعات الكبيرة :
    وطن حنون
    وامرأة رائعة
    أما بقية المنازاعات الأخرى ،
    فهي من إختصاص الديكة
    (رسول حمزاتوف)
    استراحة عشرة دقائق مع هذا الرابط المهم جدا.. جدا !!!!!
    http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...d=1#post264869
    ولنا عودة حتى ذلك الحين استودعكم الله




    http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...149#post249149

    تعليق

    • عبد الجبار خمران
      عضو الملتقى
      • 02-05-2009
      • 132

      #3
      [align=right]أخي العزيز صديق المعرفة يحيى الحباشنة
      معك كل الحق .. تعرف أن النحل قليل..لا حرمنا الله من التواصل المعرفي..
      دام نبضك الثقافي
      تحياتي[/align]
      [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]

      تعليق

      • مصطفى رمضان
        أديب وكاتب
        • 04-10-2008
        • 455

        #4
        لم يعد لدينا المزيد من كلمات تقال
        كلّ ما تبقى، القنابل
        التي تنفجر خارجة من رؤوسنا.
        كل ما تبقى، القنابل التي تمتص ما تبقى من دمنا.
        كل ما تبقى، القنابل التي تصقل جماجم الموتى.
        ....أخى وصديقى الفنان / عبد الجبار خمران....تحياتى وحبى...
        ...أتفق تماما مع صديقى /يحيى الحباشنة .. موضوع يزخر بالمعرفة .. والوجع ...والمسرح هو أبو الفنون ...فهو يضم فى جنباته واطاره كل الفنون
        المعروفة ...شكرا لك أخى الكريم على القاء الضوء على الكاتب المسرحى
        هارولد بينتر وهو علامة واضحة فى الكتابة الدرامية وتعريف من لا يعرفه
        وأتذكر الأن أيضا الكاتب المسرحى الكبير تينيسى ويليامز ( والذى تزوج الممثلة مارلين مونرو)والذى أبدع رواية ( قطة على صفيح ساخن)..
        وأيضا (عربة اسمها اللذة )......أرجو أن لا تكون قد خانتنى ذاكرتى..
        اننى أسجل حضورى ومرورى على موضوعكم الجميل ...وتقبل تحياتى و احترامى وحبى ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
        مصطفى رمضان
        فنان البورترية

        تعليق

        • عبد الجبار خمران
          عضو الملتقى
          • 02-05-2009
          • 132

          #5
          [align=right]الأستاذ المحترم مصطفى رمضان
          مرورك البهي أضاء جانبا من الأسماء المسرحية (الإنسانية) الباسقة
          والتي تجعل من مفردة "الإنسان" صخرة تصقل عليها كل التصورات والرؤى الإبداعية الهادفة والجادة في بحثها عن المنفلت والمستعصي واللامرئي
          تحياتي لك.. ولمرورك المكانة التي يستحقها..
          مودتي[/align]
          [COLOR="DarkRed"]قال" أخرجْ من حلمك"خرجتُ..فوجدتُ نفسي فی حلمٍ آخرْ[/COLOR] [COLOR="Blue"]- محمود درويش -[/COLOR]

          تعليق

          يعمل...
          X