الرجال قوامون على...
بعد الآن، لن تلسعني نظرات الشفقة، ولن أكسرها بضحكة مجلجلة أداري بها الخندق المحفور في قلبي.. ولن أتصنع الضحك وعدم الاكتراث وأهذي مظهرة الفخر والاعتزاز: لقد تزوجت الوظيفة.. وما الفرق بين الوظيف والزوج؟؟.. كلاهما يدفئان ويستران؟؟.. وإنما سأضرب بكفي أعلى صدري وأصدح فخورة مزهوة بعريسي: سأتزوج فهيم الموظف المتحضر.. وقريبا ستدق طبول العرس..
هكذا، ألفت فدوى قلبها يتغنى بعدما طرق فهيم بابها طالبا يدها..
أخواتها الثلاثة الصغيرات، تزوجن وهن على مقاعد المدرسة وأنجبن وتفرغن لبيوتهن ينعمن تحت ظلال بعولتهن.. وحدها من أصرت ألا تهجر مقعد الدراسة إلا إلى مقعد العمل.. ذلك المقعد الذي أقعدها عن الزواج.. كلما أصرت على التشبث به، تقطعت أوتار الحب في قلوب الخطاب.. ويمضي بها القطار يطوي الزمن ..
مرت على الخطبة أسابيع والاستعدادات للعرس قد أتت على كل صغيرة وكبيرة، والعريس ما يزال يحضن أطيافها كما تحضن هي أطيافه.. رضي بها زوجا وتعلق بها بمجرد ما نطق لسان أمه باسمها وأشادت بمحاسنها.. هو موظف في البريد المركزي.. يستقبل في مكتبه مئات الزبونات في اليوم.. يغسلهن إقبالا وإدبارا بنظراته الثاقبة الفائضة شهوة ويقتطف من كل واحدة ما تشتهيه نفسيته من الأطراف فيلصقها على صورة عروسه ولم يفكر فهيم أن يخطو خطوة إليها ليراها بأم عينيه..
يستقبل ويرسل مئات الرسائل يوميا ولم يخطر بباله يوما أن يراسل عروسه.. الأهم عنده أن تقدر زوجته ظروفه وتحل في غرفته بريشها وبيضها وتدفئ فراشه وبعدها تملأ البيت بالفراخ..
أخيرا، تقدم العريس خجولا ليلبس عروسه خاتم الزواج وفي نهاية الأسبوع سيعقد قرانه عليها.. اجتمعت الأسرتان وتآلفت أجواء الفرحة وتبدد خجل العريسين.. فبعدما كانا يسترقان النظرات من تحت الأهداب، أضحت النظرات تتعانق، والابتسامات تتبادل، والكلمات تتخاطف وتتجاذب، والأصابع تلمس والخواتم تلبس، والقلوب تخفق تعزف معزوفة السعادة.. وراحت العيون حولهما تتغامز والأقدام تنصرف حتى ظل العريسان بمفردهما.. لم يشاركهما الصالة الممتدة والأضواء المتلألئة والفرش الوثير والمائدة المستديرة المسطرة بأشكال من الحلويات وأنواع من المشروبات غير عينين صغيرتين يقظتين لأخ صغير للعروس.. أشار عليه أبوه وأخوه الأكبر ألا يبرح مكانه وألا تغفل عيناه عن العريس.. وأنه إذا اقترب من أخته نبههما.. فهما على خطوات من باب الصالة.. فقبل الصغير المهمة واستعد للاختبار والمكافأة ..
لا تغفل عيناه حركة ولا تفوت أذناه كلمة..
مضت برهة من الوقت والعريسان مطأطئان رأسيهما وتحوم حولهما عينا الصغير في تعجب.. كان فيها العريس مشغول البال بأمره في البيت.. فهو العائل الوحيد لأسرته من ستة نفوس بعد وفاة أبيه.. وأمه تلحس راتبه من يده لحسا لتقطره قطرات في سمائه وتصر إصرار القدر على أن يظل الحال عما هو عليه حتى بعد زواجه.. همهم في داخله.." الولد ملزم بطاعة أمه والزوجة ملزمة بطاعة زوجها.. والرجل المثالي من يستطيع أن يفرض المعادلة".. فهز كتفيه راضيا بقدره وراميا صدره بزهو نحو الأمام ثم رفع رأسه يكسر الصمت المطبق قائلا:
ـ تعلمين حبيبتي أن اليد الواحدة لا تصفق.. أنصحك ألا تفرطي في وظيفتك أبدا..
العروس تسبل جفنيها وتبتسم تهز رأسها المطأطأ بالإيجاب .. سعيدة بعريسها الذي أحبها وأحب أيضا وظيفتها..
يقترب منها قليلا ويضيف متشجعا برد فعلها وبخجلها:
ـ راتبك وراتبي من اليوم سيجمع في رصيد واحد باسمي وسأوثق لك هذا في عقــــ
ترفع العروس رأسها تقاطعه بصوت خافت:
ـ مالي هو مالك
ـ وسنؤجل الخلفة حتى نستقل بعشنا ونفرشه بريش أنعم يليق بكتاكيتنا
تحمر وجنتا العروس وتتبسم خجلة وتزداد انكماشا على نفسها حتى بدت لأخيها مثل الدجاجة... في حين قوس الصغير حاجبيه غاضبا مستعجبا يتساءل: كيف ترضى فدوى ـ أختي الكبيرة ـ بهذا دون جل أخواتي.. أختي ستصير بعد الزواج دجاجة لها عش تبيض فيه وتفرخ فيه؟!.. كيف ترضى بهذا؟!.. كاد يأخذه جناح التفكير في أمر مصير أخته بعد الزواج ويغفل عن عريسها الذي أردف يقول لها وهو يحدق في وجهها:
ـ أنا رجل البيت وكل شيء ينبغي أن يسير فيه وفق رضاي..
هو رجل البيت وأختي فدوى دجاجة؟!.. كيف يعقل هذا؟.. حدق في وجه أخته فرأى البسمة المختومة على شفتيها طول الوقت قد انكمشت عند طرف فمها كأنها تبدي الامتعاض فتوقع أنها ستنتفض قريبا كما تفعل دائما حينما يلح عليها في طلب ترفضه جملة وتفصيلا.. يترك وجه أخته ليحدق في عريسها الذي سكت لسانه لتبدأ الحركة.. يمرر يده على لحيته الكثة السوداء.. يمصمص شفتيه بلذة بعد ارتشافات خاطفة لشرابه.. عيناه، من خلف زجاج كوب عصيره، تصعدان وتنزلان بنهم بين شفتي عروسه وصدرها.. يزحف نحوها.. يقوم الطفل ليستنجد بأخيه وبأبيه.. يتوقف العريس عن الزحف ويعود إلى مكانه يتلوى في عباءته الفضفاضة ويروح على نفسه بالمحرمة.. ويتمنى لو يخلى سبيله ويتحالف مع شياطين الجن لمعانقة حمامة الجنة بعيدا عن "شيطان" الإنس الخانق الذي يرصد حركاته وسكناته...
رشق الصغيرَ بنظرات نارية وهمس لعروسه يقنعها بأنه رجل البيت وصاحب الأمر والنهي قائلا:
ـ تعلمين حبيبتي أن الرجال قوامون على النـــــــــ ؟؟؟
تنتفض العروس وتقلب المائدة على وجه عريسها وتنصرف خارجة...
وبينما الصدمة تخنق الأنفاس، انطلق الطفل وأخته الصغيرة ينشدان فرحين: أختي ليست دجاجة.. أختي ليست دجاجة..
هكذا، ألفت فدوى قلبها يتغنى بعدما طرق فهيم بابها طالبا يدها..
أخواتها الثلاثة الصغيرات، تزوجن وهن على مقاعد المدرسة وأنجبن وتفرغن لبيوتهن ينعمن تحت ظلال بعولتهن.. وحدها من أصرت ألا تهجر مقعد الدراسة إلا إلى مقعد العمل.. ذلك المقعد الذي أقعدها عن الزواج.. كلما أصرت على التشبث به، تقطعت أوتار الحب في قلوب الخطاب.. ويمضي بها القطار يطوي الزمن ..
مرت على الخطبة أسابيع والاستعدادات للعرس قد أتت على كل صغيرة وكبيرة، والعريس ما يزال يحضن أطيافها كما تحضن هي أطيافه.. رضي بها زوجا وتعلق بها بمجرد ما نطق لسان أمه باسمها وأشادت بمحاسنها.. هو موظف في البريد المركزي.. يستقبل في مكتبه مئات الزبونات في اليوم.. يغسلهن إقبالا وإدبارا بنظراته الثاقبة الفائضة شهوة ويقتطف من كل واحدة ما تشتهيه نفسيته من الأطراف فيلصقها على صورة عروسه ولم يفكر فهيم أن يخطو خطوة إليها ليراها بأم عينيه..
يستقبل ويرسل مئات الرسائل يوميا ولم يخطر بباله يوما أن يراسل عروسه.. الأهم عنده أن تقدر زوجته ظروفه وتحل في غرفته بريشها وبيضها وتدفئ فراشه وبعدها تملأ البيت بالفراخ..
أخيرا، تقدم العريس خجولا ليلبس عروسه خاتم الزواج وفي نهاية الأسبوع سيعقد قرانه عليها.. اجتمعت الأسرتان وتآلفت أجواء الفرحة وتبدد خجل العريسين.. فبعدما كانا يسترقان النظرات من تحت الأهداب، أضحت النظرات تتعانق، والابتسامات تتبادل، والكلمات تتخاطف وتتجاذب، والأصابع تلمس والخواتم تلبس، والقلوب تخفق تعزف معزوفة السعادة.. وراحت العيون حولهما تتغامز والأقدام تنصرف حتى ظل العريسان بمفردهما.. لم يشاركهما الصالة الممتدة والأضواء المتلألئة والفرش الوثير والمائدة المستديرة المسطرة بأشكال من الحلويات وأنواع من المشروبات غير عينين صغيرتين يقظتين لأخ صغير للعروس.. أشار عليه أبوه وأخوه الأكبر ألا يبرح مكانه وألا تغفل عيناه عن العريس.. وأنه إذا اقترب من أخته نبههما.. فهما على خطوات من باب الصالة.. فقبل الصغير المهمة واستعد للاختبار والمكافأة ..
لا تغفل عيناه حركة ولا تفوت أذناه كلمة..
مضت برهة من الوقت والعريسان مطأطئان رأسيهما وتحوم حولهما عينا الصغير في تعجب.. كان فيها العريس مشغول البال بأمره في البيت.. فهو العائل الوحيد لأسرته من ستة نفوس بعد وفاة أبيه.. وأمه تلحس راتبه من يده لحسا لتقطره قطرات في سمائه وتصر إصرار القدر على أن يظل الحال عما هو عليه حتى بعد زواجه.. همهم في داخله.." الولد ملزم بطاعة أمه والزوجة ملزمة بطاعة زوجها.. والرجل المثالي من يستطيع أن يفرض المعادلة".. فهز كتفيه راضيا بقدره وراميا صدره بزهو نحو الأمام ثم رفع رأسه يكسر الصمت المطبق قائلا:
ـ تعلمين حبيبتي أن اليد الواحدة لا تصفق.. أنصحك ألا تفرطي في وظيفتك أبدا..
العروس تسبل جفنيها وتبتسم تهز رأسها المطأطأ بالإيجاب .. سعيدة بعريسها الذي أحبها وأحب أيضا وظيفتها..
يقترب منها قليلا ويضيف متشجعا برد فعلها وبخجلها:
ـ راتبك وراتبي من اليوم سيجمع في رصيد واحد باسمي وسأوثق لك هذا في عقــــ
ترفع العروس رأسها تقاطعه بصوت خافت:
ـ مالي هو مالك
ـ وسنؤجل الخلفة حتى نستقل بعشنا ونفرشه بريش أنعم يليق بكتاكيتنا
تحمر وجنتا العروس وتتبسم خجلة وتزداد انكماشا على نفسها حتى بدت لأخيها مثل الدجاجة... في حين قوس الصغير حاجبيه غاضبا مستعجبا يتساءل: كيف ترضى فدوى ـ أختي الكبيرة ـ بهذا دون جل أخواتي.. أختي ستصير بعد الزواج دجاجة لها عش تبيض فيه وتفرخ فيه؟!.. كيف ترضى بهذا؟!.. كاد يأخذه جناح التفكير في أمر مصير أخته بعد الزواج ويغفل عن عريسها الذي أردف يقول لها وهو يحدق في وجهها:
ـ أنا رجل البيت وكل شيء ينبغي أن يسير فيه وفق رضاي..
هو رجل البيت وأختي فدوى دجاجة؟!.. كيف يعقل هذا؟.. حدق في وجه أخته فرأى البسمة المختومة على شفتيها طول الوقت قد انكمشت عند طرف فمها كأنها تبدي الامتعاض فتوقع أنها ستنتفض قريبا كما تفعل دائما حينما يلح عليها في طلب ترفضه جملة وتفصيلا.. يترك وجه أخته ليحدق في عريسها الذي سكت لسانه لتبدأ الحركة.. يمرر يده على لحيته الكثة السوداء.. يمصمص شفتيه بلذة بعد ارتشافات خاطفة لشرابه.. عيناه، من خلف زجاج كوب عصيره، تصعدان وتنزلان بنهم بين شفتي عروسه وصدرها.. يزحف نحوها.. يقوم الطفل ليستنجد بأخيه وبأبيه.. يتوقف العريس عن الزحف ويعود إلى مكانه يتلوى في عباءته الفضفاضة ويروح على نفسه بالمحرمة.. ويتمنى لو يخلى سبيله ويتحالف مع شياطين الجن لمعانقة حمامة الجنة بعيدا عن "شيطان" الإنس الخانق الذي يرصد حركاته وسكناته...
رشق الصغيرَ بنظرات نارية وهمس لعروسه يقنعها بأنه رجل البيت وصاحب الأمر والنهي قائلا:
ـ تعلمين حبيبتي أن الرجال قوامون على النـــــــــ ؟؟؟
تنتفض العروس وتقلب المائدة على وجه عريسها وتنصرف خارجة...
وبينما الصدمة تخنق الأنفاس، انطلق الطفل وأخته الصغيرة ينشدان فرحين: أختي ليست دجاجة.. أختي ليست دجاجة..
****
ربيع، 2008
تعليق