تطور النثر الادبي فى مصر
بإنتهاء الحملة الفرنسية على مصر وخروجها ..كانت البداية لحياة جديدة
في السياسة والعلم والاجتماع .. فقد شعر المصريون بالفارق الشاسع بين
المستوى الثقافي والاجتماعي في بيئتهم المنغلقة وبين الحضارة الاوربية
بما شاهدوه خلال ثلاث سنوات –فترة الاحتلال الفرنسي – من تقدم فى الفكر .. وتطور في الأدب وإعمال العقل في كل مناحى الحياة ..
لذا أخذت مصر منذ عهد محمد على تحاول الأتصال بالحضارة الغربية
فتم انشاء المدرسة الحربية ثم مدرسة الطب والمدارس الصناعية ليزوًد
الجيش بالضباط والأطباء والصناع والمهندسين ..وأقام هذه المدارس على نمط اوربي ثم لم يلبث أن أنشأ مدرسة الألسن وارسل البعثات الى
اوروبا لتنقل مافي الحضارة الغربية من تقدم وعلوم وفنون .. وهكذا بدأ
الاتصال المنظم بين العقل المصري الخالص والعقل الاوربي الحديث ..
وظل هذا الاتصال قاصرا على النواحى العلمية والفنية التطبيقية أما النواحى الأدبية فظل فيها الاتصال معدوما إذ لم تحدث علاقة بيننا وبين
الآداب الغربية ..ومن المعروف أن أدب أمة لايتأثر بآداب أمة اخرى
بمجرد التقاء الأمتين بل لا بد من أوقات طويلة حتى تستطيع الأمة أن تأخذ من غيرها وتهضم ماتأخذه وتتمثله ثم تخرجه أدبا جديدا له شخصيته .. وكانت الكتابة النثرية حينئذ لا تخرج عن كونها سجعا
بل يضاف عليه اغلال الجناس والطباق وغيرهما من اغلال البديع
وقد ساعد على جمود اللغة وعدم تطورها أن الحاكم استعان في المناصب
الكبرى بطبقة من الاتراك ولم يكن يسمح للمصريين بتولى هذه المناصب
بل كان الحاكم يقدًم عليها اللغة التركية في دواوينه ومكاتباته والمثير
أنه كان التحدث بالعربية بين طلاب المدارس يعتبر سبًة حتى عهد
عباس الأول فالشيخ المهدي يقول في مذكرات الأدب التى طبعها لتلامذة
القضاء الشرعي في مطلع هذا القرن :
" كانت اللغة العربية مضطهدة حتى عهد عباس الأول إلى حد أن من
تكلم بها من طلبة المدارس الحربية توضع في فيه العُقلة التى توضع
في فم الحمار حينما يُقص ويبقى كذلك نهارا كاملا عقوبة له على تحريك
لسانه بلغة القرآن فى أثناء فسحته "!
لذا بقيت اللغة جامدة ..ثم بدأت الانفراجة على يد رفاعة الطهطاوى الذى
تعلم فى الأزهر وتخرج منه ورافق البعثة الكبرى وعاش في باريس فدرس اللغة الفرنسية حتى اتقنها وعاد الى مصر واشتغل بالترجمة وعين
مديرًا لمدرسة الألسن ..وكان ذلك بدء النهضة الأدبية فى النثر إلا أن
اللغة لم تتحرر من السجع والبديع بل ظلوا يكتبون بها المعاني الأدبية
وعلى هذا النحو مر النصف الأول من القرن التاسع عشر .
المصدر : كتاب تطور الأدب فى مصر لد/ شوقي ضيف
بإنتهاء الحملة الفرنسية على مصر وخروجها ..كانت البداية لحياة جديدة
في السياسة والعلم والاجتماع .. فقد شعر المصريون بالفارق الشاسع بين
المستوى الثقافي والاجتماعي في بيئتهم المنغلقة وبين الحضارة الاوربية
بما شاهدوه خلال ثلاث سنوات –فترة الاحتلال الفرنسي – من تقدم فى الفكر .. وتطور في الأدب وإعمال العقل في كل مناحى الحياة ..
لذا أخذت مصر منذ عهد محمد على تحاول الأتصال بالحضارة الغربية
فتم انشاء المدرسة الحربية ثم مدرسة الطب والمدارس الصناعية ليزوًد
الجيش بالضباط والأطباء والصناع والمهندسين ..وأقام هذه المدارس على نمط اوربي ثم لم يلبث أن أنشأ مدرسة الألسن وارسل البعثات الى
اوروبا لتنقل مافي الحضارة الغربية من تقدم وعلوم وفنون .. وهكذا بدأ
الاتصال المنظم بين العقل المصري الخالص والعقل الاوربي الحديث ..
وظل هذا الاتصال قاصرا على النواحى العلمية والفنية التطبيقية أما النواحى الأدبية فظل فيها الاتصال معدوما إذ لم تحدث علاقة بيننا وبين
الآداب الغربية ..ومن المعروف أن أدب أمة لايتأثر بآداب أمة اخرى
بمجرد التقاء الأمتين بل لا بد من أوقات طويلة حتى تستطيع الأمة أن تأخذ من غيرها وتهضم ماتأخذه وتتمثله ثم تخرجه أدبا جديدا له شخصيته .. وكانت الكتابة النثرية حينئذ لا تخرج عن كونها سجعا
بل يضاف عليه اغلال الجناس والطباق وغيرهما من اغلال البديع
وقد ساعد على جمود اللغة وعدم تطورها أن الحاكم استعان في المناصب
الكبرى بطبقة من الاتراك ولم يكن يسمح للمصريين بتولى هذه المناصب
بل كان الحاكم يقدًم عليها اللغة التركية في دواوينه ومكاتباته والمثير
أنه كان التحدث بالعربية بين طلاب المدارس يعتبر سبًة حتى عهد
عباس الأول فالشيخ المهدي يقول في مذكرات الأدب التى طبعها لتلامذة
القضاء الشرعي في مطلع هذا القرن :
" كانت اللغة العربية مضطهدة حتى عهد عباس الأول إلى حد أن من
تكلم بها من طلبة المدارس الحربية توضع في فيه العُقلة التى توضع
في فم الحمار حينما يُقص ويبقى كذلك نهارا كاملا عقوبة له على تحريك
لسانه بلغة القرآن فى أثناء فسحته "!
لذا بقيت اللغة جامدة ..ثم بدأت الانفراجة على يد رفاعة الطهطاوى الذى
تعلم فى الأزهر وتخرج منه ورافق البعثة الكبرى وعاش في باريس فدرس اللغة الفرنسية حتى اتقنها وعاد الى مصر واشتغل بالترجمة وعين
مديرًا لمدرسة الألسن ..وكان ذلك بدء النهضة الأدبية فى النثر إلا أن
اللغة لم تتحرر من السجع والبديع بل ظلوا يكتبون بها المعاني الأدبية
وعلى هذا النحو مر النصف الأول من القرن التاسع عشر .
المصدر : كتاب تطور الأدب فى مصر لد/ شوقي ضيف
تعليق