نزوة
مرة ثانية تذهبين..!
هذه المرة طواعية على مايبدو،أخيراً نجح الأوغاد فى استدراجك إلى حيث يريدون، نزلت من عليائك بمحض الإختيار وأسلمت قيادك لأولئك الأوباش ..
هل كنت تبحثين عن اللذة؟!
ماذا كان عليك لوانتظرت قليلاً ؟
حقاً وعدتك فأبطأت لكنني لم أنس أبداً أن لعالمكم حسابات أخرى ، كيف طاوعتك نفسك على مغادرة الفردوس الذى تتوفر فيه كل المتع إلى حياة التشرد والصعلكة ؟!
الحب والرغبة هما السبب ،أعرف ذلك ، ملعون ذلك الحب الذى يفضي إلى الجنون المطبق..
هل قصّرت فى حقك يوماً ؟!
أنا من وقفت نفسي عليك منذ غادرت الأخرى إلى غير رجعة، أجهز فراشك وطعامك ،أذهب بك إلى الطبيب ،أعد لك حمام الشامبو المعطر ، أزيّن جيدك بالشرائط الملونة وأراقبك طول الوقت وأنت تتقافزين وتخطرين حولي وأقول لنفسي هكذا يكون الإخلاص والوفاء وإلا فلا .
قارنت بين استقبالك لى بالتقافز والفرح والتشقلب ذات اليمين وذات الشمال واستقبال الأخرى بالشكايات والنواح والمطالبات التى لاتنتهي حتى غادرتني غير مأسوف عليها، من يومها أدركت أنك ستصيرين سيدة البيت بلامنازع، ثم هاأنت تذهبين تماماً كما فعلت الأخرى ذات صباح، خدعت نفسي طويلاً، تشاغلت عما أراه من مظاهر التمرد والرغبة وأقنعت نفسي بأن ماأراه من مغازلات ومداعبات على البعد لم يكن مقدمة لما سيأتي بعد.
هل أخطأت بتركك تتسكعين كل صباح خارج البيت؟
هل أفسدتك الحرية إلى حد مغادرتي للمرة الثانية بقصد وسبق إصرار؟
في المرة الأولى ضممتك بين أحضاني ،كنت خائفة،لا بل كنت مذعورة..جسمك الصغير لم يكف عن الإنتفاض، برقت عيناك بغلالة رقيقة كحبات اللؤلؤ وأنت تنظرين إليّ في عتاب.
كيف أغلقت الباب دونك وتركتك لذلك المصير؟، راحت يداي تتحسسان شعرك الناعم وتربتان على ظهرك فى حنان المقصّر العارف بخطأه..بينما كان صوتك المشحون بالأسى يبعث إليّ برسالة لم أدر ماهي..
أفهمتك أنني لم اقصد غلق الباب ، التقطت صحف الصباح وكان ذهني مشغولاً بأخبار المؤسسة التي توشك على الإنهيار فلم أفطن إلى أنك تسللت من بين أقدامي إلى الخارج
..أنا المخطئ، انشغلت فى متابعة الأخبار على حين كنت أنت بالخارج تتسكعين كعادتك ، تخرجين ثم تدخلين مسرعة قبل أن أغلق الباب واستغرق فى قراءة الصحف.
ماالذي جذبك هذه المرة إلى الخارج؟.
ذلك عالم غريب عنك لايمكنك احتماله..أنت من طبقة النبلاء فماذا يغريك لتختلطي بأولئك الأوباش ممن لاأصل لهم ولافصل؟ إنهم يحسدونك ، يتمنى الواحد منهم لويقضي ساعة واحدة فى فراشك المخملي، يتمنى أن يلعق لعقة واحدة من حليبك المصفى، فماذا دهاك ؟!
إنهم يحومون حول البيت فى نزق، يرفعون أصواتهم بالنداء عليك، طالما حذرتك ألا تقفزي ناحية النافذة، لاتغذي أحلامهم بالإنتماء إلى طبقتك ، نحن نعيش معاً فى أمان فما حاجتك إلى ذلك العالم الملئ بالأشرار..
لقد سرقوا شريكتي يوماً، أغروها بالمال والمتع ففرت ولم تعد ومنذ ذلك اليوم قررت أن تكوني شريكتي الوحيدة ،أرأيت كيف حين أفتقدتك وفطنت إلى عدم وجودك أصابني الرعب من عيش حالة الفقد من جديد، خرجت لأجدك تصرخين فى فزع ومياه الأمطار تغطي شعرك الجميل وذلك القط كبير الرأس قد حاصرك وحاول الأعتداء عليك ، ذلك الشريد, طريد البيوت ونزيل صناديق القمامة يحاول أن يعتدي على بنات الأصول
..ماذا جرى للدنيا؟
حتى فى عالمكم تحدث هذه الأمور ويستبد بكم الطمع فى اقتناص مافي يد الآخرين ، من حسن حظك وقتها أنني عاجلته بحجر ضخم قبل أن ينال منك لكنه مرّ قريباً من رأسه الضخم ففرّ هارباً يلعق لعاب خيبة الأمل كان يظن أنه وجد فريسة مكتملة الأنوثة والبهاء فراح يراودها عن نفسها..
قلت لك إنني أبحث عن قط سيامي من أولاد الأصول يليق بك وبأصلك الكريم ، أصبحت تموئين كل صباح أمام الباب وذلك الأفاق كبير الرأس يزوم خلفه فى شبق.
هل نسيت ماقلته يوم أنقذتك من بين براثنه ؟، ألم أحذرك من سفلة الشوارع هؤلاء الذين يلتقطون غذاءهم من المزابل؟
دفنت رأسك الصغير فى سترتي كأنك تقدمين الإعتذار.
فماذا دهاك حتى فررت معه وتركت فراشك الحريري وحليبك الدافئ؟ ، هل قُدّر لي أن ينتصر عليّ حتى الحيوان الأعجم؟!..
ترى فى أى صندوق للقمامة قذف بك ذلك الأفاق الشريد بعد أن قضى منك وطره؟..
كيف هان عليك رغد العيش أمام نزوة طارئة ورغبة سرعان ماينطفئ أوارها؟..
لكن هكذا هى النزوات على مايبدو لاتفرق بين عالم البشر وعالم الحيوان !!.
------------
تعليق