
[align=right]أجلس إلى مكتبي ، يمر الليل ، النهار يصبغ شعره بالبياض .
مرت الليالي وشابت ، أنا على حالي لم أكتب حرفاً.
لم تزهر حروفي فوق روضة أوراقي ، خشيت أن تكون قد نضبت ينابيع بلاغتي ، أو تم جرف طمى كلماتي.
احترت ما السبب .؟ ماذا بك قلمي .؟ ينظر إلىّ ويهمس : مليكتي لا أكتب إلا ما تمليه عليّ ، نظرت لورقتي قالت : أميرتي لا يملؤني سوى هذا الذي يقبلني بشفاهه فلو لم يقبلني ما رأيت آثار نشوتي ، حنيني إليه وهو يداعب خصري برقصاته المجنونة ، توجهت لمحبرتي قالت : لا تنظري إلىّ ، فأنا اسقيه وقت الظمأ ولم يطلب رواء .
ضربت كفا بكف ، يا ترى أين الخلل .؟ أين موقع العطب ، نظرت إليهم وجدتهم صامتين ، يشيرون إلى هذا الإطار المصلوب فوق صدر مكتبي ، به صورة مشوهة ، مطموسة الملامح ، جمعتها لصقتها بصمغ حزني .
تذكرت يم هجرك الذي عكرته نفايات غرامنا ، وقتها ذاب جليد حبنا ، صار عشقنا مسخا .
خرجت زفرة حارة ألهبتهم ، صرخت :
لن يهزمني حزني ، سأعود وأملأ دروب الأوراق ، أزرع بكل أرصفتها فسيلات حرفي ، لن يوقفني بُعده ، لن يشنق عنق قلمي حبل هجره ، ولن تنحر ورقتي مقصلة فراقه .
سأجمع أشجار حزني أصنع منها محرقة ، ألقي فيها خصلات شعري التي نامت ثملة على كتفيه ، أثوابي التي رقصت أمامه كالجواري طائعة ، قنينات عطري التي سالت على عنقه ناعسة ، أصابع شفاهي كتبت بها على وجنتيه أجمل عبارات حبي ، أحلامي الفاشلة جمعتها من فوق وسائد خداعه ، ألبوم نظراتي الباكية التي تحمل أكفان لقطاتنا معا ، هدايا حبه الكافرة ، رسائل العشق الكاذبة ، أقاصيصي وقصائدي كل حرف فيها كان يشبهه ،البساط الذي عانق يوما خطوته ، المرايا التي هطلت عليها ملامحه ، ملعقته وسكينه اللتان مزق بهما ثمار مشاعري والتهمها ، كأسه وفنجانه بقايا قطرات حية تبكي طعمنا، كل الموائد والمقاعد والزهور والشراشف التي عاشت احتضار حلمنا..
نعم سأجمع رفاتها ، أزرع بها ألوف اللافتات فوق جدران عمري أكتب عليها ..
أبدا لن يكون في رحيلك موتي ..[/align]
تعليق