القرار .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • م. زياد صيدم
    كاتب وقاص
    • 16-05-2007
    • 3505

    القرار .

    كان قد اتخذ قراره مسبقا.. بدأ في التمهيد له مع أسرته، كأنه أحس بشيء في أعماقه لا يفهمه سواه ؟ أو كأنه على أمل وموعد مع حياة جديدة مختلفة .. في ذاك المساء وبعد العشاء مباشرة عقد اجتماعه الأسرى .. كانت ابتسامته تسبقه في جلسته، وان كانت عقدته ما بين حاجبيه لا تزال واضحة المعالم، لأنها معلم من تضاريس محياه الوسيم ...

    - ما الأمر يا محمود وما بالك لا تحدثني منفردا عنه ؟ تساءلت زوجته * صحيح ما تقولينه حبيبتي، لكنى لا أريد أن يتناقل على لساني أي تأويل أو ما يثير القلق والخوف في عقولكم !.. تبلد الجميع فجأة، وساد ذاك الصمت الرهيب، وأطبق الذهول على ألسنتهم وعيونهم الشاخصة.. – ما بك أبتي هل هناك خطب ألم بك وهل... ؟ احمرت عيناها العسليتان بلحظيها المرسومان بعناية وأنوثة، وبان الحزن على وجهها وأردفت: كلنا أذان صاغية .. كانت هذه ابنته الأصغر، ابنة العشرين ربيعا.. اعتدل في جلسته، تهيأ بالبوح، كان يحافظ على كل عبارة وكلمة تخرج من بين شفاهه، كأنه يريد اختصار الحديث وتحجيمه، ليبدو سهلا ووقعه خفيفا على مسامعهم وقلوبهم المرهفة في تلك اللحظات،هكذا كان يعتقد...

    اتسمت حياته بوجهين متضادين.. لكن حبلا متينا كان يربطهما برابط مشترك فيما بينهما ! انه رجل عسكري من الطراز الأول، تمرس في عمله، تقلد أرفع المناصب في سلك الشرطة.. كان محل إعجاب وتقدير من كل زملائه من الضباط ، و قدوة من ألأفراد و العناصر.. كان يعشق عمله حد العبادة، هكذا يذكره أقرانه و كل من تعامل معه عن قرب، يعمل لساعات متأخرة من الليل بفرح ورضي ومسئولية منقطعة النظير.. وعلى صعيد الأسرة والعائلة كان حنونا رقيقا يجامل أقاربه في المناسبات وغيرها، فهو المبادر دوما بزيارات توطد أواصر اللحمة والمحبة، كان يعتني ويوجه فئة الشباب خاصة، تحدث احد أبناء أخواته قائلا: كان يلعب معنا الورق بعد إلحاح منا عليه، في زياراته لنا بروح لا تقل عن أي شاب في مقتبل العمر وهو ابن الخامسة والستين.. كان كريما ودودا يصل رحمه، ويصلح ذات البين حدثت أخته الكبرى ...حتى إمام المسجد كان شاهدا على صلواته وحسن خلقه...

    صمت الجميع في انتظار ما سيعلنه من أمر هام، حيث جمع أسرته في تلك الليلة، ليعلن لهم عزمه إجراء عملية جراحية حساسة في مصر.. تصيب قلبه مباشرة لاستبدال شريانه الرئيسي...

    – لكن كيف قررت هذا يا محمود والخطورة قائمة؟ ونحن لا يمكننا أن نستغني عنك في هذه الظروف الصعبة، لا يمكننا.. فهل فكرت بنا ؟ تساءلت أم العيال ويدها على خدها..
    * لقد أظهرت صور الأشعة الطبقية والملونة بأن القلب يعانى من إغلاق وترسبات عواقبها وخيمة في أي لحظة حبيبتي .. وقرأ الآية الكريمة "" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا صدق الله العظيم ""..كانت إجابته على تساؤلها بتأثر بالغ .. كان متفائلا في حديثة، لأنه استعلم من الطبيب الجراح عن نسبة نجاحها العالية عبر الهاتف، فاطمئن قلبه، كما أظهرت تلك العمليات نجاحات متقدمة بشكل لا يوحى بخطورة الفشل ،هكذا أكد جميع الأطباء له ...
    طأطأ الجميع برأسه للحظات .. احمرت وجوه المجتمعين، لكنهم سرعان ما أحسوا براحة بعد كل التأكيدات والاطمئنان.. فدعوا له بعودة ميمونة، فهم على اشتياق حتى يعود سالما غانما قالت زوجته.. ابتسموا جميعهم بأمل ورجاء يعتمر عقولهم ويختلج قلوبهم ، ذهبت الابنة مع والدتها يجهزون حقيبة سفره ولوازم إقامته، هناك بعيدا عن ارض الوطن...


    - مرحبا أبو هيثم كيف الحال والصحة، وما هي أخبار محمود ؟
    * نحن بخير أبا يوسف، محمود في أحسن حال، يخرج كل يوم للفسحة والتنزه... يمر علينا وابتسامته العريضة لا تبارحه، وأحيانا نخرج سويا ونرافقه إلى حيث يريد أن يذهب .. انه كالشباب لا يكل ولا يمل، ونحن بانتظار قدوم الطبيب الجراح من خارج البلاد لإجراء الجراحة...


    مرت ثلاثة أسابيع ليصلني ماسج عبر الجوال: حدثت مضاعفات خطيرة اليوم بعد الجراحة المنتظرة .. محمود في العناية المركزة والساعات القليلة القادمة حاسمة ومصيرية .. ادعوا له بالرحمة والشفاء...

    يرن الهاتف في الصباح الباكر... أنفاس متقطعة ونبرات حزينة يهمس أبو هيثم بكلمات لم أفهمها: لكنى أدركت نهاياتها بصعوبة، فالذهول كان سيد الموقف الجلل.. لقد فارق الحياة في الخامسة فجرا، ليرحمه الله بواسع رحمته .. سيصلكم جثمانه هذا اليوم... يسود الصمت بيننا.. تنهمر الدموع منى بصمت.. وأسمع نحيبا في الطرف الآخر.


    إلى اللقاء.
    أقدارنا لنا مكتوبة ! ومنها ما نصنعه بأيدينا ؟
    http://zsaidam.maktoobblog.com
  • هدير الجميلي
    صرخة العراق
    • 22-05-2009
    • 1276

    #2
    تمنيت أن أقنع قرائي بما اكتب كما اقنعتني أنت بما كتبت وكاني أمام صور حيّة...
    مع تقديري .
    بحثت عنك في عيون الناس
    في أوجه القمر
    في موج البحر
    فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
    ياموطني الحبيب...


    هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

    تعليق

    • خالد أبجيك
      أديب وكاتب
      • 26-05-2009
      • 284

      #3
      ما هذا الألم الذي خرج من قصتك سيدي الفاضل..؟؟

      رائعة، أجدت صياغتها وحبكتها..

      تقبل ودي واحترامي
      الصحبة الطيبة مفتاح لكل خير

      http://sohba-liberter.blogspot.com/

      تعليق

      • م. زياد صيدم
        كاتب وقاص
        • 16-05-2007
        • 3505

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة هدير الجميلي مشاهدة المشاركة
        تمنيت أن أقنع قرائي بما اكتب كما اقنعتني أنت بما كتبت وكاني أمام صور حيّة...
        مع تقديري .
        =================

        ** الراقية هدير..........

        تواجدك جميل .. وقرائتك الاجمل.

        تحايا بعطر الرياحين.......
        أقدارنا لنا مكتوبة ! ومنها ما نصنعه بأيدينا ؟
        http://zsaidam.maktoobblog.com

        تعليق

        • م. زياد صيدم
          كاتب وقاص
          • 16-05-2007
          • 3505

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة خالد أبجيك مشاهدة المشاركة
          ما هذا الألم الذي خرج من قصتك سيدي الفاضل..؟؟

          رائعة، أجدت صياغتها وحبكتها..

          تقبل ودي واحترامي
          ================

          ** خالد الراقى.........

          من ذوق ما تسطرون من حروف راقية.

          سرنى مرورك كما قرائتك.

          تحايا عطرة..............
          أقدارنا لنا مكتوبة ! ومنها ما نصنعه بأيدينا ؟
          http://zsaidam.maktoobblog.com

          تعليق

          يعمل...
          X