طـاقـة الحــب
جاك بًنْوَا "بيداغوجيا الأخلاق"
ترجمة: كـوثـر خـليـل
"يوما ما حين نكون قد سيطرنا على الرياح و الأمواج و المد و الجاذبية، سنستخدم طاقة الحب... عندها، سيكون الانسان و للمرة الثانية في تاريخ العالم، قد اكتشف النار"
بيار دي شاردان
أن تكون متلائما مع " الأخلاق" هو أن تكون الاستقامة شغلك الشاغل تجاه الآخرين و القانون و نفسك. إنها فضيلة الشرف، و الفخ في هذه المسألة يكمن في الخلط بين نص الشرائع و روحها. و في الحقيقة إن البعد الأخلاقي المتمثل في الشرف يتعلق أساسا بروح الشرائع.
أن نكون متلائمين مع الأخلاق، يعني أن نكون واعين بواجباتنا و بشرط التكافل الاجتماعي. لقد كان بلاز باسكال يقول:" إن مأساة الإنسان تكمن في أنه لا يستطيع أن يعيش في غرفة بمفرده". فنحن لا نحقق وجودنا إلا بالآخر، بحضوره، بنظرته و برأيه فينا.
إن الفرق ضئيل جدا بين السلوك الأخلاقي الذي يمثل استثمارا ننتظر منه مقابلا و السلوك الأخلاقي الذي لا مبرر له غير الشعور الداخلي بالرضى. فالأول استغلالي نجده خاصة لدى السياسيين و رجال الأعمال و التجار أما الثاني فنابع من الشعور بالمسؤولية في أن تكون في خدمة الآخرين و دون مقابل.
الحياة و الحرية و السلام و الكرامة حاجات انسانية أساسية و هي دعامة الأخلاق التي تتخذ الحب حجر أساس. كل العظماء الذين نعرفهم عاشوا في التفاني و حب ما يفعلون. فكلنا أيتام الحب، إن الحاجة للحب تنبض في دواخلنا، بوعي أو لاوعي تجد نفسك تبحث عن الحب في انتباهك لعالم الطبيعة، كيف يمكن أن تظل لامباليا أما جمال الجبل و سكون البحر و اتساعه، من لم يداعبه الحلم و هو ينظر إلى الفضاء الجميل الموَشّى بالنجوم و من لم يؤخذ بجمال الغروب؟ في مستوى آخر، من لم تعْتَرِهِ الدهشة أمام عالم الحيوان: نظام عالم النحل و الاستعراض الملائكي لكائنات أعماق البحر؟ إن الحاجة للحب قوية لدرجة أننا قد نسقط في المراوغة، إذا لم نحكّم عقولنا، مراوغة وهم الحب التي توفرها لذائذ جانبية كالجنس و المخدرات و الكحول و حب السيطرة التي تتعارض مع حريتنا بل تخلق تبعية ليست من صميم الحب بل هي انحراف له فالحب "الحقيقي" يتعلق بالرضى في معناه الشامل و في أن تهب ذاتك للآخر و بنكران هذه القاعدة يتولد غموض آثم يؤدي إلى الخلط في مفهوم الحب و منه تنشأ الشرور و سوء الفهم الذي يملأ العالم.
بالنسبة لكل المؤمنين: "الله محبة" فالبوذية تقول:"لا تجرح غيرك بالطريقة التي قد تجرحك أنت" و المسيحية تقول:" ما ترغب أن يفعله معك الآخرون، افعله لهم" و الاسلام يقول:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" أليس الحب روح كل الشرائع و أساس كل الحضارات؟ أليس الحب منبع الحق و الخير و الشجاهة و الجمال و تجاوز الذات أليس منبع التفاني و السعادة و كل المًثل؟
الحياة لغز و أكبر علمائنا و باحثينا في أدق الكائنات و أضخمها يتفقون على أن كل تقدم علمي يضعهم في مواجهة مجهول أكبر منه. ولكنهم وصلوا مع ذلك إلى أن سرّ الحياة ينبع من قانون كَوْني، من مبدإ ذكي لا يستطيع الانسان ادراك كنهه و يمكن أن يسمّيَه من يريد حسب قناعاته. لكن ذكاء الحس السليم و العاطفة يمكننا من استنتاج قانون يهدف إلى التوحيد و بهذا المعنى أسميه "قانون الوحدة الكونية" و يمكن تطبيق هذه القاعدة في العالم المرئي و اللامرئي، و هي فكرة واضحة للكل و قابلة للفهم كأن نتحدث عن قانون الجاذبية: إننا نقف على سطح الأرض، و القمر يدور حول كوكبنا و الأرض تدور حول الشمس و هكذا إلى ما لانهاية و لا أحد ينكر ذلك؟.
يمكن أن نقيس القوانين الفيزيائية للجاذبية و لكن المبدأ في حد ذاته يظل غامضا. يمكن أن ننزل بهذا القانون لنلاحظ ظاهرة التكاثر في سُلم الكائنات أما في المستوى الذهني فيتمظهر هذا القانون في مستوى الحاجة إلى تحقيق الحضور بأن يستمع إليك الآخر و أن يكون رأيه فيك إيجابيا و هكذا تتفتح فيك زهرة الوجود. إنه البعد المتعلق بالعاطفة، بالتكافل و بالسلام. و على العكس إذا لم يتحقق هذا الشرط نجد أنفسنا في حالة من اللاتوازن و الخلل الوظيفي و هو ما يؤدي إلى العنف. إن قانون الحب كقانون الجاذبية و أي إخلال بمبادئه يؤدي إلى خلل فينا و في كل شيء.
و يمكننا هنا أن نتساءل:" لماذا لا يختار الانسان قانون الحب؟ و قد أجبت عن هذا السؤال عديد المرات: أولا لأنه كائن حر و ثانيا بسبب قانون أخر هو قانون التضاد (الموجب و السالب/ النور و الظلمة/ الوجه و القفا..). إن في دمج قانون التضاد و قانون الجاذبية أساس نشأة الكون. و إن التحدي الأخلاقي الذي على الإنسان إنجازه هو أن ينحاز إلى قانون الحب و يرفض كل ماهو مناقض لهذا القانون: حب الآخر أو الأنانية، التواضع أو الكبر، العطاء أو حب التملك، السلم أو الحرب، النجاح أو الفشل و بهذا الاختيار تتحقق حريتنا من ورائها كرامتنا. و مهما كان الدافع فلسفيا أو دينيا فإن جانبا عقلانيا يجعل من مصلحة الانسان الضرورية التلاؤم مع قانون المحبة. إن طاقة المحبة في داخلنا تعطينا قوة و قدرة عظيمتين و لها ضدها المتمثل في قوة الشر و إذا قارنّا بين عمل المهاتما غاندي و أدولف هتلر نرى أن الأول قد أوقف صراعات فقط بصلواته منتهجا المحبة و نبذ العنف أما الآخر فتحت سيطرة الشر و القوة قتَل الملايين و الحال أن لهما الاثنين قوة خارقة.
من منطلق قانون التضاد يمكن استنتاج أنه كلما كنا مدفوعين بمشاعر أو سلوكات تتعلق بالشر كلما أسّسنا للتفرقة و الصراع و العنف في داخلنا كما في المجتمع و كلما كنا مدفوعين بالفضائل كالمحبة و الثقة و السلام و الاحترام و الانصات نحقق الانسجام داخلنا و من حولنا.
تعليق