هل انتهى الأمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ركاد حسن خليل
    أديب وكاتب
    • 18-05-2008
    • 5145

    هل انتهى الأمر

    [align=center]هل انتهى الأمر
    ركاد حسن خليل
    [/align]




    إيه ، هل انتهى الأمر ؟ ماذا نعتبر الذي حصل في غزة ؟ هل نقول أن ما قد حصل ،قد حصل ، وأن الله لا بد غالب ، و نعض على الجراح و نسكت ؟ أم نعتبر أنه لم يحصل شيء
    طالما أن العرب سيعيدون بناء ما تهدم في غزة و سيضمدون جراحنا ؟
    الله أكبر يا ناس ، أهكذا أمتنا تعاقب عدوًّا جار عليها و طغى ، ولا يحمـّل مسؤولية أفعاله و نبني له ما دمـّر ليدمـِّره في حرب أخرى قادمة ؟
    أكاد لا أصدّق و لا أفهم ، ولست متأكـٍّدا ً أن ثلاثا و عشرون يومـًا مرّوا ،كانوا من حياتنا أو من زماننا الذي نعيش ، أقصد أيام الحرب على غـزّة، وليس تاريخا ً قرأناه في كتب التاريخ ولا زال يعلق في الذاكرة . لا و الله، ما تخيـّلت و لا توقـعت أن أحيا في زمان أرى فيه وأسمع و أعيش حربًا قذرة، بشـعة ، همجيـة ، تدميريّة إلى آخر ما يمكن أن يتصوره أحدكم من أوصاف لهذا الاعتداء على أهلي في قطـاع غــزة .
    إنـّها حرب إفناء ٍ و إبـادة لشعب بريء أعزل مكلوم ، محاصر و منتهك الحقــوق ، كل الحقـوق الآدميـة في العيــش الكريـم . و كأننا جـُرذ ٌ أو جـراد ٌ أو أننـا مصــابون بداء ٍ معدٍ أوجب استئـصالنا و إبادتنا عن بـِكرَة أبينا. و إلا ّ بالله عليكم قولوا لي ما يفسـّر الذي جرى ؟
    نذبح ، و لأول مـرّة في التاريخ ، يذبح شعـبٌ على الهواء مباشرة ً ، و يعمل فيه جيـشٌ جـرار أداته أفضل ما أنتجته تكنـولوجيا السلاح من وسائل للتـّدمير و القتل والإبادة . فلم تهدأ الإف 16 و لا الأباتشي ولا طائرات الاستطلاع الزّنـّانة و لا الدّبابات الميركافا و الجرّافات ولا المدافع الأرضيـّة و البوارج البحرية و مدافعها و رشـّاشـاتها لحظة ً واحدة طـوال ثلاث وعشرون يوما دون أن تلقي بحمم قنابلها و صواريخها و رصـاصاتها على قطـاع غـزة بشـرًا و حجـرًا و شجـرًا ، و تحيل الأهل إلى أشلاء ، أطفالا ً و شيوخـا ً و نسـاءً، و البيوت إلى ركام، و الأرض إلى حطــام، و كأنّ الأرض تزلزلت بنا. لا و الله، إنـّها أكثر من الزّلزلة فأيُّ زلزال مهما طال لا يدوم أكثر من دقائق و ينتهي الأمر . إلا ّ أنّ ما جرى في غـزة آلاف الزلازل أو الهـزّات المتتالية ، فكل إغارة ٍ كانت زلزلة تقتل و تدمــِّر و تشـرّد ، ناهيك عن ما ينزل في قلوب الأطفـال و النّساء و الشـُّيوخ من رعب ٍ و هول ٍ و أثر لا تمحوه أبدا ً نظرة مشفق ٍ ، أو كسرة خبز ٍ أو مالا ً يجمع لإعادة إعمـار.
    كم من آلام نعاني ، و كم من دماءٍ هدرت ، وكم من دموع ٍ لأطفالنا و نسائنا حتى رجالنا ذرفت. هل شعر أحدٌ منكم و لو للحظة واحدة ألم طفل فقأت عيناه أو قطعت أطرافه، أو ألم حرق كامل الجسم أو حتى حرق إصبع، أو ألم جريح ٍ تـُرك ينزف حتـّى الموت. أو أن يشعر بإحساس طفل ٍ فقد كل أسرته أو حـتى جزء من عائلته، أو طفلٌ والدته مكلومة تركت تنزف بين ذراعيه حتـى الموت ، أو مشاعر أمٍّ فقدت كلّ أبنائها و كأنـّهم ما كانوا يومـًا و لا عاشـوا . لقد فعلوا في غزة كل ما لا يتقبـّله عقل أو منطق أو شرع أو عرف أو دين سوا ما جاء في تعاليم اليهود .
    تخيـّلوا ، نموت والبثُّ مباشر ، على مرأى و مسمع كل العالم ، و حكام العرب الأعزاء لم تـُحرّك صور ذبحنا لديهم شعرة ، بل على العكس شارك بعضهم في حصارنا و ترويعنا و فرض شروط أعدائنا علينا بإرغامنا على قبول ما يطلبونه منـّا من تنازل ٍ عن حقـّنا في أرضنا و عن قدسنا.
    تخيـّلوا ، أن لدى الحكومات العربية إثنا عشر مليون جندي فعلي يخدمون في المؤسسة العسكرية و يتقاضون مرتـّبات شهريـّة و لديهم أكثر من سبعـة آلاف طائرة حربيـّة من أحدث الطائرات في العالم عدا عن الدبابات و المدافع و راجمات الصواريخ و السفن الحربية. أجيبوني بالله عليكم ،لم كل هذه الجحافل و كل هذا العتاد؟ جيوش مسلوبو الإرادة و عتاد حربي ترك ليأكله الصـّدأ .
    هل يمكن أن يتخيل عقل إنسان أن إثنا عشر مليون جندي لا يقوون على إيقاف دولة مارقة كإسرائيل هذه ، التي لا يتجاوز تعداد جنودها مائتي ألف بعد استدعاء الاحتياط ، عن ممارسة ما يحلو لها من غطرسة و تطاول على الأمة العربية و الإسلامية بأسرها. ألستم معي أنه لو أقدم كل جندي عربي على إفراغ دلو ٍ صغير من ماء على هذه الدولة لغرقت و لم تقم لها قائمة.
    الله أكبر يا نــاس . أين المروءة ؟ أين النخوة العربية ؟ أين الكرامة ؟
    كيف يستطيع أي حاكم عربي أن يضع رأسه على وسادة و ينام و غطاؤه الـذل و الخذلان و فراشه من هوان ؟
    تخيـّلوا أنهم يخضعون و منذ سنين لأوامر النساء . تذكـّروا معي ،مادلين أولبرايت و المنصرفة غونداليزا رايس و القادمة هيلاري كلينتون ، طبعًا ، لا تغفلوا أبدًا عن تسيفي ليفني .
    و تعقد القمم ، و آخرها اليوم قمة الكويت الاقتصادية و ها هم الحكام يلتفـّون على ثورة الشعوب الهادرة و يحاولون إيهامنا أنهم موحـّدون ، و ها هو الملك السعودي عبد الله يهدد و يتوعد و مبارك يحذر و الأسد يطالب بأن تكون القمة قمة قرارات لا تسويات و أن تدعم المقاومة ، و ها هم يحاولون تلميع عبـّاّس من جديد بعد أن أوصلته مواقفه الدنيئة ، الرخيصة ، المتواطئة إلى الحضيض ، و لن تقوم له قائمة في عيون أبناء شعبنا مهما استعملت من أدوات غسل و تنظيف .
    و رصدوا لنا الأموال لإعادة الإعمار. يا فرحنا و الله .نحن محسودون على هؤلاء الزعماء ، الوعي ، و الصحوة ، و التضامن العربي قد عادوا و أن اليوم لم يعد كالأمس ، وأن القادم من الأيام سوف يثبت للعالم أن العرب أصبحوا قوّّة لا تضاهى يجب أن يحسب لها القاصي و الدّاني ألف حساب ، و أن مفاصل دولة الكيان الصهيوني الغاصب قد خارت و لا بد ّ أنهم سوف يرسلون الوفود و الوسطاء يستجدون السلام مع العرب ، و قد يتعنت العرب و يرفضون كل وسيط و لن يرضوا بأقل من عودة اليهود إلى بلادهم الأصلية و عودة فلسطين إلى أصحابها ,و إلا سوف تشن جيوشنا حربًّا تستأصل شأفتهم .
    بعد قليل ، و بعد أن يصدر البيان الختامي عن قمة الكويت ، سيتنفـّس العرب الصُّّـعداء و تنتهي كل حملات الشعوب العربية و الإسلامية للتضامن مع أهل غـزة ، و يعود كل ٌّ يغني على ليلاه، و ينامون الليل بطوله لاطمئنانهم بأن الحكام موثوق ٌ بهم و لا بدّ أنهم سوف يحقـّون الحـقّ و يزهقون الباطل ، و لن تنتبه الشعوب سريعًا أنّ الدّولاب سيعود إلى الأسفل و يبدأ دورة أخرى من جديد و تعود قضية فلسطين إلى البداية لتبدأ المفاوضات من الصفر ، و تتكرر المماطلات ، واللقاءات ، والقبلات مع القادة الصهاينة و تستمر دولة اليهود في قضم الأرض الفلسطينية و التنكيل بالحصار و غير الحصار بشعبنا الفلسطيني ، و تعيد المقاومة كـَرّتها ، و تعود الآلة الحربية الصهيونية ، فتكرر فعلتها فيسقط المزيد و تدمـّر قطاعًا عربيًّا آخر أو مدينة أخرى أو حتى تحتل أرضًا عربيًة أخرى .
    كنت دائمًا أقول نحن الشـّعب الفلسطيني أيتام ، لأنه ليس لنا قيادة ذات كفاءة سياسية و عسكرية وأخلاقية ، قادرة أن توحـّد كلمة الفصائل و تعيد لحمة الشـّعب . غير أني اليوم
    أقول لكم أيها الأخوة العرب أنتم مثلنا أيتام ، فكل القادة العرب على شكل قياداتنا الفلسطينية، البون شاسع واسع بينهم وبين الشعوب .
    صدّقوني أن لا خلاص لنا ولكم إلا ّ بكنسهم جميعًا دون استثناء و تنصيب من كانت له عينًا صحيحة و فكرًا نقيًّا ، وإرادة ً لا ترهن ، ولا تقبل بذل أو ترضى بهوان . و شعوبنا ملآ بهؤلاء لكنهم مغيـّبون و بعيدون عن السلطة و القرار.
    علينا أن نربي أنفسنا على ثقافة التغيير و المقاومة ، و نبتكر مناهج تخدم هذه الثقافة ، كي نعود عربًا و مسلمين كما يحبُّ الله و يرضى .

يعمل...
X