حكايات وعبر:
حكاية الثعلب والخنازير وعصافير الدوري
[align=left] جاسم محمد صالح [/align]
[align=justify] توهم البعض أن الثعلب هو أذكى الحيوانات ، أنا لا أقول ذلك ، بل ولا اتفق معه أبدا … حيث أن الثعلب لا احد يعرف شيئا عن ثعلبيته … ومن أي أب يكون ؟ ، هذا الثعلب الهمام طوى الجوع والذل والحرمان كل المسافات الواسعة بين بطنه وظهره حتى التصقا .
استغل هذا الثعلب الذي تهستر من شدة الجوع ووضاعة النسب في ذلك الصيف التموزي في بغداد السلام … ونوم (ناطور) البستان .. وتسلل إلى داخله عبر ذلك الثقب الضيق والذي دخله بسهولة لصغره , فوجيء الثعلب الدخيل بان هذا البستان الذي دخله ما هو إلا جنة من الجنان … حيث مياهه عطر وماء وهواؤه موسيقى وفرح وغناء … أما ترابه فهو زئبق ويورانيوم ونفط وذهب … والمسافة الواسعة بين جهاته الأربع أضرحة وتاريخ وقيم ومبادئ … ومكتبات لا حدود لها … أما أشجار هذا البستان فهي متشابكة حتى الأغصان والأوراق حتى لا تستطيع أن تفصل ورقة عن أخرى … التصاقا حد العظم وتتناثرت في كل إرجائه جمعيات فاعلة للرفق بالحيوان .
استغل الثعلب هذا وهو لم يغتذ خبز ملة منذ أزمنة سحيقة واستولى على كل شيء فيه … نمت أظافره حتى تحولت إلى سكاكين … أما أسنانه فهي الأخرى قد استطالت وصارت رماحا شاخصة … وامتدت يده بسرعة جنونية لتقطف كل ما هو موجود من فاكهة وثمار … أكلا وكبسا وبيعا وشراء واستحواذا .
فرخ هذا الثعلب ثعالب أخر وامتلأت البستان بالثعالب … حتى صار الثعلب يسير فوق الثعالب ، ترهل الجميع … وحمائم البستان نائمة … غزلانها … وطواويسها … وحتى الفراشات الملونة وعصافير الدوري وطيور الكناري … فهذا البستان هو ارض للسلام … والله يحميه من أعدائه … ولن يتمكن أي خبيث من إيذائه أو الإيقاع به .
استيقظ سكان البستان فزعين ، فأصوات الثعالب الدخيلة ما عادت تحتمل ، لكنهم كانوا عاجزين عن مواجهة هذه الجموع من الثعالب التي تحولت إلى ضباع وكلاب مفترسة … وربما خنازير تقطر الدماء من أنيابها .
خيرات هذا البستان انتشرت في كل الأرجاء ، تنبهت الخنازير إلى ذلك ، فأحاطت في ليلة مغبرة بالبستان من كل جانب وكشرت عن أنيابها ، هي الأخرى تريد الاستحواذ على كل شيء .
رفعت الثعالبي شعار : (علي وعلى أعدائي ) متمثلة بقول (شمشون ) ... وبدأ كل ثعلب يأكل ثعلبا … حتى بقى ثعلب واحد بلحية كثة ، ووجهه مثل وجه دراكولا وكرش ممتلئ بلحم الغزال المطعم بالزعفران والهيل … وقررت الخنازير إخراج هذا الثعلب الذي بدأ بالتبول على نفسه … فربطته بحبل يشبه الحبل الذي تربط به الحمير ، وحاولت إخراجه من ذلك الثقب الضيق … لم تستطع, فحجمه كان اكبر بكثير من الثقب … وبقيت الخنازير ستة أشهر تسحبه بعد أن فرضت عليه الجوع والعطش واكل التراب حتى عاد هزيلا مثلما كان … بوجه بشع وحالة مزرية … وتفاهة لا حدود لها ، وتمكن خنزير أن يسحبه ذليلا ككلب وضيع من حفرته التي احتفرها قبرا له , وتأكد احدهم من هويته الثعلبية بان فتح فمه ، وفعلا فتح لهم فمه مثل بقرة أو دمية :
- ياه … ما اخسك أيها الثعلب الذميم بلحيتك الكثة ووجهك الخسيس .
انتبه سكان البستان … كانوا فزعين لما يجري ، فالشر يحيط بهم من كل جانب … لم يجدوا أمامهم غير أن يكونوا حالة واحدة ، مثل بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا … لا لونا يفرقهم … ولا شكلا يباعدهم … ولا لغة تجزئهم … عائلة واحدة هادئة مطمئنة متكاتفة ضد أعدائها المحيطين بها من كل حدب وصوب … وخصوصا اؤلئك الأعداء الذين تسللوا إلى داخله خلسة .[/align]
تعليق