دراسة نقدية لقصص القاصة شيمة الشمري : نقل : عبد الرحيم محمود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرحيم محمود
    عضو الملتقى
    • 19-06-2007
    • 7086

    دراسة نقدية لقصص القاصة شيمة الشمري : نقل : عبد الرحيم محمود

    نشر الأستاذ الزميل حسن الشحرة الدراسة النقدية التالية في منتدى أزاهير ، أحببت نقلها للاستفادة من نهج النقد وأسلوب الناقد / باحترام للجميع .
    المنتدى : مكتبة القراءات النقدية
    المختبىء خلف الغبار-صورة الرجل في قصص شيمة الشمري:

    الأربعاء, 3 يونيو 2009


    د. عاطــف بهجــات *




    ورغم عدم اقتناعي بمصطلح (أدب المرأة)، أو (الأدب النسائي)، أراني مضطرًا للتراجع عن ذلك -بصورة مؤقتة- أمام هذه القصص؛ لما فيها من خصوصية البوح، ونسوية الهوية، المتشكّلة من حضور منطق المرأة، الذي يحكم الطرح، ويقود السرد في محاولة لإعادة تشكيل النسق، وكأن مقولة سيمون دي بوفوار : “أنا امرأة” تنطبق على هذه القصص، فنحن إزاء نظرة مختلفة للأشياء “تعكس خصوصية في بناء الأفكار و المشاعر.. وتذهب باتجاه تشكيل خطاب أنثوي”(1).
    جاءت هذه القصص على هيئة لقطات متتابعة لترسم مشهدًا واحدًا، هو علاقة الرجل بالمرأة، وهي جدلية تشكل هاجسًا إنسانيًّا عند طرفيها على حد سواء.
    هذه اللقطات القصصية يبدو تلاحمها الفني في انشطارها الحياتي (رجل # امرأة)، فكل قصة تجسد الانفصال على مستوى السرد، وتحقق التماهي على مستوى الواقع، حيث إن صورة الرجل الممسوخة في النص ناتجةٌ عن افتقاد صورة الرجل الكامل على مستوى الواقع. كما أن الرجل يحضر في السرد من خلال صوت المرأة الساردة في صورة من صور إعادة التشكيل وأنثنة السرد، هدفها محاربةُ البطريركية السردية، فتقدم لنا شيمة صورة الرجل كما تراه هي، وهي صورة لا تمثل الواقع بقدر ما تجنح إلى الخيال، وكأنها تعيد تشكيل صورة الرجل، فلم تكتفِ بالتحكّم في استحضاره وتغييبه، بل انصرفت -سرديًّا وذهنيًّا- إلى إعادة رسم صورته، فقد “أثبت السرد الأنثوي في المشهد القصصي العربي الحديث رؤية جديدة تسمح بإعادة النظر في تأنيث منطقة القص والحكي، استنادًا إلى منطق اللسان السارد، على نحو يعيد التوازن إلى المعادلة التي يقتسم ذراعيها المنطق الذكوري المهيمن، والمنطق الأنثوي المصاحب، إذ بدأ يدفع باتجاه مصير متعادل في قيادة لغة السرد، وتحديد المشهد، بما يجعل ألوانه أكثر منطقية وعدلاً” (2).
    جسّدت شيمة هذه الصورةَ المعادة صياغتُها للرجل من خلال ست قصص قصيرة جدًا جاءت على الترتيب: مثقف - مَن هذا؟ - وباء - فراق - شاعر وقصيدة - فََناء.
    تشكل عناوين القصص حالة من حالات القلق الإبداعي نابعة من نظرة الأنثى للرجل، هذه النظرة التي تتجاوز الفرد إلى المجموع، ويتوازى قلق الساردة مع قلق الشخصيات القصصية، وشعورها بالاغتراب في حالة من حالات رفض النموذج الذكوري والتمرد عليه.
    تتلاحم القصتان الأوليان لترسما صورة ذهنية للرجل، فالكتاب المهمل في قصة (مثقف) هو نفسه الوجه المرسوم في اللوحة في قصة (مَن هذا؟) في صورة تغاير الأصل، ولا تتقاطع معه، وكأن هذا الجفاء أو الانشطار بين الأصل والصورة نتيجةٌ للإهمال الذي غمر به الرجل المرأة.
    وتعاني الشخصية/ الرجل في هاتين القصتين اغترابًا بلون الغبار وطبيعته، فاللون المشوش للغبار الناتج عن خليط الأشياء متعددة الألوان يشكل صورة مشوّشة للرجل، وكأنه متلوّن متعدد الشخصيات، يميل إلى التخفّي والاستتار خلف غلالة الغبار، ويستمرئ السياج الذي يفرضه حول رجولته؛ حتى لا تُخدش مُكرِّسًا نظرته الاستاتيكية لذاته وللمرأة، فالرجل “يرى أنه كلٌّ أساسي، وأن المرأة جزء ثانوي نابع منه وتابع له. كل النساء من بدء الخليقة يتساءلن عن كيفية الخروج من هذا المأزق، لكن الوعي النسائي هو الحل الوحيد” (3). وها هي ذي شيمة تحاول إعادة صياغة المعادلة بوعيها السردي،
    ومنطقها الخاص، عندما تتحدث عن الرجل/ الكتاب في صورة من صور المعادل الموضوعي: “وإذ بديوانه يرقد حزينًا بين مجموعة من أقرانه، متوسدًا الكآبة، متلحفًا بأغبرة المدينة” مثقف.
    وهذه الصورة الذهنية لا تقتصر على رجل بعينه، ولكنها تشمل جنس الرجل عمومُا «بين أقرانه»، وجاءت الصورة في قصة مَن هذا؟ عاكسًا صافيًا لهذه النظرة «تناولت ريشتها لترسمه، مدققة في تفاصيل ملامحه الشرقية الجذابة، تسمّرت أمام اللوحة ساعاتٍ طوالاً، أنهتها وهي تعاني من إرهاق لا يخلو من لذة.. دخل عليها متأمّلاً تلك القسمات، ثم نظر إليها متسائلاً: مَن هذا؟»
    يستدعي المشهد السردي في هذه القصة موقفين متقابلين:
    - موقف الرجل الغائب عن المشهد إلاَّ في نهايته (لم يكن حضوره بذاته، ولكنه حضر من خلال الصورة)، وعندما يحضر يرى صورة مغايرة لصورته، وهي صورة نمطية/ الرجل الشرقي، وليست صورة رجل بعينه -كما سبقت الإشارة–.
    - موقف الأنثى الساردة، ويحتمل أحد أمرين نابعين من اختلاف الصورة: إمّا أنها رسمت صورة مثالية للرجل كما تراه المرأة/ الرجل النموذج. أو أنها عمدت إلى المسخ وتشويه الملامح؛ تمرّدًا على الرجل، الذي يمارس البطريركية مع المرأة في الحياة، فاضطرت أن تمارسها معه في الفن، وتعيد تشكيل صورته -وفقًا لمنطقها، ومنطق رد الفعل– ما دامت لا تستطيع تغيير تفكيره. والصورتان في الحالتين تخالفان الواقع.
    وتقدم شيمة صورة متكافئة للرجل والمرأة في قصتها الثالثة (وباء)، وتدور حول الفعل المتعادل/ فعل الخيانة، الذي يصوغ النسق الاجتماعي وفقًا لنظرة المرأة.
    تشكل الجملة الافتتاحية في القصة مفتاحًا مهمًّا في تأويل السرد، حيث تقول: «سار وزوجته في بهو الفندق»، وهي افتتاحية غيَّبت الرجل في ذهن الساردة؛ لأننا لو أردنا العطف على الضمير المستتر أظهرناه، أو كررناه ظاهرًا (سار هو وزوجته)، ولكنها غيَّبته وعيًا أو دون وعي، كما أن الواو تفيد الاشتراك في الفعل، وفي السياق أفادت المصاحبة في السير والفعل معًا.
    وهذه القصة -على قصرها- قصة دائرية بدأت بفعل الخيانة من الرجل/ الزوج، وانتهت بفعل الخيانة أيضًا من الرجل/ الصديق، والمرأة بينهما على أهبة الاستعداد. وهذا الحضور المزدوج للرجل في فعل الخيانة يتسق مع بداية القصة بضمير المذكر المستتر في (سار)، ونهايتها بضمير المذكر المستتر أيضًا في (ما إن رآها)، هذا الحضور المتخفي (الخيانة ترتبط بالتخفي) يوحي -سرديًّا- بأن الرجل-طبقًا لإعادة التشكيل- لديه رغبة مضاعفة في كسر النسق، وهي رغبة دائمة، يدل عليها اقتران الفعل عند الرجل/ الزوج، والصديق بالمضارعة: يجول - يلتهم - لا تستقر - يحتسي - يقرأ - تفوح.
    ولا تعني التعادلية الفعلية أن الأنثى الساردة تتبنى هذا الطرح، أو على قناعة به، فهو عندها من قبيل الفعل المُعلّق على فعل؛ بدليل عنوان القصة وباء اللافت للنظر، فالوباء -في الأصل- مرض محدود، وإذا انتشر -اعتمادًا على العدوى - أصبح وباءً.
    وتشخِّص شيمة جرثومة الداء في فعل الرجل المصاب الأول بالمرض/ الخيانة، وهذا يعني أن فعل الأنثى مرهون بفعل الرجل، الذي إن لم يُصَب بالمرض فلن ينتشر الوباء.
    ولأن انتشار الوباء يقتضي الفرار؛ جاءت القصتان التاليتان تؤكدان ذلك. فرغم حتمية العلاقة بين الرجل والمرأة في فراق، إلاَّ أن الرجل لا يزال العامل الرئيس في ألم المرأة. تقول «حزنت لفراقه.. تمنت اللحاق بعالمه.. تذكرت أن موجَهُ المضطرب قذفها لساحل الألم.. تنهدت؛ فخرجت رائحته من جوفها!!»
    إذا كانت المرأة تعيش أزمة مع الرجل -على مستوى الواقع- فإني أعيش أزمة مع هذا النص- على مستوى النقد-، فقد لعبت شيمة بالمتلقي في خدعة سردية، وهي تختم القصة بخروج رائحة الرجل من جوف الأنثى: فهل يعني هذا تخلصها من سطوة الرجل؟ هل يعني تَمَكُّن الرجل وتغلغله داخل الأنثى لدرجة أن رائحته تخرج مع كل تنهيدة؟ هل يعني أن الرجل كان محبوسًا داخلها، كما كان يونس محبوسًا في بطن الحوت، ثم فُك أسره؟
    كل هذه الأسئلة، وما يطرأ بعدها، أثارتها جملة واحدة في قصة من خمس جمل، وهذا ما أشرت إليه في بداية المقال من الإشعاعات غير المتناهية، و الانطلاق من قيود المعنى، وخصوصية البوح.
    رغم هذه الأسئلة فإني أميل إلى ترجيح السؤال الأول -طبقا للسياق ، وإعادة التشكيل- وأزيد على ذلك أن الساردة ترى الرجل -في نظرة رومانسية- بحرًا متلاطم الأمواج، صخبُه دائم، وهدوؤه قليل، بحرًا يرتبط بالخوف والألم، وما هذا البحر إلاَّ داخل الرجل، الذي لا تستطيع المرأة اكتشاف عوالمه، أو سبر أغواره، فآثرت التخلص منه.
    وهذه القصة مجموعة أنفاس متلاحقة، كل نَفَس يمثل جملة، وينتهي بزفرة ألم، وهي أشبه بالمشاهد القصيرة المتلاحقة؛ للتعبير عن صرخة مكتومة؛ لأنها فيما يبدو أدركت أنه لا قِبَل للمرأة بالرجل، فما الذي يفوق البحرَ إلاَّ المحيط؟تذكرت أن موجه المضطرب قذفها إلى ساحل الألم».
    يبدو أن شيمة قد عملت على ترتيب قصصها بعناية؛ لأنها تشكل خطًّا دراميًّا متصاعدًا، وكأنها -كما قلت في البداية- مجموعة لقطات متتابعة ترسم مشهدًا واحدًا، فتأتي القصة التالية (شاعر وقصيدة) لتصعد بمنحنى الصراع، وتشهد لحظة ما قبل نهاية الصراع، وهي لحظة انسحاب الأنثى، عندما أدركت أنها ليست الوحيدة في حياة الرجل «وضعت رأسها على صدره، وهي ترى خيالاً، عشرات القصائد تقفز هنا وهناك والشاعر.. واحد!! شعرت بغصة.. غادرت بهدوء..». ويأتي هذا العنوان تحديدًا ليحقق المقولة الواردة في بدايات المقال (كل قصة تجسد الانفصال على مستوى السرد، وتحقق التماهي على مستوى الواقع)، ولا يخفى علينا أن العنوان مجدول من دالين: الأول شاعر/ مذكر/ الرجل، والآخر: قصيدة / مؤنث / المرأة. والشاعر والقصيدة كلاهما متلازمان، فلا تَحَقُّق لأحدهما دون الآخر، حيث يكتسب الرجل أو المرأة كينونة كل منهما بوجود الآخر، وهذا ما جعل شيمة تدرك أن هذه أزمة لا خلاص منها إلا بالموت؛ فجاءت القصة الأخيرة لتشكل نهاية الصراع، أو لحظة التنوير المتمثلة في عودة القارب في المساء. تقول شيمة في قصة فناء «في صباح باكر تجمع الأصدقاء في رحلة من رحلاتهم التي اعتادوا عليها للصيد والغوص. كان القارب مليئًا بالحياة والمرح والأهازيج الواعدة.. نزلوا إلى البحر واحدًا تلو الآخر.. في المساء عاد القارب كئيبًا وحيدًا..».
    وهكذا أدركت شهرزاد عدم قدرتها على إعادة التشكيل، أو ضبط طرفي المعادلة، فبعد ما أدركت أنه لا قِبَل لها بالرجل، تنازلت وأقرت أن الحياة لا تستقيم بدونه، فمهما صارعت، أو حاولت كل ذلك محاولات من أجل القرب، وليست من أجل النفور. فكل ما يعنيها أن يستمع الرجل إليها، ومهما كانت أنفاسها طويلة لكنها متلاحقة، وغالبًا ما تنتهي بتنهيدة، أو غصة في الحلق.
    الهوامش:
    (1) محمد صابر عبيد - تأويل متاهة الحكي - اللاذقية - دار الحوار 2007- ط1 - ص55
    (2) السابق - ص60
    (3) لمياء باعشن - من حوار مع مجلة الآطام - ديسمبر 2008 – 16
    • نشرت هذه القصص بملحق الأربعاء 12 ربيع 1430 – 8 أبريل 2009 .
    * أستاذ النقد الحديث المشارك بجامعتي عين شمس والطائف


    توقيع حسن الشحرة
    نثرت حروفي بياض الورق
    فذاب فؤادي وفيك احترق
    فأنت الحنان وأنت الأمان
    وأنت السعادة فوق الشفق​
  • عبد الرحيم محمود
    عضو الملتقى
    • 19-06-2007
    • 7086

    #2
    قراءة نقدية جميلة واعية ، تضع النقاط على الحروف في إبداعات القاصة شيمة الشمري ، والحقيقة أن لحروف وفكر الأديبة الشمري طعم خاص أشار إليه الدكتور الناقد بأصبع التألق ، ذلك أن الكاتبة تكتب بإحساس عميق ، وتضع لمساتها الأنثوية بشكل يجعل بعدا سحريا غير مسبوق وتصبغ النص بهمس أنثوي جميل .
    شكرا للدكتور الناقد !
    شكرا للأستاذ حسن الشحرة .
    وشكرا للقاصة الكبيرة .
    هذا النقد أسلوب جديد يسرني نقله لأماكن أخرى للتعلم منه ، وسأشير بالطبع للموقع والكاتب والناقد / احترامي .
    نثرت حروفي بياض الورق
    فذاب فؤادي وفيك احترق
    فأنت الحنان وأنت الأمان
    وأنت السعادة فوق الشفق​

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      تحية شكر و وإعجاب
      للأديبين
      الأستاذ / عبد الرحيم
      و الأديب / حسن الشجرة

      لهذا الإثراء الراقى بقسم النقد و نتمى منكما المزيد من القراءات كي نكتسب خبرة النقد .
      تحياتي لكما بحجم الشمس
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • أحمد أنيس الحسون
        أديب وكاتب
        • 14-04-2009
        • 477

        #4
        شكراً أستاذ عبد الرحيم
        إضاءة جميلة وقيّمة.

        كنت قد قرأتها في موقع أدبي ، وكان لي تعليق بسيط ، إلا أن الأستاذ حسن أبدى قناعته بوجود ظاهرة الأدب النسوي والنسوية في الأدب بعدما كان غير مقتنع ، وقد برّر ذلك بأنه مضطر للاعتراف بهذه الظاهرة مؤقتاً ، إلا أن هذا الاضطرار المؤقت ليس كافياً ، فالأدب النسوي والنسوية في الأدب لوحة فنية أثبتتها الدراسات.
        نص موفق واستطاع الأديب حسن تصوير هذه النسوية في النص.

        شكراً للكاتب والناقل أكثر من الشكر.

        دمتم بخير.
        sigpicأيها المارون عبر الكلمات العابرة ..

        اجمعوا أسماءكم وانصرفوا
        آن أن تنصرفوا
        آن أن تنصرفوا

        تعليق

        يعمل...
        X