ما بين أوباما و لبيبة ( نزف قلم : محمد سنجر )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سنجر
    عضو الملتقى
    • 27-09-2008
    • 165

    ما بين أوباما و لبيبة ( نزف قلم : محمد سنجر )

    رأيتها تجلس على الرصيف ،
    كما هي لم تتغير ،
    ملابسها البالية المتسخة تكشف أكثر مما تستر ،
    شعرها الطويل الأشعث الذي يغطي وجهها ،
    تمسك لقيمة خبز تكالب عليها الذباب من كل حدب و صوب ،
    رائحتها الزاكمة للأنوف لم تتغير ،
    انزويت بسيارتي جانبا ،
    أخذت أنظر إليها ،
    (لبيبة الهابلة) ؟
    عبرت أفق خيالي حكايات جدتي عنها ،
    قالت أنها كانت و كانت و كانت ،
    فجأة ،
    شق فضاء الصمت من حولي صرخة عالية ،
    نبهت فلبي من غفوته ،
    أعادتني عنوة إلى ( لبيبة ) ،
    نظرت إليها فإذا بجنود الأمن المركزي يلتفون حولها ،
    يجذبونها من ملابسها البالية ،
    فتحت باب سياراتي و نزلت أجري إليها ،
    أحاول أن أمنعهم من إيذائها )
    صرخت :
    ـ حصل إيه ؟ بتعملوا فيها كده ليه ؟
    ( عندها جذبني أحدهم من قميصي فألقاني فوقها ،
    وجدتني أحاول أخذ و لو فرصة واحدة فقط لالتقاط أنفاسي ما بين هذا الكم الهائل من الركلات و اللكمات المتبل بخليط من السب و القذف ،
    لم أتبين للحظات أطرافي من أطراف (لبيبة الهابلة) ،
    فجأة توقف كل شيء ،
    نظرت إلى أعلى ،
    حاولت استبيان الأمر من خلال خيوط الدم التي سالت على عيني ،
    وجدت عملاقا و قد حجب الشمس عنا )
    صرخ فيهم :
    ـ انتباه يا أغبيا يا بهايم ، بتضربوه ليه ؟
    ـ يا فندم الولية دي مش راضية تمشي ، قمنا جرجرناها بالعافية ، لقينا الافندي ده بيحوش عنها و مش عاوزنا نشوف شغلنا .
    ( عندها بدأت ملامح المشهد تتضح أمامي ، وجدت ضابطا صبوح الوجه ، مد يده لي مبتسما ، أوقفني )
    ـ و انت دخلك إيه يا أستاذ ، ما تروح لحالك .
    ( تغيرت تعابير وجهه و هو يصرخ في وجه (لبيبة) ، كأنه شخص آخر )
    ـ و انتي يا روح أمك ، قومي من هنا و إلا تلاتة بالله العظيم أخليهم يدغدغوك ، ( صرخ حتى بح صوته ) قــــومــــــي .
    ( عندها انتفضت واقفة ، لملم أحد الجنود حاجياتها من فوق الرصيف و ألقاها بوجهها ،
    رحلنا نحاول الاستناد إلى بعضنا البعض )
    أخذت تتمتم :
    ـ ماشي ، ماشــــــــي ، بس لما يجي يا ولاد الكلب ، و الله لأخليه يقطعكم حتت حتت كده ،
    طيــــــــــــب ، حــــــــــاضر ،
    الصبر حلو ، مـــــــــــاشي ،
    بقى تعملوا فيا أنا كدهوه ؟ حـــــاضر ،
    عليا النعمة لقايلة له ، انتم فاكرين إني مش ها أقوله ؟ و الله لقايلة له ،
    و انته فكرك انه ها يسكت ،
    و الله لو كان يرضى هو بقى إنهم يعملوا كده في أمه يبقى القيامة ها تقوم بقى ،
    بقى كدهوه ؟ همه مش عارفين أنا مين ؟
    ( عندها حاولت التخفيف من ثورتها )
    ـ معذورين برضه ، ما همه مش عارفينك يا خالة (لبيبة) .
    ـ أيوه بس هو ما يرضاش ،
    إنت على بالك يعني إنه هايسكت ،
    و حياة رحمة أمي ما ها يسكت ، و أنا أهوه و انته أهوه ،
    إذا ما كان يجيب لي حقي و يجيبهم واحد واحد يبوس رجلي صباع صباع ، يبقى لا ابني و لا أعرفه ، و يحرم عليه يبوس رجلي ليوم الدين .
    ـ هو مين ده يا خالة ؟
    ـ إنته أهبل ياله و الا بتستهبل ؟ ياله روح من هنا ، روح ....
    ( دفعتني بعيدا عنها ، عندها انفجرت الضحكات من صدري ، حاولت السيطرة عليها حتى نجحت ، عدت أسير بجوارها ثانية )
    ـ معلش خديني على قد عقلي .
    ـ اللي قوموني عشان خاطره ( الواد علي ) ،
    ـ علي مين ؟
    ( نظرت لي نظرة احتقار )
    ـ معلش يا خالة (لبيبة) استحمليني الله يخليكي ، أصل أنا فهمي على قدي .
    ( عندها وصلنا إلى مقهى بأحد الحواري الداخلية ، ذهبنا إلى إحدى الطاولات ، قالت في حزم و هي تهم بالجلوس )
    ـ و الله ما أنا مكملة و لا كلمة إلا لما تطلب لي شاي و شيشة الأول .
    ـ حاضر ، من عينيه .
    ( صفقت ، و عندما حضر النادل تغير وجهه و حاول جذبها )
    ـ قومي الله من هنا يمجنونة يا بنت المجانيين .
    ( حاولت هي التخلص من بين يديه )
    ـ سيب هدومي يا اهبل يا ابن الهابلة ، و الله لقايلة لعلي يشق راسك نصين، بس لما يجي ، حــــــــــــــاضر ، ماشي ، ماشي .
    ( عندها تدخلت )
    ـ سيبها قاعدة لو سمحت ، دي جاية معايا ، و هات لنا اتنين شاي في الخمسينة و وشيشة .
    ( ذهب النادل يضرب كفا بكف بينما يصيح )
    ـ و عندك اتنين شاي في التربنتينة و شيـــــــشـــــة .
    ( عندها التفت إليها أسألها )
    ـ مين بقى الواد علي ده يا خالة لبيبة اللي قوموك عشانه؟
    ـ اللي انتم مسمينه (أوباما) .
    ( عندها انفجرت ثانية في الضحك )
    ـ ها ها هاي ...( أوباما) ها ها .. يبقى ابنك ؟ ها ها هــــــــــوه .
    ( عندها احمر وجهها و قالت غاضبة )
    ـ و الله العظيم أنا غلطانة إني جيت و قعدت مع واحد مخبول زيك ، ما انتم كلكم زي بعض .
    ( همت بالوقوف و الرحيل ، عندها أمسكت يدها أجلسها )
    ـ معلش حقك علي يا خالة (لبيبة) ، أنا آسف ، خلاص بقى .
    ـ بس لو ضحكت تاني و الله ما أنا قاعدة معاك .
    ـ حاضر خلاص أهوه ( وضعت كفي على فمي أغلقه ) ،
    بقى ( أوباما ) رئيس أمريكيا ابنك ؟
    ـ ابني بالرضاعة يا أهبل .
    ـ إزاي بقى إن شاء الله ؟
    ـ لما اتولد كانت أمه تعبانة و مش قادرة ترضعه ، فصعب عليا و رضعته ،
    ( فجاة صرخت)
    ـ يا نـــور عينــــــــــــــــــــــي ...
    ( هجمت على التلفاز تحتضنه و تقبله ، أخذت تصرخ )
    ـ وحشتني يا ابن الكلب ، و الله كنت ها أتجنن و أشوفك ، ( تقبل الشاشة )
    كده برضه ؟ ( تحتضن التلفاز كالمتلهفة أكثر و أكثر ) كدهوه ،
    ( نظرت إلى التلفاز أحاول استيضاح الأمر ، فإذا بوجه ( أوباما ) ،
    أخذت تقبله و تصيح )
    ـ و لا تسأل عليا و لا تبعت حتى و لو جواب صغير تطمني عليك ؟ ( تقبل الأسلاك ) زعلانة ؟ طب تلاتة بالله العظيم زعلانة ، ( تتوقف عن تقبيل التلفاز )
    روح بقى ، و هوه انته فكرك إنك ها تضحك عليا بكلمتين ؟ ( تتمنع ) لا سيبني ، و الله زعلانة ، بقولك روح بقى ( تدفع التلفاز فإذا بالرسيفر يسقط أرضا و تتوقف الصورة ، عندها اخذ الناس يضحكون ، ساد الهرج و المرج ، أخذ النادل يصرخ بوجهها ، يدفعها بعيدا ، صاح مناديا )
    ـ عاوزين نسمع خطاب (أوباما) يا عالم ، ما تيجي يا مثقف تشيل خالتك .
    ( عندها قمت أقنعها بالرجوع إلى الطاولة ، حتى وافقت و عادت معي ،
    جلسنا ثانية بينما لم تحرك عينيها عن التلفاز الذي عادت إليه الحياة )
    ـ مالك كده خاسس يا وله يا علي ؟ همه ما بيأكلكش و الا إيه ؟
    يا كبد أمك ، ليكون عندك ديدان يا وله ، و الله لمن بكره الصبح آخدك و نروح المستشفى ، أني مش ها اسكت لو موتوني ،
    لا ماهو كله إلا صحتك ، ده أنته الحاجة الوحيدة اللي فاضلة لي في الدنيا ،
    ( وجهت كلامها لي )
    بذمتك مش خاسس ؟
    ـ الصراحة خاسس شوية بس أكيد هوه اللي عامل رجيم .
    ـ رجيم إيه و زفت منيل على عينك إيه ، أنا اللي عارفاه ، هوه كده طول عمره ـ أكلته ضعيفة ـ بعيد عنك من صغره و هوه عنده ديدان ،
    ياما ضربته عشان ما ينزلش الترعة ، و لا هو هنا ، مكبر دماغة و عاطيها الطرشة ، بس أما أشوفه .
    ( أتى النادل بأكواب الشاي و (الأرجيلة ) وضعها أمامها ،
    عندها بدأ خطاب ( أوباما ) ، أخذت تشرب الشاي و تدخن (الأرجيلة) بينما تعلق على كل كلمة يقولها المترجم )
    ـ صوتك متغير كده ليه يا وله ؟
    ـ ده صوت المترجم يا خالة ، عشان هو بيتكلم انجليزي .
    ـ بتتكلم انجليزي ليه يا عين أمك ؟ ما تعيش عيشة أهلك يا وله و تكلمنا عربي ، دا أنا عمري ما قلتلك و لا كلمة انجليزي .
    ( عندها نطق (أوباما ) بالعربية )
    ـ السلام عليكم
    ( وقفت تهلل )
    ـ أيوة كده ، شفت ؟ مش قلتلك ؟ ده ما يسمعش كلام حد في الدنيا قدي ،
    و انته فكرك هوه جاي مصر ليه يعني ؟ عشان سواد عيونكم ؟
    جاي عشان يجيب لي حقي ، أيوه أمال إيه ؟
    بس اسمع ها يقول إيه دلوقتي ،
    هوه اللي ها يرجع لي (العشة) اللي كنت ساكنة فيها و طردوني منها و أخدوها ولاد الأبالسة .
    ( عاد أوباما يتحدث بالانجليزية ، عندها نظرت تجاهي يملأ الخجل وجهها ، لمحت بعينيها صورتها و هي تبحث له عن مبررات ، فجأة غمزت لي بعينها و قالت )
    ـ بس عشان العالم كله يفهم .
    ( أخذ المترجم يترجم كلامه بالعربية ، عندها بدأت تدخن و تنصت )
    ( قال أوباما )
    ـ و ينص القرآن الكريم على ما يلي : ( اتقوا الله و كونوا مع الصادقين )
    ( أخذت تصفق و تهلل و تصرخ )
    ـ شفت ؟ مش قلت لك اسمه (علي) ؟ أهوه حافظ القرآن أهوه يا عالم يا هــــــــــوه ، وحياتك ما حد ها يرجع لي ابني ـ اللي ما شفتوش من سبعة و ستين ـ إلا هوه ، بس اصبر و ها تشوف ها يعمل إيه .
    ( قال أوباما )
    ـ امكانية انتخاب شخص مثلي يدعى ( باراك حسين أوباما )
    ( أمسكت بكفي ، ضغطت عليه بقوة كأنها ستقول لي سرا )
    ـ كده و كده يعني ، بعيد عنك لازم ما يقولش إنه مسلم و إلا كانوا شالوه من الرياسة ، إوعى تقول لحد إنه اسمه ( علي حسين أوباما ) .
    ـ هو أنا عيل ؟ سرك في بيـــــــــــــــر .
    ( بعدها بقليل أخذتها سنة من النوم ، أخذت أستمع للخطاب ، حتى قال أوباما )
    ـ و نجد في القرآن الكريم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا )
    ( وجدتها و قد استيقظت من نومها و أخذت تقفز و تهلل و تصرخ )
    ـ مش قلت لك مسلم ؟ لسه حافظ القرآن أهوه يا جرعان ، الله يرحمك يا شيخ صالح ، هوه اللي محفظه في الكتاب ، و الله اللي ها يقول إنه مش مسلم بعد كده لأحط في بقه جزمة قديمة .
    ( أخذ الناس يسبونها و يأمرونها بالجلوس صامتة ،
    جذبتها أجلسها حتى لا يزداد غضبهم و سخطهم عليها ،
    أخيرا جلست ، مالت برأسها ناحيتي تسألني )
    ـ بذمتك مسلم و الا مش مسلم ؟
    ـ ده مسلم ابن مسلم ، بس اهدي شوية خلينا نسمع بقية كلامه عشان ممكن يجيب سيرتك دلوقتي .
    ـ معاك حق يا وله ، و الله انته جدع ، اطلب لي بقى واحد سحلب .
    ـ من عيوني حاضر ، ( ناديت ) اتنين سحلب يا ريس .
    ( عندنا نستمع إلى الخطاب إلا أنه ختم خطابه و أخذ يلوح للمتواجدين في القاعة يمينا و يسارا ، عندها أخذت تصرخ )
    ـ شوف شوف شوف ، الواد بيدور عليا بين الموجودين إزاي ،
    شايف عينه بيتلفت عليا يا ولاداه ، يا نن عين أمك يا با ،
    و الله حرام عليكم ، بتمنعوني ليه يا عالم يا هوه ؟
    خايفين لأقوله على اللي عملتوه فيا ؟ طب تلاتة بالله العظيم ما ها أقوله أيتوها حاجة ،
    بس سيبوني أشوفه حرام عليكم ...
    ( أخذت تجري بعيدا و تصرخ )
    ـ سيبوني أشوفه يا عالم يا هــــوه ، حرام عليكم ،
    و الله العظيم حرام ، حرام و الله ، و الله حرام .......

يعمل...
X