لم ينتهي من كلامه حتى دخلت المرأة ، واخرست الالسن التي شدهت حال ظهورها ، أخدت تنيل كل واحد نصيبه من نظراتها المحدقة ، تطوف بين الجالسين كأنها تعد عددهم كل على حدا، تعيره نصيبا من السخرية التي تملأ نظراتها، تتهكم عليهم بحركات شفتيها ، ويدها اليسرى التي ترفعها حتى ثغرها ثم تلوح بها عندما تتقابل نظراتها معه احدهم ، اما اليمنى فتمسك بها عكازا تضرب به الأرض بين الفينة والأخرى. و كل من مرت أمامه ينتظر هجوما من لسانها السليط كما يسمونه.
لما وصلت الى بوبكر سألت
: فاش من دوار جيتي او شكون نتا.
استغرب الأخير سؤالها مستفسرا :
- ايوا العجب علاه ما كتعرفيني .
مي هنية :لا ما عرفتكش .
- انا ولد الدوار او جارك.
مي هنية :ما جاري ما ولد دواري .
تدخل الشيخ :الله يهديك امي هنية، بوبكر من دوارك اولا ما بغيتيش تعرفيه.
الفقيه : را ه كل واحد عارف راسوا من رجليه ما شي دري صغيرلي يحتاج توري ليه..
مي هنية: ييه ولكن من نهار لي بغا يبيع فينا ويشري مع هاد خوينا ما بقيت نعرفوا.
كانت تشير بأصبعها الى الحاج الحسن وأضافت :
- علاه ولد الدوار كيتعدى على دواروا .
لكن لحاج لحسن لم يشأ الا أن يدافع عن نفسه ليتقي رد فعل هجومها، موضحا دافعه للمجيء بمساعدة الناس بما يمكنه .:
-ضيف الله امي هنية ما قصدي غير لي ينفع الناس
كانت على وشك الرد على صاحيه لكن بوبكر كان سباقا ،
- تشكا ليك شي واحد منا
--مي هنية: انا نيت او بغيتي تراما لي على أرضي .
- لا يا مي هنية انا بغيت ليك الخير او جبتوا للبلاد كلها، لحاج الحسن ما شي براني الناس كلهم كا يعرفوه.
مي هنية :الدوار ما يصلحوا غير ماليه ملي يتعاونوا مع بعضيتهم .شحال من خير كان عندنا.
كان الدوار مكسوا بالاخضر قبل أن يستكين الناس ويستوهنوا ، احتضنوا الكسل عوض العمل واحتل التصحر كل الانحاء واعرضت الامطار عن الانهمار بسبب عجز الناس واهمالهم.
وأضافت باستهزاء . كل واحد كا يحلم اكون سي فلان راه سي ماشي بالحوايج وبالشيكي، سي راه بالادراك والعمل والتضحية.
استفحل الجدال فلم يجد الشيخ بدا للتد خل :
- راه ما تجمعنا هنا غير نتافقوا على واحد شوار ما شي نتناقروا مع بعضيتنا لي بغا يبيع لهاذ الراجل اهز ايدوا ..
رفع خمسة أيديهم الا شابا رفض البيع بعد ما اقتنع بكلام مي هنية.
نظر بوبكر الى أحمد الشاب اليتيم والنجارا الوحيد في الدوار، بالرغم من سوء حالته المادية لا يستكين لضغط الحاجة، نظام هاو مبتدئ في أول الثلا ثين من عمره.
- ياك ما رجعتي اسي احمد فكلامك بعدما خديتي العربون.
أحمد : اايلا بعت أرضي نبيع حتى راسي
- اش هاذ الكلام كتقول ما قلتي هادشي فالأول
أحمد :مكنتش كانشوف اما دابا فكرت مزيان ..
بو بكر : ما تلوم غير راسك راه صحابك كلهم باعوا الغايبين او الحاضرين .
مي هنية :الغايبين ما تدويش عليهم غير بغيتي تدي ليهم أرضهم بالباطل .
بوبكر: راه حسن ليكم تبيعوا اولا ابين لينا كل واحد بلي الارض ديالوا اوبرسومها .
مي هنية :الرسوم ديالنا هي باش تافقوا صحاب الدوار لي غادي يشهدوا لبعضياتهم.
بوبكر :راه المخزن ماكا يعرف غير الوراق من غيرهم كذاب او لي عندوا شي ايبينوا.
مي هنية :تكلم يا الشيخ اورد عليه قول ليه اش كاتعرف علاه انت ماشي من المخزن .
الشيخ :الناس كلهم عارفين ارضهم او شاهدين عليها ولكن الا تا فقوا ما عندي ماندير او ما يمكن لي نقول شي.
اعقب بوبكر مدعيا صدق ما هو عليه ويقول :ايوا سمعتي ديري يديك فيدنا نتعاونوا للمصلحة دلبلاد .
مي هنية :على خراب البلاد بغيتي نتعاونوا خليوا الناس مساكن ما تردوهم غراب على بلادهم اناما نبيع. ا
بوبكر : راه غادي تبقاي بوحدك.
مي هنية :خليني نبقا بوحدي لي فرط فارضوا افرط حتى فعرضوا .
لم يرق تعليقها ليحيى :
- ايوا زمي لسانك امي هنية راه ما كرهنا نكونوا بحالك ولكن ولادنا هم الاولين خصنا باش اعيشوا ولكن ما توصليها حتى العرض .
مي هنية :رزق ولادك كاين ايلا خليتي العجز او قلبتي عليه يازليطي ما تسناه اجيك انت او هذا او هذاك راه الارض بحال الأمانة خصك تصونها حتى تسلمها لماليها..
يحيى :او شكون ماليها .
مي هنية :اولادك يا مزيلط ملي يكبروا القوا بلادهم حاضناهم .
اعقب احمد :عندك الحق امي هنية .
بوبكر :كل واحد او رزقوا اولي مكتوب ليه غادي يشوفوا
مي هنية:ساس ايلا صحيح كا يكمل البني
الشيخ :الله يعطيك الصحة امي هنية قريتيهم
مي هنية :اونتا يا الشيخ ما يمكنش ليك تمنعهم او تقول للبراني امشي بحالوا .
الشيخ: لا يامي هنية هادشي ماشي شغلي لي تافقتوا عليه ما عندي ما نقول .
واضاف بانه لن يكون منحازا لاي جهة دون اخرى أو يفرض على احد ما لم يقتنع به.
أمتاك: حنا معاك يا مي هنية الحاجة لي تضر الدوار ما عندنا ما نديروا بها.
بعد تدخل امتاك حاول بوبكر اتهامه باحتكار السيطرة على الاراضي والحيلولة دون مضاهاة احد لهم في اراضيهم الشاسعة بالبلدة ، وكان يقصد بصيغة الجمع كلا من الأول واكيدر ثم الفقيه والشيخ وكل من لهم اراضي بالمستندات القديمة.
لم يسطع اكيدرأن يستسيغ الأمر ، ولم يحتمل السكوت اذ انحث باخباط ليقول
- هاد الكلام لي كا تقول غير بغيتي تتلف بيه الناس لي بغا يصلح البلاد راه كا يعطي لماليها ماشي يستغلهم.
بوبكر: لا ان ما جبت الحاج حتى عرفت نيتوا، الله اعاون يا لاه الحاج ما عندنا مانديروا حتى يجيوا الاخرين المهم حنا عارفين لي غادي يبيعوا.
مي هنية : تسنى باقي ما كملت هدوك جوج لي ما حاضرين راه ما غادي يبيعوا.
بوبكر :حنا ما سمعنا والوا .
انصرف الاثنان فيما برح الحاضرون يناقشون فيما بينهم ، وعقبت مي هنية :
- يا صحاب الدوار،راه سمعتوه بوذانكم اوما تحتاجوا تزيدوا فلغا .
أعقب بوضاض : عندك الحق امي هنية ولكن راه الحالة ضعيفة شحال من عام او الأرض كيما هي
غير الرملة لي فيها او باش نفعتنا .
مي هنية : راني علمتكم ديروا لي تخرجكم .
الشيخ : ا ما بقا لينا ما نديووا لي عندوا شي شغل يمشي ليه حتى يجيوا الغايبين.
بعد انصلاتهما عن الجمع ، وفي طريقهما الى منزله، لم يستوعب بوبكر صمت اصحا به الذين وعدوه باكداء اي محاولة من مي هنية لاستمالة الناس اليها والتماسك مثلها ، لقد اوشكت ان تقنع الجميع برأيها، لكن رزأ احوالهم تصدى لها ، لم يعوا بما تقول ،وبدا ما يشبه التردد في وجوههم لا هم لها ولا عليها .
- علاش صحابك ما قالوا والو.
استطرد الحاج يسأل بوبكر ليعرف الجواب الذي ربما قد يخفف عنه وطأ ما وقع في الاجتماع وما لم يتوسمه من اصحاب الأخير، وان ضمنهم ليكونوا في صفه ، لكنه بهذا يتوقع انقلابا قد يبدر منهم بعدما رأى تراجع أحمد الذي اخذ العربون كمسبق مثلهم .ربما سيغيرون رأيهم في اية لحظة .
اسهب بوبكر في اطالة رده على سؤال الاول ، حتى نده بحدة :
فين مشيتي وبعقلك سرحتي .
استرعي انتباهه فعقب : اشنوا معايا يا لحاج كا تدوي.
اعادالحاج سؤاله : صحابك ما قالوا والو
بوبكر : ها نتا كا تشوف حتى انا ما خلاتني نحل فمي .
ثم اعقب بعد صمت ازعج الحاج :
- ولكن تهنا راه غير يبيعوا صحابنا لي شدوا العربون لابد تبيع حتى هي غا تخاف تبقى بوحدها.
لم ينبس الحاج ولو بحرف حتى وصل عند سيارته الجيب التي ااندفع والجا ليحدثه من داخلها ،
- دير مجهودك باش ما يظنوا الناس بلي غار جيت ندي ارضهم انا راه بغيت نقاد البلاد .راه عندك التلفون.
وداس على محرك السيارة لينطلق مودعا بوبكر الذي لم يدع له هديرها فرصة ليرد على الرجل ، وضجيجها الرنان في أذنيه تكفل باخراسه.
سالت عائشة حين عود تها من الجمع تستوضح منها ما اتفق عليه الناس،
اسهبت المرأة في سرد ما وقع وتراجع احد هم عن البيع ، حتى اذا ما اطلعتها عن كل كبيرة وصغيرة. أعقبت عليها الأخرى.
- ونيني عطيتهم خسرتي ليهم البلانات ديالهم.
-الله يرزق الصحة والسلامة انا خايفة غير ابيعوا او نبقى بوحدي .
-واش فيها لو بعتي ياك غادي تصلح الأرض او تولي خضرا او تشدي حتى نتي شويا دلفلوس.
مي هنية :الفلوس غا يساليو اما الأرض لي فرطي فيها مشات محال واش ترجع .
عائشة :الناس مساكن على قلت شي كا يضعفوا قدام الفلوس كا يوليو بحال العميان .
تناهى الى مسا معهما ما يشبه النداء في الخارج فهرولتا لاستطلاع الأمر،
كان العربي يتجول في المكان وهويقول:
الناس ما بقات فيهم لاغيرة ولا همة على بلادهم
الكل ناوي يهاجر يتغرب . و نساو خير البلاد عليهم
قلت شي رشاتهم الفقر والعوز ضعفهم
لاحفظوا ما يورثوه ولا فهموا فين رواحهم
لاعطفوا على عديم الأمل ولارحموا الضعيف منهم
بنادم سكنوا الوهن ما يفكرغير في كرشوا
هذا يلعن فقلة حيلتوا والآخر ما هموا غير راسوا ،
وخا على حساب ناسوا.
الصبر معدوم، والقنع هجر النفوس
ولا رحمة فالقلوب
الحب مقرون بالدرهم
لامن ادير بحسابا لمسكين ولا يرفق به ويحن،
غير نهش في او ننهش فيك،
ما بقات لا ذ مة ولا اما ن،
كيتك يا مسكين نتا لي ممحن .
في اواخر العشرينات من عمره يتيم ووحيد في بيت ورثه عن والديه غريب التصرفات تارة تحسبه اعقل الناس وطورا تخاله مجنونا بعتهانه الذي يثير الاستغراب ، مدمن على التدخين يتعاطى لشمة السيليسيون خلسة في حال ان توفرت له ، يخفي وراء ابتسامته الساخرة حزن وحدته ، بالرغم من العناية والعطف الذي لم تبخل بهما مي هنية تجاهه، يعتبر في نظرها اعقل الناس وحكيما بتعليقاته ، كثيرا ما يتعرض للتعنيف نتيجة وقاحة الفاضه ورعونة لغطه الذي يشوبه الاستهزاء، ونادرا ما يتصف بالاتزان، جرئ بقول الحقيقة المرة التي قد تكشف عيب احد ما . اضافه لألفاضه التي يعلق بها على احد تجاوز حده. ربما اكتسب ذلك لكثرة انحشاره بين من هم الأكبرسنا واحتكاكه بهم،اذ لا يعيرون لبعض لغيه أي اهتمام، أوربما ألهم ذلك من جراء حالته النفسية واحساسه بالوحدة . وهو بسيط ، سهل الانقياد بطيبته العفوية لكنه حذر عندما يتوجس من غيره.
- شكون لي يفهمك نتا بعدا عقل منهم او كا يقولوا ليك البوهالي.
عقبت مي هنية بعد أن غار عن ناظريها . وقد كانت تنادي عليه دون أن يسمعها .
- ما تديها فكلاموا علاه غا يسمع ليه حد مسكين. فندت عائشة رأيها لدنو اهميته في الدوار.
- لي ما كا يسمع الكلام غير صمك، كلاموا معنى اوعبرة.
و انبرت تسرد لها فائدة الانسان في مجتمعه وما يكسبه من محبة الناس واعجابهم ، مثل الكاتب الذي يستهوي بأسلوبه القراء لحسن ما تحتويه كتابته من قصص جميلة.او مقال يعبر فيه عن فكرة ما أو رأي يبديه في قضية ما تشغل بال العامة وقدرته على تغيير نظرة المجتمع وتبصيره بما كان يجهله ،
دلتها عن فائدة المغني الذي يرفه على النفوس المكتئبة بغنائه وحسن ادائه وتميز كلمات اغنيته . لأن الناس لا يهمهم الشخص بذاته بقدرنظرتهم اليه من خلال موهبته أو حالة استثنا ئية يتفوق بها . فيهم من يبقى خالدا في النفوس. ومنهم من يمر مرور الكرام وينتهي اثره ، وكل ذلك حسب عبقريته وحنكته في ما يحترفه. وهناك ايضا من لم يسطع على الاستمرار لسبب ما اقوى منه، اضطره لأن يأ فل نجمه رغما عنه ، تتدني صورته عند الناس . فلا يجد حتى من يعير له اي اهتمام . ويكون كذكريات ماض يتباهى بها امام الناس ، لتكون له السلوى في ما يعانيه من تصغير وتبخيسهم له ولكفائته ، ثم أشارت الى صيت الفقيه وصفته وما يجدر أن يبديه الانسان تجاهه، من احترام وتبجيل بقدر ما تظهره لهم حسن سيرته . واتباع ما يسديه من نصائح لمن يأمهم ، لأن الأحرى ان يتبع الانسان ما يقول لا ما يفعل، ناهيك عن نواقصه ، لأنه انسان معرص للخطأ.
استطردت الفتاة تحدثها عما يتخذه البعض قدوة لهم، وبالاخص عند الشباب، مثل فنان مشهور يقلدونه حتى في لباسه وحركاته وان كانت تثير الاستهجان او تتعارض مع التقاليد التي لم يعد لها اي اعتبار عند ثلة من الشباب ان لم نقل كلهم ..
مي هنية : بحال هدوك لي كا يبانوا فالتلفزة كا نشوفهم ، كا يبانوا فيها بزاف تقول هم صحاب
التلفزة.
عائشة: راه هدوك لي فالتلفزة صحاب السعد عندهم الزهر او المعرفة او قدام فالحرفة ..
للناس اذواق، كما لهم مطامح رغم تفاوت المعرفة من شخص الى آخر، والأنكى هو أن يتمسك الانسان باحتكاره واهما بحسن بالمامه دون الأخذ برأي الآخرين ، فهناك من يدري انه لا يدري وانما على سبيل التجربة لا يتفطن حتى ينساق دون وعي لما يقدم عليه ولو عرف في قرارة نفسه انه هباء، بل يبرر ذلك بطبع بالتجديد ولو على حساب المبدأ أو الهوية ربما بسبب انبهار و ادعاء الاحتكاك والانفتاح على الآخرين، و كل ذلك يندرج في خانة ازدواجية المبدأ ، أو ربما يعد ذلك تمسكا دون وعي او ادراك تام بحقيقة ما يورد اليه، وعلى أي فلكل فيما يعشقه أرب .
وللاشالة في رغيهن أسهبن في اللكي كما هي عادة النساء، ولو كان ذا اهمية اكبر منهن ، طفقن في سبر
ما يستجد من اشياء لسن على علم بها، أصبحن ملمات بما يحدث بعد أن دخلت الصحون المقعرة كل البيوت، لا يجدر عليهن ان يتطفلن على ما ليس في مستواهن .
لم تعترف بعد بضعف المامها وانما تريد أن تظهر بمظهر الفاطن ، وعلى حسب رأيها، فانه لا يجدربأحد أن يحتكر لنفسه خصوصية، ويدعي اهليته بها على مدى الحياة . لذلك لم تدع عائشة تقنعها بالتعقيب الأخير وانما اجابت.
- علا ه غا تبقى ليهم بوحدهم خصهم اعلموا لي يخلفوهم.
- علاه كا يديروا فيها تنجارت اولا تحداد ت راه كا يوصلوها بالقراية او ما ساهلة. موحال تفهمي.
ولأن المرأة حشرية بحميائيتها تريد أن تبدي رأيها في كل شيء . لم تنثني رغم تنبيه الفتاة.
- الا ما فهمت نبقا فدار غفلون خصني نفهم ابنيتي حتى انا .او خصهم او ريونا لي ما عرفنا.
اصرت الصغيرة على رأيها لعل الأخرى تتخلى عما تعتقده وتؤمن به والذي لن يتغير، اذ عقبت :
- مالنا او مال داك شي بعيد علينا ارا بعدا نفكوا لي في أيدينا .
- ييه ابنيتي ولكن راه خصنا نعرفوا فين عايشين او مع من، واش من فايدة عندنا في الدنيا
وعلى راي المرأة فلكل دافعه ليستوجد كيانه حتى يعرف قيمته بين المحيطين به ، ويحاول أن يحد ث نفسه بنفسه، لا أن ينتظر حتى يعطف عليه الآخرين بحسنة.
وكما تابعت بعدها الفتاة فالقرية غير معروفة بتاتا، نظرا لبعدها عن الحياة الحضرية ،أوربما من افتقارها لمن يحدث عنها، لقد اصابت كبد الحقيقة ، لان الدوار شيه معزول حتى انه غير معروف ربما ذلك ناتج عن تهاون اهله الذين هدهم الركون، وركدت عزائمهم يستجدون امتراء المثري أوعطف الميسور، حتى اندثرت هممهم، وصارالفرد لا يطلب الا الحسنة ، كثر التملق والتعلق بالأوهام، وانتظار السراب يعشش في مخيلة كل واحد، ما عدا قليلا منهم يكدون من اجل لقمة عيشهم، فيما الآخرون لا هم لهم الا الاغتباء وسرد العيوب واتخاذها كمضغة تتداولها الشفاه فيما بينها.عم الوهن والعجز في النفوس حتى احيل الدوار الى قفار تنعدم فيه الحياة ، يخالها الوارد اطلالا مضى عليها الزمان وشرف..
لكن لابد ان ياتي يومها كما تامل مي هنية ..
- زيدي ندخلوا بحالنا ، ما بقا لينا ما نديروا هنا.
ولجن الى البيت بعد ان نفذت ذخيرة النقاش بينهما دون معرفة من هي اكثر اقناعا ، ولكن على ما يبدو فالفتاة قد استساغت سبب تمسك مي هنية بملاحظاتها التي تشوبها السلبية لحالة الاوضاع في المجتمع
والتشائم الذي تبديه ، لا شك انها توافقها في كل تحدثت عنه ونقدها للطريقة والكيفية المتبعة في الحياة العامة.
لم ينتهي من كلامه حتى دخلت المرأة ، واخرست الالسن التي شدهت حال ظهورها ، أخدت تنيل كل واحد نصيبه من نظراتها المحدقة ، تطوف بين الجالسين كأنها تعد عددهم كل على حدا، تعيره نصيبا من السخرية التي تملأ نظراتها، تتهكم عليهم بحركات شفتيها ، ويدها اليسرى التي ترفعها حتى ثغرها ثم تلوح بها عندما تتقابل نظراتها معه احدهم ، اما اليمنى فتمسك بها عكازا تضرب به الأرض بين الفينة والأخرى. و كل من مرت أمامه ينتظر هجوما من لسانها السليط كما يسمونه.
لما وصلت الى بوبكر سألت
: فاش من دوار جيتي او شكون نتا.
استغرب الأخير سؤالها مستفسرا :
- ايوا العجب علاه ما كتعرفيني .
مي هنية :لا ما عرفتكش .
- انا ولد الدوار او جارك.
مي هنية :ما جاري ما ولد دواري .
تدخل الشيخ :الله يهديك امي هنية، بوبكر من دوارك اولا ما بغيتيش تعرفيه.
الفقيه : را ه كل واحد عارف راسوا من رجليه ما شي دري صغيرلي يحتاج توري ليه..
مي هنية: ييه ولكن من نهار لي بغا يبيع فينا ويشري مع هاد خوينا ما بقيت نعرفوا.
كانت تشير بأصبعها الى الحاج الحسن وأضافت :
- علاه ولد الدوار كيتعدى على دواروا .
لكن لحاج لحسن لم يشأ الا أن يدافع عن نفسه ليتقي رد فعل هجومها، موضحا دافعه للمجيء بمساعدة الناس بما يمكنه .:
-ضيف الله امي هنية ما قصدي غير لي ينفع الناس
كانت على وشك الرد على صاحيه لكن بوبكر كان سباقا ،
- تشكا ليك شي واحد منا
--مي هنية: انا نيت او بغيتي تراما لي على أرضي .
- لا يا مي هنية انا بغيت ليك الخير او جبتوا للبلاد كلها، لحاج الحسن ما شي براني الناس كلهم كا يعرفوه.
مي هنية :الدوار ما يصلحوا غير ماليه ملي يتعاونوا مع بعضيتهم .شحال من خير كان عندنا.
كان الدوار مكسوا بالاخضر قبل أن يستكين الناس ويستوهنوا ، احتضنوا الكسل عوض العمل واحتل التصحر كل الانحاء واعرضت الامطار عن الانهمار بسبب عجز الناس واهمالهم.
وأضافت باستهزاء . كل واحد كا يحلم اكون سي فلان راه سي ماشي بالحوايج وبالشيكي، سي راه بالادراك والعمل والتضحية.
استفحل الجدال فلم يجد الشيخ بدا للتد خل :
- راه ما تجمعنا هنا غير نتافقوا على واحد شوار ما شي نتناقروا مع بعضيتنا لي بغا يبيع لهاذ الراجل اهز ايدوا ..
رفع خمسة أيديهم الا شابا رفض البيع بعد ما اقتنع بكلام مي هنية.
نظر بوبكر الى أحمد الشاب اليتيم والنجارا الوحيد في الدوار، بالرغم من سوء حالته المادية لا يستكين لضغط الحاجة، نظام هاو مبتدئ في أول الثلا ثين من عمره.
- ياك ما رجعتي اسي احمد فكلامك بعدما خديتي العربون.
أحمد : اايلا بعت أرضي نبيع حتى راسي
- اش هاذ الكلام كتقول ما قلتي هادشي فالأول
أحمد :مكنتش كانشوف اما دابا فكرت مزيان ..
بو بكر : ما تلوم غير راسك راه صحابك كلهم باعوا الغايبين او الحاضرين .
مي هنية :الغايبين ما تدويش عليهم غير بغيتي تدي ليهم أرضهم بالباطل .
بوبكر: راه حسن ليكم تبيعوا اولا ابين لينا كل واحد بلي الارض ديالوا اوبرسومها .
مي هنية :الرسوم ديالنا هي باش تافقوا صحاب الدوار لي غادي يشهدوا لبعضياتهم.
بوبكر :راه المخزن ماكا يعرف غير الوراق من غيرهم كذاب او لي عندوا شي ايبينوا.
مي هنية :تكلم يا الشيخ اورد عليه قول ليه اش كاتعرف علاه انت ماشي من المخزن .
الشيخ :الناس كلهم عارفين ارضهم او شاهدين عليها ولكن الا تا فقوا ما عندي ماندير او ما يمكن لي نقول شي.
اعقب بوبكر مدعيا صدق ما هو عليه ويقول :ايوا سمعتي ديري يديك فيدنا نتعاونوا للمصلحة دلبلاد .
مي هنية :على خراب البلاد بغيتي نتعاونوا خليوا الناس مساكن ما تردوهم غراب على بلادهم اناما نبيع. ا
بوبكر : راه غادي تبقاي بوحدك.
مي هنية :خليني نبقا بوحدي لي فرط فارضوا افرط حتى فعرضوا .
لم يرق تعليقها ليحيى :
- ايوا زمي لسانك امي هنية راه ما كرهنا نكونوا بحالك ولكن ولادنا هم الاولين خصنا باش اعيشوا ولكن ما توصليها حتى العرض .
مي هنية :رزق ولادك كاين ايلا خليتي العجز او قلبتي عليه يازليطي ما تسناه اجيك انت او هذا او هذاك راه الارض بحال الأمانة خصك تصونها حتى تسلمها لماليها..
يحيى :او شكون ماليها .
مي هنية :اولادك يا مزيلط ملي يكبروا القوا بلادهم حاضناهم .
اعقب احمد :عندك الحق امي هنية .
بوبكر :كل واحد او رزقوا اولي مكتوب ليه غادي يشوفوا
مي هنية:ساس ايلا صحيح كا يكمل البني
الشيخ :الله يعطيك الصحة امي هنية قريتيهم
مي هنية :اونتا يا الشيخ ما يمكنش ليك تمنعهم او تقول للبراني امشي بحالوا .
الشيخ: لا يامي هنية هادشي ماشي شغلي لي تافقتوا عليه ما عندي ما نقول .
واضاف بانه لن يكون منحازا لاي جهة دون اخرى أو يفرض على احد ما لم يقتنع به.
أمتاك: حنا معاك يا مي هنية الحاجة لي تضر الدوار ما عندنا ما نديروا بها.
بعد تدخل امتاك حاول بوبكر اتهامه باحتكار السيطرة على الاراضي والحيلولة دون مضاهاة احد لهم في اراضيهم الشاسعة بالبلدة ، وكان يقصد بصيغة الجمع كلا من الأول واكيدر ثم الفقيه والشيخ وكل من لهم اراضي بالمستندات القديمة.
لم يسطع اكيدرأن يستسيغ الأمر ، ولم يحتمل السكوت اذ انحث باخباط ليقول
- هاد الكلام لي كا تقول غير بغيتي تتلف بيه الناس لي بغا يصلح البلاد راه كا يعطي لماليها ماشي يستغلهم.
بوبكر: لا ان ما جبت الحاج حتى عرفت نيتوا، الله اعاون يا لاه الحاج ما عندنا مانديروا حتى يجيوا الاخرين المهم حنا عارفين لي غادي يبيعوا.
مي هنية : تسنى باقي ما كملت هدوك جوج لي ما حاضرين راه ما غادي يبيعوا.
بوبكر :حنا ما سمعنا والوا .
انصرف الاثنان فيما برح الحاضرون يناقشون فيما بينهم ، وعقبت مي هنية :
- يا صحاب الدوار،راه سمعتوه بوذانكم اوما تحتاجوا تزيدوا فلغا .
أعقب بوضاض : عندك الحق امي هنية ولكن راه الحالة ضعيفة شحال من عام او الأرض كيما هي
غير الرملة لي فيها او باش نفعتنا .
مي هنية : راني علمتكم ديروا لي تخرجكم .
الشيخ : ا ما بقا لينا ما نديووا لي عندوا شي شغل يمشي ليه حتى يجيوا الغايبين.
بعد انصلاتهما عن الجمع ، وفي طريقهما الى منزله، لم يستوعب بوبكر صمت اصحا به الذين وعدوه باكداء اي محاولة من مي هنية لاستمالة الناس اليها والتماسك مثلها ، لقد اوشكت ان تقنع الجميع برأيها، لكن رزأ احوالهم تصدى لها ، لم يعوا بما تقول ،وبدا ما يشبه التردد في وجوههم لا هم لها ولا عليها .
- علاش صحابك ما قالوا والو.
استطرد الحاج يسأل بوبكر ليعرف الجواب الذي ربما قد يخفف عنه وطأ ما وقع في الاجتماع وما لم يتوسمه من اصحاب الأخير، وان ضمنهم ليكونوا في صفه ، لكنه بهذا يتوقع انقلابا قد يبدر منهم بعدما رأى تراجع أحمد الذي اخذ العربون كمسبق مثلهم .ربما سيغيرون رأيهم في اية لحظة .
اسهب بوبكر في اطالة رده على سؤال الاول ، حتى نده بحدة :
فين مشيتي وبعقلك سرحتي .
استرعي انتباهه فعقب : اشنوا معايا يا لحاج كا تدوي.
اعادالحاج سؤاله : صحابك ما قالوا والو
بوبكر : ها نتا كا تشوف حتى انا ما خلاتني نحل فمي .
ثم اعقب بعد صمت ازعج الحاج :
- ولكن تهنا راه غير يبيعوا صحابنا لي شدوا العربون لابد تبيع حتى هي غا تخاف تبقى بوحدها.
لم ينبس الحاج ولو بحرف حتى وصل عند سيارته الجيب التي ااندفع والجا ليحدثه من داخلها ،
- دير مجهودك باش ما يظنوا الناس بلي غار جيت ندي ارضهم انا راه بغيت نقاد البلاد .راه عندك التلفون.
وداس على محرك السيارة لينطلق مودعا بوبكر الذي لم يدع له هديرها فرصة ليرد على الرجل ، وضجيجها الرنان في أذنيه تكفل باخراسه.
سالت عائشة حين عود تها من الجمع تستوضح منها ما اتفق عليه الناس،
اسهبت المرأة في سرد ما وقع وتراجع احد هم عن البيع ، حتى اذا ما اطلعتها عن كل كبيرة وصغيرة. أعقبت عليها الأخرى.
- ونيني عطيتهم خسرتي ليهم البلانات ديالهم.
-الله يرزق الصحة والسلامة انا خايفة غير ابيعوا او نبقى بوحدي .
-واش فيها لو بعتي ياك غادي تصلح الأرض او تولي خضرا او تشدي حتى نتي شويا دلفلوس.
مي هنية :الفلوس غا يساليو اما الأرض لي فرطي فيها مشات محال واش ترجع .
عائشة :الناس مساكن على قلت شي كا يضعفوا قدام الفلوس كا يوليو بحال العميان .
تناهى الى مسا معهما ما يشبه النداء في الخارج فهرولتا لاستطلاع الأمر،
كان العربي يتجول في المكان وهويقول:
الناس ما بقات فيهم لاغيرة ولا همة على بلادهم
الكل ناوي يهاجر يتغرب . و نساو خير البلاد عليهم
قلت شي رشاتهم الفقر والعوز ضعفهم
لاحفظوا ما يورثوه ولا فهموا فين رواحهم
لاعطفوا على عديم الأمل ولارحموا الضعيف منهم
بنادم سكنوا الوهن ما يفكرغير في كرشوا
هذا يلعن فقلة حيلتوا والآخر ما هموا غير راسوا ،
وخا على حساب ناسوا.
الصبر معدوم، والقنع هجر النفوس
ولا رحمة فالقلوب
الحب مقرون بالدرهم
لامن ادير بحسابا لمسكين ولا يرفق به ويحن،
غير نهش في او ننهش فيك،
ما بقات لا ذ مة ولا اما ن،
كيتك يا مسكين نتا لي ممحن .
في اواخر العشرينات من عمره يتيم ووحيد في بيت ورثه عن والديه غريب التصرفات تارة تحسبه اعقل الناس وطورا تخاله مجنونا بعتهانه الذي يثير الاستغراب ، مدمن على التدخين يتعاطى لشمة السيليسيون خلسة في حال ان توفرت له ، يخفي وراء ابتسامته الساخرة حزن وحدته ، بالرغم من العناية والعطف الذي لم تبخل بهما مي هنية تجاهه، يعتبر في نظرها اعقل الناس وحكيما بتعليقاته ، كثيرا ما يتعرض للتعنيف نتيجة وقاحة الفاضه ورعونة لغطه الذي يشوبه الاستهزاء، ونادرا ما يتصف بالاتزان، جرئ بقول الحقيقة المرة التي قد تكشف عيب احد ما . اضافه لألفاضه التي يعلق بها على احد تجاوز حده. ربما اكتسب ذلك لكثرة انحشاره بين من هم الأكبرسنا واحتكاكه بهم،اذ لا يعيرون لبعض لغيه أي اهتمام، أوربما ألهم ذلك من جراء حالته النفسية واحساسه بالوحدة . وهو بسيط ، سهل الانقياد بطيبته العفوية لكنه حذر عندما يتوجس من غيره.
- شكون لي يفهمك نتا بعدا عقل منهم او كا يقولوا ليك البوهالي.
عقبت مي هنية بعد أن غار عن ناظريها . وقد كانت تنادي عليه دون أن يسمعها .
- ما تديها فكلاموا علاه غا يسمع ليه حد مسكين. فندت عائشة رأيها لدنو اهميته في الدوار.
- لي ما كا يسمع الكلام غير صمك، كلاموا معنى اوعبرة.
و انبرت تسرد لها فائدة الانسان في مجتمعه وما يكسبه من محبة الناس واعجابهم ، مثل الكاتب الذي يستهوي بأسلوبه القراء لحسن ما تحتويه كتابته من قصص جميلة.او مقال يعبر فيه عن فكرة ما أو رأي يبديه في قضية ما تشغل بال العامة وقدرته على تغيير نظرة المجتمع وتبصيره بما كان يجهله ،
دلتها عن فائدة المغني الذي يرفه على النفوس المكتئبة بغنائه وحسن ادائه وتميز كلمات اغنيته . لأن الناس لا يهمهم الشخص بذاته بقدرنظرتهم اليه من خلال موهبته أو حالة استثنا ئية يتفوق بها . فيهم من يبقى خالدا في النفوس. ومنهم من يمر مرور الكرام وينتهي اثره ، وكل ذلك حسب عبقريته وحنكته في ما يحترفه. وهناك ايضا من لم يسطع على الاستمرار لسبب ما اقوى منه، اضطره لأن يأ فل نجمه رغما عنه ، تتدني صورته عند الناس . فلا يجد حتى من يعير له اي اهتمام . ويكون كذكريات ماض يتباهى بها امام الناس ، لتكون له السلوى في ما يعانيه من تصغير وتبخيسهم له ولكفائته ، ثم أشارت الى صيت الفقيه وصفته وما يجدر أن يبديه الانسان تجاهه، من احترام وتبجيل بقدر ما تظهره لهم حسن سيرته . واتباع ما يسديه من نصائح لمن يأمهم ، لأن الأحرى ان يتبع الانسان ما يقول لا ما يفعل، ناهيك عن نواقصه ، لأنه انسان معرص للخطأ.
استطردت الفتاة تحدثها عما يتخذه البعض قدوة لهم، وبالاخص عند الشباب، مثل فنان مشهور يقلدونه حتى في لباسه وحركاته وان كانت تثير الاستهجان او تتعارض مع التقاليد التي لم يعد لها اي اعتبار عند ثلة من الشباب ان لم نقل كلهم ..
مي هنية : بحال هدوك لي كا يبانوا فالتلفزة كا نشوفهم ، كا يبانوا فيها بزاف تقول هم صحاب
التلفزة.
عائشة: راه هدوك لي فالتلفزة صحاب السعد عندهم الزهر او المعرفة او قدام فالحرفة ..
للناس اذواق، كما لهم مطامح رغم تفاوت المعرفة من شخص الى آخر، والأنكى هو أن يتمسك الانسان باحتكاره واهما بحسن بالمامه دون الأخذ برأي الآخرين ، فهناك من يدري انه لا يدري وانما على سبيل التجربة لا يتفطن حتى ينساق دون وعي لما يقدم عليه ولو عرف في قرارة نفسه انه هباء، بل يبرر ذلك بطبع بالتجديد ولو على حساب المبدأ أو الهوية ربما بسبب انبهار و ادعاء الاحتكاك والانفتاح على الآخرين، و كل ذلك يندرج في خانة ازدواجية المبدأ ، أو ربما يعد ذلك تمسكا دون وعي او ادراك تام بحقيقة ما يورد اليه، وعلى أي فلكل فيما يعشقه أرب .
وللاشالة في رغيهن أسهبن في اللكي كما هي عادة النساء، ولو كان ذا اهمية اكبر منهن ، طفقن في سبر
ما يستجد من اشياء لسن على علم بها، أصبحن ملمات بما يحدث بعد أن دخلت الصحون المقعرة كل البيوت، لا يجدر عليهن ان يتطفلن على ما ليس في مستواهن .
لم تعترف بعد بضعف المامها وانما تريد أن تظهر بمظهر الفاطن ، وعلى حسب رأيها، فانه لا يجدربأحد أن يحتكر لنفسه خصوصية، ويدعي اهليته بها على مدى الحياة . لذلك لم تدع عائشة تقنعها بالتعقيب الأخير وانما اجابت.
- علا ه غا تبقى ليهم بوحدهم خصهم اعلموا لي يخلفوهم.
- علاه كا يديروا فيها تنجارت اولا تحداد ت راه كا يوصلوها بالقراية او ما ساهلة. موحال تفهمي.
ولأن المرأة حشرية بحميائيتها تريد أن تبدي رأيها في كل شيء . لم تنثني رغم تنبيه الفتاة.
- الا ما فهمت نبقا فدار غفلون خصني نفهم ابنيتي حتى انا .او خصهم او ريونا لي ما عرفنا.
اصرت الصغيرة على رأيها لعل الأخرى تتخلى عما تعتقده وتؤمن به والذي لن يتغير، اذ عقبت :
- مالنا او مال داك شي بعيد علينا ارا بعدا نفكوا لي في أيدينا .
- ييه ابنيتي ولكن راه خصنا نعرفوا فين عايشين او مع من، واش من فايدة عندنا في الدنيا
وعلى راي المرأة فلكل دافعه ليستوجد كيانه حتى يعرف قيمته بين المحيطين به ، ويحاول أن يحد ث نفسه بنفسه، لا أن ينتظر حتى يعطف عليه الآخرين بحسنة.
وكما تابعت بعدها الفتاة فالقرية غير معروفة بتاتا، نظرا لبعدها عن الحياة الحضرية ،أوربما من افتقارها لمن يحدث عنها، لقد اصابت كبد الحقيقة ، لان الدوار شيه معزول حتى انه غير معروف ربما ذلك ناتج عن تهاون اهله الذين هدهم الركون، وركدت عزائمهم يستجدون امتراء المثري أوعطف الميسور، حتى اندثرت هممهم، وصارالفرد لا يطلب الا الحسنة ، كثر التملق والتعلق بالأوهام، وانتظار السراب يعشش في مخيلة كل واحد، ما عدا قليلا منهم يكدون من اجل لقمة عيشهم، فيما الآخرون لا هم لهم الا الاغتباء وسرد العيوب واتخاذها كمضغة تتداولها الشفاه فيما بينها.عم الوهن والعجز في النفوس حتى احيل الدوار الى قفار تنعدم فيه الحياة ، يخالها الوارد اطلالا مضى عليها الزمان وشرف..
لكن لابد ان ياتي يومها كما تامل مي هنية ..
- زيدي ندخلوا بحالنا ، ما بقا لينا ما نديروا هنا.
ولجن الى البيت بعد ان نفذت ذخيرة النقاش بينهما دون معرفة من هي اكثر اقناعا ، ولكن على ما يبدو فالفتاة قد استساغت سبب تمسك مي هنية بملاحظاتها التي تشوبها السلبية لحالة الاوضاع في المجتمع
والتشائم الذي تبديه ، لا شك انها توافقها في كل تحدثت عنه ونقدها للطريقة والكيفية المتبعة في الحياة العامة.
لما وصلت الى بوبكر سألت
: فاش من دوار جيتي او شكون نتا.
استغرب الأخير سؤالها مستفسرا :
- ايوا العجب علاه ما كتعرفيني .
مي هنية :لا ما عرفتكش .
- انا ولد الدوار او جارك.
مي هنية :ما جاري ما ولد دواري .
تدخل الشيخ :الله يهديك امي هنية، بوبكر من دوارك اولا ما بغيتيش تعرفيه.
الفقيه : را ه كل واحد عارف راسوا من رجليه ما شي دري صغيرلي يحتاج توري ليه..
مي هنية: ييه ولكن من نهار لي بغا يبيع فينا ويشري مع هاد خوينا ما بقيت نعرفوا.
كانت تشير بأصبعها الى الحاج الحسن وأضافت :
- علاه ولد الدوار كيتعدى على دواروا .
لكن لحاج لحسن لم يشأ الا أن يدافع عن نفسه ليتقي رد فعل هجومها، موضحا دافعه للمجيء بمساعدة الناس بما يمكنه .:
-ضيف الله امي هنية ما قصدي غير لي ينفع الناس
كانت على وشك الرد على صاحيه لكن بوبكر كان سباقا ،
- تشكا ليك شي واحد منا
--مي هنية: انا نيت او بغيتي تراما لي على أرضي .
- لا يا مي هنية انا بغيت ليك الخير او جبتوا للبلاد كلها، لحاج الحسن ما شي براني الناس كلهم كا يعرفوه.
مي هنية :الدوار ما يصلحوا غير ماليه ملي يتعاونوا مع بعضيتهم .شحال من خير كان عندنا.
كان الدوار مكسوا بالاخضر قبل أن يستكين الناس ويستوهنوا ، احتضنوا الكسل عوض العمل واحتل التصحر كل الانحاء واعرضت الامطار عن الانهمار بسبب عجز الناس واهمالهم.
وأضافت باستهزاء . كل واحد كا يحلم اكون سي فلان راه سي ماشي بالحوايج وبالشيكي، سي راه بالادراك والعمل والتضحية.
استفحل الجدال فلم يجد الشيخ بدا للتد خل :
- راه ما تجمعنا هنا غير نتافقوا على واحد شوار ما شي نتناقروا مع بعضيتنا لي بغا يبيع لهاذ الراجل اهز ايدوا ..
رفع خمسة أيديهم الا شابا رفض البيع بعد ما اقتنع بكلام مي هنية.
نظر بوبكر الى أحمد الشاب اليتيم والنجارا الوحيد في الدوار، بالرغم من سوء حالته المادية لا يستكين لضغط الحاجة، نظام هاو مبتدئ في أول الثلا ثين من عمره.
- ياك ما رجعتي اسي احمد فكلامك بعدما خديتي العربون.
أحمد : اايلا بعت أرضي نبيع حتى راسي
- اش هاذ الكلام كتقول ما قلتي هادشي فالأول
أحمد :مكنتش كانشوف اما دابا فكرت مزيان ..
بو بكر : ما تلوم غير راسك راه صحابك كلهم باعوا الغايبين او الحاضرين .
مي هنية :الغايبين ما تدويش عليهم غير بغيتي تدي ليهم أرضهم بالباطل .
بوبكر: راه حسن ليكم تبيعوا اولا ابين لينا كل واحد بلي الارض ديالوا اوبرسومها .
مي هنية :الرسوم ديالنا هي باش تافقوا صحاب الدوار لي غادي يشهدوا لبعضياتهم.
بوبكر :راه المخزن ماكا يعرف غير الوراق من غيرهم كذاب او لي عندوا شي ايبينوا.
مي هنية :تكلم يا الشيخ اورد عليه قول ليه اش كاتعرف علاه انت ماشي من المخزن .
الشيخ :الناس كلهم عارفين ارضهم او شاهدين عليها ولكن الا تا فقوا ما عندي ماندير او ما يمكن لي نقول شي.
اعقب بوبكر مدعيا صدق ما هو عليه ويقول :ايوا سمعتي ديري يديك فيدنا نتعاونوا للمصلحة دلبلاد .
مي هنية :على خراب البلاد بغيتي نتعاونوا خليوا الناس مساكن ما تردوهم غراب على بلادهم اناما نبيع. ا
بوبكر : راه غادي تبقاي بوحدك.
مي هنية :خليني نبقا بوحدي لي فرط فارضوا افرط حتى فعرضوا .
لم يرق تعليقها ليحيى :
- ايوا زمي لسانك امي هنية راه ما كرهنا نكونوا بحالك ولكن ولادنا هم الاولين خصنا باش اعيشوا ولكن ما توصليها حتى العرض .
مي هنية :رزق ولادك كاين ايلا خليتي العجز او قلبتي عليه يازليطي ما تسناه اجيك انت او هذا او هذاك راه الارض بحال الأمانة خصك تصونها حتى تسلمها لماليها..
يحيى :او شكون ماليها .
مي هنية :اولادك يا مزيلط ملي يكبروا القوا بلادهم حاضناهم .
اعقب احمد :عندك الحق امي هنية .
بوبكر :كل واحد او رزقوا اولي مكتوب ليه غادي يشوفوا
مي هنية:ساس ايلا صحيح كا يكمل البني
الشيخ :الله يعطيك الصحة امي هنية قريتيهم
مي هنية :اونتا يا الشيخ ما يمكنش ليك تمنعهم او تقول للبراني امشي بحالوا .
الشيخ: لا يامي هنية هادشي ماشي شغلي لي تافقتوا عليه ما عندي ما نقول .
واضاف بانه لن يكون منحازا لاي جهة دون اخرى أو يفرض على احد ما لم يقتنع به.
أمتاك: حنا معاك يا مي هنية الحاجة لي تضر الدوار ما عندنا ما نديروا بها.
بعد تدخل امتاك حاول بوبكر اتهامه باحتكار السيطرة على الاراضي والحيلولة دون مضاهاة احد لهم في اراضيهم الشاسعة بالبلدة ، وكان يقصد بصيغة الجمع كلا من الأول واكيدر ثم الفقيه والشيخ وكل من لهم اراضي بالمستندات القديمة.
لم يسطع اكيدرأن يستسيغ الأمر ، ولم يحتمل السكوت اذ انحث باخباط ليقول
- هاد الكلام لي كا تقول غير بغيتي تتلف بيه الناس لي بغا يصلح البلاد راه كا يعطي لماليها ماشي يستغلهم.
بوبكر: لا ان ما جبت الحاج حتى عرفت نيتوا، الله اعاون يا لاه الحاج ما عندنا مانديروا حتى يجيوا الاخرين المهم حنا عارفين لي غادي يبيعوا.
مي هنية : تسنى باقي ما كملت هدوك جوج لي ما حاضرين راه ما غادي يبيعوا.
بوبكر :حنا ما سمعنا والوا .
انصرف الاثنان فيما برح الحاضرون يناقشون فيما بينهم ، وعقبت مي هنية :
- يا صحاب الدوار،راه سمعتوه بوذانكم اوما تحتاجوا تزيدوا فلغا .
أعقب بوضاض : عندك الحق امي هنية ولكن راه الحالة ضعيفة شحال من عام او الأرض كيما هي
غير الرملة لي فيها او باش نفعتنا .
مي هنية : راني علمتكم ديروا لي تخرجكم .
الشيخ : ا ما بقا لينا ما نديووا لي عندوا شي شغل يمشي ليه حتى يجيوا الغايبين.
بعد انصلاتهما عن الجمع ، وفي طريقهما الى منزله، لم يستوعب بوبكر صمت اصحا به الذين وعدوه باكداء اي محاولة من مي هنية لاستمالة الناس اليها والتماسك مثلها ، لقد اوشكت ان تقنع الجميع برأيها، لكن رزأ احوالهم تصدى لها ، لم يعوا بما تقول ،وبدا ما يشبه التردد في وجوههم لا هم لها ولا عليها .
- علاش صحابك ما قالوا والو.
استطرد الحاج يسأل بوبكر ليعرف الجواب الذي ربما قد يخفف عنه وطأ ما وقع في الاجتماع وما لم يتوسمه من اصحاب الأخير، وان ضمنهم ليكونوا في صفه ، لكنه بهذا يتوقع انقلابا قد يبدر منهم بعدما رأى تراجع أحمد الذي اخذ العربون كمسبق مثلهم .ربما سيغيرون رأيهم في اية لحظة .
اسهب بوبكر في اطالة رده على سؤال الاول ، حتى نده بحدة :
فين مشيتي وبعقلك سرحتي .
استرعي انتباهه فعقب : اشنوا معايا يا لحاج كا تدوي.
اعادالحاج سؤاله : صحابك ما قالوا والو
بوبكر : ها نتا كا تشوف حتى انا ما خلاتني نحل فمي .
ثم اعقب بعد صمت ازعج الحاج :
- ولكن تهنا راه غير يبيعوا صحابنا لي شدوا العربون لابد تبيع حتى هي غا تخاف تبقى بوحدها.
لم ينبس الحاج ولو بحرف حتى وصل عند سيارته الجيب التي ااندفع والجا ليحدثه من داخلها ،
- دير مجهودك باش ما يظنوا الناس بلي غار جيت ندي ارضهم انا راه بغيت نقاد البلاد .راه عندك التلفون.
وداس على محرك السيارة لينطلق مودعا بوبكر الذي لم يدع له هديرها فرصة ليرد على الرجل ، وضجيجها الرنان في أذنيه تكفل باخراسه.
سالت عائشة حين عود تها من الجمع تستوضح منها ما اتفق عليه الناس،
اسهبت المرأة في سرد ما وقع وتراجع احد هم عن البيع ، حتى اذا ما اطلعتها عن كل كبيرة وصغيرة. أعقبت عليها الأخرى.
- ونيني عطيتهم خسرتي ليهم البلانات ديالهم.
-الله يرزق الصحة والسلامة انا خايفة غير ابيعوا او نبقى بوحدي .
-واش فيها لو بعتي ياك غادي تصلح الأرض او تولي خضرا او تشدي حتى نتي شويا دلفلوس.
مي هنية :الفلوس غا يساليو اما الأرض لي فرطي فيها مشات محال واش ترجع .
عائشة :الناس مساكن على قلت شي كا يضعفوا قدام الفلوس كا يوليو بحال العميان .
تناهى الى مسا معهما ما يشبه النداء في الخارج فهرولتا لاستطلاع الأمر،
كان العربي يتجول في المكان وهويقول:
الناس ما بقات فيهم لاغيرة ولا همة على بلادهم
الكل ناوي يهاجر يتغرب . و نساو خير البلاد عليهم
قلت شي رشاتهم الفقر والعوز ضعفهم
لاحفظوا ما يورثوه ولا فهموا فين رواحهم
لاعطفوا على عديم الأمل ولارحموا الضعيف منهم
بنادم سكنوا الوهن ما يفكرغير في كرشوا
هذا يلعن فقلة حيلتوا والآخر ما هموا غير راسوا ،
وخا على حساب ناسوا.
الصبر معدوم، والقنع هجر النفوس
ولا رحمة فالقلوب
الحب مقرون بالدرهم
لامن ادير بحسابا لمسكين ولا يرفق به ويحن،
غير نهش في او ننهش فيك،
ما بقات لا ذ مة ولا اما ن،
كيتك يا مسكين نتا لي ممحن .
في اواخر العشرينات من عمره يتيم ووحيد في بيت ورثه عن والديه غريب التصرفات تارة تحسبه اعقل الناس وطورا تخاله مجنونا بعتهانه الذي يثير الاستغراب ، مدمن على التدخين يتعاطى لشمة السيليسيون خلسة في حال ان توفرت له ، يخفي وراء ابتسامته الساخرة حزن وحدته ، بالرغم من العناية والعطف الذي لم تبخل بهما مي هنية تجاهه، يعتبر في نظرها اعقل الناس وحكيما بتعليقاته ، كثيرا ما يتعرض للتعنيف نتيجة وقاحة الفاضه ورعونة لغطه الذي يشوبه الاستهزاء، ونادرا ما يتصف بالاتزان، جرئ بقول الحقيقة المرة التي قد تكشف عيب احد ما . اضافه لألفاضه التي يعلق بها على احد تجاوز حده. ربما اكتسب ذلك لكثرة انحشاره بين من هم الأكبرسنا واحتكاكه بهم،اذ لا يعيرون لبعض لغيه أي اهتمام، أوربما ألهم ذلك من جراء حالته النفسية واحساسه بالوحدة . وهو بسيط ، سهل الانقياد بطيبته العفوية لكنه حذر عندما يتوجس من غيره.
- شكون لي يفهمك نتا بعدا عقل منهم او كا يقولوا ليك البوهالي.
عقبت مي هنية بعد أن غار عن ناظريها . وقد كانت تنادي عليه دون أن يسمعها .
- ما تديها فكلاموا علاه غا يسمع ليه حد مسكين. فندت عائشة رأيها لدنو اهميته في الدوار.
- لي ما كا يسمع الكلام غير صمك، كلاموا معنى اوعبرة.
و انبرت تسرد لها فائدة الانسان في مجتمعه وما يكسبه من محبة الناس واعجابهم ، مثل الكاتب الذي يستهوي بأسلوبه القراء لحسن ما تحتويه كتابته من قصص جميلة.او مقال يعبر فيه عن فكرة ما أو رأي يبديه في قضية ما تشغل بال العامة وقدرته على تغيير نظرة المجتمع وتبصيره بما كان يجهله ،
دلتها عن فائدة المغني الذي يرفه على النفوس المكتئبة بغنائه وحسن ادائه وتميز كلمات اغنيته . لأن الناس لا يهمهم الشخص بذاته بقدرنظرتهم اليه من خلال موهبته أو حالة استثنا ئية يتفوق بها . فيهم من يبقى خالدا في النفوس. ومنهم من يمر مرور الكرام وينتهي اثره ، وكل ذلك حسب عبقريته وحنكته في ما يحترفه. وهناك ايضا من لم يسطع على الاستمرار لسبب ما اقوى منه، اضطره لأن يأ فل نجمه رغما عنه ، تتدني صورته عند الناس . فلا يجد حتى من يعير له اي اهتمام . ويكون كذكريات ماض يتباهى بها امام الناس ، لتكون له السلوى في ما يعانيه من تصغير وتبخيسهم له ولكفائته ، ثم أشارت الى صيت الفقيه وصفته وما يجدر أن يبديه الانسان تجاهه، من احترام وتبجيل بقدر ما تظهره لهم حسن سيرته . واتباع ما يسديه من نصائح لمن يأمهم ، لأن الأحرى ان يتبع الانسان ما يقول لا ما يفعل، ناهيك عن نواقصه ، لأنه انسان معرص للخطأ.
استطردت الفتاة تحدثها عما يتخذه البعض قدوة لهم، وبالاخص عند الشباب، مثل فنان مشهور يقلدونه حتى في لباسه وحركاته وان كانت تثير الاستهجان او تتعارض مع التقاليد التي لم يعد لها اي اعتبار عند ثلة من الشباب ان لم نقل كلهم ..
مي هنية : بحال هدوك لي كا يبانوا فالتلفزة كا نشوفهم ، كا يبانوا فيها بزاف تقول هم صحاب
التلفزة.
عائشة: راه هدوك لي فالتلفزة صحاب السعد عندهم الزهر او المعرفة او قدام فالحرفة ..
للناس اذواق، كما لهم مطامح رغم تفاوت المعرفة من شخص الى آخر، والأنكى هو أن يتمسك الانسان باحتكاره واهما بحسن بالمامه دون الأخذ برأي الآخرين ، فهناك من يدري انه لا يدري وانما على سبيل التجربة لا يتفطن حتى ينساق دون وعي لما يقدم عليه ولو عرف في قرارة نفسه انه هباء، بل يبرر ذلك بطبع بالتجديد ولو على حساب المبدأ أو الهوية ربما بسبب انبهار و ادعاء الاحتكاك والانفتاح على الآخرين، و كل ذلك يندرج في خانة ازدواجية المبدأ ، أو ربما يعد ذلك تمسكا دون وعي او ادراك تام بحقيقة ما يورد اليه، وعلى أي فلكل فيما يعشقه أرب .
وللاشالة في رغيهن أسهبن في اللكي كما هي عادة النساء، ولو كان ذا اهمية اكبر منهن ، طفقن في سبر
ما يستجد من اشياء لسن على علم بها، أصبحن ملمات بما يحدث بعد أن دخلت الصحون المقعرة كل البيوت، لا يجدر عليهن ان يتطفلن على ما ليس في مستواهن .
لم تعترف بعد بضعف المامها وانما تريد أن تظهر بمظهر الفاطن ، وعلى حسب رأيها، فانه لا يجدربأحد أن يحتكر لنفسه خصوصية، ويدعي اهليته بها على مدى الحياة . لذلك لم تدع عائشة تقنعها بالتعقيب الأخير وانما اجابت.
- علا ه غا تبقى ليهم بوحدهم خصهم اعلموا لي يخلفوهم.
- علاه كا يديروا فيها تنجارت اولا تحداد ت راه كا يوصلوها بالقراية او ما ساهلة. موحال تفهمي.
ولأن المرأة حشرية بحميائيتها تريد أن تبدي رأيها في كل شيء . لم تنثني رغم تنبيه الفتاة.
- الا ما فهمت نبقا فدار غفلون خصني نفهم ابنيتي حتى انا .او خصهم او ريونا لي ما عرفنا.
اصرت الصغيرة على رأيها لعل الأخرى تتخلى عما تعتقده وتؤمن به والذي لن يتغير، اذ عقبت :
- مالنا او مال داك شي بعيد علينا ارا بعدا نفكوا لي في أيدينا .
- ييه ابنيتي ولكن راه خصنا نعرفوا فين عايشين او مع من، واش من فايدة عندنا في الدنيا
وعلى راي المرأة فلكل دافعه ليستوجد كيانه حتى يعرف قيمته بين المحيطين به ، ويحاول أن يحد ث نفسه بنفسه، لا أن ينتظر حتى يعطف عليه الآخرين بحسنة.
وكما تابعت بعدها الفتاة فالقرية غير معروفة بتاتا، نظرا لبعدها عن الحياة الحضرية ،أوربما من افتقارها لمن يحدث عنها، لقد اصابت كبد الحقيقة ، لان الدوار شيه معزول حتى انه غير معروف ربما ذلك ناتج عن تهاون اهله الذين هدهم الركون، وركدت عزائمهم يستجدون امتراء المثري أوعطف الميسور، حتى اندثرت هممهم، وصارالفرد لا يطلب الا الحسنة ، كثر التملق والتعلق بالأوهام، وانتظار السراب يعشش في مخيلة كل واحد، ما عدا قليلا منهم يكدون من اجل لقمة عيشهم، فيما الآخرون لا هم لهم الا الاغتباء وسرد العيوب واتخاذها كمضغة تتداولها الشفاه فيما بينها.عم الوهن والعجز في النفوس حتى احيل الدوار الى قفار تنعدم فيه الحياة ، يخالها الوارد اطلالا مضى عليها الزمان وشرف..
لكن لابد ان ياتي يومها كما تامل مي هنية ..
- زيدي ندخلوا بحالنا ، ما بقا لينا ما نديروا هنا.
ولجن الى البيت بعد ان نفذت ذخيرة النقاش بينهما دون معرفة من هي اكثر اقناعا ، ولكن على ما يبدو فالفتاة قد استساغت سبب تمسك مي هنية بملاحظاتها التي تشوبها السلبية لحالة الاوضاع في المجتمع
والتشائم الذي تبديه ، لا شك انها توافقها في كل تحدثت عنه ونقدها للطريقة والكيفية المتبعة في الحياة العامة.
لم ينتهي من كلامه حتى دخلت المرأة ، واخرست الالسن التي شدهت حال ظهورها ، أخدت تنيل كل واحد نصيبه من نظراتها المحدقة ، تطوف بين الجالسين كأنها تعد عددهم كل على حدا، تعيره نصيبا من السخرية التي تملأ نظراتها، تتهكم عليهم بحركات شفتيها ، ويدها اليسرى التي ترفعها حتى ثغرها ثم تلوح بها عندما تتقابل نظراتها معه احدهم ، اما اليمنى فتمسك بها عكازا تضرب به الأرض بين الفينة والأخرى. و كل من مرت أمامه ينتظر هجوما من لسانها السليط كما يسمونه.
لما وصلت الى بوبكر سألت
: فاش من دوار جيتي او شكون نتا.
استغرب الأخير سؤالها مستفسرا :
- ايوا العجب علاه ما كتعرفيني .
مي هنية :لا ما عرفتكش .
- انا ولد الدوار او جارك.
مي هنية :ما جاري ما ولد دواري .
تدخل الشيخ :الله يهديك امي هنية، بوبكر من دوارك اولا ما بغيتيش تعرفيه.
الفقيه : را ه كل واحد عارف راسوا من رجليه ما شي دري صغيرلي يحتاج توري ليه..
مي هنية: ييه ولكن من نهار لي بغا يبيع فينا ويشري مع هاد خوينا ما بقيت نعرفوا.
كانت تشير بأصبعها الى الحاج الحسن وأضافت :
- علاه ولد الدوار كيتعدى على دواروا .
لكن لحاج لحسن لم يشأ الا أن يدافع عن نفسه ليتقي رد فعل هجومها، موضحا دافعه للمجيء بمساعدة الناس بما يمكنه .:
-ضيف الله امي هنية ما قصدي غير لي ينفع الناس
كانت على وشك الرد على صاحيه لكن بوبكر كان سباقا ،
- تشكا ليك شي واحد منا
--مي هنية: انا نيت او بغيتي تراما لي على أرضي .
- لا يا مي هنية انا بغيت ليك الخير او جبتوا للبلاد كلها، لحاج الحسن ما شي براني الناس كلهم كا يعرفوه.
مي هنية :الدوار ما يصلحوا غير ماليه ملي يتعاونوا مع بعضيتهم .شحال من خير كان عندنا.
كان الدوار مكسوا بالاخضر قبل أن يستكين الناس ويستوهنوا ، احتضنوا الكسل عوض العمل واحتل التصحر كل الانحاء واعرضت الامطار عن الانهمار بسبب عجز الناس واهمالهم.
وأضافت باستهزاء . كل واحد كا يحلم اكون سي فلان راه سي ماشي بالحوايج وبالشيكي، سي راه بالادراك والعمل والتضحية.
استفحل الجدال فلم يجد الشيخ بدا للتد خل :
- راه ما تجمعنا هنا غير نتافقوا على واحد شوار ما شي نتناقروا مع بعضيتنا لي بغا يبيع لهاذ الراجل اهز ايدوا ..
رفع خمسة أيديهم الا شابا رفض البيع بعد ما اقتنع بكلام مي هنية.
نظر بوبكر الى أحمد الشاب اليتيم والنجارا الوحيد في الدوار، بالرغم من سوء حالته المادية لا يستكين لضغط الحاجة، نظام هاو مبتدئ في أول الثلا ثين من عمره.
- ياك ما رجعتي اسي احمد فكلامك بعدما خديتي العربون.
أحمد : اايلا بعت أرضي نبيع حتى راسي
- اش هاذ الكلام كتقول ما قلتي هادشي فالأول
أحمد :مكنتش كانشوف اما دابا فكرت مزيان ..
بو بكر : ما تلوم غير راسك راه صحابك كلهم باعوا الغايبين او الحاضرين .
مي هنية :الغايبين ما تدويش عليهم غير بغيتي تدي ليهم أرضهم بالباطل .
بوبكر: راه حسن ليكم تبيعوا اولا ابين لينا كل واحد بلي الارض ديالوا اوبرسومها .
مي هنية :الرسوم ديالنا هي باش تافقوا صحاب الدوار لي غادي يشهدوا لبعضياتهم.
بوبكر :راه المخزن ماكا يعرف غير الوراق من غيرهم كذاب او لي عندوا شي ايبينوا.
مي هنية :تكلم يا الشيخ اورد عليه قول ليه اش كاتعرف علاه انت ماشي من المخزن .
الشيخ :الناس كلهم عارفين ارضهم او شاهدين عليها ولكن الا تا فقوا ما عندي ماندير او ما يمكن لي نقول شي.
اعقب بوبكر مدعيا صدق ما هو عليه ويقول :ايوا سمعتي ديري يديك فيدنا نتعاونوا للمصلحة دلبلاد .
مي هنية :على خراب البلاد بغيتي نتعاونوا خليوا الناس مساكن ما تردوهم غراب على بلادهم اناما نبيع. ا
بوبكر : راه غادي تبقاي بوحدك.
مي هنية :خليني نبقا بوحدي لي فرط فارضوا افرط حتى فعرضوا .
لم يرق تعليقها ليحيى :
- ايوا زمي لسانك امي هنية راه ما كرهنا نكونوا بحالك ولكن ولادنا هم الاولين خصنا باش اعيشوا ولكن ما توصليها حتى العرض .
مي هنية :رزق ولادك كاين ايلا خليتي العجز او قلبتي عليه يازليطي ما تسناه اجيك انت او هذا او هذاك راه الارض بحال الأمانة خصك تصونها حتى تسلمها لماليها..
يحيى :او شكون ماليها .
مي هنية :اولادك يا مزيلط ملي يكبروا القوا بلادهم حاضناهم .
اعقب احمد :عندك الحق امي هنية .
بوبكر :كل واحد او رزقوا اولي مكتوب ليه غادي يشوفوا
مي هنية:ساس ايلا صحيح كا يكمل البني
الشيخ :الله يعطيك الصحة امي هنية قريتيهم
مي هنية :اونتا يا الشيخ ما يمكنش ليك تمنعهم او تقول للبراني امشي بحالوا .
الشيخ: لا يامي هنية هادشي ماشي شغلي لي تافقتوا عليه ما عندي ما نقول .
واضاف بانه لن يكون منحازا لاي جهة دون اخرى أو يفرض على احد ما لم يقتنع به.
أمتاك: حنا معاك يا مي هنية الحاجة لي تضر الدوار ما عندنا ما نديروا بها.
بعد تدخل امتاك حاول بوبكر اتهامه باحتكار السيطرة على الاراضي والحيلولة دون مضاهاة احد لهم في اراضيهم الشاسعة بالبلدة ، وكان يقصد بصيغة الجمع كلا من الأول واكيدر ثم الفقيه والشيخ وكل من لهم اراضي بالمستندات القديمة.
لم يسطع اكيدرأن يستسيغ الأمر ، ولم يحتمل السكوت اذ انحث باخباط ليقول
- هاد الكلام لي كا تقول غير بغيتي تتلف بيه الناس لي بغا يصلح البلاد راه كا يعطي لماليها ماشي يستغلهم.
بوبكر: لا ان ما جبت الحاج حتى عرفت نيتوا، الله اعاون يا لاه الحاج ما عندنا مانديروا حتى يجيوا الاخرين المهم حنا عارفين لي غادي يبيعوا.
مي هنية : تسنى باقي ما كملت هدوك جوج لي ما حاضرين راه ما غادي يبيعوا.
بوبكر :حنا ما سمعنا والوا .
انصرف الاثنان فيما برح الحاضرون يناقشون فيما بينهم ، وعقبت مي هنية :
- يا صحاب الدوار،راه سمعتوه بوذانكم اوما تحتاجوا تزيدوا فلغا .
أعقب بوضاض : عندك الحق امي هنية ولكن راه الحالة ضعيفة شحال من عام او الأرض كيما هي
غير الرملة لي فيها او باش نفعتنا .
مي هنية : راني علمتكم ديروا لي تخرجكم .
الشيخ : ا ما بقا لينا ما نديووا لي عندوا شي شغل يمشي ليه حتى يجيوا الغايبين.
بعد انصلاتهما عن الجمع ، وفي طريقهما الى منزله، لم يستوعب بوبكر صمت اصحا به الذين وعدوه باكداء اي محاولة من مي هنية لاستمالة الناس اليها والتماسك مثلها ، لقد اوشكت ان تقنع الجميع برأيها، لكن رزأ احوالهم تصدى لها ، لم يعوا بما تقول ،وبدا ما يشبه التردد في وجوههم لا هم لها ولا عليها .
- علاش صحابك ما قالوا والو.
استطرد الحاج يسأل بوبكر ليعرف الجواب الذي ربما قد يخفف عنه وطأ ما وقع في الاجتماع وما لم يتوسمه من اصحاب الأخير، وان ضمنهم ليكونوا في صفه ، لكنه بهذا يتوقع انقلابا قد يبدر منهم بعدما رأى تراجع أحمد الذي اخذ العربون كمسبق مثلهم .ربما سيغيرون رأيهم في اية لحظة .
اسهب بوبكر في اطالة رده على سؤال الاول ، حتى نده بحدة :
فين مشيتي وبعقلك سرحتي .
استرعي انتباهه فعقب : اشنوا معايا يا لحاج كا تدوي.
اعادالحاج سؤاله : صحابك ما قالوا والو
بوبكر : ها نتا كا تشوف حتى انا ما خلاتني نحل فمي .
ثم اعقب بعد صمت ازعج الحاج :
- ولكن تهنا راه غير يبيعوا صحابنا لي شدوا العربون لابد تبيع حتى هي غا تخاف تبقى بوحدها.
لم ينبس الحاج ولو بحرف حتى وصل عند سيارته الجيب التي ااندفع والجا ليحدثه من داخلها ،
- دير مجهودك باش ما يظنوا الناس بلي غار جيت ندي ارضهم انا راه بغيت نقاد البلاد .راه عندك التلفون.
وداس على محرك السيارة لينطلق مودعا بوبكر الذي لم يدع له هديرها فرصة ليرد على الرجل ، وضجيجها الرنان في أذنيه تكفل باخراسه.
سالت عائشة حين عود تها من الجمع تستوضح منها ما اتفق عليه الناس،
اسهبت المرأة في سرد ما وقع وتراجع احد هم عن البيع ، حتى اذا ما اطلعتها عن كل كبيرة وصغيرة. أعقبت عليها الأخرى.
- ونيني عطيتهم خسرتي ليهم البلانات ديالهم.
-الله يرزق الصحة والسلامة انا خايفة غير ابيعوا او نبقى بوحدي .
-واش فيها لو بعتي ياك غادي تصلح الأرض او تولي خضرا او تشدي حتى نتي شويا دلفلوس.
مي هنية :الفلوس غا يساليو اما الأرض لي فرطي فيها مشات محال واش ترجع .
عائشة :الناس مساكن على قلت شي كا يضعفوا قدام الفلوس كا يوليو بحال العميان .
تناهى الى مسا معهما ما يشبه النداء في الخارج فهرولتا لاستطلاع الأمر،
كان العربي يتجول في المكان وهويقول:
الناس ما بقات فيهم لاغيرة ولا همة على بلادهم
الكل ناوي يهاجر يتغرب . و نساو خير البلاد عليهم
قلت شي رشاتهم الفقر والعوز ضعفهم
لاحفظوا ما يورثوه ولا فهموا فين رواحهم
لاعطفوا على عديم الأمل ولارحموا الضعيف منهم
بنادم سكنوا الوهن ما يفكرغير في كرشوا
هذا يلعن فقلة حيلتوا والآخر ما هموا غير راسوا ،
وخا على حساب ناسوا.
الصبر معدوم، والقنع هجر النفوس
ولا رحمة فالقلوب
الحب مقرون بالدرهم
لامن ادير بحسابا لمسكين ولا يرفق به ويحن،
غير نهش في او ننهش فيك،
ما بقات لا ذ مة ولا اما ن،
كيتك يا مسكين نتا لي ممحن .
في اواخر العشرينات من عمره يتيم ووحيد في بيت ورثه عن والديه غريب التصرفات تارة تحسبه اعقل الناس وطورا تخاله مجنونا بعتهانه الذي يثير الاستغراب ، مدمن على التدخين يتعاطى لشمة السيليسيون خلسة في حال ان توفرت له ، يخفي وراء ابتسامته الساخرة حزن وحدته ، بالرغم من العناية والعطف الذي لم تبخل بهما مي هنية تجاهه، يعتبر في نظرها اعقل الناس وحكيما بتعليقاته ، كثيرا ما يتعرض للتعنيف نتيجة وقاحة الفاضه ورعونة لغطه الذي يشوبه الاستهزاء، ونادرا ما يتصف بالاتزان، جرئ بقول الحقيقة المرة التي قد تكشف عيب احد ما . اضافه لألفاضه التي يعلق بها على احد تجاوز حده. ربما اكتسب ذلك لكثرة انحشاره بين من هم الأكبرسنا واحتكاكه بهم،اذ لا يعيرون لبعض لغيه أي اهتمام، أوربما ألهم ذلك من جراء حالته النفسية واحساسه بالوحدة . وهو بسيط ، سهل الانقياد بطيبته العفوية لكنه حذر عندما يتوجس من غيره.
- شكون لي يفهمك نتا بعدا عقل منهم او كا يقولوا ليك البوهالي.
عقبت مي هنية بعد أن غار عن ناظريها . وقد كانت تنادي عليه دون أن يسمعها .
- ما تديها فكلاموا علاه غا يسمع ليه حد مسكين. فندت عائشة رأيها لدنو اهميته في الدوار.
- لي ما كا يسمع الكلام غير صمك، كلاموا معنى اوعبرة.
و انبرت تسرد لها فائدة الانسان في مجتمعه وما يكسبه من محبة الناس واعجابهم ، مثل الكاتب الذي يستهوي بأسلوبه القراء لحسن ما تحتويه كتابته من قصص جميلة.او مقال يعبر فيه عن فكرة ما أو رأي يبديه في قضية ما تشغل بال العامة وقدرته على تغيير نظرة المجتمع وتبصيره بما كان يجهله ،
دلتها عن فائدة المغني الذي يرفه على النفوس المكتئبة بغنائه وحسن ادائه وتميز كلمات اغنيته . لأن الناس لا يهمهم الشخص بذاته بقدرنظرتهم اليه من خلال موهبته أو حالة استثنا ئية يتفوق بها . فيهم من يبقى خالدا في النفوس. ومنهم من يمر مرور الكرام وينتهي اثره ، وكل ذلك حسب عبقريته وحنكته في ما يحترفه. وهناك ايضا من لم يسطع على الاستمرار لسبب ما اقوى منه، اضطره لأن يأ فل نجمه رغما عنه ، تتدني صورته عند الناس . فلا يجد حتى من يعير له اي اهتمام . ويكون كذكريات ماض يتباهى بها امام الناس ، لتكون له السلوى في ما يعانيه من تصغير وتبخيسهم له ولكفائته ، ثم أشارت الى صيت الفقيه وصفته وما يجدر أن يبديه الانسان تجاهه، من احترام وتبجيل بقدر ما تظهره لهم حسن سيرته . واتباع ما يسديه من نصائح لمن يأمهم ، لأن الأحرى ان يتبع الانسان ما يقول لا ما يفعل، ناهيك عن نواقصه ، لأنه انسان معرص للخطأ.
استطردت الفتاة تحدثها عما يتخذه البعض قدوة لهم، وبالاخص عند الشباب، مثل فنان مشهور يقلدونه حتى في لباسه وحركاته وان كانت تثير الاستهجان او تتعارض مع التقاليد التي لم يعد لها اي اعتبار عند ثلة من الشباب ان لم نقل كلهم ..
مي هنية : بحال هدوك لي كا يبانوا فالتلفزة كا نشوفهم ، كا يبانوا فيها بزاف تقول هم صحاب
التلفزة.
عائشة: راه هدوك لي فالتلفزة صحاب السعد عندهم الزهر او المعرفة او قدام فالحرفة ..
للناس اذواق، كما لهم مطامح رغم تفاوت المعرفة من شخص الى آخر، والأنكى هو أن يتمسك الانسان باحتكاره واهما بحسن بالمامه دون الأخذ برأي الآخرين ، فهناك من يدري انه لا يدري وانما على سبيل التجربة لا يتفطن حتى ينساق دون وعي لما يقدم عليه ولو عرف في قرارة نفسه انه هباء، بل يبرر ذلك بطبع بالتجديد ولو على حساب المبدأ أو الهوية ربما بسبب انبهار و ادعاء الاحتكاك والانفتاح على الآخرين، و كل ذلك يندرج في خانة ازدواجية المبدأ ، أو ربما يعد ذلك تمسكا دون وعي او ادراك تام بحقيقة ما يورد اليه، وعلى أي فلكل فيما يعشقه أرب .
وللاشالة في رغيهن أسهبن في اللكي كما هي عادة النساء، ولو كان ذا اهمية اكبر منهن ، طفقن في سبر
ما يستجد من اشياء لسن على علم بها، أصبحن ملمات بما يحدث بعد أن دخلت الصحون المقعرة كل البيوت، لا يجدر عليهن ان يتطفلن على ما ليس في مستواهن .
لم تعترف بعد بضعف المامها وانما تريد أن تظهر بمظهر الفاطن ، وعلى حسب رأيها، فانه لا يجدربأحد أن يحتكر لنفسه خصوصية، ويدعي اهليته بها على مدى الحياة . لذلك لم تدع عائشة تقنعها بالتعقيب الأخير وانما اجابت.
- علا ه غا تبقى ليهم بوحدهم خصهم اعلموا لي يخلفوهم.
- علاه كا يديروا فيها تنجارت اولا تحداد ت راه كا يوصلوها بالقراية او ما ساهلة. موحال تفهمي.
ولأن المرأة حشرية بحميائيتها تريد أن تبدي رأيها في كل شيء . لم تنثني رغم تنبيه الفتاة.
- الا ما فهمت نبقا فدار غفلون خصني نفهم ابنيتي حتى انا .او خصهم او ريونا لي ما عرفنا.
اصرت الصغيرة على رأيها لعل الأخرى تتخلى عما تعتقده وتؤمن به والذي لن يتغير، اذ عقبت :
- مالنا او مال داك شي بعيد علينا ارا بعدا نفكوا لي في أيدينا .
- ييه ابنيتي ولكن راه خصنا نعرفوا فين عايشين او مع من، واش من فايدة عندنا في الدنيا
وعلى راي المرأة فلكل دافعه ليستوجد كيانه حتى يعرف قيمته بين المحيطين به ، ويحاول أن يحد ث نفسه بنفسه، لا أن ينتظر حتى يعطف عليه الآخرين بحسنة.
وكما تابعت بعدها الفتاة فالقرية غير معروفة بتاتا، نظرا لبعدها عن الحياة الحضرية ،أوربما من افتقارها لمن يحدث عنها، لقد اصابت كبد الحقيقة ، لان الدوار شيه معزول حتى انه غير معروف ربما ذلك ناتج عن تهاون اهله الذين هدهم الركون، وركدت عزائمهم يستجدون امتراء المثري أوعطف الميسور، حتى اندثرت هممهم، وصارالفرد لا يطلب الا الحسنة ، كثر التملق والتعلق بالأوهام، وانتظار السراب يعشش في مخيلة كل واحد، ما عدا قليلا منهم يكدون من اجل لقمة عيشهم، فيما الآخرون لا هم لهم الا الاغتباء وسرد العيوب واتخاذها كمضغة تتداولها الشفاه فيما بينها.عم الوهن والعجز في النفوس حتى احيل الدوار الى قفار تنعدم فيه الحياة ، يخالها الوارد اطلالا مضى عليها الزمان وشرف..
لكن لابد ان ياتي يومها كما تامل مي هنية ..
- زيدي ندخلوا بحالنا ، ما بقا لينا ما نديروا هنا.
ولجن الى البيت بعد ان نفذت ذخيرة النقاش بينهما دون معرفة من هي اكثر اقناعا ، ولكن على ما يبدو فالفتاة قد استساغت سبب تمسك مي هنية بملاحظاتها التي تشوبها السلبية لحالة الاوضاع في المجتمع
والتشائم الذي تبديه ، لا شك انها توافقها في كل تحدثت عنه ونقدها للطريقة والكيفية المتبعة في الحياة العامة.
تعليق