تويت
جو كندا تسرق المعرض
باعتباري مدرساً لمادة الفنون ومولعاً بالألوان والزيوت ورائحة النفتالين فقد تطوعتُ بمحض إرادتي للإشراف على إقامة معارض مدرسية للطلاب والطالبات والمواهب الفنية تشجيعاً لهم حتى أن بعض طالبات الفنون النسوية تشتركن بهذا المعرض .
نقيمها في صالات العرض أو في صالات المدارس الثانوية المخصصة لذلك .
هذه المرة ،الصالة كبيرة ، امتلأت فيها اللوحات الزيتية والمائية والرسوم الكاريكاتورية والجبسية والنحت والتحف الفنية .
في منتصف الصالة ،طاولة كرة المضرب (بينغ بونغ ) دون شبكة ،وضعت عليها أعمال مميزة من الجبس والنحت والأعمال اليدوية ...الخ .
كالعادة كنت جالساً مع زميل لي هو المسؤول عن القاعة ،وراء طاولة بجانب الباب لاستقبال الضيوف ،حيث كنا على استعداد تام لشرح بعض اللوحات والإجابة عن أسئلتهم وملاحظاتهم .
كانت القاعة في الفترة الصباحية تعج بالحضور وبشكل خاص الطلاب والطالبات وحتى تلاميذ الابتدائي ، أما فترة المساء فكانت قليلة الجَلَبَة ومريحة وروادها يكاد يعدون على أصابع اليد.في هذا الوقت بالذات لفتَ انتباهنا قدوم فتاتين .
إحداهن تبدو عادية في ملامحها وشكلها، أما الأخرى فإنها تسحرك للوهلة الأولى ،تبدو أميرة ...ملكة ...لا بل جوكندا بذاتها ...نعم جوكندا- استنطقتها بشكل عفوي - قامة رشيقة ، ساقان يذكرانك بعارضات الأزياء الإيطاليات ، وجهٌ قمراءُ وأنف أقنى ...شعر مصفف شعرةٌ شعرة ،لاشك إنها بقيت ساعات حتى جعلت منه بهذا الشكل ...بنطال أبيض يكاد ينفتق عن لحمه البض ...رائحة البارفانات سبقت دخولها بمسافة ... أنها لوحة ...؟ أنها ... موديل ؟ نعم موديل بكل ماتعني هذه الكلمة من معنى ...
تحمل على كتفها البض حقيبة صغيرة مزركشة بخطوط ذهبية ، تضاءلت المسافة بيننا شيئاً فشيئاً دَنَتْ ...ألقتْ نظرة وسلمتْ بنأمة دون أن نلاحظ حركة شفيتها ...
- مرحباً ...
- أهلاً ...؟ أهلاً وسهلاً (وبحركة تلقائية) قلت : تفضلوا ... أما صديقي فقد كان مشدوهاً وقد فغر فاه ثم تنحنح وقال :
- ما هذا يا أستاذ ...؟! ...لكزته ...هُس ...(عيب) ؟ ما عليك إلا التمتع بالنظر فقط (قلتها مازحاً) .
استدار صوب آلة التسجيل ليضع كاسيت ((مونامور)) الحالمة ،ليحلم بذاك الجمال الرائع .
أما أنا فأصبحت أجوب بناظري من فترة الى أخرى على الحضور ، حتى إذا طلب مني أحد التعليق أكون مستعداً للنداء .
بعد فترة وجيزة استوقفني ملمحها-أقصد الجوكندا- وهي ماثلة أمام أحد الأعمال، تتأمل لوحة صغيرة هي عبارة عن جذع شجرة رُسم عليها بطريقة الحرق( بحروسفينة شراعية وسماء وشمس).أما صديقتها فكانت غير آبهة باللوحة
بالرغم من وقوفها بجانبها ، يتراقص لاحظاها يمنة ويسرة حيث يتراءى للمشاهد بأنها جاءت تختار عريساً لا أن تشاهد معرضاً .
في هذه اللحظة جاءتني طالبة تصطحب أختها الكبيرة لتطلب مني التعليق على بعض اللوحات .فتوجهتُ معهماالىاللوحات المراد توضيحها .
قالت الأخت: ما رأيك بألوان هذه اللوحة ؟
- هذه اللوحة ألوانها ضاربة الى الزرقة وفيها قوة الإضاءة والعتمة أن هذا الفنان يصور الوجوه بإتقان وبساطة .
- ( أشارت الى لوحة ثانية) وما رأيك بهذه ؟ .
- إن تشكيل هذه اللوحة البسيطة في ذاته يعتبر ويدل على أن صاحبها من الفنانين الجيدين ويمكن اعتبار هذه اللوحة قمة في الرسم الذي يجمع ما بين سحرالإضاءة وقوة اللون الذي يوحي بالاهتمام .
خطت بضع خطوات باتجاه لوحة أخرى وقالت : وهذه خاصة الوجوه،ما رأيك؟
- الوجوه في هذه اللوحة مألوفة والخيالات الظلية تطل على المدينة في خلفية اللوحة ، تتعرض لانتقاص جذري في سلم القيم ، إنها تُرشح النور في نهاية الظل وتبسط الظاهر.
- شكراً أستاذ ...
- ....
لدى اقترابي من الطاولة للجلوس ، تقدم شاب ليدوَن ملاحظاته في سجل الزيارات بعد التدوين ، شكرنا ثم صافحنا وغادر القاعة .
بعد ذلك عدتُ ثانيةً لجهة جوكندا وصديقتها أمام لوحة الحرق ولكنني لم
ألمحهن وتبين لي فراغ علىالجدار إذاً اللوحة غير موجودة في مكانها،أنها فُقِدَتْ ...؟
في هذا الجو المعرضي زارتني سحابةٌ كئيبة أقلقتني ونغصت تفكيري واحترت بالأمر، سألت ذاتي :
- هل أفتش جميع الحضور ؟
- لا ...لايجوز ذلك ، قد أتعرض لمشاكل أنا بغنىً عنها .
- ابتلع غضبك مثلما تبتلع لعابك .
- بالله عليك ألا تشك في ( ؟)
- بصراحة تتجه شكوكي الى فتاة واحدة ، فلِمَ أظلمُ البقية .
- انظر ، كيف تنتقل كالحرباء من لوحة الى أخرى ... أنظر ؟
- إذاً سأنتظرها وأمري لله ...
أخيراً وبعد انتظار ممل هاهي وصديقتها تتجهان نحوي-نحو الباب- للخروج بعد نهاية الجولة ، استدركتها قبل الخروج قائلاً :
- أليس لكِ ملاحظة على المعرض يا آنستي ...هذا السجل (أشرت إليه) سيكون له الشرف أن تكتبي فيه بعض ملاحظاتكِ .
ابتسمت بخبث وقالت : بكل سرور .
- خاصة وأنكِ وقفتِ أمام أجمل لوحةِ حرق.؟
فوجِئَتْ وردَ تْ بصوت متهدج :أيةُ لوحة ...؟
- لوحة (جذع الشجرة) البحر ...السفينة ...السماء...الشمس أنها رائعة أليس كذلك ؟
توردَت وجنتاها وكاد الدم ينبجس منها وقالت : رأيتني إذاً ، ثم استدارت
صوب صديقتها وابتسمت ثانية بدهاء وأردفت : بصراحة ...لوحة نادرة وجميلة.
أعجبتُ بها جداً وقد جلبتها معي لاستأذن منكم لأخذها، وبغنج قالت :اعتبرها
هديــــة أستاااااذ ....؟
ردَ صديقي دون استئذان ليغطي على إحراجها: عليكِ أن تأخذي قطعة من قلوب البشر لا أن تأخذي قطعة شجر .
تبدلت لهجتي حين تأكدتُ من الأمر بأنها فتاةٌ ألعبان .
- أرجعيها الى مكانها وشكراً لزيارتكِ ...
تدخل صديقي اللجوج ثانية وقد خُلبت عقله : اعتبريها هديــة ...ولكن مني ...نعم مني أنا وحدي ... وبغمزة من عينيه ... سأتكفل بإقناعه ... أنه معقد... اتركيه ...؟! لايفهم الجمال ...
ارتبكتْ ولم تسجل أيةُ كلمة بمناسبة زيارتها ، التفتتْ إليه ... شكرته وابتسمتْ وخرجتْ مع صديقتـهـا .
ماهين شيخاني
باعتباري مدرساً لمادة الفنون ومولعاً بالألوان والزيوت ورائحة النفتالين فقد تطوعتُ بمحض إرادتي للإشراف على إقامة معارض مدرسية للطلاب والطالبات والمواهب الفنية تشجيعاً لهم حتى أن بعض طالبات الفنون النسوية تشتركن بهذا المعرض .
نقيمها في صالات العرض أو في صالات المدارس الثانوية المخصصة لذلك .
هذه المرة ،الصالة كبيرة ، امتلأت فيها اللوحات الزيتية والمائية والرسوم الكاريكاتورية والجبسية والنحت والتحف الفنية .
في منتصف الصالة ،طاولة كرة المضرب (بينغ بونغ ) دون شبكة ،وضعت عليها أعمال مميزة من الجبس والنحت والأعمال اليدوية ...الخ .
كالعادة كنت جالساً مع زميل لي هو المسؤول عن القاعة ،وراء طاولة بجانب الباب لاستقبال الضيوف ،حيث كنا على استعداد تام لشرح بعض اللوحات والإجابة عن أسئلتهم وملاحظاتهم .
كانت القاعة في الفترة الصباحية تعج بالحضور وبشكل خاص الطلاب والطالبات وحتى تلاميذ الابتدائي ، أما فترة المساء فكانت قليلة الجَلَبَة ومريحة وروادها يكاد يعدون على أصابع اليد.في هذا الوقت بالذات لفتَ انتباهنا قدوم فتاتين .
إحداهن تبدو عادية في ملامحها وشكلها، أما الأخرى فإنها تسحرك للوهلة الأولى ،تبدو أميرة ...ملكة ...لا بل جوكندا بذاتها ...نعم جوكندا- استنطقتها بشكل عفوي - قامة رشيقة ، ساقان يذكرانك بعارضات الأزياء الإيطاليات ، وجهٌ قمراءُ وأنف أقنى ...شعر مصفف شعرةٌ شعرة ،لاشك إنها بقيت ساعات حتى جعلت منه بهذا الشكل ...بنطال أبيض يكاد ينفتق عن لحمه البض ...رائحة البارفانات سبقت دخولها بمسافة ... أنها لوحة ...؟ أنها ... موديل ؟ نعم موديل بكل ماتعني هذه الكلمة من معنى ...
تحمل على كتفها البض حقيبة صغيرة مزركشة بخطوط ذهبية ، تضاءلت المسافة بيننا شيئاً فشيئاً دَنَتْ ...ألقتْ نظرة وسلمتْ بنأمة دون أن نلاحظ حركة شفيتها ...
- مرحباً ...
- أهلاً ...؟ أهلاً وسهلاً (وبحركة تلقائية) قلت : تفضلوا ... أما صديقي فقد كان مشدوهاً وقد فغر فاه ثم تنحنح وقال :
- ما هذا يا أستاذ ...؟! ...لكزته ...هُس ...(عيب) ؟ ما عليك إلا التمتع بالنظر فقط (قلتها مازحاً) .
استدار صوب آلة التسجيل ليضع كاسيت ((مونامور)) الحالمة ،ليحلم بذاك الجمال الرائع .
أما أنا فأصبحت أجوب بناظري من فترة الى أخرى على الحضور ، حتى إذا طلب مني أحد التعليق أكون مستعداً للنداء .
بعد فترة وجيزة استوقفني ملمحها-أقصد الجوكندا- وهي ماثلة أمام أحد الأعمال، تتأمل لوحة صغيرة هي عبارة عن جذع شجرة رُسم عليها بطريقة الحرق( بحروسفينة شراعية وسماء وشمس).أما صديقتها فكانت غير آبهة باللوحة
بالرغم من وقوفها بجانبها ، يتراقص لاحظاها يمنة ويسرة حيث يتراءى للمشاهد بأنها جاءت تختار عريساً لا أن تشاهد معرضاً .
في هذه اللحظة جاءتني طالبة تصطحب أختها الكبيرة لتطلب مني التعليق على بعض اللوحات .فتوجهتُ معهماالىاللوحات المراد توضيحها .
قالت الأخت: ما رأيك بألوان هذه اللوحة ؟
- هذه اللوحة ألوانها ضاربة الى الزرقة وفيها قوة الإضاءة والعتمة أن هذا الفنان يصور الوجوه بإتقان وبساطة .
- ( أشارت الى لوحة ثانية) وما رأيك بهذه ؟ .
- إن تشكيل هذه اللوحة البسيطة في ذاته يعتبر ويدل على أن صاحبها من الفنانين الجيدين ويمكن اعتبار هذه اللوحة قمة في الرسم الذي يجمع ما بين سحرالإضاءة وقوة اللون الذي يوحي بالاهتمام .
خطت بضع خطوات باتجاه لوحة أخرى وقالت : وهذه خاصة الوجوه،ما رأيك؟
- الوجوه في هذه اللوحة مألوفة والخيالات الظلية تطل على المدينة في خلفية اللوحة ، تتعرض لانتقاص جذري في سلم القيم ، إنها تُرشح النور في نهاية الظل وتبسط الظاهر.
- شكراً أستاذ ...
- ....
لدى اقترابي من الطاولة للجلوس ، تقدم شاب ليدوَن ملاحظاته في سجل الزيارات بعد التدوين ، شكرنا ثم صافحنا وغادر القاعة .
بعد ذلك عدتُ ثانيةً لجهة جوكندا وصديقتها أمام لوحة الحرق ولكنني لم
ألمحهن وتبين لي فراغ علىالجدار إذاً اللوحة غير موجودة في مكانها،أنها فُقِدَتْ ...؟
في هذا الجو المعرضي زارتني سحابةٌ كئيبة أقلقتني ونغصت تفكيري واحترت بالأمر، سألت ذاتي :
- هل أفتش جميع الحضور ؟
- لا ...لايجوز ذلك ، قد أتعرض لمشاكل أنا بغنىً عنها .
- ابتلع غضبك مثلما تبتلع لعابك .
- بالله عليك ألا تشك في ( ؟)
- بصراحة تتجه شكوكي الى فتاة واحدة ، فلِمَ أظلمُ البقية .
- انظر ، كيف تنتقل كالحرباء من لوحة الى أخرى ... أنظر ؟
- إذاً سأنتظرها وأمري لله ...
أخيراً وبعد انتظار ممل هاهي وصديقتها تتجهان نحوي-نحو الباب- للخروج بعد نهاية الجولة ، استدركتها قبل الخروج قائلاً :
- أليس لكِ ملاحظة على المعرض يا آنستي ...هذا السجل (أشرت إليه) سيكون له الشرف أن تكتبي فيه بعض ملاحظاتكِ .
ابتسمت بخبث وقالت : بكل سرور .
- خاصة وأنكِ وقفتِ أمام أجمل لوحةِ حرق.؟
فوجِئَتْ وردَ تْ بصوت متهدج :أيةُ لوحة ...؟
- لوحة (جذع الشجرة) البحر ...السفينة ...السماء...الشمس أنها رائعة أليس كذلك ؟
توردَت وجنتاها وكاد الدم ينبجس منها وقالت : رأيتني إذاً ، ثم استدارت
صوب صديقتها وابتسمت ثانية بدهاء وأردفت : بصراحة ...لوحة نادرة وجميلة.
أعجبتُ بها جداً وقد جلبتها معي لاستأذن منكم لأخذها، وبغنج قالت :اعتبرها
هديــــة أستاااااذ ....؟
ردَ صديقي دون استئذان ليغطي على إحراجها: عليكِ أن تأخذي قطعة من قلوب البشر لا أن تأخذي قطعة شجر .
تبدلت لهجتي حين تأكدتُ من الأمر بأنها فتاةٌ ألعبان .
- أرجعيها الى مكانها وشكراً لزيارتكِ ...
تدخل صديقي اللجوج ثانية وقد خُلبت عقله : اعتبريها هديــة ...ولكن مني ...نعم مني أنا وحدي ... وبغمزة من عينيه ... سأتكفل بإقناعه ... أنه معقد... اتركيه ...؟! لايفهم الجمال ...
ارتبكتْ ولم تسجل أيةُ كلمة بمناسبة زيارتها ، التفتتْ إليه ... شكرته وابتسمتْ وخرجتْ مع صديقتـهـا .
ماهين شيخاني
تعليق