حلم كلبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الضيف حمراوي
    أديب وكاتب
    • 28-11-2008
    • 70

    حلم كلبة

    حلم كلبة
    [align=right]أنا كلبة ، تجري في عروقي دماء الكلاب ، ويدور بذهني ما يدور بأذهان الكلاب ، وأحب أن اتصف بما تتصف به الكلاب : الوفاء ، ملازمة الإنسان ؛ استمداد الأمان منه والحرص على أمنه ،مقابل لقمة العيش .
    الحر شديد ، أكاد أذوب كشمعة في أتون اللهب ، آه لو كان لصاحبي شأن ، لو كانت له يد في الكيس الكبير تصرف ما يجب أن يصرف ، على شؤون القصر ونازليه .. ولا حرج أن تبذر فالمال كان دوما مبذولا للقادر
    وأعادها إلى وعيها نباح كلاب ، فتحت عينيها في تكاسل ، وابتسمت ، كان النباح يأتي من تلفاز متهالك أبلى شر البلاء في مهام ومعارك جليلة ، أشهرها تنفيذ وعرقلة ، وإنجاح وإفشال الثورة الزراعية وأخواتها المتوفيات ويبدو من ظاهر حاله أن جوفه قد ضاق عن أمعائه فطرد معظمها إلى الخارج ، ورغم ذلك كان لا يزال يواصل لهاثه ، دوره النضالي التعبوي ، والتثقيفي على طريقة رجال ذلك العصر.وبفضله شاهدت الكلبة سويدة شريطا عن حياة الكلاب في الغرب :حقوقهم وأخلاقهم وواجباتهم:
    - من الحاكم هناك ومن المحكوم؟، من الإنسان ومن الكلب ؟ ما الفرق بين الكلب وصاحبه ؟ ومن الخادم ومن المخدوم ؟.
    وخشيت أن يجرها خيالها إلى أشياء تبكى العرسان وتضحك الثكالى.
    الفرق بين البشر والكلاب هناك يظهر في طريقة المشي فقط ؛ على اثنين أو على أربع ،أما الحقوق والكرامة والقانون فالجميع أمامه شيء واحد.
    أقبل صاحب البيت منهكا ساخطا ،ودون أن ينبه الكلبة المسكينة المنخرطة في لعبة الخيال الممتعة ، وفي غفلة منها أهداها ركلة قوية بكل ما أوتي من جهد جمعت مؤخرتها إلى صدرها ، عوت عواء من سقط من شاهق إلى فوهة بركان.وراحت عاوية يسحب ما بقي فيها من حياة، ما تفكك منها أو مات.بينما تخطى هو مكانها بعد أن ألقى فيه بصقة مستعيذا بالله ، يردد الكلب شيطان إذا ربض على الباب هجرته الملائكة أربعين يوما ، و إذا ولغ...
    وجدت سويدة قبوا مهجورا ، به برودة منعشة ، تمددت ، خف الألم بالتدريج ، وتذكرت كل المظالم التي ما انفكت تتعرض لها منذ أن ولدت في هذا البيت الثوري الفقير ، الذي لا يحوي شيئا إلا البؤس والجوع والشجار المستمر ، ولا يحسن سكانه من الحركات إلا الالتحام بالأيدي أو الرفس بالأرجل ،وقارنت بين حالها في هذا البيت وحال ما عرض أمامها في الشريط.
    وحنت إلى متابعة الشريط، واستقر بها المقام في بلد لا يظلم فيه أحد.
    - ما أسعدني، أنا سويدة المسكينة التي كانت تزاحم الصبية على لقمة العيش في المزابل وحاويات القمامة، مشردة بارزة العظام، أتمتع بكل هذه الخيرات ، طوق من جلد فاخر ، ودفء حمام به كل أنواع الصابون والعطور ، وأطعمة متنوعة رفيعة التعليب طيبة الرائحة ، في صحون نظيفة لامعة يكاد بريقها يخطف الابصار.وأمشاط ، وثياب وصدور تفيض عطفا وحنانا ، ورعاية صحية مستمرة آه أه.
    أنا سويدة المسكينة هنا ، في جمهورية الكلاب ، مخدومة مدللة ، أشارك في مسابقات ملكة جمال الكلاب ، لي دفتر خاص به اسمي ولقبي ، وسلالتي ، وجواز سفري ، يسأل عني سفراء الدول ، والسادة والقادة، ويحيوني بأصابعهم الرشيقة الرقيقة التي تحرك العالم.!!
    وقطع عليها حبل السعادة سعال مندفع من صدر صاحبها الذي كان يمر بالقرب من مخبئها وهو يلعن الحياة ومن فيها،واستعاد خيالها الوجه الثاني : صور الأطفال في سلاسل ممتدة من حلقات حول حاويات القمامة في الشوارع المهملة ، وسط الذباب المستثار ، والحرارة اللاسعة الغاضبة كأنها نفث صقر في وجوه الكلاب والبشر،الذين اصفرت منهم الوجوه، وتضعضعت الأجساد وغارت العيون المسكونة بالرعب
    و الخوف وعدم اليقين .
    أرادت أن تتأكد من أن عظامها قد سلمت ولم يكسر منها عظم ، فوقفت بهدوء المجرب ، واطمأنت.
    - أستطيع - معتمدة على قدراتي ومواهبي وجهدي الخاص - تحصيل لقمة العيش ، ويمكنني أن احصل على استقلالي وقد ذكر الشريط وجود منظمة حقوق الحيوان ، تحمي حقوق الكلاب في الحياة ، والعمل ، والكرامة.
    مرارة الفراق ذاتها ظلم ، كان يعيش بداخلها كل فرد من أفراد العائلة الفقيرة ، تفهم مشاعره وعواطفه وتستطيع التنبؤ بردود أفعاله وكان الصبيان والأطفال أكثرهم رفقا بها وأحبهم إلى قلبها ، لكنهم سرعان ما ينقلبون وتتبدل أمزجتهم كلما شبوا.
    كانت تعرف أن داخل كل كلب يعيش إنسان على الأقل، وكانت تعرف أن داخل كل إنسان توجد حيوانات وزواحف شتى.
    ورغم ذلك قررت الكلبة سويدة أن تهجر البيت ، وأن تبحث عن مأوى تأوي إليه ، وأن تبني مستقبلها .
    على أن يكون مأواها وراء البحر ، لابد أن تهاجر، لم يفصل الله بين الجنوب والشمال ،والشرق والغرب ببحار ومحيطات عبثا ، لابد أن يكون وراء هذا الفصل حكمة ، والظاهر أن العقل ، والعدل ، والكرامة اختارت أن تستقر هناك ، وعلى الراغب فيها أن يرحل إليها لاستحالة أن ترحل إليه.
    وفكرت في ثمن و طريقة الخلاص ، وهداها تفكيرها إلى أن تتسلل في غسق
    و غبش الليل ؛ أثناء صلاة المغرب وفي أثناء صلاة العشاء والفجر إلى أحذية المصلين المبعثرة أمام المسجد ؛ وتحمل كل يوم ما استطاعت حمله بين فكيها ؛ وتعيد بيعه لمن رغب بأثمان معقولة حتى تجمع أجرة الرحلة ، وتشتري تذكرة حرقة لا رجعة بعدها من إحدى وكالات "الحرقة"
    وتعبر مع العابرين ، آه ؛آه . وحتما لن تنسى الأطفال، وستبعث لهم هدايا في كل عيد.
    باشرت سويدة تنفيذ خطتها ، وهي تأمل في النجاة التي كانت تقترب كل يوم أكثر، رغم أن ضجر الناس وشكواهم واتهام بعضهم لبعض بسرقة الأحذية كان ينغص عليها حلمها أحيانا وكانت في بعض الليالي تهب مفزوعة من كوابيس مشؤومة مرعبة تزورها بغير سبب واضح.
    رصد أحد المصلين السارق ، فاكتشفه ، وأعلن للملإ نتيجة رصده : أن السارق شيطان ملعون في صورة كلبة سوداء ، يسكن قبوا مهجورا في احد أزقة المدينة القديمة، ومن ضاع منه حذاؤه فعليه به هناك ، ولا يتهمن به أحدا.
    وتصايح أصحاب الحقوق، والذين مست كرامتهم فساروا في المدينة حفاة، والذين اتهموا أبرياء ظلما وعدوانا ، والذين اُتهموا بغير ذنب، وساروا جميعا إلى قبو الشيطان ، وكل منهم يحمل آلة فناء ، وانجلت المعركة عن أحدهم وهو يغرز أنياب مذراة في بطن الكلبة وقد التصق جنباها فصارا جنبا واحدا والحائط الجنب الثاني.
    كانت الكلبة وهي تموت قد تعرفت على الكثير من أمثالها ، وعلى كثير ممن حالهم كحالها ولهم أحلام كأحلامها، وعبرت ، وقد انقضوا على الأحذية يتدافعون بمناكبهم كل يريد الفوز بزوج منها.[/align]
    الضيف حمراوي 18/06/2009
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    صدقنى أقف حائرا أمام هذا الإبداع
    القصة جميلة للغاية ، و لو أنها انتهت بمأساة !
    هل كنت تحكى عن كلبة .. أم إنسانة من لحم و دم
    فى عالمنا الفقير المتخلى عن حقوقه بفعل القوى الحاكمة
    و جهلها ، و وخوفها الذى أصبح مرضا عضالا !!

    اللغة كانت متناغمة ، و القص يسير بسلاسة و رشاقة مبهرة
    ربما هناك بعض الهنات فى الهمزات !
    استمتعت أخى المبدع بهذا العمل كثيرا كثيرا


    تحيتى و تقديرى
    sigpic

    تعليق

    • الضيف حمراوي
      أديب وكاتب
      • 28-11-2008
      • 70

      #3
      شكرا أيها الربيع ، يا صاحب النفس البديع ، شكرا على المرور وقد أزلت من أمامك بعضا مما شوش عليك القراءة .
      فضلك محفوظ ، ورعاك الله وأدام خيره فيك بداخلك وحولك وحيثما سرت تحياتي

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القدير
        الضيف حمراوي
        احزنني ماصار لسويداء
        هل لأنها عاشت مظلومة وماتت كذلك
        أم لأن موتها جاء مأساة
        وكم تشبه حياتها حياة الكثيرين!!
        سرد سلس ومغزى قوي جدا
        أحسنت زميلي
        تحياتي وودي
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • محمد مطيع صادق
          السيد سين
          • 29-04-2009
          • 179

          #5
          الأخ الكاتب الفاضل

          حقيقة أعجبت بلغتك وصورك الجميلة وإسقاطك الدقيق

          لكن ربما أحمل عليك أمورا منها

          بدايتك هذه

          أنا كلبة ، تجري في عروقي دماء الكلاب ، ويدور بذهني ما يدور بأذهان الكلاب ، وأحب أن اتصف بما تتصف به الكلاب
          لقد تفاجأت حقيقة بهذه البداية..أنا كلبة !! فقد انعدم فيها التدريج

          أما الأمر الثاني فلقد رأيت أنك خلطت بين النقل على لسانها والنقل على لسان الرواي

          ولو جمعت بين الأمرين ربما ستكون البداية اكثر توفيقا لو كانت هكذا مثلا

          سويداء كلبة تجري في عروقها دماء الكلاب ويدرو في ذهنها ما يدور...

          أتمنى أن تكون قد فهمت وجهة نظري ؟؟

          فيما يتعلق باللغة والوصف فقد أعجبني كثيرا فهو محكم ولا غبار عليه
          وقد نلت في ذلك وسامين من كبار الكتاب لدينا

          واقبل مني فائق الود والتقدير

          تعليق

          • عبد الرشيد حاجب
            أديب وكاتب
            • 20-06-2009
            • 803

            #6
            ماذا أقول لك يا أخي ؟ لقد أجدت فعلا مدعوما بلغة قوية ورؤية ثاقبة للوضع . لقد كنت صادقا حد العري ..لكنني لم أفهم صراحة قفزك على المراحل وتحميل المرحلة البومدينة ( الثورة الزراعية ) كل شيء !!
            أما على مستوى البناء ، فقد كان من السهل وضع شاب مكان الكلبة التي لم أر توظيفها قد أضاف للقصة من الوجهة الفنية شيئا ...فكوني أعيش هذا الواقع وأعرفه جيدا ...قرأت النص كما يجب أن يقرأ دون حاجة لحيوانات ..أما من لا يعرف الواقع الجزائري جيدا ، وحاول فهم النص أو دراسته فسوف يصطدم ببعض العقبات ...
            على كل النص جميل ومتماسك ، ويدل على التمكن ..وقد أحببت كثيرا هذه العبارة (كانت تعرف أن داخل كل كلب يعيش إنسان على الأقل، وكانت تعرف أن داخل كل إنسان توجد حيوانات وزواحف شتى.)

            محبتي وتقديري.
            "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

            تعليق

            • الضيف حمراوي
              أديب وكاتب
              • 28-11-2008
              • 70

              #7
              بومدين

              أشكر كل من مر وترك همسة؛ أو انطباعا، أو رأيا ، وأنا اعتز بكل الآراء المعجبة وغيرها ، فكل التفاتة اعتبرها تحية وسلاما ، ولكم مني جميعا السلام .
              وأجدني محتاجا إلى تقديم توضيح إلى الأخ الكريم عبد الرشيد حاجب لأنه أصدر ضدي حكما استنتجه من قراءة القصة أنا احمل نقيضه حين رأى أني أحمل المرحلة البومدينية كل شيء بينما منطوق القصة لا يقول ذلك ومغزاها لا يؤدي إليه ، أما قولك يا أخي أنك تعيش هذا الواقع وتعرفه جيدا ففيه بعض المبالغة لأنك تعيش بعض الواقع وتعرفه من منظور الزاوية التي ترى منها فقط وهي طبيعة الأشياء وحتمية المنطق.
              أما لماذا الكلبة بالضبط ، فذلك يدرك من طرف القارئ ومكونات القصة وأبعادها وإيحاءاتها وأنا لا أريد ولايحق لي أن أُأَطر القصة..
              أما إدانتي لمرحلة بومدين وهو الوخز الذي آلمني فأقول:
              عندما كان بومدين يعلن أنه يسعى إلى بناء دولة لا تزول بزوال الرجال ، كان يدرك أن الرجال بمعنى الرجولة الحقة والكاملة في طريقهم إلى الزوال .
              أنا لا أدين بومدين ، ولا عهد بومدين ولكني أدين من خذل بومدين و الوطن والأمة في عهد بومدين، الجوعى و الخماسة من أبناء هذا الشعب الذليل (صلاة العبيد) و المناضلين المزيفين ،والوطنيين المرائين ،والاشتراكيين الرأسماليين ... الذين قتلوا أحلام بومدين وآماله وطموحاته على الواقع قبل أن يجهزوا على جسده.
              بومدين هو الذي أخرج الشعب الجزائري من أكل الأسمدة الفاسدة بدودها العفن المحمولة إليه من مزابل كالفورنيا ،وستر عوراته بقماش أكياسها إلى شعب له أنفة، يحب بعضه بعضا أيما محبة، تحترمه الشعوب ،ويعتز بانتمائه إلى الجزائر.
              بومدين كان تاج العرب والعالم الثالث ، بنى دولة من عدم ، رغم أنف الأعداء المنبثين في المؤسسات والإدارات من الخونة ،وعبيد فرنسا ، ولقطائها ، المتربصين في كل زاوية ومنعطف يترصدون الفرصة السانحة للانقضاض على آخر الرجال.
              أنا لا أدين بومدين ولا عهده بل أجل شخصه ، وأجل إخلاصه لوطنه ، وشعبه ،ولغته وأمته ، أجله وأكبر فيه عواطفه النبيلة ، ومواقفه الصلبة الصلدة ، أنا اشتاق الآن إلى سماع رجل ينطق باسم دولتي على مسمع العالم يعلن له موقفا نبيلا مهيبا ويقول " قررنا".... و أرى القرار ينفذ في اليوم الموالي، أشتاق، أشتاق.
              أنا أجل بومدين ، أجله لماضيه ، وحاضره ، وأجله لأني رأيت مدى الفراغ الرهيب الذي تركه ، والهوة السحيقة التي تردينا فيها ، كنا أيامه ونحن أطفال ننتقل من مدينة إلى مدينة ، ومن دوار إلى دوار، ومن دشرة إلى دشرة بكل أمان فكل الجزائريين عائلة واحدة ، لقمة العيش واحدة ، العواطف واحدة ، والمشاعر واحدة ، والبيت واحدة رغم اختلاف الأمكنة.
              ونقيض هذا الشعور هو ما أحمله لكل من حول وطني إلى مستنقع من الأحقاد والضغائن، وأسس لكل ما عجزت فرنسا عن التأسيس له خلال 130سنة، وحول وطنا تربته عظام طاهرة معجونة بدماء زكية ترعاهما أرواح شهيدة ملائكية إلى مزرعة للمافيا، والانتهازيين، والسفلة الساقطين،والجهلة المتخلفين .
              أجل رجلا مات وهو على رأس دولة عملتها أقوى من عملة فرنسا وفي رصيده 7000.00 دج هو كل ما تركه لزوجته وأهله كميراث إلى جانب رصيد من القيم والفخار لا ينفذ ولا يبيد.
              شكرا لك أخي ومعذرة فأنا لم أدن فترة بومدين كما بدا لك ، ومعذرة أخرى فقد حرك انطباعك في جوانحي أشياء يؤلمني أن تستثار

              تعليق

              يعمل...
              X